استشارة الآخرين في أمور الحياة: أهميتها، وفوائدها، والشورى في الإسلام

قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "الاستشارة عين الهداية، وقد خاطر من استبد برأيه"، فما هو مفهوم الاستشارة، وما هي فوائدها وأهميتها، والشورى في الإسلام، هذا ما سنقدِّمه لكم أعزاءنا القراء في هذا المقال؛ لذا تابعوا معنا في السطور القليلة القادمة.



مفهوم الاستشارة:

تعدُّ الاستشارة إحدى مظاهر التعاون بين البشر، وهي من الأمور التي حثَّت عليها مختلف الديانات والحركات الإصلاحية لِما لها من دور هام في اتخاذ القرارات الهامة، والاستشارة عملية أخذ الأفكار والآراء من قِبل الأشخاص الآخرين ممن يمتلكون خبرةً في مختلف نواحي الحياة، مما يساعد على الوصول إلى القرار المناسب والصحيح؛ لذا ينصح باستشارة الآخرين دائماً، خاصة ممن يمتلك الحكمة والعقل الراجح.

تعريف الاستشارة:

الاستشارة: هي طلب الرأي ممن هو أهلٌ له. والاستشارة لغةً: "هي طلب المشورة، واستشاره: أي طلب منه المشورة، يُقال: شاورته في كذا واستشرته؛ أي راجعته لأرى رأيه فيه، فأشار عليَّ بكذا".

أهمية الاستشارة:

إنَّ الاستشارة لها أهمية كبيرة في حياة الإنسان، وفيما يلي سوف نذكر لكم عدداً من النقاط التي تبيِّن أهميتها:

  1. تصقل شخصية الإنسان، وتوسع تفكيره وترتقي به نحو الكمال.
  2. الاستشارة تفتح عيني الإنسان على نقاطٍ لم يستطع رؤيتها، بسبب أفكاره اللحظية والآنية، الأمر الذي يجعله يغيِّر اتجاه تفكيره نحو ما هو مناسب أكثر.
  3. الاستشارة تمنح الإنسان الراحة من معاناة كثرة التفكير، كما أنَّها تخلِّصه من الآراء الخاطئة، والندم على اتخاذ مثل هذه القرارات التي يتخذها بمفرده.
  4. توجِد الاستشارة جواً من الألفة والتعاون والمحبة بين الناس.
  5. الاستشارة تجعل الإنسان يستفيد من تجارب غيره، دون أن يمر بمثل هذه التجارب التي قد تكون مؤلمة أحياناً.

شاهد بالفيديو: مهارات التعامل مع الآخرين

فوائد الاستشارة:

تنتج عن الاستشارة فوائد عديدة، ومن أهم هذه الفوائد نذكر لكم ما يلي:

  1. توسيع آفاق العقل وتنميته.
  2. توجِد فرصاً لمناقشة حل المشكلات المختلفة وإنجازها، قبل أن تتعقَّد ويصبح حلُّها أكثر صعوبة.
  3. تحفِّز الإنسان على التصرف بذكاء في المواقف المشابهة.
  4. تتيح للإنسان كشف معلوماته ومشاركة خبراته الحياتية مع الآخرين.
  5. تنمِّي التعاون الاجتماعي بين الناس.
  6. تتيح للإنسان النظر دائماً في قراراته، واتخاذ القرارات الصائبة بعد التفكير العميق؛ حيثُ لا تسمح الاستشارة الشعور بالندم بسبب اتخاذ قرارات خاطئة.
  7. تجعل عقل الإنسان غنياً بالمعلومات المفيدة الناتجة عن تواصله مع الآخرين والاستفادة من تجاربهم وخبراتهم في النواحي المختلفة من الحياة.

الشورى في الإسلام:

ذِكر الشورى في القرآن الكريم:

لقد ورد ذِكر الشورى في موضعين من القرآن الكريم، هما:

  1. الموضع الأول: قول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز مخاطباً رسول الله عليه الصلاة والسلام: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [سورة: آل عمران، الآية: 159].
  2. الموضع الثاني: قال الله عزَّ وجل في كتابه العزيز: (فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (38)) [سورة: الشورى].

وهنا ذكر الله سبحانه وتعالى الشورى بين ركنين أساسيين من أركان الإسلام وهما الصلاة، والزكاة، الأمر الذي يدل على أهمية الشورى في الدين الإسلامي الحنيف.

إقرأ أيضاً: فن التعامل مع الآخرين

أحاديث الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم في الشورى:

ورد عدد من الأحاديث للرسول صلَّى الله عليه وسلَّم في الشورى، ومن هذه الأحاديث نذكر لكم:

  1. عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "المُستشار مؤتمن".
  2. عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سُئِل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن العزم، قال: "مشاورة أهل الرأي، ثم اتِّباعهم".
  3. عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "إذا استشار أحدكم أخاه فليُشر عليه".

تطبيق الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم للشورى:

لقد كان الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم قدوةً حسنةً في تطبيق مبدأ الشورى، وهناك الكثير من المواقف التي استشار فيها الرسول أصحابه عليهم رضوان الله، ومن هذه المواقف نذكر لكم مشاورة الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم لأصحابه في غزوة بدر الكُبرى:

عندما خرج الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم مع عددٍ من أصحابه لاعتراض قافلة قريش والاستيلاء عليها، فعَلِمت قريش بذلك، وأرسلت جيشاً كبيراً مجهزاً بكافة المعدات، وهنا رَغِبَ الرسول عليه الصلاة والسلام في أن يختبر مدى جاهزية جنوده واستعدادهم، فأخذ مشورتهم.

يروي هشام في "سيرته": أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم استشار الناس وأخبرهم عن قريش، فقام أبو بكر وأحسن، ثم قام عمر فقال وأحسن، ثم قام المقداد بن عمر فقال: "يا رسول الله امضِ لما أراكَ الله، فنحن معك، والله ما نقول لكَ كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنتَ وربَّكَ فقاتلا، إنَّا ها هنا قاعدون، لكن: اذهب أنتَ وربَّك فقاتلا، إنَّ معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق، لو سِرتَ بنا إلى بَركِ الغِمَاد، لجالدنا معكَ من دونه حتى تبلغه"، فقال له رسول الله: خيراً ودعا له.

ثم قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "أشيروا عليَّ أيُّها الناس"، وإنَّما يريد الأنصار؛ وذلك لأنَّهم عدد الناس، وأنَّهم حين بايعوه بالعقبة قالوا: يا رسول الله، إنَّا براءٌ من ذمامك حتَّى تصل إلى ديارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمَّتنا، نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا.

فكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يتخوَّف ألا تكون الأنصار ترى عليها نصره إلا مِمَّن داهمه بالمدينة من عدوه، وأنَّ ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدوٍ من بلادهم، فلمَّا قال ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، قال له سعد بن معاذ: "والله، لكأنَّك تريدنا يا رسول الله، قال: "أجل"، قال: "قد آمنَّا بك وصدَّقناك، وشهدنا أنَّ ما جئتَ به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السَّمع والطاعة، فامضِ يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثكَ بالحقِّ، لو استعرضت بنا هذا البحر فخُضته لخُضناه معك، ما تخلَّف منَّا رجلٌ واحد، وما نكره أن تلقى عدونَّا بنا غداً، إنَّا لصُبُر في الحرب، صُدُق في اللقاء، لعَّل الله يريك منَّا ما تقرُّ به عينُك، فسِر على بركة الله"، فسُرَّ الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم بقول سعد، ثم قال: "سيروا وأبشروا، فإنَّ الله قد وعدني إحدى الطائفتين، والله، لكأنِّي الآن أنظر إلى مصارع القوم".

حكم وأقول عن الاستشارة:

  1. رأيان خيرٌ من رأي واحد.
  2. المشاورة حصنٌ من الندامة، وأمنٌ من الملامة.
  3. من أعجب برأيه ضل، ومن استغنى بعقله زل.
  4. أحسن ما يكون من الدواب لا غنى لها عن السوط، وأعف ما تكون من النساء لا غنى لها عن الزوج، وأعقل ما يكون من الرجال لا غنى له عن مشورة ذوي الألباب.
  5. نصف رأيك مع أخيك فاستشره.
  6. لا تشاور مشغولاً، ولا مذعوراً، ولا مهموماً.
  7. لا تستشر جباناً فيخوفك، ولا حريصاً فيعدك ما لا ترتجي.
  8. استشر عدوَّك تعرف مقدار عدوانه.
  9. من شاور كثُر صوابه.
  10. إذا صدأ الرأي صقلته المشورة.
  11. أول الحزم المشورة.
  12. الأحمق من قطعه العجب عن الاستشارة، والاستبداد عن الاستخارة.
  13. نعم المؤازرة المشاورة.
  14. من شاور الناس شاركها في عقولها.
  15. ما استنبط الصواب كالمشاورة، فانظر وشاور واحذر المخاطرة.
  16. لا تُشيرنَّ على عدوك وصديقك إلا بالنصيحة، فالصديق يُقضى بذلك حقه، والعدو يهابك إذا رأى صواب رأيك.
  17. القراءة تصنع إنساناً كاملاً، والمشورة تصنع إنساناً مستعداً، والكتابة تصنع إنساناً دقيقاً.
  18. المستشير وإن كان أفضل من المستشار رأياً، فإنَّه يزداد بالمشورة عقلاً، كالنار تزداد بالودك ضوءاً.
  19. من شاور أهل النصيحة سَلِمَ من الفضيحة.
  20. أشد الأمور تأييداً للعقل: مشاورة العلماء، وتجربة الأمور، وحين التثبت.

وبذلك أعزاءنا القراء نكون قد قدمنا لكم مفهوم الاستشارة، وأهميتها وفوائدها والشورى في الإسلام.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة