إدارة الذات: مفهومها وأهميتها وطرق تحقيقها

نحن نمر في حياتنا بتجارب مختلفة ومواقف كثيرة منها الإيجابي ومنها السلبي ومنها ما يترك أثراً جميلاً في حياتنا ومنها ما يترك ندبات نفسية نشعر بها كلما مررنا بلحظات سيئة، وبعد كل تجربة نعيشها وخاصة السلبية منها تتوارد إلى أذهاننا الكثير من التَّساؤلات كالآتي:



هل ما قمتُ به هو الصحيح؟ وهل كان من الأفضل ألا أدرس هذا التخصص؟ وهل كان عليَّ البحث عن عمل جديد؟ وهل غضبتُ بشكل مبالغ به؟ وهل كنتُ السبب في ابتعاد صديقي عني أم أنَّها مشاغل الحياة؟ وغيرها من الأسئلة التي نجد لها إجابات مختلفة في كل مرة نعاود التفكير بها فنلوم أنفسنا مرة ونلوم الآخرين مرة أخرى، فما هو الصحيح؟ وما هو السبيل لمعرفة كيفية التصرف في المواقف وكيفية تحقيق الأهداف وكيفية كسب الصداقات والنجاح في العمل وتكوين حياة سعيدة؟

فكل ذلك يتطلب من الفرد إدارته لذاته؛ وذلك لأنَّ نجاح الإنسان في حياته مسؤوليته الشخصية بالدرجة الأولى وليس مسؤولية عائلته أو أصدقائه أو ظروف الحياة؛ لأنَّنا جميعنا نواجه المصاعب والخيبات والنكسات في الحياة بدرجات متفاوتة، وبالمقابل جميعنا نملك نقاط ضعف ونقاط قوة ومهارات تميزنا عن الآخرين، فالصعوبات لا تبرر الفشل؛ إنَّما الفشل ينتج عن الاستسلام للظروف السيئة أو الصعبة والرضى بالواقع دون السعي إلى تحسينه واتباع آراء الآخرين والاتكال عليهم في تدبير أمور الحياة.

كل ما سبق جعل إدارة الذات من الأمور الهامة التي يجب على الإنسان أن يسعى إلى تحقيقها، ومقالنا الحالي سيوضح لك مفهوم إدارة الذات وأفضل الطرائق التي تساعد على تحقيقها.

مفهوم إدارة الذات:

هي معرفة الإنسان لذاته جيداً بما تمتلك من أفكار ومشاعر وخبرات وقدرات سواء كانت قدرات موجودة فيه أم مكتسبة بالتدريب والممارسة العملية، وقدرته على توجيه كل منها إلى الاتجاه الذي يريد؛ وذلك من خلال إخضاع النفس إلى مجموعة من القواعد والمخططات مع الشعور الدائم بالرقابة الذاتية.

الإدارة الذاتية تضمن للإنسان القدرة على ضبط المشاعر السلبية والانفعالات العصبية والتوتر، إضافة إلى التحفيز الذاتي والاستغلال الأمثل للقدرات، ومن ثمَّ إدارة الذات هي وسيلة تساعد الإنسان على المضي قدماً في حياته بمختلف جوانبها بسلاسة وحكمة ودبلوماسية أكثر ليتمكن من تحقيق أهدافه المرجوة بسرعة أكبر.

أهمية إدارة الذات:

إدارة الذات هامة لمختلف جوانب الحياة، فهي تفيد فيما يأتي:

1. أهمية إدارة الذات في الحياة الشخصية:

معرفة الإنسان الجيدة لمواهبه وقدرته على توجيهها تمكِّنه من النجاح في تنمية هذه الموهبة وإبرازها للعلن، فمن الممكن أن تموت المواهب مع مرور الزمن إن لم يدرك الفرد كيفية التعامل معها، وهذا الأمر يفيد الإنسان كثيراً خلال دراسته وعلى وجه الخصوص خلال الدراسة الجامعية؛ وذلك لأنَّ التميز في الاختصاص الأكاديمي سوف يتيح أمامه لاحقاً فرص عمل مميزة.

أيضاً إدارة الذات ضرورية لنجاح مختلف العلاقات الاجتماعية؛ وذلك لأنَّها تمكِّن الإنسان من التحكم بعواطفه وأفكاره وبردود أفعاله، فالكثير منا قد يخسر علاقته بصديقه أو بشريكه العاطفي إن لم يحسن التعامل معه، خاصة عند حدوث الخلافات التي تكاد لا تخلو علاقة منها، وهنا تكمن أهمية إدارة الذات، فهي تساعد على مواجهة المشكلات بالطريقة الصحيحة من خلال الاعتراف بوجود المشكلة وليس تجاهلها ثم وضع المنهجية المناسبة لحلها والتغلب عليها.

2. أهمية إدارة الذات في الحياة العملية:

على الرغم من امتلاك بعض الناس لشهادات أكاديمية مميزة، إلا أنَّنا كثيراً ما نرى فشلهم في الحياة العملية أو عدم تميزهم في العمل نتيجة غياب الإدارة الذاتية، فإدارة الذات تعني القدرة على تحمل المسؤوليات الموكلة للفرد في عمله وتحفيزه على إنجاز مختلف المهام وبالوقت المطلوب.

تعزز إدارة الذات إنتاجية الفرد من خلال إدارته للوقت بوعي وبدقة، كما أنَّها تنمي الدافع للتعلم والتطور المستمر وعدم الوقوف عند حدٍّ معين؛ بل الاستمرار بمواكبة أحدث التطورات في مجال عمله فينعكس ذلك إيجاباً عليه؛ وذلك لأنَّ التميز في العمل هو الوسيلة للترقية وتحسين الوضع المعيشي أيضاً.

شاهد بالفيديو: مهارات تطوير الذات

طرائق تحقيق الإدارة الذاتية:

يتميز بعض الناس بقدرة كبيرة على تنظيم حياته دون بذل جهد، لذلك الالتزام والتخطيط المسبق الدقيق لأكبر الأمور وأبسطها هي صفاته في الحياة، لكنَّ ذلك لا يعني أنَّك لا تستطيع إدارة ذاتك إن لم تكن تلك الصفات موجودة بك سابقاً؛ إنَّما من خلال اتباع ما يأتي يمكنك إدارة ذاتك جيداً:

1. الاستناد إلى المبادئ الخاصة والقيم الأخلاقية الحميدة:

لأنَّ الإنسان بحاجة إلى وجود قاعدة ثابتة يستند إليها عند إدارته لذاته، فمثلاً في أثناء مرورك بجانب حقل فيه فاكهة ذات منظر شهي، قد ترغب في قطف بعض منها وتناوله، ولكنَّ مبادئك التي تعلمتها منذ الصغر لن تسمح بذلك قبل أخذ الإذن من مالك الحقل، ومن المفترض أن تحتفظ بتلك المبادئ بقية حياتك وتستمر بتطبيقها.

2. الالتزام المطلق بالوعود:

إنَّ أساس نجاح العلاقات الاجتماعية أو العملية أو العاطفية هو الالتزام بالوعود التي تطلقها، وإدارة الذات تضمن ذلك، فمثلاً تمنعك من خيانة شريكك العاطفي فهي تتحكم جيداً بالمشاعر، أو تمنعك من القيام بتسريب معلومات الشركة التي تعمل بها إلى جهة منافسة مهما كان المقابل؛ لذلك من الضروري أن تكون صادقاً وملتزماً عند إعطاء الوعود للآخرين، فهذا ما يجعلك موضع ثقتهم، ومن ثمَّ يضمن استمرارية العلاقات الهامة في حياتك.

إقرأ أيضاً: أساليب تطوير وتنمية الذات : 14 طريقة لتطوير مهاراتك الشخصية

3. التعامل الجيد مع الآخرين:

كثيراً ما يتعرض الإنسان لمواقف محرجة أو مسيئة له، فعندها لا يجب أن يترك التوتر والعصبية يتحكمان به؛ إنَّما عليه أن يحافظ على كرامته وحقوقه بحكمة فالكلام المناسب والهادئ هو أفضل من الصراخ في حل المشكلات، كما أنَّ اللطف في التعامل هو وسيلة لكسب احترام الآخرين دون أن يبدو الإنسان ضعيفاً.

إضافة إلى ضرورة الاهتمام بالمحيطين به؛ وذلك لأنَّ الاهتمام أمر أساسي لنجاح العلاقات في الحياة، فلا يمكنك أن تحتفظ بصديقك المفضل إن لم تكن إلى جانبه في الأيام السيئة والمناسبات المفرحة أيضاً، حتى إن كانت مهامك كثيرة فيمكن إظهار الاهتمام بالكثير من الطرائق.

4. التعبير عن نفسك جيداً:

لا يمكن للآخرين معرفة قدراتك أو مواهبك الكامنة إن لم تحاول أنت إظهارها لهم، وأيضاً المشاعر والأفكار فلا أحد يستطيع سماع ما تفكر فيه، وقد يتسبب ذلك بإساءة الظن بك؛ لذا عليك التحدث بصوت مسموع بعيداً عن القلق المتعلق باهتمام الآخرين بما ستقول أو مدى إعجابهم بقدراتك، فقد تكون أفكارك على درجة عالية من الأهمية والإفادة ولكنَّك لن تدرك ذلك إن لم تبح بها.

5. كونك شخصاً مثيراً للاهتمام:

الطريق إلى ذلك هو تثقيف نفسك في مختلف المجالات؛ وذلك من خلال المطالعة باستمرار والخضوع لدورات تدريبية والاستفادة من الأشخاص المبدعين في محيطك من خلال تبادل الأفكار والخبرات معهم.

6. تحديد أهدافك في الحياة:

عليك معرفة ما تريد أن تحصل عليه في حياتك، فالحصول على عمل تحلم به مستقبلاً يتطلب منك سابقاً الاجتهاد في الدراسة وليس أن تحلم فقط، أو مثلاً الحصول على منزل في مكان محدد يتطلب منك العمل بقدر معين لشرائه؛ لذلك التخطيط ثم السعي ضروريان لتحقيق الأهداف.

7. تنظيم وقتك جيداً:

فكما يقال: "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك"، ومن أساسيات النجاح في الحياة تنظيم الوقت والابتعاد عن الفوضى أو الارتجالية في العمل، فلا يمكنك إنجاز مهامك العملية والمنزلية معاً إن كنت غير منظم، فقد تنجح في عملك وتفشل في تكوين أسرة مترابطة بالمقابل؛ لذلك من المفترض أن تقوم بتحديد ما عليك فعله يومياً بالاستعانة بمفكرة تدوِّن فيها واجباتك ووقت تنفيذ كل منها كي لا تنسى شيئاً.

شاهد بالفيديو: طرق تنمية الانضباط الذاتي

8. الوثوق بنفسك:

لأنَّ الثقة بالنفس تمد الإنسان بالقوة والاندفاع نحو الإنجاز وتحقيق الأهداف بسهولة أكبر، كما أنَّها تساعده على مواجهة التحديات والصعاب والتأقلم مع النكسات والاعتراف بالفشل أيضاً، ويتم ذلك من خلال التخلص من الأفكار السلبية والتركيز بالنظر إلى الإنجازات المحققة سابقاً، والاهتمام بالصحة الجسدية بممارسة الرياضة مثلاً، والصحة النفسية باللجوء إلى الدورات التدريبية في مجال التنمية البشرية، والابتعاد عن الأشخاص السلبيين في الحياة ممن يتعمدون إحباط الآخرين ومنعهم من السعي نحو أحلامهم، والتقليل من أهمية مواهبهم وإبداعاتهم وإنجازاتهم في الحياة.

9. التخلص من عوائق تطوير الذات:

العوائق متعددة، نذكر منها ما يأتي:

  • الخوف من التجديد الذي يمنع الفرد من الخروج عن العادات حتى البالية منها ويجعله يكرر نفس السلوكات ويحصل على النتائج الخاطئة نفسها، فمثلاً من السيئ البقاء في عمل يستنزف طاقاتك سدى دون السعي نحو عمل أفضل خوفاً من عدم القدرة على النجاح به.
  • الكسل؛ وهو عائق بطريق النجاح مهما كان يمتلك الإنسان من قدرات، فقد يفضل بعضهم المزيد من ساعات النوم على الاستيقاظ صباحاً والمزيد من الدراسة للحصول على معدل أعلى، وقد يجعلك ترضى بوضعك الوظيفي على أن تخضع لدورات تدريبية في سبيل تحسين مستواك العلمي.
  • السعي خلف الملذات الذي يجعل الإنسان يهمل دراسته وعمله وأسرته فيدمر حياته شيئاً فشيئاً لأنَّه يضعف إرادته.
  • الإزاحة والتحول من هدف إلى آخر، وذلك عند مواجهة المصاعب في سبيل تحقيق الأهداف، وبالطبع لا يمكن تحقيق أي نجاح في الحياة إلا بعد المرور بالكثير من التحديات، فالإزاحة عن الأهداف تتسبب في الفشل بتحقيق أي هدف في الحياة.
  • الملل، وهذا يجعل الفرد فاقداً للطاقة ويضعف قدرته على الإنجاز؛ لذلك من الأفضل تعبئة وقت الفراغ بما هو مفيد ومسلٍّ كي تكون الطاقة الإيجابية عالية عند العودة إلى العمل، ويمكن ذلك من خلال التسجيل في نادٍ رياضي أو الانتساب إلى جمعيات خيرية أو تنظيم رحلات مع الأصدقاء والعائلة، فكل ذلك يحسن الحالة النفسية التي تنعكس إيجاباً على مختلف جوانب حياته.
إقرأ أيضاً: 13 نصيحة لتطوير الذات وتنميتها

في الختام:

إدارة الذات هي إخضاع الإنسان لنفسه إلى قواعد تضبط مشاعره وأفكاره وتتحكم بردود أفعاله فتجعله يحسن التصرف في جميع المواقف التي يوضع بها، كما أنَّها الوسيلة التي تساعده على الاستفادة مما يملك من مواهب وقدرات، فتفتح له أبواب النجاح في حياته الشخصية والاجتماعية والعملية أيضاً وهذا ما نطمح إليه جميعنا.

أما طرائق تحقيقها، فهي ليست بالأمر الصعب؛ إنَّما يمكن ذلك من خلال التدرب على رفع الثقة بالنفس والتخلص من الأشخاص السلبيين والأفكار السلبية ومن الكسل والملل والالتزام بالوعود ومعاملة الآخرين بلطف؛ لأنَّ ذلك يكسبك ثقة واحترام الآخرين، كما أنَّ تحديد الأهداف في الحياة وتنظيم الوقت من ضروريات النجاح والتميز في مختلف المجالات، ولا تنسَ خلال ذلك أن تكون شخصاً إيجابياً مؤثراً في الآخرين ومثيراً للاهتمام، وتذكر أنَّ النجاح يتطلب مواجهة التحديات والصعاب التي لا يخلو أي طريق نجاح منها.

المصادر: 1، 2




مقالات مرتبطة