التخدير الطبي: أنواعه ومضاعفاته واستخداماته ومخاطره ومدته

لو تساءلنا كيف يمكن للأطباء إجراء العمليات الجراحية الصعبة كعملية زرع الأعضاء ونقلها، أو عمليات القلب المفتوح، أو عمليات استئصال أورام الدماغ، لو لم يكن هناك اكتشاف طبي اسمه "التخدير"؟ في هذا المقال أعزاءنا القُراء سنحدثكم عن التخدير الطبي، وأنواعه، واستخداماته، ومضاعفاته، ومخاطره، ومدته.



ما هو التخدير الطبي؟

هو إجراء طبي يقوم به الطبيب المُختص بالتخدير قبل البدء بالعملية الأساسية، والهدف منه وضع المريض في حالة فقدان للإحساس الجزئي أو الكلي، ويمكن أن يترافق ذلك مع فقدان الوعي؛ إذ لا يشعر المريض بأي ألم، الأمر الذي يسهل العملية الجراحية التي سيخضع لها، وبينما يكون المريض تحت تأثير التخدير فإنَّ الطبيب المُخدِّر يقوم بمراقبة جميع الوظائف الحيوية له، بالإضافة إلى مراقبة عملية التنفس، والتحكم بها.

اكتُشِفَ التخدير في أربعينات القرن التاسع عشر وفي الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديداً عندما بُدئ باستخدام أوكسيد النيتروز -أو ما يُعرف باسم "غاز الضحك"- وغاز الأثير بغرض التخدير خلال القيام بالعمليات الجراحية؛ وخلال التاريخ البشري كانت هناك الكثير من المحاولات والتجارب لتخفيف الألم وتسكينه؛ عن طريق المواد الكيميائية كالخمر، أو عن طريق استعمال بعض النباتات مثل الأفيون، ولكنَّ هذه المحاولات لم تكن كافية تماماً في تسكين الأوجاع وخاصةً عند الخضوع للعمليات الجراحية.

أنواع التخدير الطبي:

هنالك العديد من أنواع التخدير نذكر منها:

1. التخدير الكامل:

إنَّ التخدير الكامل يُعدُّ من أقوى أنواع التخدير، وأكثرها استخداماً عند إجراء العمليات الجراحية الكبيرة، ويحدث في هذا النوع من التخدير غيبوبة وفقدان للوعي لفترةٍ مؤقتة ومحدودة، وذلك نتيجة قيام طبيب التخدير، أو الممرض المُختص بالتخدير بإعطاء المريض الأدوية المخدرة والمُسكنة، عن طريق الوريد، أو من خلال استنشاقها على شكل غاز بواسطة قناع، ويبدأ مفعول هذه الأدوية بسرعة؛ إذ يفقد المريض وعيه بشكلٍ كامل خلال دقائق معدودة، بهدف تمكن الطبيب الجراح من القيام بالعملية اللازمة للمريض دون أن يشعر بأي ألم، كما أنَّ هذه الأدوية ستجعل المريض لا يتذكر أي شيء حدث له أثناء العملية؛ ذلك لأنَّها تسبب فقدان الذاكرة، كما أنَّها تمنع حركة العضلات وتشلها خلال العملية، بما فيها العضلات المسؤولة عن التنفس؛ لذلك يقوم طبيب التخدير بتركيب جهاز تنفس اصطناعي للمريض، الغرض منه القيام بعمل العضلات التي تُساعد في عمليتي الشهيق والزفير.

يجرى التخدير الكامل في الحالات التالية:

  1. عندما تكون العملية مؤلمة جداً.
  2. عندما تكون العملية مؤثرة في عملية التنفس.
  3. عندما تتضمن العملية عضواً أساسياً في الجسم مثل: الدماغ، أو القلب.
  4. إذا كانت العملية ستسبب نزيفاً شديداً في الجسم.
  5. عندما تجرى العملية على مساحةٍ واسعةٍ من الجسم.
  6. في حال كانت العملية تسبب توتراً شديداً للمريض.
  7. عندما تستغرق العملية ساعات طويلة.

ولكن في حال كانت العملية الجراحية تُجرى على مساحةٍ صغيرةٍ من الجسم، أو كانت الفترة الزمنية لإجراء العملية قصيرة، عندها لا ينصح الطبيب بالاعتماد على هذا النوع من التخدير، وإنَّما يلجأ إلى التخدير بطرق تخدير أخرى يُحددها تبعاً للعملية الجراحية التي ستُجرى.

إقرأ أيضاً: 6 معلومات هامة عن الإسعافات الأولية

2. التخدير الموضعي:

لا يدوم تأثير التخدير الموضعي فترةً طويلةً من الوقت، وهذا النوع من التخدير يمنع الاحساس بالألم في المنطقة التي ستخضع للعمل الجراحي فقط، كما أنَّ التخدير الموضعي لا يسبب فقدان الوعي الكامل، بل يبقى المريض مُستيقظاً، وعادةً ما تُعطى أدوية التخدير الموضعي بشكل رذاذ، أو حقنة، أو مرهم، لتخدير منطقة صغيرة من الجسم مثل: اليد، أو القدم، أو رقعة من الجلد، نتيجة تعطيل عمل النهايات العصبية في تلك المنطقة، وغالباً ما يستخدِمُ التخديرَ الموضعي أطباء الأمراض الجلدية، أو أطباء الأسنان؛ وتقسم مجموعة الأدوية المُستخدمة في التخدير الموضعي كيميائياً إلى نوعين رئيسين هما:

  1. مجموعة الأميدات: وتتضمن ميبيفاكائين، ليدوكائين، ارتيكائين، بوبيفاكائين، روبيفاكائين.
  2. مجموعة الإسترات: وتتضمن: بروكائين، الكوكائين، بنزوكائين، تتراكائين.

3. التخدير الناحي:

يمنع هذا النوع من أنواع التخدير الألم في منطقة العملية الجراحية، دون أن يكون هناك أي تأثير في وعي المريض؛ ولكنَّ المنطقة التي تُخدَّر -في هذا النوع- تكون أكبر من المنطقة التي تُخدَّر بواسطة التخدير الموضعي، وهناك عدة أنواع من التخدير الناحي، وهي:

  1. تخدير وريدي ناحي "إحصار بيير": وذلك عن طريق حقن مخدر موضعي مُخفَّف بالتسريب في الوريد، مع ربط الطرف برباط ضاغط، والهدف من ذلك منع رجوع المخدر إلى خارج الطرف.
  2. التخدير الارتشاحي: وذلك من خلال حقن كمية صغيرة من المخدر الموضعي في منطقة صغيرة لإيقاف أي إحساس ويكون مفعولها فورياً، مثل حالة غلق أو تمزق أو تهتك في الأنسجة.
  3. إحصار العصب المركزي: وذلك من خلال حقن مخدر موضعي في جزء من الجهاز العصبي المركزي، أو حوله.
  4. إحصار العصب الطرفي: وذلك من خلال حقن المخدر الموضعي بالقرب من مكان العصب الذي يمد منطقة معينة في الجسم بالإحساس، والجدير بالذكر أنَّ فاعلية الدواء هي التي تُحدد سرعة بدأ عمل المخدر، ومدة استمرار تأثيره.
  5. تخدير موضعي مجموعي: يُعطى المُخدر الموضعي عن طريق الوريد، أو الفم، وذلك لتخفيف ألم الاعتلال العصبي.
  6. تخدير انتباجي: يمكن أن يُستخدم أثناء عملية شفط الدهون؛ إذ تُحقن كمية كبيرة من مخدر موضعي مخفف بدرجةٍ كبيرة في النسيج تحت الجلد.

4. التخدير النخاعي:

ووظيفة هذا النوع من التخدير هي تخدير الجزء السفلي من جسم المريض بالكامل، من خلال حقن المادة المُخدرة في أسفل الظهر من خلال العمود الفقري، ويستخدم هذا النوع من التخدير في العمليات الجراحية للأطراف السفلية.

5. الرعاية التخديرية المراقبة:

يشبه هذا النوع من التخدير التخدير الكامل؛ لكن دون أن يكون هناك أي تأثير في وعي المريض، فالمريض الخاضع لهذا النوع من التخدير يبقى شبه نائم، أو مُستيقظاً خلال إجراء العمل الجراحي؛ ولكن وبعد انتهاء العملية وانتهاء أثر المُخدر، فإنَّ المريض لن يستطيع أن يتذكر ما حدث معه أثناء إجراء العملية، والجدير بالذكر أنَّ التخدير في هذا النوع يُعطى من خلال الوريد غالباً.

6. التخدير فوق الجافية "إبرة الظهر":

هذا النوع من التخدير يشبه التخدير النخاعي، وذلك من خلال حقن المادة المُخدرة في المنطقة المُحيطة بالحبل الشوكي، بواسطة استخدام إبرة صغيرة جداً مختلفة عن الإبرة المُستخدمة في الأنواع الأخرى من التخدير، كما أنَّ هذا النوع من التخدير غالباً ما يُستخدم للحد من آلام الولادة، أو في عمليات الجراحة للأطراف السفلية.

ما هي الآثار الجانبية للتخدير الكامل؟

يتسبب التخدير الكامل في الكثير الحالات بالعديد من الآثار الجانبية التي تختلف من مريضٍ إلى آخر، فهناك بعض المرضى الذين تُبدي أجسامهم ردود أفعال قوية عند إخضاعهم للتخدير الكامل، وهناك بعض المرضى الذين لا تبدي أجسامهم أي ردة فعل تجاه التخدير الكامل، وبعض المرضى تكون الآثار الجانبية التي يُعانون منها إثر التخدير الكامل طفيفةً للغاية، ولحسن الحظ أنَّ هذه الآثار الجانبية مؤقتة، أي تبدأ مباشرة بعد التخدير، وسرعان ما تختفي؛ فبعد الاستيقاظ من التخدير يمكن أن يشعر المريض بالتعب والإرهاق، ويمكن أن يكون ذلك مُترافقاً مع الآثار الجانبية التالية:

  1. فقدان الذاكرة المؤقت: ويحدث غالباً عند الأشخاص الذين يعانون من أمراضٍ بالرئة، أو القلب، أو المصابين بمرض الباركنسون، أو مرض الزهايمر.
  2. الشعور بالبرد المُترافق مع الرعشة، ويستمر ذلك لفترة زمنيةٍ قصيرة.
  3. الشعور بالدوار والدوخة، ويعالَج ذلك بإعطاء السوائل للمريض.
  4. ألم وكدمات في منطقة التنقيط الوريدي.
  5. التهاب في الحلق، وذلك بسبب وضع أنبوب التنفس.
  6. صعوبة في التبول.
  7. حكة في الجلد.
  8. جفاف في الفم.
  9. مشكلات في الفم والأسنان، مثل: حدوث شقوق في الشفتين واللثة.
  10. صعوبة الفطام عن جهاز التنفس الاصطناعي.
  11. آلام في العضلات.
  12. العلوص: يُعرف بأنَّه حالة تأخر عودة حركة الأمعاء إلى طبيعتها بعد إجراء العملية الجراحية؛ إذ تكون حركة الأمعاء غائبة أو بطيئة.
إقرأ أيضاً: 5 طرق لتخفيف آلام ما بعد الولادة

ما هي مضاعفات التخدير؟

من المُضاعفات التي يمكن أن تحدث للمريض:

  1. قصور في عملية التنفس.
  2. ارتفاع ضغط الدم أو انخفاضه.
  3. تباطؤ نبضات القلب أو تسارعها.
  4. حدوث سكتة قلبية أو سكتة دماغية.
  5. صداع في الرأس وضرر في الأعصاب؛ يعود سببه إلى وضعية المريض خلال إجراء العملية الجراحية.
  6. فرط الحرارة الخبيث: وهو عبارة عن حدوث ارتفاع سريع جداً في درجة الحرارة، وهي حالة طبية خطيرة جداً.
  7. الوعي تحت تأثير التخدير: وهو أسوأ المضاعفات التي يمكن أن يتعرض لها المريض الخاضع للعمل الجراحي، ويسمى بالوعي غير المقصود أثناء العملية الجراحية، فبسبب مُرخيات العضلات المُعطاة قبل البدء بالعملية، فإنَّ المريض لا يستطيع إخبار الطبيب أنَّه مُستيقظ ويشعر بالألم، ويمكن أن يتسبب ذلك في مشكلات نفسية طويلة الأمد؛ ولكن لحسن الحظ أنَّ هذه الظاهرة نادرة الحدوث جداً؛ ولكن من الصعب استنتاج صلات واضحة بينها وبين العوامل التالية:
    • الولادة القيصرية.
    • استخدام أدوية معينة.
    • الجراحة الطارئة.
    • الاكتئاب.
    • شرب الخمر يومياً.
    • مشكلات في الرئة أو القلب.
    • جرعات تخدير أقل من الجرعة المطلوب إعطائها خلال العملية.
    • خطأ طبيب التخدير، مثل عدم قياس مقدار التخدير في جسم المريض طوال فترة العمل الجراحي، أو عدم مراقبة المريض.

الأشخاص الأكثر عرضةً من غيرهم للإصابة بمضاعفات التخدير:

  1. مرضى القلب المُزمن.
  2. المرضى المصابون بالسكري.
  3. المدخنون ومُدمنو الخمر.
  4. المرضى المصابون بارتفاع ضغط الدم.
  5. الأطفال وكبار السن.
  6. مرضى الجهاز التنفسي.
  7. المرضى الذين يعانون من الحساسية لبعض أنواع الأدوية أو الأطعمة.

ما هي مخاطر التخدير؟

إنَّ التخدير بصفةٍ عامة آمن للغاية، ويستطيع جميع الأشخاص بما فيهم المرضى الذين يُعانون من حالاتٍ صحيةٍ حرجة من الخضوع للتخدير دون أن يتعرضوا إلى مشكلاتٍ خطرة، والجدير بالذكر أنَّ خطورة حدوث المضاعفات مرتبطة بشكلٍ مباشر بنوع العملية الجراحية التي سيخضع لها المريض، وصحته البدنية العامة، بالإضافة إلى نوع التخدير الذي سيستخدمه.

وختاماً، سنقدم إليكم بعض النصائح التي يمكن أن تساعد كل مريض في كيفية الاستعداد قبل العملية الجراحية؛ إذ يجب الالتزام بالأمور التالية قبل إجراء العملية بعدة أيام:

  1. التوقف عن التدخين؛ إذ يمكن أن يجعل المريض من التوقف المؤقت عن التدخين من أجل العملية فرصةً للإقلاع النهائي عن التدخين.
  2. التوقف عن تناول بعض الأدوية مثل الأدوية المُميعة للدم، ونذكر منها: الأسبرين.
  3. التوقف عن تناول المُكملات الغذائية، والفيتامينات، وبعض أنواع الأعشاب.
  4. إخبار الطبيب تاريخك الطبي كاملاً.

وفي يوم العملية الجراحية يجب أن يلتزم المريض بما يلي:

  1. تناول الأدوية المسموحة التي وصفها الطبيب مع رشفة من الماء.
  2. الامتناع عن تناول أي شراب أو طعام قبل الخضوع للعمل الجراحي لمدة 8 ساعات على الأقل، وذلك لمنع التقيؤ خلال العملية الذي يؤدي إلى الاختناق، وذات الرئة الاستنشاقي.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7




مقالات مرتبطة