التخلص من سموم التكنولوجيا لتعزيز السلامة الجسدية والنفسية والروحية

هل تشعر بالإرهاق من وسائل التواصل الاجتماعي أو تعاني من الإجهاد الناتج عن التحديق بالشاشة بعد أسبوع من حضور اجتماعات عبر الإنترنت؟ وهل تبرد يداك بعد قضاء ساعات في الكتابة، أو يتشوش ذهنك عند العمل بجوار جهاز توجيه الواي فاي (Wi-Fi)؟ إذا كان الأمر كذلك، فقد حان الوقت لتمنح جسدك استراحة من استعمال التكنولوجيا.



يمنح التخلص من سموم التكنولوجيا - أو ما يُعرَف بالـ "ديتوكس الرقمي" (digital detox) - خلايا الجسد راحة من إشعاعات ترددات الراديو، ومع أنَّنا ننصح بإيقاف تشغيل جميع الأجهزة ليلاً، إلا أنَّ معظم الناس ما زالوا غارقين في الحقول الكهرومغناطيسية طالما أنَّهم مستيقظون.

وأما الفائدة الأخرى التي تعود علينا من "الديتوكس الرقمي"، فهي إعادة ضبط مقدار انتباهنا؛ ففي ظل التشتيت الذي رافق عصر الهواتف والمعلومات، أصبح الحفاظ على تركيزك لفترة من الوقت بمنزلة قوة خارقة، في زمن يمارِس فيه الآخرون تعدُّد المهام حد الإصابة بالإرهاق الشديد.

عند الحصول على هاتين الفائدتين يمكن حدوث أمور رائعة، وستدهشك السهولة والتركيز اللذان ينبعان من العمل في بيئة تساعدك على الاسترخاء، وتخلِّصك من التشتيت.

متى وكيف تتخلص من سموم التكنولوجيا؟

حدد فترة زمنية تناسبك للابتعاد عن التكنولوجيا؛ فلا يملك بعض الناس خياراً سوى الابتعاد عن الأجهزة الرقمية ليوم واحد في الأسبوع، إذا كان عليهم استعمال التكنولوجيا من أجل العمل، وربما تخصيص ذلك اليوم لقضائه مع العائلة دون أي تشتيت، كما يمكنك تخصيص فترة زمنية أطول للتخلص من سموم التكنولوجيا، سواء خلال عطلة نهاية الأسبوع أم الإجازة العائلية.

وعندما تحدد يوماً مخصصاً للابتعاد عن التكنولوجيا، أوقف تشغيل جميع الأجهزة عند وقت النوم في الليلة السابقة، وأبعدها عن أنظارك إذا كان هناك احتمال بأن تجذبك. ستبقيهم في وضع إيقاف التشغيل حتى صباح اليوم الذي يلي يوم التخلص من سموم التكنولوجيا.

وأما الآن، فإليك الجزء الصعب من الأمر، الذي سيؤدي في النهاية إلى تعزيز إبداعك وإنتاجيتك؛ فإذا تمكَّنتَ من الاستمرار دون استعمال أيَّة شاشة، فستنال في المقابل الكثير من وقت الفراغ.

ومع الممارسة، سيدهشك ما سيحدث في الأيام التي خصصتَها للتخلص من سموم التكنولوجيا؛ إذ يمكنك قراءة الكتب وقضاء وقت ممتع مع العائلة والتنزه لمسافات طويلة في الطبيعة وإعداد وجبات شهية، وقد تستطيع فعل جميع الأمور هذه خلال اليوم ذاته أحياناً؛ لكنَّ ما يُسعد المرء كثيراً هو التأمل الذاتي التي يمكن أن يمتد لفترة طويلة دون أي تشتت للانتباه.

يضع الكثير منا أهدافاً للعام المقبل في نهاية كل عام، ويفيد اليوم الذي نخصصه للتخلص من سموم التكنولوجيا في مراجعة الأهداف هذه، وتحديد خطوات عمل للأسبوع الذي يليه؛ فيُعيد ذلك تركيزنا على الرؤية الأكبر التي حددناها للعام في أثناء إنجاز المهام الأسبوعية، الذي يُعَدُّ شرطاً أساسياً لتحقيقها.

قد لا يكون تسجيل الأهداف أمراً تحبذه، ولكن احتفظ بقلم ودفتر في متناول يديك؛ ذلك لأنَّ الأفكار الإبداعية تتدفق في الأيام المخصصة للتخلص من سموم التكنولوجيا؛ إذ يمكن أن يظهر ذلك على شكل حل لمشكلة أو فكرة للمستقبل.

لاحظ أنَّنا لا نتحدث عن الأفكار الحدسية التي تظهر فجأة في أثناء ممارسة التأمل العميق؛ بل تلك التي تظهر في أثناء غسل الأطباق أو الاستحمام؛ ففي الأيام الخاصة بالـ "ديتوكس الرقمي"، تنفتح أمامك خلال قضاء يوم عادي، بوابة من الوعي، وتنظِّم الأفكار ذاتها.

شاهد بالفديو: 10 وسائل فعّالة لحياة رقمية أكثر أماناً

الحالات الاستثنائية، وكيف يسعك تجنُّب الاستسلام لإغراء الأجهزة الرقمية:

قد لا يكون أحياناً الالتزام بالابتعاد عن التكنولوجيا ليوم أو فترة بالكامل أمراً ممكناً أو حتى مرغوباً فيه؛ فقد نضطر إلى التوقف مؤقتاً وتشغيل جهازنا إذا جُدوِل اجتماع هام على منصة "زووم" (Zoom) مثلاً؛ فإذا كان ذلك يحدث باستمرار في العمل، فأوقف تشغيل جهازك فور انتهائك كي لا تستسلم وتستعمله.

كما يمكنك اختيار ما إذا كان التلفاز يُعَدُّ أمراً شخصياً أو عائلياً تستمتعون به، أم أنَّ إدراجه تحت سياستك الصارمة للابتعاد عن جميع أنواع الشاشات هو الحل الأفضل.

يُعَدُّ الاستمتاع بمشاهدة فيلم مع العائلة استثناءً، لكن لا ننصح بمشاهدة حلقات عدة متتالية من مسلسل في جلسة واحدة، لا سيما عند مشاهدتها على تلفاز ذكي مزود بجهاز بث. يمكن أن تكون الألعاب اللوحية طريقة أكثر جدوى لقضاء الوقت وجهاً لوجه مع أفراد عائلتك.

بالإضافة إلى ذلك، تُعَدُّ أيام السفر وقتاً مثالياً للتخلص من سموم التكنولوجيا، مع أنَّك قد تحتاج إلى تشغيل هاتفك المحمول لتحديد الاتجاهات في أثناء القيادة أو لإدارة تذاكر الطيران الرقمية، وفي هذا الصدد، عليك تحديد مستوى التكنولوجيا الذي يُعَدُّ استعماله مقبولاً؛ فالاستماع للموسيقى أو كتاب صوتي عبر الهاتف المحمول أمرٌ معقولٌ للغاية، طالما أنَّك لا تشتت نفسك في استعمال تطبيقات أخرى.

وإذا احتجت هاتفك المحمول للحصول على المساعدة في رحلتك، مع أنَّ الإطار الزمني هذا مخصص للتخلص من سموم التكنولوجيا، فيمكنك تعطيل جميع الإشعارات، وتُبقي الهاتف في وضع الطيران كلما أمكن ذلك.

ما زال الكثير من الناس يستعملون أجهزة عدة لأغراض مختلفة، كالهواتف الأرضية وحفظ الموسيقى على أقراص مضغوطة والأفلام على أقراص "دي في دي" (DVD)؛ ولكنَّ أولئك الذين يعتمدون على أحدث التقنيات الرقمية كثيراً، هم أمام خيارَين: إما الابتعاد عن التكنولوجيا كلياً ليوم واحد، أو التمتع بإرادة من حديد تجعلك تستعمل جوانب معينة من التكنولوجيا، وتبتعد عن أخرى.

نصيحة احترافية أخيرة

إذا احتفظت بقوائم المهام على جهاز ما، فضع ملاحظة لاصقة في أماكن يسهل الوصول إليها، أو احمل دفتراً صغيراً في جيبك لتدوين الأفكار التي يمكن نقلها إلى جهازك الرقمي بعد انتهاء يوم "التخلص من سموم التكنولوجيا".

إقرأ أيضاً: كيف تساعد التكنولوجيا على تحسين الإنتاجية؟

العالم في انتظارك:

نحلم بعالم تنتقل فيه المعلومات لاسلكياً على نطاقات تردد متوافقة مع بُنى أجسامنا؛ فماذا لو تمكنَت البيانات من الانتقال على ترددات متوافقة مع "رنين شومان" (Schumann resonance)؟ فحتى مع حدوث ذلك، هل سنرغب حينها في الالتزام الدائم طوال الوقت في عالم يعمل فيه الإنسان؟ وما الذي سنخسره مقابل كل ما توفره لنا التكنولوجيا الحديثة؟

ليس عليك الانتظار لمعرفة ذلك؛ فالأفكار التي استعصى تحقيقها عليك، وتوفر وقتاً أكبر لتمضيه مع أحبائك، وصفاء الذهن الذي يزيدك سعادة، ستتمكن من معايشتها جميعاً بفضل رؤية تبتعد من خلالها عن الشاشات، وتتجه نحو قلبك؛ فالشاشة ساطعة؛ لكنَّ روح الإنسان أشد سطوعاً وإشراقاً.

المصدر




مقالات مرتبطة