الاستقرار النفسي: مفهومه وفوائده وكيف نمتلكه؟

أن تصبح مستقراً نفسياً هي عملية تتطلَّب جهداً والتزاماً، ولكنَّها هدف قابل للتحقيق؛ إذ يمكن أن يؤدي إلى مزيدٍ من الرفاهية العاطفية والمرونة، ويتميَّز الاستقرار النفسي بالإحساس بالهدوء، والوعي الذاتي، والقدرة على التعامل بفاعلية في ظلِّ الضغوطات والتحديات الحياتية الكثيرة والمختلفة.



في هذا المقال سوف نستكشف بعض الخطوات العملية التي يمكنك اتخاذها لتصبح أكثر استقراراً من الناحية النفسية، مثل تطوير مهارات اليقظة، والانخراط في التمرينات المنتظمة، والبحث عن الدعم الاجتماعي، وتعلُّم مهارات التأقلم الفعَّالة، وممارسة الرعاية الذاتية، ومن خلال دمج هذه الاستراتيجيات في روتينك اليومي، يمكنك تطوير قدر أكبر من الاستقرار العاطفي، وتحسين شعورك العام بالرفاهية، وتنمية حياة أكثر استقراراً وإشباعاً، فإذا كنت من المهتمين فتابع معنا.

ما هو مفهوم الاستقرار النفسي؟

يشير مفهوم الاستقرار النفسي والمعروف أيضاً باسم الاستقرار العاطفي إلى القدرة على الحفاظ على حالة عاطفية مستقرة ومتَّسقة بصرف النظر عن الظروف الخارجية أو الضغوطات التي نتعرض لها، وهو أيضاً حالة من الرفاهية العاطفية والعقلية، تتميَّز بإحساس بالهدوء، والمرونة، والقدرة على التعامل بفاعلية مع الإجهاد والتحديات.

الأشخاص الذين يتمتعون بالاستقرار النفسي قادرون عموماً على الحفاظ على مزاج جيد وإيجابي نسبياً حتى في مواجهة الظروف الصعبة، ولديهم شعور بالسيطرة على عواطفهم وسلوكاتهم، وهم قادرون على تنظيم ردود أفعالهم تجاه المواقف المختلفة، ويميلون إلى امتلاك نظرة إيجابية للحياة، ويكونون قادرين على إيجاد المعنى والهدف في تجاربهم.

يتميَّز الاستقرار النفسي أيضاً بإحساس بالوعي الذاتي، والقدرة على تحديد وإدارة عواطف المرء، والأشخاص المستقرون نفسياً قادرون على التعرُّف إلى تجاربهم العاطفية والاستجابة لها بطريقة صحية وقابلة للتكيف.

ما هي أبرز فوائد الاستقرار النفسي؟

1. تحسين الصحة العقلية:

يمكن أن يحسِّن الاستقرار النفسي الصحة العقلية لعدة أسباب، أهمها:

1. تقليل المشاعر السلبية:

يميل الأفراد المستقرون نفسياً إلى الشعور بمشاعر أقل سلبية؛ مثل القلق، والاكتئاب، والغضب، وهم أكثر قدرة على تنظيم عواطفهم والتعامل مع الضغوطات، وهذا يقلِّل من احتمالية الإصابة بمشكلات الصحة العقلية.

2. استراتيجيات المواجهة الأفضل:

يميل الأشخاص المستقرون نفسياً إلى امتلاك استراتيجيات أفضل للتعامل مع المواقف الصعبة، وهم أكثر عرضة للانخراط في حل المشكلات، وطلب الدعم من الآخرين، وهذا يمكن أن يقلِّل من تأثير الضغوطات في صحتهم العقلية.

3. تحسين احترام الذات:

يميل الأفراد المستقرون نفسياً إلى زيادة احترام الذات، والشعور بتقدير الذات، وهذا يمكن أن يحميهم من تطور مشكلات الصحة العقلية، ويساعدهم على التعافي بسرعة أكبر من النكسات.

4. مرونة أكبر:

يرتبط الاستقرار النفسي بمزيد من المرونة، وهذا يشير إلى القدرة على التعافي من الشدائد، فالأفراد المستقرون نفسياً هم أكثر استعداداً للتعامل مع تقلبات الحياة التي يمكن أن تحميهم من تطور مشكلات الصحة العقلية.

5. دعم اجتماعي أفضل:

يميل الأشخاص المستقرون نفسياً إلى الحصول على شبكات دعم اجتماعي أفضل التي يمكن أن توفِّر حاجزاً ضد الإجهاد، وتحسين نتائج الصحة العقلية، ومن المرجح أن تكون لديهم علاقات قوية مع الأصدقاء والعائلة توفِّر لهم الدعم العاطفي في الأوقات الصعبة.

شاهد بالفيديو: 8 تصرفات لا يفعلها الأشخاص الأقوياء عاطفياً

2. تحسين الصحة البدنية:

يمكن أن يحسِّن الاستقرار النفسي الصحة البدنية من خلال عدة أمور، من أبرزها:

1. تقليل الإجهاد:

الأفراد المستقرون نفسياً هم أكثر قدرة على إدارة التوتر والقلق، وهذا يمكن أن يقلِّل من تأثير الإجهاد في الجسم، وقد رُبِطَ الإجهاد المزمن بمجموعة من المشكلات الصحية، مثل أمراض القلب، والأوعية الدموية، وضعف جهاز المناعة، ومشكلات الجهاز الهضمي.

2. نوم أفضل:

يميل الأشخاص المستقرون نفسياً إلى الحصول على نوم أفضل، وهذا قد يكون له تأثير إيجابي في الصحة البدنية، والنوم الجيد هام للصحة العامة، ويرتبط بانخفاض مخاطر الإصابة بالأمراض المزمنة.

3. السلوكات الصحية:

الأفراد المستقرون نفسياً هم أكثر عرضة للانخراط في سلوكات صحية؛ مثل التمرينات المنتظمة، والأكل الصحي، وتجنب السلوكات المحفوفة بالمخاطر؛ مثل التدخين، والإفراط في شرب الخمر، ويمكن أن تساعد هذه السلوكات على منع مجموعة من المشكلات الصحية.

4. تحسين الجهاز المناعي:

رُبِطَ الاستقرار النفسي بتحسين وظائف الجهاز المناعي؛ إذ يؤدي جهاز المناعة دوراً رئيساً في الدفاع عن الجسم ضد المرض، ويمكن أن يساعد نظام المناعة القوي على الحماية من العدوى والمشكلات الصحية الأخرى.

5. إدارة أفضل للأمراض المزمنة:

قد يكون الأشخاص الذين يتمتعون بالاستقرار النفسي أفضل استعداداً للتعامل مع الأمراض المزمنة؛ مثل مرض السكري، وارتفاع ضغط الدم، وهم أكثر عرضة لمتابعة خطط العلاج، والانخراط في سلوكات الرعاية الذاتية، التي يمكن أن تؤدي إلى نتائج صحية أفضل.

شاهد بالفيديو: 8 نصائح يومية لتحظى بصحة جيدة

3. تحسين الإنتاجية:

يمكن أن يحسِّن الاستقرار النفسي الإنتاجية؛ وذلك من خلال:

1. تحسين التركيز:

يميل الأفراد المستقرون نفسياً إلى التركيز جيداً، وهذا يمكِّنهم من تحسين الإنتاجية، وأيضاً تقلُّ احتمالية تشتيتهم بسبب المشاعر السلبية، ويمكنهم البقاء في العمل لفترات أطول من الوقت.

2. اتخاذ قرارات أفضل:

يميل الأشخاص المستقرون نفسياً إلى أن يكونوا أكثر عقلانية وأقل اندفاعاً في اتخاذ قراراتهم، وهم أقل عرضة للتأثر بالعواطف عند اتخاذ القرارات، وهذا قد يؤدي إلى نتائج أفضل وتحسين الإنتاجية.

3. زيادة الدافع:

يميل الأفراد المستقرون نفسياً إلى امتلاك مستويات أعلى من التحفيز، ومن المرجَّح أن يكونوا أكثر ثباتاً في متابعة أهدافهم، وهم أقل عرضة للإحباط بسبب النكسات، وهم مجَّهزون لمواصلة التركيز على أهدافهم.

4. الإبداع المعزَّز:

يرتبط الاستقرار النفسي بالإبداع المعزَّز؛ إذ يمكن أن يؤدي إلى أفكار جديدة ومبتكرة، ومن ثمَّ تحسين الإنتاجية؛ فيميل الأفراد المستقرون إلى أن يكونوا أكثر انفتاحاً ومرونة في تفكيرهم، وهذا قد يؤدي إلى حلول إبداعية للمشكلات.

5. تحسين المهارات الشخصية:

يميل الأشخاص المستقرون نفسياً إلى امتلاك مهارات شخصية أفضل، والتي يمكن أن تحسِّن الإنتاجية في فريق العمل، وهم أكثر قدرة على التواصل بأسلوب فعَّال وحل النزاعات والتعاون مع الآخرين.

إقرأ أيضاً: زيادة الإنتاجية: الدليل الكامل لإحداث طفرة في حياتك

4. تحسين المرونة:

يمكن أن يحسِّن الاستقرار النفسي من مرونة الإنسان لعدة أسباب، منها:

1. تنظيم عاطفي أكبر:

الأفراد المستقرون عاطفياً هم أكثر قدرة على تنظيم عواطفهم، وهذا يمكن أن يساعدهم على التعامل مع التوتر والشدائد، وهم أقل عرضة لأن تطغى عليهم المشاعر السلبية، ويكونون أكثر قدرة على الحفاظ على الشعور بالتوازن.

2. تحسين مهارات التأقلم:

يميل الأشخاص الذين يتمتعون بالاستقرار النفسي إلى امتلاك مهارات أفضل في التعامل مع التحديات والنكسات، ومن المرجَّح أن ينخرطوا في حل المشكلات، ويطلبوا الدعم الاجتماعي، والذي يمكن أن يساعدهم على التغلب على المحن والتعافي بسرعة أكبر.

3. تعزيز الكفاءة الذاتية:

يرتبط الاستقرار النفسي بزيادة الكفاءة الذاتية، وهذا يشير إلى إيمان الشخص بقدرته على التغلب على التحديات وتحقيق أهدافه، ومن المرجَّح أن يتمتَّع الأفراد المستقرون نفسياً بحسِّ الكفاءة الذاتية، وهذا يساعدهم على المثابرة في مواجهة الشدائد.

4. يعطي قدرة أكبر على التكيُّف:

يميل الأفراد المستقرون إلى أن يكونوا أكثر قابلية للتكيف، وأكثر مرونة في تفكيرهم، وهذا يساعدهم على التكيف مع المواقف والتحديات الجديدة، وهم أقل عرضة للوقوع في أنماط التفكير السلبية، ويكونون أكثر قدرة على التعامل مع التحديات بعقلية النمو، ومن ثمَّ تحسين مرونتهم.

كيف أصبح شخصاً مستقراً نفسياً؟

أن تصبح شخصاً مستقراً نفسياً هي عملية قد تستغرق وقتاً وجهداً، لكن ثمَّة خطوات يمكنك اتخاذها لتعزيز الاستقرار النفسي، وهذه بعض الاقتراحات:

1. طوِّر مهارات اليقظة:

اليقظة هي أن تكون حاضراً وموجوداً في الوقت الحالي، وأن تهتم بأفكارك ومشاعرك دون إصدار أحكام، ويمكن أن تساعدك ممارسة اليقظة على أن تصبح أكثر وعياً بتجاربك العاطفية، وتطوِّر تحكُّماً أكبر في ردود أفعالك تجاهها.

2. انخرط في التمرينات الرياضية المنتظمة:

لقد ثبت أنَّ التمرين الرياضي فعَّال في الحدِّ من التوتر والقلق والاكتئاب؛ إذ يمكن أن يساعدك الانخراط في ممارسة التمرينات الرياضية بانتظام على بناء المرونة وزيادة إحساسك بالسعادة.

3. ابحث عن الدعم الاجتماعي:

يمكن أن يساعدك بناء شبكة دعم قوية على التعامل مع التوتر والشدائد؛ لذلك ابحث عن الأصدقاء وأفراد العائلة الذين يمكنك التحدث معهم عن مشاعرك وتجاربك.

4. تعلَّمْ مهارات التأقلم:

يمكن أن يساعدك تعلم مهارات التأقلم الفعَّالة على إدارة التوتر، وتقليل التأثير السلبي لأحداث الحياة الصعبة؛ لذلك ابحث عن تلك المهارات في العلاج النفسي مثلاً، أو كتب المساعدة الذاتية لتعلم مهارات التأقلم الفعالة.

إقرأ أيضاً: 4 أسباب تجعل المرونة النفسية مهارة شديدة الأهمية

في الختام:

أن تصبح مستقراً نفسياً هي رحلة تتطلَّب الصبر والجهد والالتزام، ولكنَّ الفوائد تستحق منك المثابرة والعناء، وكما ذكرنا آنفاً فمن خلال التركيز على تطوير اليقظة لديك، وممارسة بعض التمرينات الرياضية بانتظام، وتلقي الدعم الاجتماعي، وتعلم مهارات التأقلم، والرعاية الذاتية، والمرونة، يمكنك تنمية رفاهية عاطفية أكبر.

تذكَّر أنَّ رحلة كل شخص نحو الاستقرار النفسي مختلفة عن رحلة شخص آخر؛ لذلك يجب أن تجد الاستراتيجيات التي تناسبك، سواء كنت تسعى إلى الحصول على دعم من اختصاصي الصحة العقلية، أم تُجري تغييرات صغيرة ومستدامة في روتينك اليومي؛ فإنَّ كل خطوة تتخذها نحو مزيد من الاستقرار النفسي، هي خطوة نحو حياة أكثر إرضاءً وذات مغزى.

تأكَّد أنَّك مع العقلية السليمة والاستراتيجيات الصحيحة، يمكنك تنمية المرونة العاطفية والاستقرار اللذين تحتاج إليهما لتزدهر في السراء والضراء.




مقالات مرتبطة