اضطراب قلق الانفصال عند الصغار والكبار: أسبابه، وأعراضه، وطرق علاجه

يتعلق الطفل بأبويه وخاصةً أمه، فما من طفل لا يبكي جرَّاء ترك أبويه له وخروجهما من المنزل، كما نجد أشخاصاً كباراً يسكنهم هاجس الانفصال عن شخص آخر ويؤرقهم؛ إذ يختبر غالبية الأشخاص ما يُعرَف بـ "اضطراب قلق الانفصال"، إلا أنَّه أكثر شيوعاً في مرحلة الطفولة، فما هي هذه الحالة؟ وهل هي حالة طبيعية أم مَرَضية؟



ما هو اضطراب قلق الانفصال (SAD

اضطراب قلق الانفصال (Separation Anxiety Disorder): هو نوع من أنواع الاضطرابات النفسية، يعاني فيه المريض من التوتر والقلق المُفرط حول فكرة الابتعاد أو الانفصال عن شخص محدد أو أشخاص عدَّة أو حتى عن حيوان أليف؛ مما يسبب له حالة نفسية غير مستقرة وربما الاكتئاب الحاد.

نجد أنَّ اضطراب قلق الانفصال أكثر شيوعاً عند الأطفال قبل عمر الـ 3 سنوات؛ إذ يحدث كردة فعل للطفل نتيجة فصله عن أبويه وخصوصاً الأم، وهو حالة طبيعية يمر بها معظم الأطفال بسبب عدم إدراكهم في سن مبكرة لفكرة الديمومة؛ بمعنى أنَّه يعتقد أنَّ أمه عندما تذهب فإنَّها لن تعود أبداً.

عادةً ما يتغلب الطفل على حالة القلق هذه ببلوغه عمر الثلاث سنوات، ولكنَّها تصبح حالةً مَرَضيةً عندما تستمر إلى ما بعد هذا العمر، وتبدأ التأثير في حياته الاجتماعية ونشاطاته المدرسية وتطوُّره عموماً، فقد تترافق بحالة اكتئاب أو رهاب اجتماعي وذلك عند وجود الطفل دون الأهل، وقد تستمر حتى سنوات المراهقة، وفي حالات نادرة حتى البلوغ.

وفقاً للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، إنَّ أعراض قلق الانفصال تظهر لدى الأطفال بنسبة 4%، وبنسبة 1.6% لدى المراهقين؛ لذا يُعَدُّ اضطراب القلق أكثر انتشاراً بين الأطفال الذين هم تحت سن 12 عاماً، فلا يقتصر اضطراب قلق الانفصال على الأطفال؛ بل يمكن أن يصيب الكبار أيضاً من مختلف الفئات العمرية، فنجد أماً مصابة بقلق الانفصال عن أولادها، أو زوجة مصابة بقلق الانفصال عن زوجها، أو صديقة عن صديقتها، أو أخ عن أخوته.

أعراض قلق الانفصال عند الأطفال:

يمكن تشخيص اضطراب القلق من الانفصال عند الأطفال من خلال ظهور الأعراض التالية:

  • يصاب الطفل بحالة اضطراب مفرط ومتكرر في حال كونه بعيداً عن المنزل أو أهله.
  • شعور بالقلق المستمر حول فقدان أحد الوالدين بسبب مرض أو موت.
  • الخوف الدائم من فكرة حدوث شيء سيئ كاختطافه أو ضياعه، ومن ثمَّ انفصاله عن والديه.
  • رفض أيِّ أمر فيه ابتعاد عن الأهل، والرغبة بوجوده بالقرب من الوالدين دائماً، والخوف من البقاء وحيداً دون وجود أحدهم.
  • التوسل والبكاء الشديد لوالديه بعدم مغادرة المنزل.
  • معاناة من كوابيس وهواجس متكررة متعلقة بالانفصال عن الوالدين.
  • رفض الذهاب إلى المدرسة أو الرحلات أو أي نشاط لا يشاركه فيه أهله.
  • قد يشكو الطفل من أعراض جسدية كالصداع وآلام المعدة والغثيان نتيجة القلق والخوف الدائم من الانفصال.

أسباب قلق الانفصال عند الأطفال:

هناك أسباب عدَّة لقلق الانفصال عند الأطفال، مثل:

  • حب الطفل وتعلُّقه الشديد بأهله، وشعوره بالأمان بوجودهم.
  • الدلال المبالغ فيه من قِبل الأهل للطفل، وتعويده الاعتماد عليهم في كل شيء، لدرجة شعوره بالضياع دونهما.
  • قد يكون للعامل الوراثي دوراً في الإصابة باضطراب القلق من الانفصال، كمعاناة سابقة لأحد أفراد العائلة من القلق.
  • كما تحرض أوضاع الحروب والكوارث الطفل للإصابة باضطراب القلق من الانفصال، وتضاعف قلقه وخوفه من موت أو خسارة أهله.
إقرأ أيضاً: كيف يؤثر الطلاق على الأطفال؟ وهل هو خيار سيئ دوماً؟

علاج قلق الانفصال عند الأطفال:

يمكن للأهل مساعدة الطفل على التخلص من قلق الانفصال من خلال:

  • تدريب الطفل على الاعتماد على نفسه والبقاء وحده قليلاً، مع العودة إليه مجدداً، حتى يفهم أنَّ اختفاء والديه أمر مؤقت ولا يستدعي الذعر والقلق.
  • يُحذَّر من التسلل وترك الطفل يتفاجأ بعدم وجود الأب أو الأم؛ مما يجعله يفقد الثقة ويبقى في حالة قلق دائم.
  • أن يكون وقت وداع الطفل قصيراً وعدم المبالغة في عناقه وتقبيله؛ إذ يقول الطبيب النفسي "فينسينت بارون" المختص في علم نفس الأطفال: "يُحذَّر من التصرف بقلق عند ترك الطفل أو العودة لعناقه كثيراً، فقد يعتقد الطفل أنَّ هناك شيئاً يستدعي القلق".
  • تدريب الطفل على خوض تجارب وعلاقات جديدة، واختبار الانفصال، وتطوير استقلاليته، وتدريبه على إلقاء الوداع.
  • يمكن الاستعانة باختصاصي نفسي لتقديم المشورة والنصح للتعامل مع الطفل الذي يعاني اضطراب قلق الانفصال.

أسباب اضطراب قلق الانفصال عند الكبار:

كما قلنا آنفاً، فإنَّ اضطراب قلق الانفصال يصيب الكبار أيضاً، ومن أسبابه:

  • التعرض لصدمة فقدان أحد المقربين، فيصاب الشخص بقلق تجاه بقية أحبابه.
  • الخوف من الانفصال عن الشريك.
  • خوف الأبوين المفرط على الأبناء من أن يصيبهم أي سوء.
  • خوض تجربة الطلاق.
  • يمكن أن يزيد عامل الوراثة من احتمالية الإصابة بهذا الاضطراب.
  • يزيد الفراغ والبقاء دون عمل من التعلق المَرَضي بالأشخاص والتفكير الزائد بهم.
  • وفاة أحد أفراد الأسرة أو شخص مقرب في الطفولة.
  • التحرش والاعتداءات الجنسية في أثناء الطفولة.
  • هناك عوامل تزيد من احتمالية الإصابة باضطراب قلق الانفصال عند الكبار، وهي: الإصابة باضطراب الوسواس القهري، أو أحد اضطرابات الشخصية، أو نوبات الهلع، أو اضطرابات الفصام.

أعراض اضطراب قلق الانفصال عند الكبار:

توجد مجموعة من الأعراض التي يُستدَلُّ من خلالها أنَّ الشخص يعاني من قلق الانفصال، مثل:

  • الشعور بخوف وقلق دائم من فقدان الأشخاص المقربين، كأحد أفراد العائلة أو شريك أو صديق.
  • القلق الشديد من الوحدة.
  • الشعور بلزوم البقاء مع الشخص المتعلق به أو معرفة مكانه طوال الوقت.
  • هواجس دائمة حول فكرة خسارة الشخص المتعلق به.
  • حب التملك والسيطرة على الشخص المتعلق به، سواء كان ابناً أم أخاً أم زوجاً أم صديقاً، والغيرة الشديدة عليه خاصةً عند ملاحظة اهتمامه بشخص آخر.
  • الأبوة أو الأمومة الزائدة على الأولاد، والتدخل المبالغ فيه في حياتهم كنوع من الحرص والخوف عليهم.
  • نوبات هيستيرية من الخوف والهلع، عند توهُّم فقدان الشخص أو تهديده بالانفصال.
  • قد يترافق قلق الانفصال بأعراض جسدية، مثل: الشعور بالغثيان والصداع، وآلام المعدة والقولون، وتسرُّع دقات القلب، وزيادة في التنفس.

علاج قلق الانفصال عند الكبار:

يوجد أكثر من طريقة لعلاج قلق الانفصال عند الكبار وهي:

1. العلاج السلوكي المعرفي:

هو جلسات يقوم فيها الطبيب النفسي بتعريف الشخص المريض بحالته، وبالسلوكات الخاطئة التي تزيد حالته سوءاً، واستبدال الأفكار السلبية لديه والتي تسبب له القلق بأفكار إيجابية، وتداركها والتخلص منها، ويمكن أيضاً الاستعانة بالأهل لمساعدة المريض.

2. مجموعات الدعم:

يُعَدُّ الانضمام إلى مجموعات الأشخاص الذين يعانون من قلق اضطراب الانفصال أيضاً إحدى الطرائق الفعالة في علاج قلق الانفصال؛ إذ إنَّها توفر الدعم والمساعدة للشخص المصاب بهذا النوع من الاضطراب، وذلك من خلال تبادل تجارب الآخرين وخبراتهم ونصائحهم عن معاناتهم وكيفية تجاوزهم الحالة.

3. العلاج بالتعرض:

يُعَدُّ العلاج بالتعرض إحدى تقنيات العلاج النفسي التي يمكن استخدامها في علاج اضطراب قلق الانفصال، ويُعرَّض فيها المريض للشيء الذي يخشاه، ليقوم بمواجهته واكتشاف أنَّ قلقه ومخاوفه لا مبرر لها، كأن يغادر الشخص بيته أو أحبابه لفترات من الوقت تزداد تدريجياً.

4. الأدوية:

يمكن أن ينصح الطبيب بتناول الأدوية المضادة للقلق للشخص المصاب باضطراب قلق الانفصال، وذلك في الحالات ذات الأعراض الأكثر حساسيةً، ولكن قد يؤدي تناول بعض هذه الأدوية إلى الإدمان.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح تساعدك على التخلص من الآثار السلبيّة للطلاق

أشكال قلق الانفصال عند الكبار:

يظهر قلق الانفصال عند الكبار بأشكال عدَّة، مثل:

1. قلق الانفصال عند الأم:

تصاب بعض الأمهات باضطراب قلق الانفصال عن طفلها، فيتجاوز خوفها وقلقها عليه حدود المعقول؛ إذ تصاب بهوس البقاء معه دائماً خوفاً من ضياعه أو تعرُّضه لأي أذى، وقد يستمر هذا القلق حتى عندما يكبر؛ مما يجعلها تعاني عند استقلاله عنها وخاصةً عند زواجه.

2. قلق الانفصال العاطفي:

يُعَدُّ قلق الانفصال عن الشريك من أكثر أنواع قلق الانفصال شيوعاً خاصةً عند الإناث، وهو التعلق الشديد بالشريك والإصابة بالقلق والهوس من فكرة الانفصال عنه.

3. قلق الانفصال عن شخص مقرب:

وهو قلق الانفصال عن أخ أو أخت أو جد أو جدة أو صديق أو أي شخص مقرب، كالفتاة التي ترفض الزواج مثلاً كي لا تنفصل عن والدتها.

4. قلق الانفصال عن شيء:

قد يصاب الشخص بقلق حول الانفصال عن منزله مثلاً، أو جامعته أو مدينته، أو حيوان أليف.

شاهد بالفديو: 6 سلوكيات خاطئة تجنبها حتى تحافظ على زواجك

تأثيرات قلق الانفصال في الكبار:

يؤثر اضطراب قلق الانفصال على الشخص المصاب به في كافة نواحي حياته، مثل:

1. الناحية المهنية:

يكون الشخص المصاب باضطراب قلق الانفصال دائم التفكير بالشخص المتعلق به، فيفقد تركيزه في العمل، ويصبح غير قادر على إنجاز مهامه بسبب تشتته وقلقه.

2. الناحية الاجتماعية:

غالباً ما يدخل الشخص المصاب بقلق الانفصال في عزلة اجتماعية، وذلك بسبب رفضه الانخراط في المجتمع خوفاً من الابتعاد عن الشخص المتعلق به.

3. الناحية العاطفية:

يؤثر اضطراب قلق الانفصال سلباً في علاقات الشخص العاطفية؛ إذ غالباً ما يشعر الطرف الآخر بالاختناق والضيق من تعلُّق الشخص به، وخوفه المبالغ فيه عليه.

4. الناحية الأسرية:

يجعل قلق الانفصال جو العائلة مشحوناً وغير مستقر، فمثلاً خوف الأم الزائد على الأبناء قد يدفعهم إلى التمرد لاعتقادهم أنَّها تقيد حريتهم.

5. الناحية النفسية:

يترافق قلق الانفصال مع اضطرابات نفسية أخرى، كالرهاب الاجتماعي، واضطرابات الهلع، ورهاب الأماكن المفتوحة.

إقرأ أيضاً: الطلاق النفسي: تعريفه، علاماته، أسبابه، وطرق علاجه

القلق عدو السعادة:

متى دخل القلق حياة الإنسان سواء الكبير أم الصغير، حرمه الراحة والسعادة، فكيف يمكن لإنسان يسكنه القلق والخوف وهواجس الفراق أو الانفصال عمن يحب أن يعيش في راحة وسعادة؟ لذا لا بُدَّ من التخلص من القلق وذلك بتدريب الذات والاستعانة باختصاصيي الصحة النفسية لتنظيف دواخلنا ودواخل أطفالنا حتى من هذه المشاعر المؤذية.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة