اكتشاف النقاط العمياء للمساعدة على النمو الشخصي

في كل مرة نفتح فيها أعيننا، يدخل الضوء من الحدقة، ويسقط على شبكية العين؛ إذ تُوجد داخل الشبكية مستقبلات ضوئية؛ وهي عبارة عن خلايا عصبية تفسر الضوء وتنقل المعلومات إلى الدماغ، وهكذا نتمكن من رؤية الأشياء من حولنا.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتبة "سلستين تشوا" (Celestine Chua)، وتشرح من خلاله النقاط العمياء وأثرها في تنمية الشخصية، وتتحدث عن تجربتها في التعامل مع تلك المشكلات.

تُعَدُّ هذه العملية بسيطة للغاية، باستثناء وجود منطقة صغيرة على شبكية العين، لا تحوي مستقبلاتٍ ضوئية؛ وبذلك، لا نستطيع تفسير الضوء الذي يسقط على هذا الجزء، وهذا سبب تسميتها بالنقطة "العمياء".

من الناحية النظرية، يجب أن تظهر النقاط العمياء لدينا كبقعٍ سوداء في مجال رؤيتنا، لكنَّها ليست كذلك؛ إذ بالنسبة إلى بعضنا ممَّن يتمتعون برؤية سليمة، فمن الواضح أنَّنا قادرون على رؤية محيطنا، وقراءة جميع الكلمات في كتاب، ورؤية كل شيء على شاشة العرض بشكل جيد، فكيف يكون هذا؟

يملك دماغنا القدرة على تقييم محيطنا، فيقدِّر البقعة المفقودة، ويظهرها مكان الفراغ؛ لذا بفضل ذلك، نحصل على رؤية متكاملة لما أمامنا كما نفعل الآن.

قد يبدو لك ما ذُكر آنفاً معقداً بعض الشيء إذا ما كنت متعلماً بصرياً؛ لذلك، سأقدم لك مثالاً، توضِّح تجربة اختبار "بلايند سبوت" أو النقاط العمياء (Blind spot) كيف أنَّ دماغنا قادر على عرض الخلفية بصرف النظر عن مدى تعقيدها، وملء الفراغ في النقطة العمياء.

كما توضِّح أنَّ الإسقاط العقلي لدماغنا ليس انعكاساً دقيقاً للواقع، على الرغم من أنَّه قد يبدو حقيقياً، وهو حقيقي معظم الوقت، وفي حين نعتقد أنَّنا نستطيع رؤية كل شيء، فإنَّ ما نراه أمامنا قد لا يكون موجوداً، ويتفق هذا مع مفهوم النقاط العمياء في بناء الشخصية.

إقرأ أيضاً: 8 فوارق بين الشخصية القوية والشخصية الضعيفة

النقاط العمياء في تنمية الشخصية:

تشير النقاط العمياء - كما تُعرَف في سياق بناء الشخصية - إلى الجوانب التي لا ندركها تماماً في أنفسنا، ويمكن أن يشير هذا إلى مجموعة واسعة من الأمور المختلفة؛ سماتنا وقيمنا وأفعالنا وميزاتنا وعاداتنا ومشاعرنا وأفكارنا، وغير ذلك.

فعلى سبيل المثال، لنفترض أنَّك لا تحب الأشخاص المتغطرسين، فما هو السبب في ذلك؟ قد يكون ردك الفوري أنَّهم يولِّدون لديك شعوراً بعدم الارتياح، أو لأنَّهم متكبرون، لكن هذه مجرد أسباب سطحية، فما هو السبب الأعمق وراء تأثير المتغطرسين فيك؟

عادة ما يكون هذا السبب خارج نطاق ملاحظتنا المباشرة، ولا يمكننا تحديده إلا عندما نتعمق أكثر، فنحن لا يمكننا ملاحظة النقاط العمياء على الفور؛ لأنَّنا نرى الأشياء دائماً من وجهة نظرنا، لكن عندما نأخذ برأي الأشخاص الذين عرفونا منذ فترة، أو برأي شخصٍ متخصص بتحديد النقاط العمياء، مثل كوتش الحياة، يمكننا أن نكوِّن معرفة أعمق عن أنفسنا، وإلى جانب معتقداتنا وتوجهاتنا، تشمل النقاط العمياء أيضاً سلوكاتنا الفيزيولوجية.

فعلى سبيل المثال، لطالما كنت أتحدث بسرعة كبيرة منذ كنت صغيرة، حتى إنَّ كل شخص ألتقي به كان يشير إلى ذلك، خاصة خلال سنوات دراستي؛ إذ جرت العادة أن يقول الناس إنَّ معدل سرعتي في الحديث تشبه "القطار السريع"، وكانوا كثيراً ما يتساءلون عمَّا إذا كنت عضواً في فريق المناظرة، حتى إنَّ أحد أصدقائي اقترح عليَّ أن أصبح قائدة لفرقة "راب"، وكان ذلك أمراً مضحكاً للغاية بالنسبة إليَّ.

عندما كنت أسمع تعليقاتهم في ذلك الحين، وأعير اهتماماً لآرائهم، لم أعدها صحيحة تماماً؛ ذلك لأنَّه بتصوري، لم يكن معدل حديثي سريعاً على الإطلاق.

استمر ذلك إلى أن رأيت مقاطع الفيديو وسمعت التسجيلات الصوتية لعروضي التقديمية، فما زلت أتذكر المرة الأولى التي شغَّلت فيها تسجيلاً لصوتي، وكان أول شيء خطر في بالي، ما الذي يدفع هذا الشخص إلى التكلم بتلك السرعة؟ كان الأمر مضحكاً للغاية؛ لأنَّ هذه الفكرة خطرت في ذهني في اللحظة التي سمعت بها صوتي، وعلى الرغم من معرفتي أنَّ الصوت الذي سأسمعه هو صوتي، إلا أنَّني لم أستطع التعرف إليه، فمعدل سرعة الكلام كان يفوق ما سمعته من قبل.

حتى بعد هذه الحادثة، كنت غافلة عن مشكلتي معظم الوقت إلى أن يعلِّق الناس عليها، وعادةً ما يكونون من المعارف، وما زلت أعاني منها حتى اليوم، لكنَّني أتعامل معها بوعيٍ أكثر من ذي قبل بكثير، نظراً لكوني ألقي الخطابات خلال المناسبات والمؤتمرات؛ لذا أحاول التحدث ببطء أكثر خلال عروضي التقديمية وخطاباتي، لكن أعود بعد ذلك للتحدث بسرعتي المعتادة عندما أكون مع الأصدقاء.

شاهد بالفيديو: 7 نصائح للتطوير الشخصي وتحقيق النمو المستمر

لماذا علينا الكشف عن النقاط العمياء؟

لماذا من الهام معرفة النقاط العمياء؟ ذلك لأنَّها جزء هام للغاية من نموك الشخصي، والنقاط العمياء عبارة عن أمورٍ أنت غافل عنها؛ لذلك فإنَّ تحديدها وفهمها يزيد من الوعي بالذات.

عندما نطور مستوىً أعلى من الوعي الذاتي، نزداد انسجاماً مع الجزء الروحي من ذواتنا؛ وهذا يزيد من مستوى ضبط النفس؛ إذ يُعَدُّ الحصول على كوتش شخصي طريقةً ممتازة للكشف عن نقاطك العمياء، كما سيساعدك ذلك على أن تصبح شخصاً أفضل.

ليست النقاط العمياء بالضرورة سمات أو نقاط ضعف سلبية، على الرغم من أنَّها عادةً ما تكون كذلك، فعندما تكون غافلاً عن شيء ما، فثمَّة احتمال كبير أنَّك لم تمنحه الاهتمام من قبل، وهذا يترك مجالاً للعمل على تحسينه.

إضافة إلى أنَّه يُعَدُّ حاجزاً خفياً يحدُّ ممَّا يمكنك فعله؛ على سبيل المثال، إن لم تكن تدرك الضعف في مهارات إدارة الوقت لديك، فسيتسم عملك بسوء التخطيط والضعف في تحديد الأولويات، من دون أن تدرك أنَّ سبب ذلك افتقارك إلى المهارات المذكورة.

كذلك، إذا لم تكن تدرك أنَّ لديك ضعفاً في مهارات التواصل، فستشعر بالإحباط غالباً عند التواصل مع الآخرين، من دون أن تدرك أنَّ وجود ثغراتٍ في المهارات المذكورة هو السبب في ذلك.

عندما تكشف عن النقاط العمياء لديك، تستطيع معالجتها بشكلٍ فعَّال، ويزداد وعيك بنقاط قوَّتك والفرص المتاحة لديك، والحدود التي تعمل ضمنها، أمَّا إذا لم تفعل ذلك، فلن تتمكن أبداً من معالجتها؛ لأنَّك لا تدرك وجودها ببساطة.

بصفتي شخصاً شغوفاً بالنمو والتطور، دائماً ما كنت أترقَّب المواقف التي أشعر فيها بالمقاومة أو التي ينخفض مستوى وعيي فيها؛ لأنَّ ذلك يشير إلى نقطة عمياء؛ لذا أتقبَّل التغذية الراجعة التي أتلقاها من القراء في مدونتي، سواء كانت إيجابية أم سلبية، وخلال الكوتشينغ الفردي الذي أقدمه، أشجع عملائي على تقديم تغذية راجعة للمساعدة على تحسين جلسات الكوتشينغ.

لقد كشفتُ عن العديد من النقاط العمياء على مر السنين، وعملت عليها؛ ففي الماضي، غالباً ما نتج عن مثاليتي - التي كادت تقودني إلى الجنون - قصر نظر وأنماط عمل غير فعَّالة؛ وهذا أعاق جهودي لتحقيق نتائج أفضل، وكذلك جعلني شخصاً قلقاً على الدوام، وهو أمر لم أحبذه قط، ناهيك عن النقص العاطفي الذي جعلني شخصاً بغيضاً وأنانياً، وقد منعتني تلك الصفات من أن أكون الشخص الذي أريده، لكن من خلال العمل بصورة واعية على هذه النقاط العمياء، تمكنتُ من معالجة تلك المشكلات، وأصبحت شخصاً أفضل حالاً.

إقرأ أيضاً: دليل إنشاء بيان الرؤية الشخصية مع 11 مثالاً ملهماً عنه

في الختام:

لا تنتهي عملية الكشف عن النقاط العمياء أبداً، وتماماً مثل النمو، هي رحلةٌ تستمر مدى الحياة، ومع كل نقطة عمياء نتعرف إليها ونعالجها، تبرز دائماً نقطة عمياء تليها يجب الكشف عنها؛ فبسبب اتساع أذهاننا والطابع اللامحدود لعملية النمو، يستحيل علينا تحديد كل نقطة عمياء داخلنا حال ظهورها؛ لذا كان الأهم من ذلك، هو العمل على تحسين كل ثانية، وكل لحظة، ونحن نمضي قدماً في رحلة حياتنا.

المصدر




مقالات مرتبطة