الاحتباس الحراري وأثره في البيئة

إنَّ مشكلة التلوث البيئي ليسَت مشكلةً جديدةً يواجهها كوكب الأرض؛ لكنَّ الجديد هو تزايد شدة هذا التلوث يوماً تلو الآخر، هذا التلوث الذي لم يكتفِ بالتأثير في حياة الإنسان وحياة الكائنات الحية الأخرى؛ بل وصل تأثيره إلى الغلاف الجوي الذي يحيط بالأرض؛ وهذا حمل معه الخطر إلى مستقبل الحياة على كوكب الأرض، ومع قيام الثورة الصناعية والنهضة العلمية خلال العقود الأخيرة؛ أصبح التلوثُ مسألةً تؤرِّق العالم كله؛ وذلك بسبب ما أحدثه من مشكلات، ولعلَّ الاحتباس الحراري أخطرها على الإطلاق.



قد تسبَّبَ الإنسانُ بظاهرة الاحتباس الحراري؛ بسبب قيامه يومياً بحرق مليارات الأطنان من الوقود الأحفوري؛ من أجل توليد الطاقة؛ ما نتج عنه انبعاثات غازية سبَّبَتِ الاحتباس الحراري، واتساع ثقب الأوزون، وهذه الظاهرة - أي الاحتباس الحراري - التي تمثل مشكلة بيئية واقتصادية تتعدى النطاق الإقليمي إلى النطاق العالمي، ويجب على المجتمع الدَّوْلي التكاتف للحد من الأخطار الناجمة عنها؛ فهي لن تؤثر فقط في حياة الإنسان الحالي على كوكب الأرض؛ بل على الأجيال المستقبلية أيضاً.

مفهوم الاحتباس الحراري:

أول من ابتكر مصطلح "الاحتباس الحراري" كان عالِم الكيمياء "سفانتي أرينيوس" عام 1869 م، والاحتباس الحراري: هو الارتفاع التدريجي في حرارة أدنى طبقة من طبقات الغلاف الجوي الذي يحيط بالأرض، وهذا الارتفاع يَحدُث نتيجة ارتفاع مفرط للغازات الدفيئة، وهي:

  • بخار الماء.
  • ثاني أوكسيد الكربون CO2 وهو أعلى نسبة من الغازات الضارة، وقد شهد ارتفاعاً ملحوظاً منذ بداية القرن 19؛ نتيجةً للأعمال البشرية التي تخللت الثورة الصناعية، وحرق الوقود الأحفوري على وجه الخصوص.
  • أوكسيد النيتروز N2O، أو أوكسيد النتروجين الذي ينتج من أكسدة المواد العضوية، ومن عوادم السيارات، واحتراق الغاز الطبيعي والفحم الحجري، ومن التفريغ الكهربائي للسحب في أثناء حدوث الرعد، وكذلك من التفاعلات الطبيعية في الغلاف الجوي.
  • الميثان CH4 أحد الغازات الطبيعية الموجودة في الغلاف الجوي، وينتج من التفاعلات الكيميائية في الأماكن التي لا تحتوي على الأوكسجين في الأماكن الرطبة، كما يندفع مع البراكين ومن حقول الغاز الطبيعي، ونسبته الطبيعية نحو 160 و240 مليون طن، إلا أنَّ ما ينتج من حرق الإنسان للوقود الأحفوري أعلى بكثير ممَّا تنتجه الطبيعة.
  • الأوزون O3.
  • الكلوروفلوركاربون CFCs الذي يُستخدَم في أغراض التبريد، وقد مُنِع استخدامُه منذ سبعينيات القرن الماضي.

تدفِّئ هذه الغازات الأرض، ومن دون وجودها يمكن أن تصل درجة حرارة الأرض إلى 19 درجة تحت الصفر، فتعمل هذه الغازات على امتصاص جزء من الأشعة تحت الحمراء المنبعثة من سطح الأرض؛ كانعكاسٍ لأشعة الشمس الساقطة على الأرض، وتحتفظ بها في الغلاف الجوي للأرض؛ من أجل المحافظة على حرارة الكرة الأرضية ضمن معدلها الطبيعي؛ لكنَّ هذه الغازات لا يمكنها الاحتفاظ بهذه الأشعة إلى الأبد؛ لذا تُعيد القسم الأكبر منها إلى الأرض مرة أخرى مسبِّبةً ارتفاعاً في درجة حرارتها؛ فهي تمنع الأشعة الفائضة من اختراقها والعودة إلى الفضاء.

شاهد بالفديو: 10 طرق سهلة لتكون صديقاً للبيئة

أسباب ظاهرة الاحتباس الحراري:

ترجع أسباب ظاهرة الاحتباس الحراري إلى أسباب طبيعية وأخرى صناعية؛ ومن الأسباب الطبيعية ثمَّة البراكين وحرائق الغابات والملوثات الطبيعية، أمَّا الأسباب غير الطبيعية؛ فترجع إلى النشاطات التي يقوم بها الإنسان كإزالة الغابات، وقطع الأشجار، وحرق الوقود الأحفوري؛ كالنفط والغاز والفحم، فيؤدي ذلك كله إلى زيادة نسبة ثاني أوكسيد الكربون في الجو؛ محدثاً الاحتباس الحراري.

إقرأ أيضاً: يوم الأرض العالمي: مُحاكاة حقيقية للأرض وحلول لمشكلاتها

تأثير الاحتباس الحراري في كوكب الأرض:

  • تغيُّر في نظام الأمطار والرياح؛ نتيجة الزيادة في سرعة التبخر، الأمر الذي يؤدي إلى جفاف التربة، والخاسر الأكبر هي الدول التي تعتمد الزراعات البعلية ومياه الأمطار في الري.
  • زيادة نسبة التصحر، وتهديد الأمن الغذائي للإنسان، وتهديد موارد المياه العذبة.
  • زيادة نسبة أوكسيد الكربون من 275 جزءاً بالمليون إلى 380 جزءاً بالمليون بعد الثورة الصناعية.
  • زيادة نسبة الكلوروفلوروكربون بنسبة 4% سنوياً.
  • ارتفاع تركيز النتروز بنسبة 18%.
  • ارتفاع مستوى البحار والمحيطات بنسبة تتراوح من 0.3 إلى 0.7 خلال القرن الماضي؛ وذلك بسبب ذوبان الجليد؛ ما يهدد المدن الساحلية؛ فأيُّ ارتفاعٍ في مياه البحر خطرٌ على بقائها.
  • ذوبان الجليد في القطبين، فتتناقص سماكة الثلوج 40% عمَّا كانت قبل الثورة الصناعية.
  • ازدياد دفء موسم الشتاء وانتهائه قبل موعده.
  • تهديد التنوع الحيوي.
  • زيادة احتمال ظهور الأمراض، وانتشار الأوبئة الخطيرة في حياة الإنسان؛ فالتلوثُ البيئي سببٌ مباشر في إصابة الإنسان بأمراض الملاريا، والكوليرا، والتيفوئيد، والأمراض المعوية، والأمراض القلبية، وأمراض الجهاز العصبي، وأمراض الجهاز التنفسي، وتشوهات الأجنة، وأنواع مختلفة من السرطانات، وسواها من الأمراض الخبيثة والخطيرة.
  • تغير في مجرى التيارات المائية داخل المحيطات.
  • زيادة سخونة نصف الكرة الشمالي بسرعة أكبر من نصف الكرة الجنوبي.
  • زيادة تواتر الموجات الحارة على سطح الأرض.

الجهود الدَّوْلية المبذولة في مجال مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري:

  • لقد تزايدت الجهود الدَّوْلية من أجل مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري واتخاذ التدابير التي تحد من التغيرات المناخية؛ وذلك من خلال عقد الاتفاقيات والمؤتمرات؛ لاتخاذ ما يلزم من إجراءات، وقد شَكَّلَت الجمعيةُ العامةُ في الأمم المتحدة بالتعاون مع منظمة الأرصاد الجوية "WMO"، وبرنامج الأمم المتحدة "UNEP" عام 1988 الفريقَ الحكوميَّ الدَّوْليَّ المعني بالتغيُّر المناخي "Ipss"؛ من أجل إجراء البحوث المرتبطة بهذه الظاهرة، وفي عام 1990 وضع هذا الفريق مجموعة من التدابير التي من شأنها التقليل من الانبعاثات.

في عام 1992 أعدَّت الأمم المتحدة اتفاقية إطارية لتغير المناخ؛ من أجل عرضها في مؤتمر "قمة الأرض" الذي عُقِد في مدينة "ريو دي جينيرو" في الفترة الممتدة بين (3 – 14) من شهر حزيران عام 1992.

  • تعاونت منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية "UNIDO" مع أجهزة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ؛ من أجل مراقبة الانبعاثات الناجمة عن المشاريع الصناعية، والعمل على استخدام التقنيات الحديثة القادرة على الحد من تلك الانبعاثات الضارة بالبيئة، وقد شاركت "UNIDO" في برامج الأمم المتحدة للحصول على التكنولوجيا النظيفة واتباع آليات التنمية النظيفة.
  • تعاونت منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية مع منظمة التجارة العالمية؛ للتغلب على الصعوبات التي واجهت بروتوكول مونتريال حول المواد المستنفذة لطبقة الأوزون.
  • أدرجت الجمعية العامة في الأمم المتحدة مركبات الكربون الكلورية الفلورية في قائمة خاصة، وتعهدت بالتقليل منها، والقضاء التدريجي عليها بين عامي 2020 و2040.
  • وضعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية "OECD" المبادرة الضريبية لحماية البيئة في المملكة المتحدة، كما تتوجه دول المنظمة إلى دعم النشاطات الزراعية، وزيادة المساحات الخضراء التي تعمل على استهلاك الغازات الدفيئة.
  • أنشأَت منظمةُ التجارة العالمية لجنةَ التجارة والبيئة "Committee Trade Environment" المعنية بمناقشة مشكلات التجارة وتأثيرها في البيئة.
  • أصدر مؤتمر "ستوكهولم" للبيئة 1972 وثيقة هامة ينبغي على الدول اتباعها؛ من أجل وقف التدهور البيئي.
  • وضع مؤتمر نيروبي 1982 مبادئ العلاقة بين الإنسان والبيئة، وعبَّر المؤتمر بوضوح عمَّا يلحقه الإنسان من أضرار واضحة في البيئة.
  • أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة ميثاق الطبيعة 1982 الذي تضمن مبادئ حماية الطبيعة والحفاظ على توازنها.
  • "اتفاقية باريس للمناخ" وقَّعَت على هذه الاتفاقية 194 دولة، وتعهدت الدول بحصر ارتفاع درجة حرارة الأرض وإبقائها دون درجتين مئويتين قياساً بفترة ما قبل الثورة الصناعية، ومتابعة الجهود لوقف ارتفاع درجات الحرارة.
  • صدور البيان الختامي في مؤتمر المناخ 2017 الذي أوصى بإنشاء صندوق تابع للأمم المتحدة للتخفيف من عاقبات التغير المناخي في الدول النامية.
إقرأ أيضاً: حرائق الغابات مشكلة عالمية: ما هي أسبابها وتأثيراتها؟

كيف تسهم في مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري؟

  • التقليل من استخدام الطاقة.
  • التقليل من استخدام الوقود، واستخدام سيارة صديقة للبيئة.
  • تجميع مهامك اليومية واستخدام وسائل النقل العامة بدلاً من السيارة الخاصة؛ للتقليل من حرق الوقود.
  • اعتيادُ المشي واستخدام الدراجات الهوائية.
  • تقليل نفقات التدفئة والتبريد واختيار الوسائل التي تعتمد الطاقة البديلة؛ مثل الشمس والرياح.
  • زراعة الأشجار وعدم قطع أشجار الغابات التي تمتص ثاني أوكسيد الكربون.
  • استبدال المصابيح المنزلية بمصابيح أخرى موفرة للطاقة.
  • فصل الأدوات المنزلية الكهربائية من المقابس عند الانتهاء من استخدامها.
  • استخدام سخان المياه الشمسي.
  • تجنب استخدام الأكياس البلاستيكية واستخدام الأكياس القماشية بدلاً منها.

في الختام:

تمثل ظاهرة الاحتباس الحراري في الوقت الراهن محور اهتمام العالم أجمع؛ وذلك لما قد تُحدِثُه هذه الظاهرة من خطر يهدد البشرية كلها؛ لذا لا بُدَّ للمجتمع الدَّوْلي من الاتفاق على نقاط مشتركة؛ للحد من انتشار هذه الظاهرة، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع التلوث البيئي، والسير بالإنسان الحالي والمستقبلي نحو برِّ الأمان.




مقالات مرتبطة