الأسس النفسية لبناء أسرة متماسكة

الأسرة مؤسسة اجتماعية معروفة من قِبَل الجميع، فهي البوتقة التي ينشأ فيها الفرد وتحيطه برعايتها وحمايتها وتزوده بالقيم والمبادِئ وتعلِّمه السلوكات الصحيحة لكي يستطيع العيش في المجتمع والتكيف معه وتحقيق الاندماج المطلوب، فهي المؤسسة التي تمثل ركيزة المجتمع في سعيه إلى تحقيق الغرائز الإنسانية والعواطف الاجتماعية والإشباع الاقتصادي، فالمقومات التي تتمتع بها الأسرة تمنحها القوة لممارسة أدوراها الاجتماعية المناطة بها، فما هي الأسرة؟ وكيف يمكن بناء أسرة قوية متماسكة يشعر الفرد بالأمان في ظلها؟



أولاً: ما هي الأسرة؟

الأسرة في اللغة تعني "الدرع الحصين" وتُستخدم لتشير إلى جماعة ما تجمعها روابط محددة، أما في الاصطلاح فتوجد عدة تعريفات لتحديد معنى الأسرة منها:

  1. أوغست كونت: يُعرِّف الأسرة على أنَّها منظومة علاقات وروابط بين الأعمار والأجناس.
  2. إيميل دوركايهم: هيئة اجتماعية ذات طابع قانوني وأخلاقي.
  3. محمد حسن: عرَّف الأسرة في كتابه "الأسرة ومشكلاتها" بأنَّها: جماعة من الأفراد يتفاعلون مع بعضهم بعضاً، وتُعَدُّ الهيئة الأساسية التي تقوم بعملية التطبيع الاجتماعي للجيل الجديد؛ أي إنَّها تنقُل إلى الطفل خلال نموه جوهر الثقافة لمجتمع معيَّن؛ إذ يغرس الأبوان العادات والتقاليد أو المهارات الفنية والقيم الأخلاقية في نفس الطفل، وكلها ضرورية لمساعدة العضو الجديد على القيام بدوره الاجتماعي والمساهمة في حياة المجتمع.
  4. أحمد زكي بدوي: يُعرِّفها بأنَّها: الوحدة الاجتماعية الأولى التي تهدف إلى المحافظة على النوع الإنساني، وتقوم على المقتضيات التي يرتضيها، العقل الجماعي والقواعد التي تقررها المجتمعات المختلفة، ويُعَدُّ نظام الأسرة نواة المجتمع.
  5. حسن عبد الحميد رشوان: يرى أنَّ الأسرة هي: معيشة رجل وامرأة أو أكثر على أساس علاقات جنسية يقرها المجتمع، وما يترتب على ذلك من واجبات كرعاية الأطفال المُنجَبين وتربيتهم، ثم امتيازات كل من الزوجين إزاء الآخر وإزاء أقاربهم وإزاء المجتمع ككل.
  6. مير دوك: جماعة تتميز بالإقامة المشتركة وتعاون البالغين من الجنسين والأبناء بالولادة أو التبني.

إذاً توجد العديد من التعريفات التي تناولت في حديثها الأسرة وطبيعتها وماهيتها وتشير في مجملها إلى أنَّ الأسرة رابطة اجتماعية تنشأ بين رجل وامرأة، وأهم وظائفها إنجاب الأطفال للحفاظ على البقاء البشري، ويرتبط أفراد الأسرة بروابط اجتماعية وعاطفية.

ثانياً: أنواع الأسرة

  1. الأسرة النواتية: أي تتألف من أب وأم والأولاد سواء أقاموا معاً تحت سقف واحد أم لا.
  2. الأسرة الممتدة: مجموعة أسر نواتية يربط بينها المسكن الواحد.
  3. الأسرة المجموعة: هي مجموعة أسر ممتدة يجمع بينها المسكن الواحد وتمارس نشاطات مشتركة.

شاهد: 12 طريقة لتعزيز التواصل الأسري

ثالثاً: مقومات بناء الأسرة

لكي تستطيع الأسرة القيام بدورها، يجب ممارسة وظائفها على عدة مقومات:

  1. المقومات الاقتصادية: فقيام الأسرة بوظائفها يستلزم موارد مالية دائمة؛ إذ إنَّ إشباع حاجات أفرادها المختلفة بدءاً بالرجل وتكاليف زاوجه، والمرأة وشراء ما يلزمها من أشياء، وكذلك عند إنجاب الأولاد ومصاريفهم الكثيرة من طعام وشراب وملابس ومدارس ودورات تدريبية وغيرها، بالإضافة إلى أشياء يمثل وجودها أشياء جوهرية مثل الرعاية الصحية؛ كلها بحاجة إلى توافر المال، كما يمكن للمستوى المادي للأسرة أن يحدد المستوى الطبقي
  2. المقومات الصحية: تنتقل المورثات من الآباء إلى الأبناء؛ لذا يُعَدُّ من الضروري أن تتمتع الأسرة بالصحة الجيدة، وتكون خالية من الأمراض المُعدية مثل مرض أنيميا البحر المتوسط الذي يؤثر في صنع كريات الدم الحمراء، وضمور العضلات الشوكي الذي يسبب ضمور وضعف عضلات الأطراف، كما أنَّ ضعف القدرة على الإنجاب يعود إلى أسباب وراثية ولا سيما في حالات زواج الأقارب؛ لذا من الهام جداً أن يعمد الرجل والمرأة إلى القيام بتحاليل قبل الزواج للتأكُّد من السلامة الصحية لكل منهما قبل البدء بتكوين أسرة.
  3. المقومات النفسية: أي أن تكون أسرة خالية من الاضطرابات النفسية وقادرة على إحداث التوازن في إشباع حاجاتها، وكذلك توفِّر الأمن والشعور بالراحة والطمأنينة لأبنائها، ويمتلك أفرادها إحساساً عالياً بالعطف على بعضهم بعضاً، فالتفاهم والتعاون داخل الأسرة قادر على حمايتها من التفكُّك الأُسري ويجعلها تتكيَّف مع المحيط الاجتماعي بنجاح.
  4. المقومات الاجتماعية: إذ إنَّ الأب والأم وكذلك الأولاد تجمعهم علاقات اجتماعية داخل الأسرة أولاً وخارجها ثانياً، فالأولى والتي تتمثل بعلاقة الزوجين ببعضهما وطريقة تقبُّل كل منهما للآخر وتكيفه معه، وكذلك علاقة الوالدين بالأطفال والطريقة التي يعتمداها في تنشئة أولادهما ومنحهم العطف والحنان، كما تشمل العلاقات الاجتماعية الخارجية العلاقة مع الأقارب وما تتضمنه من معايير ينبغي الالتزام بها وواجبات يجب مراعاتها.
  5. المقومات الدينية: لنجاح الحياة الاجتماعية للأسرة يجب أن تكون خاضعة إلى قواعد عامة ثابتة تسير وفقها وبموجبها، وهذه القواعد غالباً ما يفرضها الدين ويفرض احترامها على الجميع.
  6. المقومات الثقافية: فالأسرة هي المسؤولة عن تربية أولادها وتعليمهم العادات والتقاليد السائدة في المجتمع وكيفية احترامها وعدم تجاوزها للحفاظ على استقرار المجتمع وأمنه.
إقرأ أيضاً: المشاكل الأسرية وأثرها على الأطفال

رابعاً: الأسس النفسية السليمة لتكوين الأسرة ونجاحها وتحقيقها السعادة

  1. المسؤولية والالتزام: يجب على كل فرد داخل الأسرة أن يعرف حقوقه وما هو مطلوب منه من واجبات والالتزام بها واحترام دوره ودور الآخرين، فكل فرد يجب أن يشعر بأهمية الإخلاص والتضحية في سبيل تماسك الأسرة وسعادتها، ولكنَّ ذلك لا ينفي حصول الفرد على مساحته الخاصة به وممارسة حريته الشخصية والتي لا تتعارض مع كيان الأسرة.
  2. مهارات التواصل الإيجابي: ويُعرَف التواصل الفعال بقدرة الفرد على التعبير عمَّا يجول في داخله ويستطيع أن يعبِّر عنه بشكل صريح دون خوف، وتقبُّل الآخرين له، فالتواصل المثمر والفعال هو من أهم مقومات نجاح الشريكين وتكوين أسرة متماسكة يسودها التفاهم وتحقيق شعور أفرادها بالرضى؛ إذ إنَّ التواصل الجيد يجعل العلاقات بين أفراد الأسرة قوية في مواجهة ما يتعرَّضون إليه من ضغوطات مختلفة، كما تكون مرنة بنفس الوقت وقادرة على تحقيق الإحساس المُتبادل بينهم سواء في المواقف التي تتسم بالسعادة أم المواقف التي تتَّصف بالحزن.
  3. اتِّباع لغة الحوار: من خلال المناقشة وتبادُل وجهات النظر والأفكار والتوصُّل إلى نتيجة في كل قرار أو مشكلة يرضي جميع أفراد الأسرة.
  4. الارتباط بالمشاعر: أي إحساس كل فرد بالأسرة بألم وسعادة الآخر ومحاولة المشاركة والمساهمة بكل فعل يحقق الراحة والطمأنينة للآخر.
  5. تقدير الآخرين واحترام آرائهم ومساحة خصوصيتهم: فقد ينشغل كل فرد من الأسرة بإنجاز أعماله ولا يجد الوقت للاطِّلاع على إنجازات الآخر أو لا يتلقى أيَّة كلمة شكر على جهده من الآخرين وهذا يؤثر في علاقاتهم معاً، كما يمكن أن يحدث نقيض ذلك، وهو زيادة التدخل في خصوصيات الأفراد بالشكل الذي يصبح مزعجاً؛ لذا أفضل شيء يمكن للفرد القيام به هو تقدير كل عمل يصدر من قِبَل أحد أفراد الأسرة ولا سيما تلك التي تكون من أجلهم مهما كانت صغيرة كإعداد الأم وجبة الفطور للعائلة، وكذلك يجب إعطاء مساحة خاصة للفرد ليعيش حياته ومغامراته الخاصة.
  6. تخفيف المشكلات التي يمكن أن تحدث باستخدام أساليب الفكاهة، فامتلاك أفراد الأسرة لروح الدعابة يقوي الروابط والصلة بين أفرادها، ويخفِّف من ضغوطات الحياة، ويجعل العلاقة بين الآباء والأبناء أكثر وديةً وحناناً.
  7. قضاء أوقات الفراغ معاً: وذلك من خلال الجلوس معاً لأطول وقت ممكن، وتنظيم نشاطات محددة في أيام العطل والإجازات ونهايات الأسبوع وكذلك الأعياد، والاستمتاع برفقة بعضهم.
  8. وجود قيم روحيَّة مشتركة بين أفراد الأسرة: أي تحقيق التناغم والتوافق الروحي دون إحداث تضارب في الأهداف.
  9. تقاسم هموم الحياة ومواجهة الضغوطات النفسية: إذ إنَّ أكثر ما يميز الأسر المتماسكة هو قدرتها على التكافل والتكاتف لمواجهة الصعاب والتخفيف من حدتها ونتائجها وكذلك منعها في كثير من الأوقات، وعند مواجهة مشكلات أكبر منها وتعجز عن حلها لا ضير في استشارة أشخاص من خارجها؛ فذلك لن يحط من قدرها ولن يمس بتماسكها وقوتها.
  10. تنمية العواطف الاجتماعية لدى صغار وكبار أفراد الأسرة: وذلك من خلال عملية التطبيع الاجتماعي التي تمارسها، وتأمين الجو المريح للأطفال الذي يمكِّنهم من النمو العقلي والنفسي السليم.
  11. السعي إلى تحقيق طموح المجتمع: فالأسرة تُعَدُّ بمنزلة مصنع الكوادر البشرية الذي يمد المجتمع بالعقول والأيدي العاملة لتحقيق ما يصبو إليه.
  12. مكانة الأسرة في المجتمع: فالفرد يستمد كل قوته من مكانة أسرته في المجتمع ومدى تأثيرها فيه.
  13. من أكثر العوامل الهامة لبناء الأسرة المتماسكة هو العامل الاقتصادي: فامتلاك المال الذي يعمل على إشباع رغبات أفراد الأسرة هو طموح كل فرد موجود فيها، وبقدر ما يكون المستوى المادي جيد بقدر ما حظيت الأسرة بالاستقرار والطمأنينة.
إقرأ أيضاً: 7 نصائح مهمة تساعد على تحقيق التماسك الأسري

الخلاصة:

تقوم الأسرة بمجموعة من الوظائف والأدوار الاجتماعية، والتي تسهم في مجملها في بناء المجتمع القادر والمتمكن من تحقيق التطور المطلوب؛ إذ تشارك المؤسسات المجتمعية الأخرى مثل المدارس والجامعات والمنتديات الثقافية والدينية في أداء وظائف وأدوار التنشئة الاجتماعية، كما أنَّ الأسرة تؤدي الدور الأبرز في إشباع حاجات الفرد، وتوفِّر له الأمن والاستقرار والحماية والحنان وكل ما يجعله إنساناً صالحاً ومساهماً في بناء المجتمع.

المصادر:

  • 1،2
  • نبيل حليلو، الأسرة وعوامل نجاحها، قسم العلوم الاجتماعية، جامعة قاصدي مرباح ورقلة



مقالات مرتبطة