الانحراف عن المسار المهني: تعريفه، وأسبابه، وطرق منعه

يستمر عديدٌ من المديرين التنفيذيين المميزين في تجاهل نقاط ضعفهم طالما أنَّ شركاتهم تحرز أهدافها، وفي المقابل يعتمد آخرون اعتماداً شديداً على نقاط قوَّةٍ معيَّنة، لكنَّهم يجدون بعد ذلك أنَّهم يفتقرون إلى كفاءات القيادة الضرورية حينما تتغير بيئات أعمالهم.



في إمكان عديدٍ من العوامل أن تؤدي إلى انحراف المسار المهني لأشخاصٍ كانوا في يومٍ من الأيام مديرين واعدين، لكنَّ قصة هؤلاء جميعاً واحدة؛ فملخَّص هذه القصة أنَّ نقاط ضعفهم بدأت تهيمن على نقاط قوَّتهم، وأنَّ المنظمات التي يعملون فيها لم تَعُد تراهم أشخاصاً موهوبين وأصحاب إمكاناتٍ واعدة مثلما كانوا من قبل، ولقد اكتشفَ هؤلاء المديرون فجأةً أنَّ حياتهم المهنية تنحرف عن مسارها، فماذا نُسمِّي ما حدث مع هؤلاء إذاً؟ لقد خاضوا تجربةً يمكِن أن نسميها "الانحراف عن المسار المهني".

على الرغم من أنَّ الزملاء يتنبَّؤون به غالباً، إلَّا أنَّ الانحراف عن المسار المهني يُفاجِئ المنحرفين عن مساراتهم المهنية، والذين لا يهتمون غالباً بالمشكلات التي أدَّت إلى الانحراف (أو يرفضون إصلاحها).

ما هو الانحراف عن المسار المهني؟

لقد خضع مفهوم الانحراف عن المسار المهني لدراساتٍ مُستفيضة منذ ثمانينيات القرن المنصرم، ومن خلال مقارنة المديرين التنفيذيين الذين نجحوا في الحفاظ على مساراتهم المهنية مع أولئك الذين انحرفوا عنها، تبيَّن أنَّ ثمَّة 5 مشكلات يُحتمَل أن تُعرقل مسيرة المرء المهنية.

لكن قبل الانتقال للحديث عن أشهر أسباب الانحراف عن المسارات المهنية، من الهام أن نُعرِّف "الانحراف عن المسار المهني" وأن نقارن القادة المنحرفين عن مساراتهم المهنية بالقادة الناجحين.

المديرون الناجحون هم أولئك الذين بلغوا مستوى المديرين العامين على الأقل، ولا زالوا مرشحين محتملين للترقية في نظرة مديري الإدارة العُليا، وفي المقابل، المديرون الذين انحرفوا عن مساراتهم المهنية هم أولئك الذين سُرِّحوا، أو خفِّضت رُتبهم، أو عاشوا فترةً من الركود المهني، وقبل وقوع الانحراف، كان المديرون الأعلى رُتَباً يرَون أنَّ الموظف الذي انحرف عن مساره المهني لديه إمكانية التطور، وإحراز إنجازات مذهلة، وتَبوَّأ مناصب قيادة، ولكن بعد ذلك وقع خطبٌ ما، وانحرفت المسيرة المهنية التي كانت تبدو واعدةً في يومٍ من الأيام.

إقرأ أيضاً: كيف تبذل أقصى ما في وسعك لتحقيق النجاح المهني في العمل؟

أشهر 5 أسباب تؤدي إلى انحراف المسارات المهنية:

إذا فهم قادة المنظمة معنى الانحراف عن المسار المهني وأشهر أسبابه، يصبح التنبؤ بانحراف الأشخاص الموهوبين أصحاب الإمكانات الواعدة عن مساراتهم المهنية ومنع حدوث ذلك أمرَين ممكنَين.

إنَّ معاناة المدير إحدى هذه المشكلات أيَّاً كانت، لا يهدد تطوره فحسب؛ بل يمكِن أن يوقف مسيرته المهنية نهائيَّاً، ولقد وجدَ الباحثون أنَّ أبرز 5 أسباب تؤدي إلى الانحراف عن المسار المهني هي:

  1. صعوبة التأقلم مع التغيير.
  2. صعوبة بناء فريق وقيادته.
  3. الإخفاق في إحراز النتائج المرجوة.
  4. غياب التوجه الاستراتيجي الشامل.
  5. صعوبة بناء علاقات شخصية.

كيف نحافظ على المسار المهني للشخص ونمنعه من الانحراف؟

ماذا يجب على القائد صاحب الإمكانات الواعدة أن يفعل إذاً؟ يبدأ منعُ المسار المهني من الانحراف بتحديد الأمور التي يجب عليك أن تحتاط منها، وفيما يلي 5 نصائح للحفاظ على مسيرةٍ مهنيَّةٍ واعدة:

1. سِر مع التيار:

بما أنَّ التغيُّر المستمر أضحى جزءاً حتميَّاً من أي عملٍ اليوم، تُقدِّر المنظمات أيَّما تقدير القادة المُتكيفين والمرنين الذين يتأقلمون مع التغيير ويتقبَّلونه، وفي المقابل يُعامَل الأشخاص الذين يقاومون التغيير معاملة أشخاصٍ عاجزين لا يدركون التوجهات السائدة في السوق بشكلٍ عام، حيث يصبح التعامل مع التغيير بشكلٍ إيجابي أسهل بشكلٍ عام إذا حُيِّد القادة الذين يقاومون التغيير أو فُصِلوا من أعمالهم.

لهذا السبب يواجه القادة التنفيذيون الناجحون التغيير في منظماتهم بمرونة، ويتحملون مسؤولية النمو والتطور، صحيح أنَّهم يرتكبون أخطاء كغيرهم، إلَّا أنَّ القدرة على التعلم من الأخطاء هي التي تميز المديرين التنفيذيين الناجحين عن أولئك الذين ينحرفون عن مساراتهم المهنية.

معظم القادة الذين ينحرفون عن مساراتهم المهنية يفعلون ذلك لأنَّهم لا يستطيعون التأقلم مع التغيير (أو غير راغبين فيه)، وقد يقاومون التغييرات لأنَّهم فهموا من نجاحاتهم السابقة أنَّهم لا يحتاجون إلى التغيير، وهم يخشون أن يؤدي أي تغييرٍ إلى الإخفاق، لكنَّ تعزيز القدرة على التأقلم مع التغيير تُعَدُّ ضروريَّةً جدَّاً للحفاظ على المسار المهني، ومقاومة القائد للتغيير لا تؤثر فيه فحسب؛ بل في مرؤوسيه أيضاً، وهو أمرٌ يُحتمَل أن يُعيق قدرتهم على التطور أيضاً، فمِن أجل الحفاظ على المسار المهني ومنعه من الانحراف اتَّبِع النصائح الآتية:

  • تأقلم مع التغيير، وتعلَّم منه، وتقبَّله بصفته أمراً ضروريَّاً لإحراز النجاح في المستقبل.
  • عزِّز قدرتك على قبول التغيير والتأقلم معه من خلال الإقدام على مزيدٍ من المجازفات المحسوبة، وخوض مواقف أو تولِّي أدوار غريبة، والسعي إلى التعافي من الإخفاقات واستخلاص العِبَر من الصِعاب.
  • حافِظ على التفاؤل والمرونة في وجه التغيير، والانتكاسات، وحالات الشك.
  • ركِّز الاهتمام على اكتساب مزيدٍ من القدرة على التأقلم من خلال تعلُّم كيفية خوض التغيير بشكلٍ أفضل.

2. أسِّس فرقاً أفضل:

يُعَدُّ تنظيم العمل الجماعي عملاً معقداً؛ إذ يجب على مدير الفريق الكفء أن يختار مجموعاتٍ من الناس، ويُطوِّرهم، ويثير تفاعلهم، ويحفزهم لإحراز هدفٍ مشترك، ولا تُعَدُّ هذه مَهمَّةً يسيرة، فقائد الفريق ليس مسؤولاً عن نتائجه فقط؛ بل عن نتائج الآخرين أيضاً.

قد يخفق القادة الذين يواجهون صعوبةً في بناء الفِرَق في تقديم النتائج التي وعدوا بإحرازها، وقد يشعر أعضاء الفريق بأنَّهم لا ينالون القيمة التي يستحقونها، مما يؤدي إلى خللٍ على مستوى العمل، ومغادرة الفريق في نهاية المطاف، إضافةً إلى ذلك، قد تلتصق بهؤلاء القادة صفة ضعف الإدارة، مما يمنع انتقالهم إلى قيادة فِرَق أعلى، فمِن أجل الحفاظ على المسار المهني ومنعه من الانحراف اتَّبِع النصيحتَين الآتيتَين:

  • عزِّز قدرتك على بناء فريق متعاون وقيادته، واغتنِم فرص قيادة مجموعات العمل أو إدارة مشروعٍ ضخم يحتاج إلى تضافر الجهود.
  • ابذُل ما في وسعك لتطوير الآخرين، وساعِد في تحديد أبرز الموهوبين في المنظمة والاحتفاظ بهم، حيث يركز المديرون الأذكياء الانتباه على تطوير مواهب الموظفين، لا سيَّما الذين يتبعون مباشرةً لهم.
إقرأ أيضاً: كيف تبني فريق عمل؟

3. قَدِّم نتائج مميزة:

يُسهم القادة الذين تحركهم الرغبة في إحراز نتائج مميزة إسهاماً أساسيَّاً في تقديم المنظمة أداءً جيداً، وتؤثِّر قدرة المدير التنفيذي على إحراز الأهداف الأساسية بدقة في تحديد طبيعة نظرات الآخرين إليه، إضافةً إلى النتائج النهائية التي تحرزها المنظمة، وفي المقابل قد تفقد أفضل النوايا أدنى قيمةٍ لها حينما يخفق القادة في تلبية التوقعات على صعيد الأداء بسبب عدم الوفاء بالوعود أو الإفراط في الطموح.

قد يُعَدُّ الإخفاق في إحراز النتائج المتوقعة خيانةً للثقة، وقد يجعل المسار المهني للقائد عُرضةً للانحراف، لأنَّه وعد بتحقيق أمور ربما كانت تفوق مستواه دون أن يُدرك ذلك، وحتى لو كان الشخص يعامِل الناس معاملةً رائعة ويحظى بحب الموظفين الأعلى مرتبةً منه، وأقرانه، ومرؤوسيه، سيجعله الإخفاق في إحراز نتائج تلبي تطلعات الشركة عرضةً لانحراف المسار المهني، فمِن أجل الحفاظ على المسار المهني ومنعه من الانحراف اتَّبِع النصيحتَين الآتيتَين:

  • ساهِم في إحراز النتائج، ولا تكتفِ بتيسير العملية، وتعاوَن مع مجموعاتٍ أخرى وأشخاصٍ آخرين على اتِّخاذ مزيدٍ من الإجراءات، وعزِّز قدرتك على توضيح الرؤيا المستقبلية، وزيادة تفاعل أعضاء الفريق، والسعي إلى إجراء تغييرات تستفيد منها المنظمة.
  • أحسِن إدارة التطلعات حتى لا يُنظَر إليك كشخصٍ يُقدِّم وعوداً لا يستطيع الوفاء بها ونتائج أقل من المتوقعة.

شاهد بالفديو: 4 تغييرات بسيطة تعزّز الإنتاجية في أماكن العمل

4. طوِّر توجُّهاً استراتيجيَّاً:

يعني التوجُّه الاستراتيجي ببساطةٍ تركيز الانتباه؛ وهذا يعني فهم المتطلبات التي يفرضها العمل يوميَّاً في منصب القائد والأجواء المحيطة بالوظيفة والفريق، حيث يستطيع أولئك الذين يحافظون على مساراتهم المهنية التفكير فيما هو أبعد من احتياجات الأقسام وفهم المشهد العام، فيتعرفون بذلك إلى الحقائق المرتبطة بالمنظمة وكيف تعمل كل أجزاءها معاً ويتقبلون ذلك.

إذا واجه المدير صعوبةً في تصور الأجواء الغامضة التي تسود حياة المنظمات، والسياسات المُتَّبعة فيها، والمعضلات التي تنتظر من يَحُلُّها، والتنازلات التي قد يُضطر إلى تقديمها؛ سيعاني معاناةً شديدةً في إنجاز مهامه، لا سيَّما عند التنافس من أجل الحصول على الموارد أو عندما يواجه مواعيد نهائيَّةً مُستعجَلة، وفي المقابل، قد يتفوق عليه أولئك المعتادون أكثر على آليات عمل المنظمة وثقافتها عند التنافس على الموارد، ومع ترقِّي القائد في المنظمة، تصبح القدرة على التعامل مع الأمور غير الرسمية في المنظمة (والتي تتضمن أموراً إضافيَّةً معقدة تتجاوز التسلسل الهرمي) تضاهي من حيث الأهمية السياسات، والإجراءات، والقواعد الرسمية، فمِن أجل الحفاظ على المسار المهني ومنعه من الانحراف اتَّبع النصيحتَين الآتيتَين:

  • اكتسِب خبراتٍ تتجاوز مهارةً محددةً أو جانباً محدداً في المنظمة، وعزِّز قدرتك على التفكير تفكيراً استراتيجيَّاً، وحاوِل النظر إلى الأمور من منظورٍ أوسع.
  • حاوِل اتِّباع نهج قائدٍ آخر يحظى بالاحترام ويمتلك مهاراتٍ شديدة التأثير وقدرةً على الإنجاز.

5. طوِّر مهارات التواصل الشخصي:

يُسهم كلٌّ من الذكاء، والفطنة، والبصيرة إسهاماً كبيراً في تطوير القائد، لكن من دون فهم كيفية بناء علاقات مثمرة والاحتفاظ بها، من الممكن أن يحصل الانحراف عن المسار المهني.

يُعَدُّ وجود مشكلات على صعيد التواصل الشخصي واحدةً من أشهر الصفات التي تميز القادة الذين يعانون ما يُعرَف بـ "الانحراف عن المسار المهني"، كما تميز القدرة على التعامل بشكلٍ جيِّدٍ مع الآخرين المديرين الناجحين عن المديرين المخفقين.

يُنظَر غالباً إلى الذين ينحرفون عن مساراتهم المهنية أنَّهم أشخاصٌ ضعيفون على صعيد العمل الجماعي وعاجزون عن العمل مع الآخرين (أو رافضون لذلك)؛ لذا، حتى يحافظ على مساره المهني، يجب على القائد أن يعتمد على نقاط قوَّته، وأن يعالج في الوقت نفسه أيَّة نقاط ضعف يعانيها بما يمتلكه الزملاء من مهاراتٍ وخبرات، وإنَّه جانبٌ من حُسن النوايا القائم على التنسيق والتعاون يستثمره المديرون والقادة العظماء، والعجز عن بناء علاقات شخصية متينة - قائمة على الثقة والفهم المتبادل - يُقوِّض حُسن النوايا ذاك.

إذا واجه المدير التنفيذي صعوبةً في بناء علاقات شخصية، قد تتحول حالات سوء التفاهم البسيطة إلى صراعاتٍ ضخمة؛ حيث يشكل ضعف العلاقات الشخصية تربةً خصبةً لانعدام الثقة، ويمكِنه أن يُقوِّض الثقة في الإدارة، وإذا ظلَّ المديرون يعانون هذه المشكلات، قد يُهمَّشون من قِبَل المنظمات، أو يمكِن أن يفصلوا فصلاُ كاملاً، وهذا أسوأ ما قد يَحدث.

كيف تعرف أنَّ القائد في حاجةٍ إلى تطوير مهارات التواصل الشخصي حتى يحافظ على مساره المهني؟ لقد تبيَّن أنَّ المديرين التنفيذيين العاجزين عن بناء علاقات شخصية متينة يُوصَفون من قِبَل المديرين، والأقران، والمرؤوسين بـ:

  • تبلُّد المشاعر.
  • المبالغة في التنافس.
  • الانعزال.
  • التسلُّط.
  • المبالغة في توجيه النقد.
  • المبالغة في توجيه المطالب.
  • سرعة الغضب.
  • التكبُّر.
  • تفلُّت المشاعر.
  • التلاعب.
  • الانطوائية.

إذا كان الزملاء يستخدمون هذه الصفات للحديث عن القائد؛ فساعِده منذ اليوم في اتِّخاذ إجراءاتٍ للحفاظ على مساره المهني، ومن أجل الحفاظ على المسار المهني ومنعه من الانحراف اتَّبِع النصيحتَين الآتيتَين:

  • عزِّز علاقاتك الحالية، وطوِّر قدرتك على بناء علاقات جديدة، وافسح المجال للتعاون تعاوناً عابراً للحدود، وتعامَل مع مجموعاتٍ مختلفة، وحاوِل بناء مناخٍ يسود فيه الاحترام.
  • طوِّر مهارة الإنصات الفاعل، ولا تكتفِ بالاستماع، وابذل كل ما في وسعك لفهم ما يُقال قبل الرد.

في الختام:

للحفاظ على مساره المهني، يحتاج القائد إلى جرعةٍ صحيَّةٍ من إدراك الذات؛ لذا ساعِد أغضاء الفريق على تقييم سلوكاتهم تقييماً صادقاً، وقيِّم أنت أيضاً سلوكك، وإذا وجدتَ أنَّ لديك نقاط ضعفٍ في أيٍّ من هذه الجوانب؛ فحاوِل أن تتطوَّر مهنيَّاً من خلال المسارعة إلى اتِّخاذ خطوات لإجراء أي تعديلات ضرورية، وبهذه الطريقة ستمنع أعضاء الفريق من الانحراف عن مساراتهم المهنية، وستحافظ أنت أيضاً على مسارك.

المصدر




مقالات مرتبطة