البكاء في علم النفس

البكاء ظاهرة من الظواهر النفسية التي ما تزال مجهولة التفاصيل لدى الإنسان، وتعكس حزن القلب بواسطة العين كما يُقال؛ إذ إنَّها ظاهرة عامة لدى كل البشر كباراً وصغاراً ذكوراً وإناثاً، فقد يبكي الإنسان بسبب أو دون سبب، فلا يوجد معيار ثابت لذلك. دعونا نتعرَّف في هذا المقال إلى سيكولوجية البكاء، وفوائده، ومضاره، وممَّ تتألف الدموع التي نذرفها.



أولاً: ما هو البكاء؟

البكاء هو استجابة عاطفية لشعور ما يصيب الإنسان، وقد يكون شعوراً حزيناً أو ربما يكون شعوراً جميلاً، فهو يعبر عن المشاعر الداخلية للفرد، وعن هذه الاستجابة من خلال انهمار الدموع من العينين، وقد تختلف شدة هذه الدموع وكميتها باختلاف شدة الموقف، فالفرد الذي يبكي عند فقد عزيز على قلبه، يختلف في شدته ومدة البكاء وكمية الدموع عن الفرد الذي يبكي لأنَّه رسب في أحد امتحاناته.

ثانياً: ممَّ تتألف الدموع؟

الدموع عبارة عن سائل مالح يتألف من الماء والمخاط والزيت والبروتينات والمواد التي تحتوي على النتروجين، ويُشكِّل الملح نسبة 9% منها، وتُوجَد في الغدة الدمعية في المنطقة الخارجية من العين.

وهذه الدموع لها أنواع عدَّة وهي:

1- الدموع القاعدية (Basal Tears):

مهمتها الأساسية وقاية العين من الجفاف وهي غنية بالبروتين؛ إذ تقوم تُنظِّف العين وتزيِّتها عند كل رفة عين، ويُنتَج من 5 إلى 10 أونسات من هذه الدموع بشكل يومي، وتُصرَّف بواسطة الأنف؛ وهذا هو سبب سيلان الأنف عند البكاء.

2- الدموع اللاإرادية المنعكسة (Reflex Tears):

هي التي تنهمر بشكل لا إرادي لحماية العين وغسلها من تأثيرات معينة مثل الرياح المحملة بالغبار أو تقطيع البصل.

3- الدموع العاطفية (Emotional Tears):

تحتوي على مستويات عالية من "البرولاكتين" ومن هرمونات التوتر "الكورتيزول" وهرمون "الأدرينالين" أو كما يُعرَف باسم "الإبينفرين"؛ وهي دموع هامة في التواصل مع الآخرين.

شاهد: 5 ممارسات تجعلك سعيداً

ثانياً: أنواع البكاء

يختلف نوع البكاء باختلاف الشعور المرافق له، فيمكن أن نذكر الأنواع الآتية:

1- البكاء نتيجة الشعور بالألم:

معظم أنواع الألم يكون لها منشأ فيزيائي، ومثال ذلك المريض الذي يعاني من مرض مزمن لا شفاء منه أو حتى يحدث بسبب ألم خفيف في الرأس، ولكنَّ هذا لا ينفي أيضاً أنَّ هناك عوامل نفسية مثل القلق والغضب وحالات الاكتئاب - سواءً الدائمة أم العابرة - تكون سبباً هاماً أيضاً.

وبكاء الألم نجده عند الأفراد من مختلف الأعمار، فهو لا يفرق بين طفل صغير وبين فرد راشد وواعٍ، أو بين ذكر وأنثى، فالبكاء هنا هو رد فعل من الجسم نتيجة الشعور بألم.

2- البكاء نتيجة الشعور بالغضب:

 يعبِّر الغضب عموماً عن حالة عدم الرضى التي تصيب الإنسان، والتي غالباً ما تصيبه نتيجة تعرُّضه إلى ضغوطات الحياة المختلفة، مثل أوضاع عائلية معينة أو التعرُّض إلى الإهانة من قِبَل أحد ما، أو خسارة مادية، وغيرها من الأسباب، ويعجز الفرد عن معالجتها فلا يجد ضرورة للتعبير عن ذلك سوى الشعور بالبكاء، وتختلف شدة البكاء باختلاف شدة الموقف.

3- بكاء التوتر المستمر:

 التوتر والقلق حالة عامة لدى كل البشر، ولكن نجدها عند النساء أكثر من الرجال؛ وذلك بسبب طبيعة المرأة الحساسة والعاطفية، فتوجيه انتقاد ما لها بسبب عمل لم تقُم به بالشكل الصحيح مهما كان هذا العمل صغيراً، قد يؤدي بها إلى البكاء.

4- البكاء بسبب جلد الذات:

 قد يشعر الكثيرون من الأفراد بالذنب تجاه تصرفات أو أفعال قاموا بها وسببوا الضرر لأنفسهم ولغيرهم، فلا يتحملون هذه الأفكار وتبدأ مشاعرهم بالتحرك تجاه ذلك ويبدؤون بالبكاء.

5- البكاء بسبب التعاطف مع النفس:

قد ينظر بعض الأفراد نظرة الشفقة إلى أنفسهم، فيقولون مثلاً: نحن قليلو الحظ، ولا نملك السعادة ولن نجدها حتى؛ وهذا يجعل مشاعر الحزن والأسى تتملكهم شيئاً فشيئاً حتى تبدأ الدموع بالانهمار من تلقاء نفسها، ومثال ذلك سماع نبأ نجاح شخص آخر في تحقيق هدف لطالما حلم به هو، فبدلاً من الشعور بالسعادة من أجل ذلك الإنسان، تبدأ رحلة الظلمة في داخل الفرد وإلقاء اللوم على النفس في فشله وعدم قدرته على بلوغ النجاح الذي بلغه ذلك الفرد، أو قد يتعرَّض الفرد إلى حادث ما فيحزن على نفسه وهكذا.

6- بكاء بسبب الفرح:

هو الذي يحدث نتيجة الشعور بالسعادة المفرطة تجاه حدث ما، وهو من الأنواع التي لا تسبب ضرراً في صحة الإنسان ويمكن أن تُوصَف هذه الحالة بأنَّها قليلة الحدوث ولكنَّها موجودة بالتأكيد.

7- البكاء الخادع أو كما يسمى دموع التماسيح:

 يلجأ إليه بعض الأشخاص كوسيلة إلى الهروب من عقوبة ما أو لمساعدتهم على إقناع الآخرين بآرائهم ووجهات نظرهم، أو لاكتساب التعاطف معهم من قِبل الآخرين، مثل بكاء فتاة تريد من حبيبها أن يهتم بها أكثر أو بكاء طفل يريد الذهاب مع أمه إلى التنزه.

شاهد: 6 فوائد صحّية للبكاء

ثالثاً: ما هي فوائد البكاء؟

  • يساعد البكاء على التخفيف من حالات التوتر والقلق والخوف والغضب التي تصيب الإنسان في حالات كثيرة.
  • يساعد البكاء على زيادة إفراز هرمون "الإندورفين" المعروف بأنَّه مضاد للألم، وإحدى الهرمونات المسؤولة عن سعادة الإنسان، إلى جانب هرمونات أخرى مثل: "السيروتونين" و"الدوبامين" و"الأوكسيتوسين"، التي بمجملها تعمل على تحسين المزاج.
  • يساعد على المحافظة على صحة العين من خلال المساهمة في التخلُّص من السموم مثل الأتربة والجراثيم التي تهاجم العين وتسبب لها الالتهابات مثل التهاب الملتحمة والتهاب الجفن.
  • تساعد الدموع على النوم؛ إذ أشارت دراسة أُجريَت في عام 2016 إلى أنَّ إفراز الدموع من قِبل الأطفال يساعدهم على النوم، وأشارت إلى أنَّ ذلك يمكن أن ينطبق على الراشدين.
  • تحسين الرؤية؛ إذ تعمل الدموع على إبقاء العين رطبة وتمنع بذلك الأغشية المخاطية من الجفاف، وتحسن الرؤية.
  • تحافظ الدموع على نظافة الأنف؛ إذ إنَّ القنوات الدمعية ترتبط ارتباطاً مباشراً مع الأنف، والبكاء يحفز على طرد الجراثيم والبكتريا من العين والأنف على حد سواء.
  • تحتوي الدموع القاعدية على أنزيم يسمى "الليزوزيم"، الذي يُسرِّع هدم جدار الخلايا الخاصة ببعض الجراثيم؛ وهو بذلك يعمل على حماية العينين.
  • يساعد البكاء على التخلُّص من المشاعر السلبية وعودة التوازن إلى الفرد.
إقرأ أيضاً: 8 خطوات توصلك إلى حياة سعيدة بعيداً عن الأحزان والهموم

رابعاً: ما هي أضرار البكاء؟

  1. الإحساس باحترار داخل العينين: عند حدوث ذلك يجب على الفرد التوجه إلى زيارة طبيبه الخاص.
  2. الإصابة بآلام الرأس والصداع: إذ يسبب البكاء فقدان بعض السوائل، وهنا سوف تشعر بالضغط في جبهة الرأس، ويجب عليك عند حدوث ذلك شرب الماء، كما قد يسبب البكاء إثارة الجيوب الأنفية؛ وعندئذ يكون سبب الصداع الجيوب الأنفية، وفي هذه الحالة يتركز ألم الصداع بين العينين.
  3. يسبب البكاء انخفاضاً في ضغط الدم؛ إذ يسبب البكاء حالة طبية تسمى "النوبة الوعائية المبهمة" وعند حدوث هذه الحالة، ينخفض ضغط الدم مع انخفاض في ضربات القلب، وقد يتسبب ذلك بحالات إغماء للفرد، ولكن تجدر الإشارة إلى أنَّ حالات الإغماء هذه غير خطيرة على حياة الفرد.
  4. خشونة الصوت؛ إذ يضغط هرمون التوتر الذي يفرزه الجسم عند البكاء على الحبل الصوتي؛ وهذا ما يسبب تغييراً في الصوت ويزيد من خشونته.
  5. إذا كانت حالات البكاء مستمرة بسبب الأسباب النفسية مثل الاكتئاب أو الغضب المستمر والقلق، فعليك بزيارة طبيب نفسي.
  6. تورم العينين؛ إذ إنَّ الملح الموجود في الدموع يؤدي إلى احتباس في السوائل وانتفاخ العينين وتورمها، ويزيد من تدفق الدم إلى منطقة الوجه بأكمله؛ وهذا يؤدي إلى حدوق الاحمرار في الوجه.
  • سيلان الأنف والإصابة بحالة من الرشح المؤقت.
  • زيادة في نسبة هرمون "الكورتيزول" الضار بالجسم، الذي يعمل على تغيير تفاعلات جهاز المناعة ويثبط الجهاز الهضمي والجهاز التناسلي.
  • التأثير السلبي في بشرة الوجه بسبب نسبة الملح الموجودة في الدموع؛ إذ بيَّن الأطباء أنَّ الإفراط في البكاء قد يؤدي إلى تلف الشعيرات الدموية على الأمد الطويل.
  • إنَّ البكاء لا سيما قبل النوم يؤدي إلى التقليل من هرمون السعادة "السيروتونين" في المخ؛ إذ يؤثر في كل أجهزة الجسم عموماً سواءً الجهاز العصبي أم الهضمي.
  • ينجم عن البكاء - لا سيما قبل النوم - الشد في عضلات الجسم وبالأخص عظام الرقبة والظهر.

الخلاصة:

البكاء حالة بشرية طبيعية عامة لدى الجميع، يمكن أن تحدث لأسباب مختلفة عميقة أو سطحية، وعلى الرغم من الفوائد التي تحصل بسببه إلَّا أنَّها تُعَدُّ قليلة بالمقارنة مع مضاره على الإنسان؛ لذا يجب التقليل من البكاء قدر الإمكان، وتذكَّر أنَّ الله عز وجل موجود معنا في كل خطوة وهو القادر على التفريج عن همومنا جميعاً.

المصادر: 1،2،3،4،5




مقالات مرتبطة