الاستثمار السياحي: مفهومه، وأهميته، وخصائصه، وطرق تمويله

نحن نرى اليوم من حولنا تلك الظروف غير العادية التي يعيشها العالم، نتيجة الحروب والفقر والمجاعات والتغيُّرات الجوية والمناخية، فضلاً عن الأوبئة والأمراض، وفي مقدمتها الأمراض التنفسية التي يسببها فيروس كورونا (كوفيد - 19)، وكل ذلك دفع الدول إلى اتخاذ إجراءات صارمة للحد من انتشار هذا الوباء الخطير، وفي مقدمة تلك الإجراءات إيقاف السفر والانتقال، سواء الداخلي أم الخارجي.



من هنا توضَّح للعالم أجمع الأثر الكبير الذي نتج عن توقف حركة السفر، ألا وهو توقف واردات الحركة السياحية، وما يلحق بها من تبعات تعود بالنفع على الاقتصاد عموماً؛ إذ إنَّ السياحة من أهم فرص الاستثمار التي تؤدي إلى تحقق الرخاء الاقتصادي. وهذا بدوره دعا إلى العمل على تهيئة البيئة المناسبة لتنمية قطاع السياحة وبالتحديد السياحة الداخلية، عن طريق إعطائها نصيباً أفضل من الاستثمارات، والتركيز على زيادة فرصها بسبب ازدياد الطلب عليها.

وقد بات جلياً إقبال الدول المتقدمة على النهوض بهذا النوع من المشاريع والاستثمارات بشتى مجالاتها، مع مراعاة بعض الأمور التي يجب أخذها بالحسبان عند خوض هذا المجال، كما أنَّه لا بدَّ أن تتوافر المعلومات الكافية عن آليات وطرائق تمويل هذا النوع من الاستثمارات؛ لذلك، ولمزيد من التوضيح حول الاستثمار السياحي، سنتناول في مقالنا هذا النقاط الآتية:

  1. مفهوم الاستثمار السياحي.
  2. أهمية الاستثمار السياحي.
  3. خصائص الاستثمار السياحي.
  4. مجالات وفرص الاستثمار السياحي.
  5. العوامل المؤثرة في الاستثمار السياحي.
  6. طرائق تمويل الاستثمار السياحي.

1. مفهوم الاستثمار السياحي:

غالباً ما تتم تنمية وتطوير رأس المال المادي والبشري عن طريق الزيادة في الاستثمارات بأشكالها المتنوعة، وبالذات الاستثمار السياحي، الذي بات يُعدُّ أحد أهم مكونات العملية الإنتاجية والخدمية في النشاط السياحي.

يعرَّف الاستثمار السياحي بأنَّه ذلك العنصر الفعَّال من ضمن عناصر الإنتاج، الذي يؤدي إلى خلق وزيادة رأس المال السياحي والبشري؛ وذلك من أجل رفع مستوى القدرة السياحية في بلد ما، وتحسين الطاقات الإنتاجية والتشغيلية؛ حيث يشتمل ذلك على بناء البنية التحتية، والفنادق والمجمعات السياحية، والجامعات والمعاهد، وغير ذلك.

وقد عُرِّف الاستثمار السياحي من قبل المنظمة العالمية للسياحة كما الآتي:

"الاستثمار السياحي هو التنمية الاستثمارية للسياحة، والتي تلبِّي احتياجات السياح والمواقع المضيفة لهم، إلى جانب الحماية وتوفير الفرص للمستقبل، ووضع القواعد المرشدة في مجال إدارة الموارد بطريقة يتم فيها تحقيق متطلبات المسائل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبذلك يتحقق التكامل الثقافي والعوامل البيئية والتنوع الحيوي ودعم نظم الحياة".

إقرأ أيضاً: الاستثمار: تعريفه، وأهميته، وأهم طرائق الاستثمار الأكثر انتشاراً

2. أهمية الاستثمار السياحي:

تبرز أهمية السياحة من خلال عدِّها صناعة ذات مكونات عدة مركبة مع بعضها، فهي بذلك تستدعي وجود العديد من أوجه الاستثمارات، بالإضافة إلى مختلف الخبرات الفنية؛ وذلك لأنَّ هذا العصر يتميز بسرعة التطور، والميل الكبير إلى الاستهلاك؛ الأمر الذي أدى إلى نمو الطلب على السياحة، ممَّا انعكس انعكاساً مباشراً وغير مباشر على العديد من القطاعات الإنتاجية الأخرى.

ثم إنَّ توصيات حثيثة من قبل العديد من المنظمات والمؤتمرات الدولية للحكومات، تقضي بتقديم جميع التسهيلات اللازمة، وتشجيع جهود الاستثمار العام والخاص في مجال السياحة، وخاصة في الدول النامية.

وكل ذلك وأكثر لأسباب عدة أهمها:

  1. الثقل النوعي الذي تمثله السياحة في دعم ميزان المدفوعات؛ وذلك لأنَّها من أهم مصادر العملات الأجنبية.
  2. المنافع الاقتصادية والاجتماعية التي تتأتَّى من الاستثمارات الكبيرة مباشرةً؛ وذلك لأنَّ تجهيز المنشآت السياحية يخلق العديد من الفرص التي تؤدي إلى استخدام وإعادة توزيع الدخل القومي.
  3. الزيادة المضطردة في ربحية المنشآت السياحية نتيجة ازدياد حركة السياحة.
  4. امتداد آثار قطاع السياحة إلى معظم فروع الاقتصاد القومي.
إقرأ أيضاً: أهم 9 مدن سياحية في العالم

3. خصائص الاستثمار السياحي:

هناك سمات معيَّنة يتميز بها الاستثمار السياحي عن غيره من الاستثمارات في المجالات الأخرى، ومن أهم هذه السمات والخصائص:

  1. الحاجة إلى وجود قيمة مالية ضخمة للبدء بهذه الاستثمارات؛ وذلك بسبب التكلفة العالية للمنشآت العقارية.
  2. السنوات العديدة التي يحتاج إليها هكذا مشروع للدراسة والإنشاء، وقد تليها سنوات أخرى للدعاية والترويج، وبعد افتتاح المشروع، يجب الانتظار فترة أيضاً حتى تبدأ العوائد بالتدفق.
  3. الطبيعة الموسمية للنشاط السياحي، ممَّا يتسبب بانخفاض نسبة الإشغال في باقي العام، ومن ثمَّ انخفاض الأرباح.
  4. صافي العائد عن الوحدة المالية المستثمرة في المجال السياحي منخفض نسبياً؛ حيث يتراوح ما بين 10% - 15%؛الأمر الذي يقلل من رغبة مستثمري القطاع الخاص في الاستثمار ضمن هذه المشاريع.
  5. كثافة عنصر العمل، فهو الأساس الذي تقوم عليه الخدمة السياحية.
  6. الدرجة الكبيرة من التأثر بالاستقرار السياسي والأمني للبلاد.
  7. التأثر بالقوانين والتشريعات الناظمة للاستثمار السياحي الخاصة بكل دولة، وما فيها من البيروقراطية والعراقيل في أغلب الدول.
  8. انخفاض المرونة، وانعدامها إلى حدٍّ ما في بعض البلدان؛ حيث لا يستطيع أصحاب رؤوس الأموال الصغيرة والمتوسطة الاستثمار في المجال السياحي، على عكس الدولة وأصحاب رؤوس الأموال الضخمة، القادرين على تحمُّل جميع المخاطر الناجمة عن هذه الاستثمارات.

4. مجالات وفرص الاستثمار السياحي:

تطوَّر الاستثمار السياحي كثيراً في عدد من البلدان، حتى بات له العديد من الفروع والمجالات المتاحة للاستثمار فيها، وتوسعت هذه الاستثمار لتشمل مختلف الخدمات التي يطلبها ويرغب فيها العميل؛ من أهم هذه المجالات:

  1. السياحة الدينية: تبرز فرص الاستثمار في هذا المجال السياحي، من قدسية المواقع الدينية التي يتوافد إليها الزائرون؛ لذا كان لا بدَّ من الحفاظ على هذه القدسية باستمرارٍ وجديةٍ والتزامٍ، عن طريق الاهتمام بكل ما يتعلق بمتطلبات الزائرين، وتأمين جميع الخدمات التي يحتاجون إليها، فضلاً عن الاهتمام بالمناطق المحيطة بها، والعمل على تأمين جميع المرافق السياحية اللازمة، والاهتمام بالجانب الإعلامي، عن طريق التنسيق ما بين وزارة السياحة وزارة الثقافة ووزارة الأوقاف.
  2. السياحة الأثرية: حيث يتم العمل على تهيئة أنسب الظروف للاستثمار السياحي في المواقع الأثرية، وذلك من خلال وضع مخطط يوضح أهم النقاط الأثرية على الامتداد الجغرافي للبلاد، بالإضافة إلى تأمين البنية التحتية من طرق وجسور وغير ذلك، من أجل تسهيل الوصول إلى جميع تلك النقاط الأثرية، ويضاف إلى ما سبق، ضرورة سن القوانين والتشريعات التي تحمي هذه المواقع ممَّا قد يُلحق بها الأضرار، أو يؤثِّر في جماليتها ويهدد وجودها.
  3. السياحة الثقافية: يشمل هذا المجال الاهتمام بالأنشطة والأماكن الثقافية التي تجذب السياحة، مثل المتاحف والمسارح والمكتبات والمهرجانات.
  4. السياحة الرياضية: مثل استضافة دورة الألعاب الأولمبية، وكأس العالم لكرة القدم، أو أي بطولة رياضية أخرى مهما كان مستواها أو نوعها.
  5. السياحة الصحية: هو ذلك المجال من السياحة القائم على إنشاء المراكز الصحية المتميزة، والعمل على تطويرها باستمرار، وخاصة تلك المراكز المتخصصة في علاج الحالات المرضية النادرة، مع التركيز على مراكز العلاج الطبيعي والنفسي، مثل الاستشفاء بالمياه المعدنية أو الرمال الحارة أو التداوي بالأعشاب.
  6. الإيواء السياحي: عن طريق إقامة الفنادق والاستراحات والمجمَّعات والمدن والقرى والشقق والكرفانات والشاليهات والمخيمات السياحية.

ومن المجالات الاستثمارية الأخرى أيضاً، هناك الاستثمار في مجال اللهو والترفيه، وإقامة المصايف والمشاتي السياحية، والاستثمار في مجال النقل والمواصلات والاتصالات لدعم وتنمية السياحة، ومجال التسويق السياحي، والاهتمام بمجال صناعة التحف والسلع والأجهزة التي تخدم النشاط السياحي، والاستثمار في البنية التحتية السياحية، وإقامة الكليات والمعاهد ومراكز التدريب السياحي.

إقرأ أيضاً: في اليوم العالمي للسياحة: ما هي السياحة، وما أنواعها وفوائدها؟

5. العوامل المؤثرة في الاستثمار السياحي:

بسبب الطبيعة الخاصة التي يتسم بها الاستثمار السياحي، فقد نجد أيضاً أنَّ هناك العديد من العوامل التي تؤثر في هذا النشاط، ولدى إدراكها يمكن التأثير في الاستثمار السياحي تأثيراً أكثر فعَّالية، ومن هذه العوامل المؤثرة نعدد:

1. الحاجة إلى مساهمة الحكومة من أجل تنشيط الاستثمار في القطاع السياحي:

ويكون ذلك عن طريق تخصيص القيم الاستثمارية الموجَّهة لهذا المجال، فضلاً عن دعمه وتسهيل معاملاته، عن طريق إيجاد بنية تحتية ملائمة، وتأمين الأراضي ذات الميزات التشجيعية، ومنح القروض، وتخفيض الضرائب.

2. الأرباح المستقبلية المنتظرة:

هي تلك الأرباح الصافية المتحققة عن النشاط الاستثماري السياحي، بعد تغطية تكاليف الإنتاج المباشر، وهي تحديداً ما يهتم به المستثمر اهتماماً أساسياً بغضِّ النظر عن المنفعة الاجتماعية.

3. تكلفة الفرصة البديلة:

هي التكلفة التي يتحملها المستثمر مقابل استثمار أمواله في مجال يُحقِّق له الربح السريع؛ حيث ينجذب المستثمر إلى القطاع السياحي؛ وذلك لاعتقاده بأنَّه يمثل فرصة أفضل من بقية الفرص في المجالات الأخرى.

4. الاستقرار السياسي والأمني:

إنَّ ضمان استمرار وجود حالة من الاستقرار السياسي والأمني، يؤدي إلى خلق مناخ استثماري جاذب للمستثمرين.

5. وجهة نظر المستثمر:

إنَّ توفير المعلومات الصحيحة واللازمة للمستثمر، يؤدي إلى إقناعه باتخاذ القرار الاستثماري الذي يحقق له المنفعة، مع مراعاة خبرته في هذا المجال، وتردده المبدئي.

6. القيمة الضخمة لرأس المال الثابت:

تتطلب المشاريع السياحية استثماراً مالياً ضخماً؛ الأمر الذي يستغرق زمناً طويلاً لاسترداد قيمة رأس المال هذا، وهو ما يخشاه المستثمر ويؤثِّر في اتخاذ قراره.

7. الطبيعة الموسمية:

وهي من أهم خصائص الطلب السياحي؛ إذ إنَّ المستثمر يفضِّل الاستثمار في المنتجات التي يكون الطلب عليها مستمراً على مدار العام، أكثر من الاستثمار في المشاريع السياحية ذات العوائد الموسمية.

8. الإيرادات بالعملات الأجنبية:

هو أمر ذو أهمية كبيرة وأثر بالغ في ميزان المدفوعات؛ وذلك لأنَّه يؤدي إلى ارتفاع مستوى الدخل والتشغيل معاً، ويجذب المستثمر بشدة وخاصة في الدول النامية.

إقرأ أيضاً: الدخل القومي: مفهومه، وأهميته، وطرق قياسه

6. طرائق تمويل الاستثمار السياحي:

يوجد العديد من الطرائق والآليات المتَّبعة، والتي تُموَّل الاستثمارات السياحية من خلالها، وسنوضح ذلك من خلال النقاط الآتية:

  1. المخصصات الحكومية التي تُحدَّد في الموازنة العامة للدولة، من أجل دعم وتنمية وتنشيط الاستثمار السياحي.
  2. الحد الأدنى المعفى من الضريبة عن إيرادات المشاريع الاستثمارية السياحية، يؤدي إلى تشجيعها.
  3. توجيه الاهتمامات نحو المناطق المنعزلة، لكسر عزلتها وتنشيطها في مجال السياحة.
  4. إقامة المهرجانات والاحتفالات السياحية الثقافية في آنٍ واحد، لجذب السياح ودعوتهم للاستثمار.
  5. الاتزان في استغلال الموارد السياحية، والتقييم السليم للتراث السياحي؛ وذلك من أجل إنشاء مواقع سياحية، تحمل الدولة على عاتقها مسؤولية إعداد الدراسات اللازمة لها.
إقرأ أيضاً: الدخل القومي: مفهومه، وأهميته، وطرق قياسه

الخلاصة:

نستخلص ممَّا سبق، أنَّه على جميع الجهات العاملة في الدولة، في أي بلد من البلدان، أن تتشارك في تنمية قطاع السياحة والترفيه، وأي نشاط آخر يتعلق بهما. وذلك لأنَّه، كما وجدنا في تجارب الدول الأخرى، فقد حققت الاستثمارات السياحية نجاحات كبيرة بمستويات عالية، وبدرجة ملحوظة جداً، وكان ذلك نابعاً من إدراك تلك الدول أهمية فتح باب الاستثمارات أمام المستثمرين الأجانب، علاوة على تبصُّرهم منعكسات تلك الخطوة وآثارها الإيجابية في الاقتصاد ككل.

كما يجب أن يتم التعاون والتنسيق بين كلٍّ من وزارة السياحة، ووزارة الثقافة، وأي هيئة أو مؤسسة عامة أخرى تُعنى بالسياحة والترفيه، بالإضافة إلى إشراك المؤسسات والهيئات المالية والاستثمارية، من أجل بذل كل الجهود في العمل على جذب وتنمية الاستثمارات السياحية، لما لذلك من فوائد عظيمة على الاقتصاد، من توفير فرص العمل إلى توطين الاستثمار، وغيرها من المنافع التي تنعش الاقتصاد الوطني.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة