الإبداع: أنواعه، وأهميته، ومظاهره، وصفات الشخصية المبدعة

يقول ستيف جوبز: "الإبداع هو الربط بين الأشياء، وعندما تسأل المبدعِين كيف ابتكروا أعمالهم، يشعرون بقليل من الذنب لأنَّهم لا يعرفون كيف فعلوها، هم فقط رأوها، واكتشفوا بعد فترة أنَّ لديهم القدرة للربط بين خبراتهم التي مروا بها، وصنع أشياء إبداعية جديدة".



تعريف الإبداع:

للإبداع تعاريف كثيرة، منها:

  • الإبداع هو القدرة على الإتيان بشيء جديد، في أيِّ مجال من مجالات العلوم أو الفنون أو الحياة بشكلٍ عام.
  • كما يُمكِن وصف التعامل مع الأمور المألوفة بطرائق غير مألوفة على أنَّه إبداع.
  • هو رؤية الأشياء بطريقة لا يستطيع الآخرون رؤيتها.
  • عملية ينتج عنها عمل جديد غير مسبوق.
  • الانحراف عن الاتجاه الأصلي، والانشقاق عن التسلسل التقليدي في التفكير.
  • هو ضرب من التحرر من القيود التي يفرضها الزمان والمكان.
  • هو عمل يؤدي إلى الوصول إلى حلول قابلة للتحقيق، ومُبتكرة في آنٍ واحدٍ.

أنواع الإبداع:

يُقسم الإبداع إلى المستويات التالية:

  • الإبداع التعبيري: يكون الإبداع التعبيري في مجالات الفن والأدب والثقافة، ومن ميزات مبدعي هذا المجال القدرة على الإلقاء بين الناس.
  • الإبداع الفني: وهو القدرة على العزف على الآلات الموسيقية والغناء.
  • الإبداع الإنتاجي: يُستخدم عادةً في المجالات الإدارية، ويتميز مبدعو هذا المجال بابتكار الحلول الإدارية غير التقليدية.
  • الإبداع الخلاق: وهو إيجاد حلول خلاقة وفعالة للمشكلات.
  • الإبداع المتجدد: وهو اختلاق الحلول المثالية والجذرية للمشكلات المختلفة.
  • الإبداع المفاجئ: وهو إيجاد حلول للمشكلات الطارئة أو المفاجئة.

خصائص الإبداع:

يتصف الإبداع بعددٍ من الخصائص والصفات، من أهمها:

  • الميزة النسبية: يُقصد بالميزة النسبية؛ تميُّز الفكرة الجديدة على غيرها من سابقاتها.
  • انسجام الفكرة مع القيم السائدة: وتعني مقدار الانسجام بين الفكرة المستحدثة، والقيم والقناعات التي يمتلكها صاحبها.
  • التشابك مع الأفكار الأخرى: وتعني مقدار إمكانية تشاركية الفكرة الإبداعية مع الأفكار الأخرى، ومقدار إمكانية فهمها وتطبيقها في الواقع.
  • القابلية للتقسيم: وهي مقدار إمكانية تقسيم الفكرة، وتجربة شيء محدود منها.
  • القابلية للانتقال: يُقصد بها مقدار قدرة الفكرة الإبداعية على الانتشار، وهذا يعتمد على مقدار سهولة الفكرة من صعوبتها.
  • الكسب من وراء الفكرة: وتعني مقدار الكسب والاستفادة التي سيحقِّقها صاحب الفكرة الإبداعية منها، ومقدار اكتسابه خبرات ومهارات جديدة.

شاهد بالفيديو: 8 طرق لتنمية الإبداع في نفسك

مراحل الإبداع:

يمر الإبداع بمراحلَ عدَّة، وهي:

  • مرحلة الاستعداد: وهي من أهم المراحل؛ لأنَّ المبدع يقوم فيها بجمع البيانات، وتحليلها، ثمَّ يقوم باستنباط المعلومات.
  • مرحلة الاختمار: المقصود بها هو اختمار الفكرة في عقل المبدع، واقتناعه بحل المشكلة، فيبدأ بمحاولة معالجتها بشكلٍ فعال، وهي من أصعب المراحل؛ حيث يعيش فيها العقل المبدع حالةً من القلق وعدم الاستقرار.
  • مرحلة الإلهام: وهي مرحلة هامة جداً، وتحتاج لبذل مزيدٍ من الجهد؛ لأنَّها المرحلة التي يصل فيها المبدع إلى الحل الجذري، ويقوم بتنظيم الأفكار في عقله.
  • مرحلة التحقيق: يتحقق المبدع في هذه المرحلة من صحة الابتكار، ويُعلن عن الفكرة التي تكوَّنت في عقله، للتأكُّد من نفعها لأفراد المجتمع.

مهارات التفكير الإبداعي:

تُسهم هذه المظاهر في تطوير الإبداع، وتُعدُّ ملخصاً لكثيرٍ من الدراسات والأبحاث التي قام بها أكبر الخبراء والأكاديميين في علم النفس والتنمية البشرية، وكان أهمها:

  1. التخيُّل: وهو الإتيان بأفكار خلاقة غير مألوفة، نتجَت من خلال الجمع بين مفاهيم عدَّة مختلفة.
  2. المرونة: تعني المرونة إمكانية رؤية الأمور من اتجاهاتٍ عدَّة.
  3. اتخاذ القرارات: يلعب صنع القرار دوراً كبيراً في تنمية الإبداع، لأنَّه يتطلب من الأفراد التفكير واختيار أفضل حل لمشكلةٍ ما.
  4. التعاون: يُساعد تبادل الأفكار والخبرات مع الآخرين، على حل المشكلات والوصول إلى هدفٍ مشترَك، كما يُوسِّع التعاون والعمل مع الآخرين مدارك التفكير؛ من خلال التعرف إلى وجهات النظر الأخرى، والطريقة التي يُفكِّر بها الآخر.
  5. التواصل: يساهم التواصل في تنمية الإبداع لدى الإنسان، بإتاحة الفرصة له كي يُعبِّر عن نفسه ومشاعره وأفكاره، من خلال اللغة والفن والحركة، لإظهار الإبداع المكنون بداخله.
  6. الدوافع: تُعدُّ الدوافع الداخلية للإنسان أساس التطور والإبداع، لأنَّها تحثَّه على البحث والاستكشاف لإشباع فضوله وإثراء خبرته.
  7. الرياضة: يزيد النشاط البدني من قدرة الإنسان على التركيز، وقدرته على التعلم، ويُنشط الذاكرة، حيث تُحفِّز الحركة خلايا التعلم في الدماغ.

تمارين على مهارات التفكير الإبداعي:

اتفقَ كثيرٌ من العلماء والخبراء، على أنَّ الإبداع "عضلة"، يمكن تنميتها وتطويرها من خلال بعض التمارين لها، من هذه التمارين:

  • قراءة محتويات مختلفة عمَّا نُحب: غالباً ما نقرأ عن أشياء مفضلة لدينا، أو في مجالنا، لكنَّ هذا لا يُعزز الإبداع، لتحفيز الإبداع يجب البدء باستهلاك محتوىً لا نستهلكه عادةً.
  • تمرين مقالة الخمسمئة كلمة بدون موضوع: يُساعد هذا التمرين في تنمية التفكير الإبداعي، كل ما علينا هو فتح مستند فارغ وأن ننطلق في الكتابة، بلا عنوان بلا موضوع، فقط نترك أصابعنا تبدأ بالكتابة، ونترك عقلنا يقرِّر الكلمات التي ستُكتب!
  • الجلوس مع أشخاص لا نعرفهم: ربما يُعطينا التعرف على أشخاص غريبين تماماً عن تفكيرنا واهتماماتنا، منظوراً جديداً لم نسمعه أبداً عن الأشياء الخاصة بنا، كما أنَّ سماع قصص جديدة سيفتح آفاقاً جديدة في العقل والخيال.
  • تمرين العصف الذهني: يكون العصف الذهني بالطلب من مجموعة أشخاص الانضمام إلينا في جلسة عصف ذهني مدَّتها 45- 60 دقيقة، لا تكنولوجيا، ولا نقد على الإطلاق، حيث نطرح فكرة أو موضوعاً ما، ونبدأ بالتفكير بها ذهاباً وإياباً، ونكتب أفكارنا بالورقة والقلم، ونبتعد عن كل وسائل التكنولوجيا في البحث والتدوين، وقد تنتهي جلسة العصف الذهني بمئة فكرة مميزة وإبداعية، وبهذا ستتحسن قدراتنا الإبداعية كلما مارسنا هذا التمرين.
إقرأ أيضاً: 7 عوامل مهمة لتحقيق التفكير الإبداعي

مستويات الإبداع:

يظهر الإبداع في مستوياتٍ عدَّة منها:

  • الإبداع على المستوى الفردي: وهو القدرة الإبداعية التي تتوفَّر لدى الأفراد، من خلال خصائص فطرية يتمتعون بها؛ كالذكاء والموهبة، أو من خلال خصائص مُكتسَبة يمكِن التدرب عليها وتنميتها، كحلِّ المشكلات مثلاً.
  • الإبداع على المستوى الجماعي: أن تتعاون جماعة من الأفراد، في تطبيق أفكار جديدة، أو تغيير الوضع القائم نحو الأفضل.
  • الإبداع على مستوى المنظمات: حتى تصل المنظمات إلى الإبداع، لابُدَّ من وجود إبداع فردي وجماعي فيها، وعندها تُصبح المنظمة متميِّزة في مستوى أدائها، ويُصبح عملها نموذجياً للمنظمات الأخرى.

وميَّز الباحثون بنوعين رئيسين من الإبداع على مستوى المنظمات، وهما:

  • الإبداع الفني: يتعلق هذا النوع من الإبداع بالمنتجات سواء كان سلعاً أو خدمات، وبنشاطات المنظمة وتكنولوجيا الإنتاج التي تُستخدم في إنتاج السلع والخدمات.
  • الإبداع الإداري: يتعلق هذا النوع من الإبداع بالهيكل التنظيمي والعملية الإدارية في المنظمة.

جوانب الابداع:

  • الطلاقة: وهي القدرة على تقديم أكبر عدد ممكن من الأفكار الإبداعية، ولها أنواع: (طلاقة تصويرية، وطلاقة الرموز أو طلاقة الكلمات، وطلاقة المعاني والأفكار، وطلاقة تعبيرية).
  • الأصالة: يُقصد بالأصالة؛ الإنتاج غير المألوف والمبتكر، الذي لم يسبق أحد في الوصول إليه، والشخص المبدع صاحب الفكر الأصيل لا يلجأ للحلول والأفكار التقليدية والمتكررة.
  • الحساسية للمشكلات: وتعني القدرة على رؤية عديدٍ من المشكلات في الموقف ذاته، وذلك بسبب النظرة غير المألوفة للمواقف، وإدراك لمواطن النقص أو القصور في المواقف والأحداث المحيطة.
  • إدراك التفاصيل: وهي قدرة إبداعية في إدراك تفاصيل الموقف المُثار، وتوضيح موضوع غامض، وتوسيع فكرة مختصرة.
  • المحافظة على الاتجاه: وتعني قدرة الشخص على استمرار التفكير في المشكلة، للوصول إلى حلول جديدة.
إقرأ أيضاً: مدارس التفكير الإبداعي ودور القيادة

صفات الشخصية المبدعة:

تتمتع الشخصية المبدعة، بالسمات التالية:

  • الذكاء.
  • الثقة بالنفس.
  • درجة من التأهيل والثقافة.
  • لديه علاقات اجتماعية، ويحاول الاستفادة من أفكار الآخرين.
  • لا يَقبل التسليم بشيء؛ إنما يقوم بالتحليل والتشكيك وإثارة التساؤلات بشكلٍ مستمر.
  • الشجاعة والإقدام والمخاطرة عند تقديم أفكار لم يتم طرحها من قبل.
  • يُفضِّل العمل دون وجود قوانين وأنظمة.
  • الشخص المبدع دائم الفضول والبحث، والميل لتحسين الوضع الراهن.
  • يحب التغيير ولا يحب التقليد.
  • يمتلك ذاكرة قوية.

أهمية الإبداع في حياتنا:

يعود علينا الإبداع بفوائد كثيرة، نذكر منها:

  1. زيادة الثقة بالنفس، والرضا عن الذات، والشعور بالإنجاز، وغياب المشاعر السلبية التي تطال الإنسان الفاشل.
  2. تحسين مستوى الحياة؛ فكلما زاد إبداع الإنسان، زاد تطلُّعه إلى الأفضل.
  3. تحرير كافة الطاقات الكامنة لدى الإنسان، والتخلص من مظاهر الخمول والكسل.
  4. يُحقق الإبداع للمبدع مكاسب مادية ومعنوية، فالمبدع شخص له مكانته واحترامه في مجتمعه، مما ينعكس عليه شعوراً بالراحة والسعادة مع محيطه.
  5. يُساعد الإبداع على تنمية الاقتصاد، من خلال الأفكار الإبداعية التي يُقدِّمها الأشخاص المبدعين.
  6. تؤدي المنافسة بين الأشخاص المبدعين، إلى خلق أفكار إبداعية جديدة وخلق حلول مثالية.

هل الابداع فطري ام مكتسب؟

كثُرت الدراسات والأبحاث التي تناولَت محاولة الإجابة عن التساؤل التالي: "هل الإبداع يأتي عن طريق الجينات الوراثية؟ أم أنَّه يُكتسَب عن طريق مناخ معيَّن وتربية ذات طابع مختلف؟"

كانت خلاصة هذه الدراسات والأبحاث، أنَّ الإبداع ليس محصوراً في نخبة من الناس؛ بل هو موجود بصورةٍ كامنة عند كل الأشخاص، وأنَّ العوامل البيئية تلعب دوراً أهم بكثير من العوامل الوراثية في موضوع الإبداع، وأنَّ السنوات الخمس الأولى من حياة الإنسان مُهمة جداً في تكوين الإبداع لديه، فليس من المطلوب أن يكون الطفل عبقرياً حتى يكون مبدعاً، يكفي أن يتمتع بقدر من الذكاء، فالإبداع لا يعتمد على الذكاء وحده؛ بل يعتمد على كثيرٍ من العادات الذهنية والسمات التي تلعب الأسرة والمدرسة دوراً في تكوينها، من خلال منحه حرية التعبير، والاحترام، والثقة بقدراته، والابتعاد عن تأنيبه أو لومه على إبداعاته الخاطئة، والتعامل مع أسئلة وخيال الأطفال باحترام، وتشجيعه على التفكير وعدم التعامل مع المعلومات على أنَّها مُسلَّمات لا يُمكِن نقاشها، والاهتمام بمواهبه، وتنمية حب الاستطلاع والتعرف على العالم، والابتعاد عن التدليل الزائد ومنحه الاستقلالية، وتشجيع التعليم التفاعلي، وليس تعليم التلقين.

العمل تحت الضغط يولد الابداع:

تُنجَز في كل دقيقة الآلاف من الأعمال والمهام حول العالم، منها ما يمر مرور الكرام بشكلٍ تقليدي، ومنها ما يتم بصورةٍ فريدة بعيدة كل البعد عن أي شيء تم صنعه من قبل، ويستدعي التوقف عنده والثناء عليه، ما هو السر؟ يكمن السر في الإبداع؛ فهو الركيزة الأساسية لتميُّز أي عمل، أو شركة، أو مُنتج، أو تطبيق، أو مقال، أو تصميم، أو كتاب، حيث تكمن قيمة كل أنواع الإنتاج البشري في مدى الابتكار والإبداع فيها، لذا يجب جعله مهارة حياتية تُمارَس يومياً من خلال تطويرها وتنميتها بالتدريب والتعلم.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة