التجارة الدولية وأسباب قيامها

تمثِّل التجارة الدولية إحدى الموضوعات المتميزة التي كثر الحديث عنها في الفكر الاقتصادي منذ العصور الأولى، فاتخذت معظم دول العالم العديد من الإجراءات والتدابير من أجل تنظيم تجارتها الخارجية بما يوافق الأهداف الاقتصادية المحددة في السياسة العامة ويخدمها بالنسبة إلى كلٍّ منها؛ فالتجارة الخارجية هي المكوِّن الرئيس للعلاقات الاقتصادية الدولية؛ فهي تربط دول العالم في منظومة اقتصادية دولية واحدة.



لقد عَرَفَت التجارة الدولية خلال العقود الأخيرة نمواً متسارعاً نتيجة اعتماد الدول نهجَ تعاونٍ وتكاملٍ واندماجٍ في النظام التجاري الدولي، فقد عملت على إزالة جميع الحواجز التي يمكن أن تقف في وجه حرية التجارة، وتوجهت نحو التحرير التجاري، إضافة إلى تجنبها نزعات الحماية واعتمادها سياسة الاكتفاء بالإنتاج الذاتي.

تمثِّل التجارة الدولية إحدى أهم الطرائق التي تعتمدها الدول للخروج من العزلة وإيجاد أسواق جديدة لتصريف السلع والمنتجات التي تقوم بإنتاجها والاستفادة من الفارق الموجود في الأسعار؛ أي الربح السريع الناتج عن استغلال ذلك الفرق، إضافة إلى وجود الحقيقة الاقتصادية التي تؤكد انعدام وجود اقتصاد مستقل أو يعيش وفق مبدأ الاكتفاء الذاتي تماماً، لا سيَّما في وقتنا الحاضر، ناهيك عن عَدِّ التجارة الخارجية أداة رئيسة من أدوات تحقيق التنمية الشاملة التي تسهم في رفع معدلات النمو الاقتصادي.

أولاً: تعريف التجارة الدولية

تمثِّل التجارة الدولية جزءاً أساسياً من علم الاقتصاد، فتعنى التجارة الخارجية - الدولية - بدراسة التعاملات الاقتصادية الدولية؛ أي الحركة الدولية للسلع والخدمات ورؤوس الأموال بين حكومات الدول أو بين الأفراد الموجودين أو المقيمين في وحدات سياسية مختلفة؛ فهي عبارة عن الوسائل التي تختارها الدولة للقيام بتجارتها الخارجية من أجل تحقيق الأهداف التي وضعتها سابقاً، وبتعبير أكثر دقة هي اختبار الدولة لواحد من اتجاهين رئيسين:

الاتجاه الأول:

الحرية التجارية أو الانفتاح الاقتصادي.

الاتجاه الثاني:

الحماية أو التقييد الاقتصادي.

عند اختيارها لأي من الاتجاهين تعمل الحكومات على توفير البيئة المناسبة لتنفيذ الاتجاه الذي اختارته، وذلك من ناحية إصدار القوانين والتشريعات واتخاذ كافة التدابير والإجراءات التي تسهل عملية وضعه موضع التطبيق.

تتعدد أشكال التبادل التجاري؛ فيوجد:

1. تبادل السلع:

مثل المنسوجات والمعدات والتجهيزات الثقيلة.

2. تبادل الخدمات:

مثل خدمات السياحة والنقل.

3. تبادل رأس المال:

مثل الاستثمارات الأجنبية من خلال إقامة المشروعات الجديدة.

4. تبادل الأيدي العاملة.

تختلف التجارة الدولية عن التجارة الداخلية في مجموعة من النقاط، أهمها:

1. حركة عوامل الإنتاج:

من المعروف أنَّ عوامل الإنتاج يمكن أن تنتقل بسهولة ضمن البلد الواحد من منطقة إلى منطقة أخرى، في حين يصعب ذلك في التجارة الدولية؛ فعوامل الإنتاج ضمن البلد الواحد تكون متعادلة، في حين أنَّ هذا التعادل غير متاح في السوق الخارجية.

مثلا العمال يستطيعون الانتقال من المنطقة التي تعطيهم أجراً منخفضاً إلى منطقة أخرى تعطيهم أجراً أعلى داخلياً، الأمر الذي يفسر عدم تساوي الأجور في البلد الواحد، في حين أنَّهم في انتقالهم من بلدهم إلى العمل في بلد آخر تواجههم مجموعة من القيود منها قانونية أو اقتصادية أو حتى ثقافية من ناحية اختلاف العادات والتقاليد واللغة، إضافة إلى صعوبة معرفتهم بالفرص المتاحة أمامهم في ذلك البلد الجديد على نحو كامل.

2. الاختلاف في النظام النقدي:

تتعامل الدول كلها ضمن حدودها بعملتها الوطنية؛ لذلك يمكن لأي فردين وإن كانا يقطنان في منطقتين مختلفتين داخل البلاد التعامل بعملة واحدة وبمنتهى السهولة في التجارة الداخلية، في حين لا يمكن لذلك أن يحدث في التجارة الدولية؛ إذ إنَّ لكل دولة نظامها النقدي الخاص بها وعملتها الخاصة كذلك؛ ويعني ذلك وجود مشكلة في الصرف الأجنبي، إضافة إلى وجود مشكلة الدول الأكثر تأثيراً ونفوذاً التي تكون عملاتها مقبولة على المستوى الدولي لدى المؤسسات والبنوك التي تقوم بتحويل العملات أكثر من دول أخرى مثل ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، في حين مثلاً لا تلقى عملات الدول الإفريقية القبول نفسه عالمياً.

3. اختلاف الأنظمة والقوانين والسياسات:

لكل دولة من الدول في العالم نظامها الخاص وقانونها الخاص المختلف عن الدول الأخرى، ويؤدي ذلك إلى قيام الدولة في السياسية الخارجية باتباع نظام خاص للتعاملات الخارجية مختلف عن نظام التعامل الداخلي.

4. البعد المكاني بين الأسواق:

تكمن المشكلة الكبرى في التجارة الدولية بانفصال الأسواق عن بعضها؛ إذ توجد صعوبة في النقل وتأمين المواصلات اللازمة والكافية واختلاف اللغة وعادات المجتمع وتقاليده، إضافة إلى الاختلاف الموجود في أذواق المستهلكين، وعلى الرغم من وجود تلك الاختلافات العديدة بين التجارة الداخلية والتجارة الخارجية يبقى الهدف الأساسي لكليهما إشباع حاجات الفرد وتحسين مستوى معيشته وتحقيق معدل نمو جيد.

شاهد بالفيديو: أكبر 5 تحديات في الاقتصاد العالمي الجديد وطرق مواجهتها

ثانياً: الأسباب التي دعت إلى قيام التجارة الدولية

يرتبط مفهومُ التخصصِ الدولي وتقسيم العمل بمفهوم التجارة الخارجية، فقد وُجِدَ التخصص في الحقيقة نتيجةً طبيعيةً لوجود التجارة الدولية وخلاف ذلك صحيح؛ فلولا وجود التجارة الدولية لما كان التخصص ولا سعت كل دولة إلى إنتاج ما تحتاج إليه من السلع والخدمات ذاتياً، حتى لو لم يكن باستطاعتها فعل ذلك ولم تقم علاقات تبادل وتعاون بينها؛ فالتخصُّصُ يقود إلى قيام تبادل؛ فكل فرد لا يستطيع إنتاج كل ما قد يحتاج إليه، ومن ثمَّ لا بدَّ من أن يقوم بالتعاون مع الأفراد الآخرين كي يستطيع تلبية ما يريد.

على العموم توجد مجموعة من الأسباب الهامة التي دفعت إلى القيام بالتجارة الدولية، أهمها:

1. اختلاف الموارد الطبيعة وظروف الإنتاج:

إنَّ الطبيعة المختلفة لكل دولة تؤدي بها إلى التخصص في إنتاج أشياء معينة مثل توافر كميات كبيرة من البترول في دول الخليج العربي كافة يجعلها تتخصص في إنتاج النفط ومشتقاته، كما قد تمتلك بعض الدول أراضٍ زراعية خصبة تجعلها تعتمدُ الزراعةَ في إنتاجها في المقام الأول، ويضاف إلى ذلك تأثير المناخ في تحديد ما ينتجه كل بلد؛ فعلى سبيل الذكر لا يمكن للقطن أن ينتج في بلد طقسه بارد، ومن ثمَّ سوف تضطر كل دولة للتعاملات التجارية مع غيرها من الدول كي تلبي احتياجات أفرادها ومتطلباتهم وتحقق الاكتفاء، وهو ما ندعوه بالتجارة الدولية.

2. حجم القوة العاملة في البلد:

في البلدان ذات الكثافة السكانية العالية يكون حجم القوى العاملة المعروضة كبير؛ على سبيل المثال: الصين، ومن ثمَّ تكون أجور العمل منخفضة أكثر من البلدان ذات الكثافة السكانية المنخفضة التي ترتفع فيها أجور الأيدي العاملة، لا سيَّما تلك الماهرة منها؛ لذا تُمثِّل غزارة العنصر البشري في دولة ما سبباً للتَّوسع في التجارة الدولية، فالاستثمارات تتجه نحو تلك البلدان للاستفادة من وجود سوق كبيرة أولاً، ولوجود قوى عاملة بأجور مقبولة أو منخفضة أحياناً.

كما يُعَدُّ موضوع الحاجة إلى الأيدي العاملة الماهرة سبباً في قيام التجارة الدولية؛ فقد يكون البلد الذي يحوي مشاريع صناعية يفتقر إلى الخبرات والمهارات والكفاءات المطلوبة للعمل؛ لذا سيكون من الضروري التعامل مع دول أخرى من أجل استقطاب ما يحتاج إليه من موارد بشرية.

3. اختلاف الأذواق بين الدول:

لو افترضنا أنَّ ثمة تشابهاً في الظروف المناخية والطبيعية والإنتاجية لدولتين، لكن يوجد اختلاف في أذواق أفرادها، فسوف تضطر إلى معاملة دول أخرى كي تلبي رغبات سكان البلاد واحتياجاتهم، ومثال ذلك المستهلك العربي الذي يفضل استخدام البضائع المستوردة ذات الجودة العالية حتى وإن كانت دولته تنتجه.

4. تكاليف النقل:

أحياناً تكون تكاليف نقل سلعة أو استيرادها من خارج الدولة أقل تكلفةً ممَّا لو أُنتِجَت على أرضها، فتُحسَب تلك الكلفة كالآتي:

السلعة القابلة للتصدير:

سعرها المحلي + تكاليف نقلها إلى الخارج = أقل من سعرها الدولي.

السلعة القابلة للاستيراد:

سعرها الدولي + تكاليف النقل الداخلي = أقل من سعرها المحلي.

5. توافر التكنولوجيا:

على سبيل المثال تستطيع الدول المتقدمة إنتاج السلع الرأسمالية مثل السيارات والآلات وغيرها بسبب التكنولوجيا التي تملكها والتي غالباً لا تكون متاحة للدولة النامية التي سوف تضطر إلى استيرادها من الدول المتقدمة، ومن ثمَّ إقامة تجارة دولية معها.

إقرأ أيضاً: اقتصاد السوق الاجتماعي وتجارب دولية فيه

6. ظهور المؤسسات الدولية التي تعمل في مجال النقد والتمويل والتنمية:

مثل (إلجات) الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة general agreement on traffs، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير IBRD

7. العولمة:

النظام العالمي الجديد الذي يحث على دخول العالم في بوتقة واحدة.

إقرأ أيضاً: التضخم الاقتصادي: مفهومه، وأسبابه، وآثاره، وطرق مكافحته

في الختام:

تسهم التجارة الدولية في زيادة النمو الاقتصادي من خلال إنشاء قيم مضافة والتي غالباً ما يُعبَّر عنها بحجم الصادرات من السلع والخدمات وأنواعها ومدى دخول التكنولوجيا في صناعتها، إضافة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية ومساهمتها الحقيقية في التنمية الذي يعني بدوره حصول تحسين في البناء الاقتصادي للدولة وتقليص معدل البطالة ورفع مستوى معيشة الأفراد وزيادة رفاهية المجتمع؛ فالتجارة الدولية تعدُّ أهم عامل من العوامل التي تعمل وتسهم في إثارة الثروة وهي من حيث المبدأ تقوم على تلبية الحاجات وتبادل المنافع بين الدول.




مقالات مرتبطة