الاستحقاق الذاتي وكيفية رفعه

القبول والرضى بدراستك وعملك ومظهرك الخارجي وعلاقاتك الاجتماعية المختلفة وحتى بمشكلاتك وصفاتك السلبية ضروري وهام جداً كي تشعر بالاستقرار والسلام الداخلي في حياتك، ولكنَّ الأهم من ذلك هو اهتمامك بالبحث عن كل ما يطور ذاتك ويطور مختلف جوانب حياتك، ومن ثم السعي إلى تحقيق الأفضل من كل شيء للوصول إلى أفضل صورة منك، فأنت تستحق ذلك وكل منا يستحقه أيضاً.



لكن لا يتم ذلك من خلال كرهك لحياتك أو السخط على ما تملك أو بإحباطك ويأسك واعتقادك أنَّك لا تستطيع فعل ما تريد أو بمقارنة نفسك بالآخرين؛ وذلك لأنَّ كل هذا يؤدي إلى تدمير ذاتك، وإن شعرت بأنَّك لا تستطيع الوصول إلى أهدافك المرجوة أو بأنَّك لا تستحق ذلك، فعليك تغيير شيء هام وهو الاستحقاق الذاتي لديك، فما هو الاستحقاق الذاتي وكيف يمكننا رفعه؟ هذا ما سنتعرَّف إليه في هذا المقال.

تعريف الاستحقاق الذاتي:

هو الشعور الموجود في داخل الإنسان بأنَّه يستحق الأفضل من كل شيء؛ أي أفضل منزل ودراسة وأفضل تخصص والحصول على أفضل عمل وشراء أفضل سيارة وأفضل طريقة تعامل من الآخرين، وهذا الشعور يدفع الفرد إلى السعي الدائم والاجتهاد إلى التطور والتقدُّم؛ إذ يتغلَّب الاستحقاق الذاتي على مختلف مشاعر الإحباط واليأس والفشل أيضاً التي تمنع الإنسان من تطوير نفسه.

يُولَد الطفل وهو يشعر بأنَّه يستحق الحصول على ما يريد وفي الوقت الذي يريده، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال تصرفاته، فمثلاً يريد أن يأكل الحلوى بالكمية التي يريدها، ويشعر بأنَّه يستحق الحصول على مختلف الألعاب حتى ألعاب أصدقائه؛ فيبدأ الأهل بتهذيب هذه الغريزة عنده.

لكن في بعض الأحيان ونتيجة للقسوة في بعض العبارات التي يسمعها الطفل ينخفض مستوى الاستحقاق لديه ويستمر ذلك طيلة حياته ويؤثر سلباً فيه، وبالطبع تهذيب هذه الغريزة هام جداً لكن دون خفض الاستحقاق الذاتي؛ وذلك لأنَّ نظرة الإنسان لذاته تبدأ بالتشكل منذ بداية حياته.

لماذا ينخفض الاستحقاق الذاتي لدى الإنسان؟

نحن جميعاً نمتلك استحقاقاً ذاتياً مرتفعاً منذ بداية حياتنا، وهذا يعني أنَّه سينخفض لاحقاً نتيجة تجارب سيئة أدَّت إلى تغيير نظرة الإنسان إلى الحياة وإلى نفسه أيضاً، أو نتيجة معناته من صدمة معيَّنة أو شعور بالذنب أو العار لفترة معيَّنة من حياته؛ مما جعلَ الغضب يكبر في داخله والكره لنفسه أيضاً؛ فمثلاً معاناة الإنسان من التنمر من الآخرين تجعله يشعر بالدونيَّة أو مثلاً إن تسبَّب الإنسان بالحزن لشخص ما حتى دون أن يقصد ذلك، فيعتقد أنَّه لا يستحق الأشياء الجيدة في الحياة نتيجة انخفاض احترامه لنفسه؛ لذلك يمكننا القول باختصار إنَّنا نتاج تجاربنا السابقة السيئة أو الجيدة.

شاهد بالفيديو: كيف تبني تقدير الذات؟

كيفية رفع الاستحقاق الذاتي:

كي تعيش حياة جميلة وتنجح في مختلف جوانبها وتستطيع تحقيق أهدافك المختلفة؛ لا بدَّ من اتِّباعك للخطوات الآتية كي ترفع استحقاقك الذاتي وثقتك بنفسك أيضاً:

1. الاعتراف بأنَّك تمتلك مشاعر عدم الاستحقاق:

الاعتراف بالمشاعر ضروري جداً حتى السلبية منها؛ وذلك لأنَّ الاعتراف بشعور ما لا يعني الاستسلام له؛ وإنَّما هو الطريقة الصحيحة لتجاوزه والتغلُّب عليه، ومن ثم فإنَّ اعترافك بأنَّك لست جديراً ضروري جداً للتغلُّب عليه.

2. اكتشاف الأسباب التي تجعلك تشعر بعدم الاستحقاق:

اكتشاف الأسباب الكامنة وراء هذه المشاعر قد يحتاج إلى وقت طويل نسبياً، فغالباً لا ندرك ما الذي أوصلنا إلى الحالة التي نحن عليها؛ لذلك عليك الجلوس مع نفسك وتذكُّر تفاصيل حياتك جميعها الصغيرة منها والكبيرة أيضاً؛ وذلك لأنَّ كلَّ ما يمر به الإنسان يترك أثراً في حياته اللاحقة.

على سبيل المثال، قد تدرك أنَّ السبب في شعورك بعدم الاستحقاق نتيجة فشلك في تجربة عاطفية، أو فشلك في مهمة أُوكلت إليك في العمل، أو عدم امتلاكك للمال مثلاً، أو نظرتك إلى الآخرين إذ تعتقد أنَّ أحدهم أفضل منك لأنَّه درس في جامعة مشهورة.

وعلى النقيض من ذلك تماماً، قد يكون شعورك بعدم الاستحقاق ناتج عن نجاحاتك المتكررة؛ والتي جعلت بعض الناس يغارون منك ويحاولون أن يثبطوا من عزيمتك ويقللوا من شأنك كي لا تتقدَّم أكثر؛ لذلك هذه الخطوة من أهم الخطوات في رفع الاستحقاق الذاتي، وهي الخطوة الكبيرة في طريق رفع الثقة بالنفس.

إقرأ أيضاً: تطوير الذات: كيف نفعّل مهارة توكيد الذات؟

3. التحرر من التوقعات غير الواقعية:

أحياناً يُحتجَز الإنسان منذ طفولته ضمن توقعات خيالية من قِبل أهله أو معلميه في المدرسة أو حتى المجتمع الذي يعيش ضمنه، ولكي يستطيع رفع الاستحقاق الذاتي لديه لا بدَّ من التخلص من هذا الضغط الذي يتسبب له بالحزن وكره الذات فيما بعد نتيجة خيبة أمل الآخرين إن لم يحقق ما ينتظرونه منه.

على سبيل المثال، قد يريد والدك أن تصبح مثل ابن صديقه؛ فيكرر عبارات مثل: "انظر إنَّه أفضل منك"، أو "لماذا لا تستطيع النجاح مثله؟" مما يجعلك تشعر بالضغط الكبير؛ وذلك لأنَّك قد تفشل في تحقيق ذلك، وتشعر بأنَّك لا تستحق الأشياء الجيدة؛ لأنَّك خيبت آمال والدك، فليس عليك أن تسعى وتجتهد إلى تحقيق أحلامهم؛ وإنَّما عليك إدراك ما تريده أنت دون التركيز في نظرة الناس إليك؛ وذلك لأنَّ المجتمع لا يراعي الفروقات الفردية الموجودة بين البشر.

4. التركيز في نقاط قوتك:

كل شخص يتميز عن الآخر بنقاط محددة، ومسؤولية كل فرد منَّا أن يكتشف موهبته التي ميَّزه الله بها عن غيره؛ وذلك لأنَّها تُعَدُّ من نقاط القوة التي يمتلكها، والتي تجعله يتغلَّب على شعور عدم الاستحقاق وتعيد ثقته بنفسه إن ضَعُفَت؛ لذلك كل ما عليك فعله هو ألَّا تعتقد بأنَّك أقل شأناً من الآخرين؛ بل تذكَّر موهبتك وركز فيها جيداً وحاول تنميتها وكن فخوراً بها كي تستعيد توازنك، فلا يمكن للآخرين تقديرها إن لم تقدِّرها أنت.

5. تجنُّب مقارنة نفسك بالآخرين:

ازدادت هذه المشكلة في زمننا الحالي نتيجة تأثر الإنسان فيما يراه على مواقع التواصل الاجتماعي؛ والتي جعلته يسعى إلى أن يشبه الآخرين، لكن لا تصدِّق ما تراه دائماً، فلكل شخص جانب سيِّئ في حياته.

على سبيل المثال، لا يكفي أن ترى صور أحدهم في أثناء رحلته السياحية لتعتقد أنَّه أسعد إنسان في الحياة، فربما يعاني من مشكلات كثيرة في حياته وقد خرج في رحلة كي يستطيع تخفيف الضغط النفسي الواقع عليه، والأشخاص ممَّن حققوا إنجازات هامة في حياتهم لا يمكنك أن تقارن نفسك بهم الآن؛ بل عليك أن ترى كم عانوا واجتهدوا للوصول إلى مكانهم الحالي، فلم يُخلَق أي إنسان ناجح؛ وإنَّما اجتهد وتجاوز الكثير من العقبات والمشكلات قبل الوصول إلى النجاح.

6. عدم السعي إلى المثالية:

لأنَّ المثالية هي عبارة عن وهم ركزت فيه وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي لزيادة الضغط النفسي، لكن في الحقيقة لا يوجد شخص كامل أبداً مهما رأيت من إنجازاته.

إقرأ أيضاً: هوس السعي إلى المثالية: أسبابه، وسماته، وطرق علاجه

7. تدوين الإنجازات:

نمرُّ جميعنا في لحظات تنخفض فيها ثقتنا بنفسنا ونشعر بأنَّنا لا نستطيع التقدُّم أو الاستمرار في حياتنا لأنَّنا فقدنا الطاقة؛ لذلك يُعَدُّ تدوين الإنجازات هاماً جداً من أجل استعادة الثقة بالنفس حتى إن كانت إنجازات بسيطة جداً، ويمكنك ذلك من خلال تخصيص عدَّة دقائق يومياً وتدوين إنجازاتك التي قمت بها على دفتر صغير خاص بك.

على سبيل المثال: "استطعت تخفيض وزني كيلو واحد خلال عدة أيام، أو استطعت البقاء دون تدخين هذا اليوم، أو بدأت دورة تدريبية لتعلُّم اللغة الإنجليزية"، فإن كنت تعتقد أنَّها أشياء سخيفة، فأنت مُخطئ؛ وذلك لأنَّ هذه التفاصيل قادرة على رفع هرمونات السعادة لديك عندما تقلق أو تحزن.

8. الاعتناء بنفسك جيداً:

أجسادنا أمانة من الله تعالى لدينا؛ لذلك العناية بالجسد أمر ضروري جداً ولها تأثير كبير في صحتنا النفسية؛ لأنَّ ذلك يرفع شعور الاستحقاق لدينا بوضوح، ولا ينبغي أن تخصص وقتاً كبيراً لذلك؛ وإنَّما يمكنك اتِّباع نظام صحي ومعتدل وسهل التنفيذ، إضافة إلى شرب الماء بكميات كافية، وممارسة الرياضة بانتظام، وليس بالضرورة أن يكون مكثفاً؛ بل يمكن الاكتفاء بعدة مرات أسبوعياً؛ فالهدف من الرياضة ليس الحصول على جسد مثالي فقط؛ وإنَّما من أجل زيادة مقاومة الجسم للأمراض والحفاظ على صحة مختلف أعضاء الجسم.

9. اختيار الملابس:

ليس عليك اتِّباع الموضة بالضرورة كما يعتقد بعضنا والسعي إلى ارتداء ملابس تعجب الآخرين خوفاً من الانتقادات السلبية؛ وإنَّما الهام هو ارتداء ملابس تعجبك أنت وألوان تحبها كي ينعكس ذلك إيجاباً على نفسك دون الاهتمام بالنقد الموجَّه إليك؛ إذ يساعد ذلك على رفع ثقتك بنفسك ورفع شعور الاستحقاق لديك بشكل ملحوظ.

10. السيطرة على نفسك:

ينبع دائماً من داخلنا صوت ناقد يخبرنا بالأفكار المزعجة والمحبطة، ويذكِّرنا بجميع لحظات الفشل التي مررنا بها في التجارب السابقة، وقد يمنعنا ذلك عن التقدُّم ويزيد كرهنا لأنفسنا ولومنا؛ وذلك لأنَّنا لم نستطع النجاح سابقاً؛ فنعتقد أنَّنا غير قادرين على النجاح مجدداً أيضاً؛ لذلك لا داعي للمحاولة أو السعي إلى الأحلام فنحن لا نستحق ذلك.

تذكَّر أنَّ هذا الصوت يجب أن يُسيطَر عليه فوراً ويُوقَف من خلال عدم الاهتمام به أبداً والسخرية منه أيضاً؛ وذلك لأنَّك دائماً تستطيع إعادة المحاولة مهما بلغ عدد التجارب الفاشلة.

شاهد بالفيديو: 10 طرق فعالة لاكتساب الثقة وتعزيز احترام الذات

11. النظر إلى الحياة نظرة إيجابية:

قدِّر جميع الأشياء الجيدة في حياتك وانظر إلى الأحداث نظرة إيجابية، وإن واجهت مشكلة، فلا تشكُ وتنتظر مَن يحلها؛ وإنَّما عليك البحث عن الحل الذي يجعلك سعيداً طبعاً دون التسبُّب بإحزان الآخرين أو تدمير حياتهم.

تذكَّر دائماً أن تردد العبارات الإيجابية؛ مثلاً ردد دائماً كلمات مثل: "يمكنني أن أفعل ذلك" أو "أنا أستطيع" أو "أنا ناجح"، وتحدَّث إلى نفسك بلطف حتى عندما تخطِئ؛ فلا أحد معصوم عن الخطأ أبداً، وتخيَّل دائماً شعورك الجميل عند تحقيق أهدافك المرجوَّة، لكن احرص على أن تفكر أيضاً في العقبات التي سوف تواجهك خلال سيرك نحو أهدافك كي تكون تخيلاتك أكثر توازناً؛ فلا تشعر بالإحباط عند مواجهتها وتتراجع عن السعي إلى تحقيق الأهداف.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح عملية لتعزيز تقدير الذات

في الختام:

احترم نفسك دائماً؛ لأنَّك تستحق ذلك ولأنَّك الوحيد القادر على زيادة احترام الآخرين لك أو تقليله، ولا تسمح لأي شخص مهما كانت مكانته في حياتك بأن يدمر ذاتك، والأهم من ذلك لا تدمر ذاتك أنت، وتذكَّر أنَّه يمكنك البدء مجدداً والعمل على رفع الاستحقاق الذاتي لديك من خلال اتِّباع النقاط التي ذكرناها آنفاً؛ فهي سهلة التطبيق ومع مرور الوقت سوف تصبح روتيناً يومياً.

إذا شعرت بأنَّ محيطك يمنعك عن تحقيق أهدافك، فكل ما عليك فعله هو تغيير محيطك وليس الاستسلام إليه، وعندما تشعر بأنَّك أفضل إنسان في محيطك أيضاً عليك تغييره كي تتعلَّم أشياء جديدة وتتطور إلى مستوى أفضل بكثير في مختلف جوانب حياتك.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة