الإنتاجية أم الكفاءة: أيُّهما أهم؟ ولماذا؟

يمكن النظر إلى الفرق بين الإنتاجية والكفاءة من خلال وجهين: الأول نوعي، والثاني كمي؛ إذ يُعرَف الشخص المنتِج بأنَّه ينجز الأمور رغم أنَّ إنجازاته هذه قد لا تدوم طويلاً عندما لا يحدد استراتيجيات تنفعه على الأمد الطويل؛ ولكن في معظم جوانب حياتنا، تتعارض الإنتاجية والكفاءة دائماً.



عندما ينصبُّ تركيزك على الإنتاجية، فالكفاءة هي أول أمر ستعاني من انخفاضه؛ وبالطريقة نفسها، عندما تحرص على أن تكون خططك متقَنةً ومدروسة، تخاطر بتأجيل تحقيق أهدافك.

كيف تقيس الإنتاجية في حياتك؟

تُحسَب الإنتاجية عادةً من خلال قياس ما ينتجه الفرد خلال فترتين زمنيتين متشابهتين؛ فمثلاً: إذا قرأت كتابين في شهر كانون الثاني، وأربعة كتب في شهر شباط، فيعني هذا أنَّك كنت أكثر إنتاجية في شهر شباط.

تحسب الشركات معدل الإنتاجية من خلال المقارنة بين الموظفين والأقسام والمواقع؛ فعلى سبيل المثال: حقَّق مكتب إحدى الشركات في كاليفورنيا (California) نحو 60 ألف دولار في شهر آذار، بينما حقق المكتب الموجود في فلوريدا (Florida) نحو 50 ألف دولار في الشهر نفسه؛ ممَّا يجعل مكتب كاليفورنيا (California) أكثر إنتاجية.

إقرأ أيضاً: كيف تقيس إنتاجيتك؟ اختبار عملي لقياس الإنتاجية

مواضع ضعف الإنتاجية:

لعلَّك شعرت مرة على الأقل في حياتك أنَّ قياس الإنتاجية بهذه الطريقة يستقصي الصورة الكبرى للأمور فقط دون النظر في التفاصيل؛ فعندما يطلب منك مشرفك أن تعدَّ تقريراً وتسلمه في نهاية اليوم، يعتقد أنَّها مَهمَّة معقولة؛ ورغم أنَّ إعداد التقرير لا يتطلب منك أكثر من 30 دقيقة، لكنَّه ليس الأمر الوحيد الذي تقوم به خلال اليوم.

إذا كان إعداد التقرير المَهمَّة الوحيدة التي عليك إنجازها، فإنَّك توافق على ضرورة إنهائه بحلول نهاية اليوم؛ ولكن يوجد موظف جديد عُيِّن في القسم الذي تعمل به، ووافقت على تدريبه على جميع الأمور المتعلقة بالشركة؛ وبناءً على درجة تعقيد دورك ومدى مشاركة المتدرب في العمل، قد يستغرق الأمر اليوم بأكمله لتوجيهه خطوة بخطوة، كما عليك في الوقت نفسه إنجاز مهمات إضافية عاجلة وافقت على استلامها الأسبوع الماضي وتسليمها في الموعد المحدد نفسه.

كما ترى، عندما تستقصي محصلة ما ينتجه الفرد فقط كي تحدد إنتاجيته، لن تتمكن من ملاحظة معلومات أخرى هامة؛ مما سيدفعك إلى التفكير بأنَّ الأسبوع الذي قضاه هذا الشخص لم يكن مثمراً، في حين أنَّه كان أكثر إنتاجية من الأسبوع السابق.

الكفاءة: الوجه الآخر للإنتاجية:

إذا كانت الإنتاجية تركِّز على حصيلة إنتاجك، فتتمحور الكفاءة حول جودة عملك التي عادة ما ترتكز على توفير الوقت والحفاظ على الموارد.

فكر في إنتاجيتك على أنَّها الإيرادات التي حققتها من عملية بيع، وفي كفاءتك على أنَّها الأموال التي تكسبها بعد دفع جميع النفقات.

لنوضح الأمر أكثر، دعنا نعود إلى المثال الذي ذكرناه سابقاً؛ فعندما حقق مكتب كاليفورنيا (California) مبيعات بقيمة 60 ألف دولار، أنفقوا 20 ألف دولار لتغطية تكاليف السفر والندوات؛ بينما حقق مكتب فلوريدا (Florida) مبيعاته باستخدام منصة نقاش افتراضي غير مكلف لإقامة الندوات؛ ممَّا يعني أنَّ مكتب فلوريدا (Florida) قد حقق بذلك أرباحاً أكبر، وتمتع بكفاءة أعلى.

تحقق الكفاءة أيضاً الجودة فيما يتعلق بالوقت؛ فلنفترض مثلاً وجود شخصين يعملان في مركز اتصالات، ويتمحور عملهما حول استطلاع آراء 100 عميل يومياً؛ لقد بلغ الموظف الأول هذا العدد بعد أن اتصل بـ 150 عميلاً، بينما حقق الثاني العدد نفسه بعد الاتصال بـ 300 شخص إضافي؛ ورغم أنَّ كلاهما حققا الهدف المطلوب، إلَّا أنَّ الموظف الأول كان أكثر كفاءة، لأنَّه لم يكن عليه إلَّا الاتصال بـ 50 عميل إضافي، بينما كان على الثاني الاتصال بـ 200 شخص إضافي ليحقق هدفه.

إقرأ أيضاً: 7 عادات يومية للأشخاص الذين يتمتعون بأعلى درجات الكفاءة

هل يوجد ما يُسمَّى بالكفاءة المفرطة؟

يمكن أن يؤدي التركيز على الكفاءة فقط إلى عواقب غير مقصودة؛ فأنت لا ترغب في إنهاء عملك على عجل، لكنَّك لا ترغب أيضاً في تحديد توقعات غير معقولة، والسعي إلى تحقيق الكمال؛ إذ تعدُّ التحديات والعثرات والإخفاقات جميعها جزءاً من تحقيق التنمية والإنجازات.

عندما تركز على الجودة بإفراط، ستعاني من آثار القلق والتسويف وانعدام الثقة بالنفس؛ فإذا كنت في منصب قيادي، فقد يشعر فريق العمل بالخوف الشديد من إنتاج أي شيء بسبب القلق الذي ينتابهم من ارتكاب الأخطاء.

يظل الجميع في مرحلة التحليل بسبب ذلك الخوف؛ حيث يواصلون التخطيط لكل نتيجة ممكنة؛ ورغم أنَّ الجميع يحتفي بالأشخاص الناجحين الذين يسعون إلى الكمال كستيف جوبز (Steve Jobs)، إلَّا أنَّ هناك دراسات تؤكد أنَّ معظم الأشخاص الناجحين يكونون أقل ميلاً للسعي وراء الكمال؛ حيث تمنع الكمالية معظم الناس من اتخاذ القرارات لأنَّ القلق من ارتكاب الأخطاء يعيقهم عن ذلك.

الموازنة بين الإنتاجية والكفاءة:

عندما تحاول تحديد ما إذا كانت الإنتاجية أو الكفاءة أكثر أهمية، من الهام أن تفهم أنَّك تحتاج إلى كليهما؛ حيث سيمنحك تحقيق أهدافك والحفاظ على تصميمك شعوراً رائعاً، ولكن سيتوجب عليك إدراك عواقب ذلك.

عليك مراقبة مقدار الوقت والموارد التي تستثمرها في تحقيق هدفك؛ حيث توجد نقطة يبدأ عندها مردودك بالتناقص تصل إليها عندما تقدم نتيجة ضخمة، مما يجعل عملك مليئاً بالأخطاء ويتطلب مزيداً من الاهتمام.

يحدث الشيء نفسه عندما تصب تركيزك على جودة العمل لدرجة أنَّك تصبح على شفير الكمالية؛ حيث يعاني الكماليون من خوف غير صحي من الفشل يمنعهم من إنتاج أي شيء لا يكون على مستوى مثالي.

3 استراتيجيات لتحسين إنتاجك:

1. تعلُّم إدارة الوقت والموارد:

ابدأ محاولة الحفاظ على المستوى الحالي للإنتاج مع خفض الموارد التي تستخدمها، حيث تتطلب هذه الاستراتيجية أن تتعلم إدارة أهدافك؛ فعلى سبيل المثال: إذا كنت تشرف على ميزانية التسويق لشركة أرباحها بالمليارات، فقد تحقق النتائج المَرجُوَّة لأنَّك تغمر السوق بالإعلانات؛ فما الذي عليك فعله إذا أردت تعزيز كفاءتك دون التأثير في إنتاجيتك؟

إحدى الاستراتيجيات البسيطة هي إجراء مراجعة لجميع حملاتك التسويقية؛ وبمجرد الانتهاء من المراجعة، يمكنك تصنيف حملاتك الإعلانية بناء على عائد الاستثمار؛ ثمَّ يمكنك بعد ذلك زيادة إنتاجيتك وكفاءتك عن طريق إعادة تخصيص الأموال التي أنفقتها على أسوأ 10% من الإعلانات، ونقلها إلى أبرز 10٪ من الإعلانات.

2. الحد من الهدر:

توجد استراتيجية أخرى تؤثر تأثيراً مباشراً في إنتاجيتك، وهي التركيز على تقليل المصاريف الزائدة؛ إذ عليك تطبيق تقنيات من شأنها أن تؤثر في كفاءتك وإنتاجيتك إيجاباً؛ لذا ابدأ تقليل المصاريف الزائدة من خلال إيجاد بدائل أقلَّ تكلفة تمكِّنك من تحقيق النتائج نفسها التي تحققها حالياً.

تماماً كالمثال التي تحدثنا عنه؛ حيث أنفق مكتب كاليفورنيا (California) أموالاً أكثر بكثير من تلك التي أنفقها مكتب فلوريدا (Florida)؛ فهل توجد خيارات أكثر فاعلية من حيث التكلفة والجودة لم تكتشفها بعد؟

إنَّه لمن المستحسن مراجعة نفقاتك سنوياً لمعرفة ما إذا كانت توجد جوانب يمكنك تحسينها؛ وإن لم تكن متأكداً من ذلك، فتفقد الشركات لترى ما إذا كانت أسعارك تتوافق مع أسعار السوق.

يمكنك حتى استخدام هذه التقنية مع مواردك المالية الشخصية؛ فهل سبق لك أن تساءلت عن سبب وعود الشركات التجارية لتأمين السيارات بأنَّها تستطيع مساعدتك في توفير أكثر من 40٪ على تأمين السيارة؟ ذلك لأنَّ معظم الناس لا يجددون البنود التي تشملها عقود تأمين سياراتهم بانتظام؛ ونظراً إلى أنَّ السيارات تُعدُّ من الأصول المستهلكة، تفقد سيارتك قيمتها كل عام.

إذا اشتريت سيارتك مقابل 20000 دولار، فقد تصل قيمتها إلى 15000 دولار فقط بعد سنة من شرائها؛ ولكنَّك إذا كنت لا تزال تدفع تأميناً استناداً إلى قيمة قدرها 20000 دولار، فمن الطبيعي أن تدفع أكثر عندما تتلقى تأميناً يستند إلى قيمة مقدارها 15000 دولار.

لذا، فعندما تتصل بشركة التأمين الجديدة، ستقدم لك تأميناً بناء على القيمة الحالية للسيارة البالغ قدرها 15000 دولار؛ إذ إنَّ السبب الذي يجعل شركات تأمين السيارات واثقة جداً من قدرتها على توفير المال هو أنَّها تعلم أنَّك تدفع تأمين سيارة قيمتها 20000 دولار، في حين أنَّ سيارتك تساوي نصف أو ثلث ذلك المبلغ.

3. ترتيب الأهداف حسب الأولوية:

إنَّ الاستراتيجة الثالثة التي تساعدك على تحقيق توازن بين الإنتاجية والكفاءة هي ترتيب الأهداف حسب الأولوية؛ فإذا أردت تجنب الوقوع في فخ الكمالية، عليك أن تتقبل أنَّك لا تستطيع فعل كل شيء كما تريد؛ إذ عليك أن تحدد الأهداف التي تهمك أكثر، وتتنازل عن التي تقلها أهمية لتحرص على تحقيق أهدافك الأساسية.

على سبيل المثال: يشهد العمل في مجال قيادة الشاحنات تنافساً شديداً؛ لذا ينبغي أن يركز السائقون على تخفيض التكاليف، وتحقيق كفاءة عالية؛ وكي يحققوا ذلك، يحرص السائقون على وجود حمولة لينقلوها دوماً كيلا تبقى الشاحنة فارغة؛ فإن لم يتمكنوا من فعل ذلك، سيهدرون الوقت والموارد، ولن يتمكنوا من تغطية التكاليف التي ستزداد أكثر في كل مرة؛ وليحرصوا على أنَّ جميع التكاليف تحت السيطرة، يمنح السائقون الأولوية لتجنب إبقاء الشاحنة فارغة قبل أي هدف آخر.

قد لا يجد السائقون أحياناً حمولة في مكان التوصيل بمستوى الحمولة التي نقلوها نفسه؛ ولكن بما أنَّهم يمنحون الأولوية لـ "تجنب ترك الشاحنة فارغة"، فلن تكون لديهم مشكلة في عرض سعر منخفض عندما يجدون أنفسهم في هذا الموقف؛ فإذا لم يكن ذلك أهم أولوية لديهم، فسيضطرون إلى انتظار حمولة تغطي تكاليف عودتهم؛ إذ ترغمك الكمالية على تحقيق جميع أهدافك على أكمل وجه، أو الامتناع عن تحقيقها.

شاهد بالفيديو: 5 أسئلة تساعدُكَ على تحديد الأولويات

عندما تجري الرياح بما لا تشتهي السفن:

عندما تواجه قرارات صعبة، تمهَّل، وحدد ما يهمك أكثر؛ فإذا كنت تستطيع تحقيق هدف أو هدفين فقط، فأيٌّ منهما سيحقق التأثير الأكبر؟

خذ الوقت الكافي لفهم وتفسير التغييرات الضرورية التي عليك إجراؤها لمستويات إنتاجيتك وكفاءتك؛ ففي حالة سائق الشاحنة، ضحى بإنتاجيته من خلال تخفيض قيمة الحمولة، ولكنَّه عزَّز من كفاءته لأنَّه تمكن من تغطية جميع التكاليف، وحقق ربحاً بسيطاً بتلك القيمة المنخفضة التي تلقاها.

ما يعنيه ذلك في النهاية هو أنَّ سائق الشاحنة عزز من إنتاجيته لأنَّ الاختيار لم يكن بين السعر الاعتيادي والسعر المنخفض، بل بين الحمولة الفارغة والسعر المنخفض.

الخلاصة:

ستتمكن من خلال إتقان إدارة وقتك ومواردك وتخفيض المصاريف الزائدة ومنح الأولوية لأهدافك من تعزيز كفاءتك وإنتاجيتك؛ فبغضِّ النظر عن الهدف الذي حددته في حياتك، ستستفيد دائماً من العمل بكفاءة أكبر، وتحقيق التوازن بينه وبين الإنتاجية.

المصدر




مقالات مرتبطة