إعادة النظر بأجور اليد العاملة

تتألف القوى العاملة اليوم من أربعة أو حتى خمسة أجيال، وهي بوتقة تضم موظفين من الأعمار والشرائح كافة. إنَّها أكثر تنوعاً من أي وقت مضى، وهذا يمكن أن يشكِّل تحدياً لمتخصصي الموارد البشرية وأرباب العمل عند تحديد الأجور والتعويضات التي تلبِّي احتياجات الشركة والموظفين.



وسواء كان جيل الكبار الذين يدخرون من أجل التقاعد، أم جيل الشباب الذي يدفع القروض الطلابية، أم جيل الألفية الذي يدَّخر لشراء مسكن، أم غير ذلك، فإنَّ اليد العاملة المتنوعة تتسم بنمط حياة مختلف وأولويات مالية متفاوتة؛ وعلى هذا فيتعين على الشركات أن تعيد النظر في الأجور والاستحقاقات على نحو لم نشهده من قبل في الأجيال السابقة.

ولكن عندما يتعلق الأمر بإعادة النظر في التعويضات والاستحقاقات لتوظيف أصحاب المواهب العليا والاحتفاظ بهم، فيتعين على أرباب العمل أن يفهموا أنَّ التعويض ليس مرتبطاً بالأجور.

والواقع أنَّ تقريراً حديثاً صادراً عن "معهد العمل" (Work Institute) بيَّن أنَّه في حين تشكِّل التعويضات والاستحقاقات 9% من بين الأسباب الرئيسة التي تدفع الموظفين إلى ترك الشركة، فإنَّ أسباباً أخرى مثل التقاعد الذي يشكل 7%، والرفاهية 9%، والتوازن في الحياة المهنية 13% تشكِّل عوامل حاسمة يتعين على أرباب العمل أن يضعوها في الحسبان عند تحديد التعويضات.

بعبارة أخرى، لا يكفي الدفع وحده لجعل الموظفين من مختلف الأعمار يشعرون بالتقدير أو التحفيز للبقاء في العمل، وبالنسبة إلى أرباب العمل الذين يسعون إلى إعادة النظر في أجور العاملين اليوم من مختلف الأجيال، فإليكم أمرين يتعين علينا أن نضعهما في حسباننا:

إقرأ أيضاً: هل يجب أن تكون الأجور مقابل العمل عن بعد على أساس الموقع الجغرافي؟

1. العاملون الذين تحفزهم شفافية الأجور:

مع استمرار الشركات اليوم في مواجهة التدقيق والفحص بسبب الفجوة الكبرى في الأجور بين الرؤساء التنفيذيين والعمال، فضلاً عن الأساليب الواعدة في التعامل مع التعويضات بين الجنسين، يتَّفق الموظفون من الأعمار كافة على أهمية المساواة والشفافية في الأجور.

وفي الواقع، يبين تقرير موقع "غلاس دور" (Glassdoor) أنَّ 70% من الموظفين على مستوى العالم يظنون أنَّ شفافية الرواتب مفيدة لرضى الموظفين، ويظن 72% منهم أنَّها مفيدة للأعمال التجارية.

إنَّ الشفافية فيما يتعلق بالأجور مفيدة للأعمال، وتشكِّل حافزاً للموظفين، وقد كشف تقرير جديد صادر عن "المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية" (National Bureau of Economic Research) أنَّ الموظفين سوف يعملون بجد عندما يكتشفون أنَّ رؤساءهم يتقاضون رواتب أعلى مما كانوا يتوقعون، وستتدنى الجهود المبذولة في حال عرفوا أو حتى اعتقدوا أنَّ أقرانهم يتقاضون أكثر منهم.

وكما أشار المؤلفون: "في حين يؤدي ارتفاع رواتب الأقران إلى الحد من الجهد والإنتاج والاحتفاظ بالموظفين، فإنَّ ارتفاع رواتب المديرين يضفي تأثيراً إيجابياً على الإنتاجية".

وفي حين كانت مناقشة موضوعات متعلقة بالأجور بين الأقران موضوعاً محظوراً ذات يوم، فإنَّ الأمر أصبح الآن شائعاً ومعتاداً وإيجابياً بالنسبة إلى الإنتاجية والدوافع والمشاركة والولاء وغيرها؛ وهذا يعني أنَّ على أرباب العمل إيجاد السبل الكفيلة لتوفير أعظم قدر من الشفافية في الأجور.

ومن حسن الحظ، تستطيع الشركات، من خلال الذكاء الاصطناعي والتحليلات التنبؤية والأتمتة، التخلص من التخمين والتحيز غير الواعي؛ وذلك لوضع خطط تعويض عادلة وشفافة للموظفين. ومن خلال تطبيق التقنيات الجديدة، يمكن للشركات ضمان شفافية أكبر في الأجور عن طريق:

  • مساعدة الموظفين على فهم سبب دفع الراتب الذي يتقاضونه، وكيف يؤثر أداؤهم في الأهداف العامة للمنظمة.
  • توضيح كيفية تحسين التعويضات وتخصيصها لتلبية احتياجات الموظف الفردية؛ أي كيفية ربط خيارات الأجور البديلة بالأداء.
  • التأكيد على أنَّ الأجور تستند إلى عوامل تسهم فعلاً في أداء العمال مثل: التعليم، والخبرة، والشهادات، وما إلى ذلك، وليس إلى عوامل تمييزية مثل العمر، والعِرق، ونوع الجنس.

إنَّ إعادة النظر في أجور الموظفين تبدأ بمساواة الأجور بالنسبة إلى كل الموظفين، ويمكن للشركات أن تبدأ بتوفير أعظم قدر من الشفافية في الأجور والقضاء على التحديات التي تواجهها الأجيال، مثل تنوُّع أماكن العمل ومساواة الأجور؛ وذلك من خلال استعمال بيانات التعويضات وفق أداء الموظفين.

شاهد بالفيديو: 8 شروط يجب توافرها لضمان نجاح الحوافز

2. التعويضات غير التقليدية:

إنَّ استعداد أي منظمة لاستكشاف عروض تعويضات شخصية غير تقليدية، مثل سياسات العمل عن بُعد، والمكافآت الفورية، وعروض العملات الرقمية، وغير ذلك، يؤثر في قدرتها على توظيف المواهب والاحتفاظ بها، وخاصة المواهب الشابة؛ إذ يتوقع جيل الألفية، الذي يشكِّل الآن أكثر من ثلث قوة العمل الأمريكية، رغبة مزيد من الشركات في توظيفه، وتقدير أدائه - سواء كان ذلك عن طريق تقديم المكافآت، أم الجوائز غير النقدية، أم زيادات الرواتب - والمساواة والمرونة في الأجور.

ويشير تقرير جديد إلى تحديد المرونة بوصفها عاملاً أساسياً في تحديد رضى الموظفين؛ إذ عبَّر 85% من العاملين في المكاتب عن الأهمية البالغة التي تؤديها المرونة بالنسبة إليهم. بالإضافة إلى أنَّ المرونة هي أيضاً عامل رائد في التوظيف والمحافظة على الموظفين، فإنَّ 73% من موظفي المكاتب الذين شملهم البحث يرون أنَّ جدول العمل المرن هو واحد من أهم سببين للبقاء في الشركة، كما يرى 58% من العمال أنَّ المرونة هي الشيء الأهم عندما يُسألون عن توقعاتهم بشأن مكان العمل الذي سيباشرون العمل فيه.

ومع أنَّ المرونة وخيارات العمل عن بُعد قد تبدو جذابة في نظر جيل الألفية وجيل الشباب، إلا أنَّها مطلوبة من قِبل أجيال اليد العاملة كافة؛ إذ تعود المرونة في العمل على الموظفين بفوائد عدة من حيث تحسين معنوياتهم وزيادة ولائهم، سواء كان هذا الموظف والداً جديداً يحتاج إلى المرونة في الوقت لاصطحاب طفله من الحضانة، أم موظفاً على وشك التقاعد ولا يريد أن يقضي وقتاً طويلاً في اجتياز الازدحام المروري للوصول إلى المكتب كل يوم.

إقرأ أيضاً: أهمية الزيادات السنوية على الرواتب في استقطاب والاحتفاظ بالعاملين

بالإضافة إلى ذلك، عندما يتعلق الأمر بالتعويضات الشخصية خارج نطاق الأجور، يمكن أن تكون المكافآت الفورية أو النقدية التي تعتمد على المسابقات التشجيعية طريقة ممتعة لتحسين الأداء وتحفيز الموظفين، مع إضافة بعض المنافسة الودية.

كما أنَّ التطورات الجديدة في التكنولوجيا تجعل العملات الرقمية، مثل البيتكوين، خياراً جذاباً تستطيع الشركات إدراجه في خطط التعويض، ومع أنَّ الشركات ما تزال في المراحل الأولى من تبنِّي الفكرة، فقد بدأت باستكشاف سبل تقديم فوائد البيتكوين للموظفين.

عند إعادة التفكير في التعويضات والفوائد التي قد تساعد على توظيف القوى العاملة المتنوعة اليوم والاحتفاظ بها، فمن الهام أن تفكر المؤسسات في اعتماد وسائل غير تقليدية، وتوفير المزايا والامتيازات والشفافية والإنصاف التي تساعد على جذب الموظفين. وباستعمال التكنولوجيا والبيانات، ستكون المنظمات في وضع أفضل يسمح لها باتخاذ القرارات التي تقدِّر قيمة القوى العاملة من مختلف الأجيال.

المصدر




مقالات مرتبطة