التحرش الجنسي بالأطفال

التحرّش الجنسي بالأطفال أو ما يُسمَّى "بالبيدوفيليا" مُصطلح انتشر في الوقت الحاضر بشكلٍ كبير بعد أن كان طيّ الكتمان لوقتٍ كبير، وهو من المواضيع الحسّاسة والخطيرة والتي يجب على الأهل التنبُّه لها وحماية أطفالهم منها. ونظراً لأهمية هذا الموضوع الكبيرة آثرنا أن نتحدّث عنه، فقد حان الوقت لنرفع من وعينا للتصدي لهذه الجريمة والظاهرة الخطيرة، ونشر كل ما يتعلق بها لحماية أطفالنا وأطفال العالم من كل ما يمكن أن يدمّرهم أو يمس بمستقبلهم.



أوّلاً: تعريف التحرّش الجنسي

يعرف التحرّش الجنسي للطفل بأنّه: "محاولة الحصول على المُتعة الجنسيّة من الطفل أو الطفلة بغير إرادةٍ منه وبطريقةٍ سريّة. ويكون ذلك إمّا عن طريق المُلامسة الجنسيّة المُباشرة إلى عضو من الأعضاء الجسديّة ذات الدلالة الجنسيّة أو مُحاولة الدخول أو إتمام العمليّة نفسها أو مُمارسة الشُذوذ. أو بدون التلامُس مثل التعرية أمام الشخص أو إظهار التغيّرات الجنسيّة على الأعضاء الجنسيّة ومُلاحقة الطفل لكي يراها، أو تصوير الطفل في أوضاع مخلّة أو إرسال رسائل بريد إلكترونيّة تَعْرِض صور مخلّة أو حتّى الاقتراب من الشخص لمسافة تُضايق خصوصيته".

وقد يحدث ذلك من شخص غريب أو من شخص قريب من الأسرة وذلك يكون أكثر شيوعاً، وإذا ما حدث داخل إطار العائلة من خلال أشخاص مُحرَّمين على الطفل فيُعتَبَر خرق ونقد للتابو المجتمعي (المحظور في نظر المجتمع) حول وظائف العائلة، ويُسمّى سفاح القربى أو (قتل الروح) حسب المفاهيم النفسيّة وذلك لأنّ المعتدي يُفْتَرَض عادةً أن يكون حامي للطفل، ويُعرَف سفاح القربى حسب القانون على أنّه "مُلامسة جنسيّة مع قاصر أو قاصرة على يد أحد أفراد العائلة".

ويُقصد بهذا النوع من الاستغلال:

  • كشف الأعضاء التناسلية.
  • إزالة الملابس والثياب عن الطفل.
  • مُلامسة أو مُلاطفة جسديّة خاصّة.
  • التلصّص على طفل.
  • تعريضه لصور فاضحة، أو أفلام.
  • أعمال مشينة، غير أخلاقيّة كإجباره على التلفُّظ بألفاظ فاضحة.
  • اغتصاب.

ثانياً: كيفيّة وقوع التحرّش

يوجد عدّة مراحل لعمليّة التحرّش الجنسي بالطفل وهي:

1. المنحى:

إنّ الاعتداء الجنسي على الطفل عمل مقصود مع سبق الترصّد. وأوّل شروطه أن يختلي المعتدي بالطفل. ولتحقيق هذه الخلوة، عادةً ما يُغري المعتدي الطفل بدعوته إلى مُمارسة نشاط معيّن كالمشاركة في لعبة مثلاً.

ويسعى المعتدي عادةً في حالات التحرّش الجنسي من "أجانب" (أي من خارج نطاق العائلة) إلى إنشاء صلة بأم الطفل أو أحد ذويه قبل أن يَعْرِض الاعتناء بالطفل أو مرافقته إلى مكان ظاهره بريء للغاية كساحة لعب أو متنزّه عام مثلاً.

أمّا إذا صدرت المحاولة الأولى من بالغ قريب، كالأب أو زوج الأم أو أي قريب آخر، وصحبتها تطمينات مباشرة للطفل بأنّ الأمر لا بأس به ولا عيب فيه، فإنّها عادةً ما تُقابَل بالاستجابة لها. وذلك لأنّ الأطفال يميلون إلى الرضوخ لسلطة البالغين، خصوصاً البالغين المقرّبين لهم.

إلّا أنّ هذه الثقة "العمياء" من قِبَل الطفل تنحسر عند المحاولة الثانية وقد يُحاول الانسحاب، ولكنّ مؤامرة "السريّة" والتحذيرات المرافقة لها ستكون قد عملت عملها واستقرّت في نفس الطفل وسيحوِّل المتحرّش الأمر إلى لعبة "سرّنا الصغير" الذي يجب أن يبقى بيننا.

وتبدأ محاولات التحرّش عادةً بمداعبة المتحرّش للطفل أو أن يطلب منه لمس أعضائه الخاصّة محاولاً إقناعه بأنّ الأمر مجرَّد لعبة مسليّة وأنّهما سيشتريان بعض الحلوى التي يفضلها مثلاً حالما تنتهي اللعبة.

وهناك، للأسف، مَنْحَى آخر لا ينطوي على أيّ نوع من الرِقّة. فالمتحرّشون الأعنف والأقسى والأبعد انحرافاً يميلون لاستخدام أساليب العُنف والتهديد والخشونة لإخضاع الطفل جنسياً لنزواتهم. وفي هذه الحالات، قد يحمل الطفل تهديداتهم محمل الجد لا سيما إذا كان قد شهد مظاهر عنفهم ضدّ أمه أو أحد أفراد الأسرة الآخرين. ورغم أنّ للاعتداء الجنسي، بكل أشكاله، آثاراً عميقة ومريعة، إلّا أنّ التحرّش القَسْرِي يُخلِّف صدمة عميقة في نفس الطفل بسبب عنصر الخوف والعجز الإضافي.

2. التفاعل الجنسي:

إنّ التحرّش الجنسي بالأطفال، شأن كل سلوك إدماني آخر، له طابع تصاعدي مطّرد. فهو قد يبدأ بمداعبة الطفل أو ملامسته ولكنه سرعان ما يتحوّل إلى ممارسات جنسيّة أعمق.

3. السريّة:

إنّ المُحافظة على السرية هو أمر بالغ الأهميّة بالنسبة للمتحرّش لتلافي العواقب من جهة ولضمان استمرار السّطْوَة على ضحيّته من جهةٍ أخرى. فكلما ظلّ السر في طي الكتمان، كلما أمكنه مواصلة سلوكه المنحرف إزاء الضحيّة. ولأنّ المعتدي يعلم أنّ سلوكه مُخالف للقانون فإنّه يبذل كل ما في وسعه لإقناع الطفل بالعواقب الوخيمة التي ستقع إذا انكشف السر.

وقد يستخدم المعتدون الأكثر عنفاً تهديدات شخصيّة ضدّ الطفل أو يهددونه بإلحاق الضرر بمن يُحِب إذا أفشى السر. ولا غرابة أن يُؤْثِر الطفل الصمت بعد كل هذا التهديد والترويع.

والطفل عادةً يحتفظ بالسر دفيناً داخله حتّى يبلغ الألم درجةً لا يطيق احتمالها، والكثير من الأطفال لا يفشون السر طيلة حياتهم أو بعد سنين طويلة جدّاً، بل إنّ التجربة لبعضهم قد تبلغ من الخزي والألم درجة تدفع الطفل إلى نسيانها (أو دفنها في لا وعيه).

إقرأ أيضاً: 6 معلومات خاطئة حول التحرش الجنسي عند الطفل

ثالثاً: أسباب التحرّش الجنسي

إنّ أسباب التحرّش الجنسي بالأطفال عديدة منها:

  • الابتعاد عن القيم الدينية والخلقية وغياب دور الأسرة الأساسي في التربية والتنشئة الصحية.
  • اختفاء دور التربية والتعليم في المدارس والمعاهد الجامعية.
  • الفراغ الهائل الذي يعاني منه الشباب بسبب تفشّي البطالة واختفاء المساحات التي يُفرِّغ فيها الشباب طاقتهم.
  • انتشار الفضائيات والمواد التلفزيونية الإباحية واللاأخلاقية.
  • نقص التوعية الجنسيّة المطلوبة للأطفال في مُختلف الأعمار خاصةً الصغار.
  • حب الاستطلاع التي يتميّز بها الأطفال ممّا يجعلهم فريسة سهلة.
  • العامل الاقتصادي الذي قد يدفع العائلة إلى أن ينام كل أفراد أسرتها مع بعضهم في غرفة واحدة.
  • إرسال الأطفال بعمر صغير إلى العمل في أماكن غير آمنة.
  • غياب الرقابة الأبويّة عما يشاهده أطفالهم عبر وسائل العالم أو مواقع التواصل.
  • الإدمان والمخدرات والكحوليات.

رابعاً: عوامل تساعد على استمرار التحرش الجنسي

  • ضُعف طرق الملاحقة والعقاب وعدم تشريع عقوبات رادعة وقويّة ضدّ هذه الجريمة.
  • عدم تحرُّك المجتمع واستسلامه لهذه الجريمة خوفاً من الفضيحة.
  • التكتُّم من قِبَل الأهالي على هذه الجريمة.
  • وضع بعض أفراد المجتمع فوق أي سلطه أو مساءلة مثل الأب.

خامساً: عوامل تتعلّق بالطفل والتي تُسهل التغلّب عليه

  1. الطفل الغير متّزن عاطفياً أو المنبوذ أو الغير مرغوب فيه. وقد وُجِدَ أنّ الأم التي تعرّضت للتحرّش سابقاً أقل دعماً لطفلتها وكثيرة العقاب لها ممّا يعطى للطفلة شخصيّة قابلة للوقوع تحت ضغط أي متحرّش.
  2. الطفل الذي لا فكرة لديه أبداً عن التحرّش الجنسي.
  3. الثقة الزائدة في الكبار والتي يتم تربية الطفل عليها.
  4. تربية الطفل على الإجبار والخضوع الدائم.
  5. غياب البرامج التعليميّة والتثقيفيّة عن الجنس بالمفهوم الذي يُناسِب كل سن.
  6. طبيعة الطفل الفسيولوجيّة والنفسيّة التي لا تستطيع مقاومة المتحرّش.
  7. خوف الطفل من العقاب الجسدي.

سادساً: آثار التحرّش الجنسي على الطفل

هناك تأثيرات سلبيّة قريبة المدى وأخرى بعيدة المدى على الطفل نتيجة الاعتداء وهذه الآثار تنعكس على صحّة الطفل الجسديّة والنفسيّة ومن أهمّها:

1. اختلال الصورة الذاتيّة ونقص الثقة بالنفس:

حيث تعبّر الصورة الذاتيّة عن تصوّر الفرد لنفسه وإحساسه بذاته. كما تتضمّن إيمان الفرد بذاته واحترامه لها. وتتشكّل صورة الطفل عن ذاته إلى حدٍ كبير وفق تصوّره للطريقة التي ينظر إليه بها البالغون المحيطون به.

والصورة الذاتيّة للطفل تستبطن في عمقها آماله وتطلّعه إلى المستقبل. فقد برهنت الدراسات أنّ الجهود التي يبذلها المرء لتحسين صورته الذاتيّة تؤدّي إلى أداء أفضل وإنجازات أكبر في حياته. ولذلك فإنّ الاعتداء الذي يتعرّض له الطفل بأشكاله هو بمثابة المسمار الذي يُدَق في نعش صورته الذاتيّة واعتداده بنفسه ويقتلعها من الجذور. وللاعتداء ضربة موجعة يصعب تلافي آثارها في المستقبل ومنها:

  • الشعور بالذنب.
  • الانتهاك.
  • فقدان السيطرة.

وحتّى الأطفال الذين يحاولون التغلُّب على هذه المشاعر قد تعتريهم مخاوف أخرى منها:

  • الخوف من تكرار الاعتداء.
  • الخوف من كونهم السبب في الاعتداء.
  • الخوف من العلاقات المستقبليّة.

2. تأثيرات الاعتداء على المدى البعيد:

لا تنتهي مشكلة ومضاعفات الاعتداء بانتهاء المعتدي من عمليّة الاعتداء ولكن غالباً ما تمتد آثارها وتبقى طوال طفولة الضحيّة وأحياناً مراهقته وبلوغه وحتّى شيخوخته. ومن المشاكل الشائعة التي يتعرّض لها الأشخاص الذين كانوا ضحايا للاعتداء في طفولتهم هي:

ومع أنّ هذه التأثيرات قد لا تكون جليّة دائماً إلّا أنّها بالغة الأهميّة. فالدراسات طويلة الأمد للفاشلين والمشرّدين ومدمني المخدرات والعاهرات والمساجين ترسم صورة قاتمة كئيبة. فماضيهم ملطّخ بتجارب الاعتداء المريرة وشخصياتهم يطغى عليها ضعف الثقة بالنفس واختلال احترام الذات.

إقرأ أيضاً: خطوات الدعم النفسي والتربوي للطفل المُعتدى عليه جنسيّاً

سابعاً: كيف أعرف أنّ طفلي تعرّض للتحرّش الجنسي؟

هناك مجموعة من المؤشِّرات الجسديّة والعلامات النفسيّة والسلوكيّة المُفاجئة التي تظهر على الأطفال الذين تعرّضوا للتحرّش الجنسي، والتي يصعب على الوالدين اكتشافها، إلّا أنّ هذه الأعراض قد لا تكون بالضرورة ناتجة عن التحرّش الجنسي ولكنّ وجود عامل أو أكثر قد يُشيِر إلى حصول اعتداء جنسي أو أيّ مشكلة أخرى. ومن هذه المؤشّرات:

1. مؤشّرات جسديّة:

  • صعوبة في المشي أو الجلوس.
  • المعاناة من آلام في الرأس أو عظام الحوض أو العضلات بشكلٍ عام.
  • أوجاع في الأعضاء التناسلية.
  • ملابس ممزقة أو ملابس داخلية غير مرتبة أو متسخة.
  • ترك علامة على الملابس الداخلية ممّا يستدعي نزعها.

2. المؤشّرات النفسيّة السلوكيّة:

  • خوف غير طبيعي ومبالغ فيه من مكان أو شخص معيّن.
  • العزلة أو الانطواء المفاجئ، مع الصمت والتفكير الطويل.
  • المعاناة من أحلام مزعجة أو كوابيس متكرّرة مرّات كثيرة.
  • العدوانية والشراسة.
  • رسم الطفل لرسومات مخيفة، أو الإكثار من استخدام اللون الأسود والأحمر.
  • جرح النفس وإيذائها وكأنّه يلوم نفسه وغير راضي عنها.
  • التدخين والمخدّرات وتعاطي الكحول.
  • الاهتمام المفاجئ بالأمور الجنسيّة سواء من ناحية الكلمات أو التصرّفات.
  • الهروب من المنزل أو من المدرسة.
  • إظهار العواطف بشكل مبالغ فيه أو غير المتعوّد عليه.
  • العودة لتصرّفات لا تناسب عمره الزمني مثل مص الإصبع أو التبول اللاإرادي.
إقرأ أيضاً: 10 دلائل تُشير إلى احتماليّة تعرض طفلك للتحرش الجنسي

ثامناً: كيف نحمي أطفالنا من التحرّش الجنسي؟

  1. توعية الاطفال منذ الصغر وتعريفهم بأسماء أعضائهم التناسلية الحقيقية مثلها مثل بقية الجسد.
  2. مساعدة الطفل لكي يميّز بين الملامسة المحبّبة والملامسة المثيرة للشك والملامسة السريّة (السيئة).
  3. توعية الطفل حسب عمره وأنْ تكون مبسّطة جدّاً مع الصغار وبتوضيح أكثر مع الكبار.
  4. عدم السماح للأطفال أن يناموا بفراش واحد.
  5. تعليم الطفل أنّ جسده هو حقّه وملكه الخاص ولا يجب أن يراه أحد.
  6. مراقبة الأطفال عند اللعب خاصةً عندما يختلون بأنفسهم، وعدم السماح للأطفال باللعب مع الكبار والمراهقين.
  7. تعليم الطفل أنّ الانتهاك الجنسي ليست غلطته.
  8. حرص الوالدين وحذرهما الشديد أثناء ممارسة العلاقة الجنسية، وتعليم الأطفال ضرورة الاستئذان قبل الدخول عليهما.
  9. تشجيع الطفل على التحدّث والتواصل المفتوح مع والديه أو المعلّمة عن أيّ شيء قد يتعرّض له حتّى ولو تمّ تهديده أو هو قام بوعد أيّ شخص بتكتّم ذلك.
  10. الاستجابة للطفل والتأكّد من كلامه لأنّ الطفل غالباً لا يكذب في مثل هذه الأحوال وإنّما الذي يكذب هو الشخص المعتدي. وعدم التستُّر على الجاني أو تجنّب الكلام عنه بدعوى حماية الطفل لأنّ هذا لن يحميه.

ولوقاية الطفل من التحرّش الجنسي وذلك بالنسبة للأطفال في مرحلة الروضة والابتدائية:

  • سنة ونصف أو سنتين: درِّب ابنك على كلمة (عيب) كلّما ظهرت عورته أمام الآخرين.
  • في عمر الثلاث سنوات: تجنَّب أن ينظِّف ابنك شخص غير أهل للثقة. وعوِّد طفلك القوّة والشجاعة، وألّا يسمح لأحد بلمسه حتّى لو كان زميله أو قريبه.
  • أكبر من أربع سنوات: علِّم ابنك أن يُغلق على نفسه باب الحمّام قبل خلع ملابسه الداخلية.
  • في سن الخامسة: تحدَّث مع ابنك أن يمنع الآخرين من التحرّش به، عندما تشعر أنّه يفهم ما ستقوله له.

إنّ الثقافة والتوعية الجنسيّة شبه غائبة في مجتمعاتنا إمّا خوفاً من العيب والعار، أو للخجل من الحديث في هذا الموضوع الحساس. وبدلاً من أن نمنح أطفالنا تربية جنسية صحيحة ومتوازنة يلجأ الطفل لاكتسابها من مصادرها المشوّهة وغير الصحيحة، أو يمتنع في حال تعرُّضه لأيّ موقف قد يُستَغَل فيه جنسيّاً من التحدّث في هذا الموضوع مع والديه، ممّا يُلحِق بالطفل فيما بعد جرحين جسدي ونفسي من الصعب التخلّص منهما. لذلك يجب بث الوعي في الأهالي أوّلاً من أجل الحفاظ على الأطفال من أيّ خطر قد يتعرّضون له.

 

المصادر:




مقالات مرتبطة