أيهما أفضل: أن تفكر بسرعة أم ببطء؟

هل تفتخر بسرعة استيعاب المعلومات واتخاذ القرارات؟ نعم، قد يكون لامتلاكك عقل سريع فائدة، خصوصاً فيما يتعلق بالقرارات الروتينية البسيطة، فهذا يحميك من إضاعة الوقت ولا يُحدِث فرقاً في حياتك، ويمنحك المزيد من الطاقة من أجل التركيز على ما هو أهم وأفضل.



لكن يوجد نوع آخر من الناس يفضل نمط التفكير المتأني، وخاصةً عند اتخاذ قرارات حياتية حاسمة، فإنَّ اتباع الطريق البطيء والسماح لنفسك بالتفكير، قد يؤدي إلى نتيجة أفضل في كثير من الحالات، وبين هذين النمطين من التفكير سنحاول في هذا المقال إيجاد نقطة التقاء بين الطريقتين؛ لذا تابعوا معنا.

أنظمة التفكير المستخدَمة عند أغلب الناس:

يستخدم أغلب الناس عادةً أحد النظامين عندما يفكرون ويختارون ويجيبون عن الأسئلة؛ النظام الأول هو نهج القرار السريع الذي يعتمد على الحدس، أما النظام الثاني هو نهج القرار البطيء الذي يعتمد على المحاكمات العقلية الواعية.

قد يتركك تفكير النظام الأول عرضة للتحيز، لكنَّ النظام الثاني يأتي على حساب الوقت ويستهلك الكثير من الجهد، ولا يوجد نظام تفكير أفضل من آخر؛ إذ يحدد السياق ما إذا كان النهج السريع أو البطيء للتفكير هو المناسب.

حاول اختبار نمط تفكيرك من خلال محاولة الإجابة عن الاختبار الآتي:

هل أنت جاهز لاختبار سريع يجعل خلايا دماغك الرمادية الصغيرة ترقص؟ ألقِ نظرة على الأسئلة الأربعة أدناه وشاهد ما إذا كان يمكنك معرفة إجاباتها:

  1. إذا كنت تجري سباقاً وتجاوزت صاحب المركز الثاني، في أيَّة مرتبةٍ أنت؟
  2. كان لدى مزارع 15 رأساً من الأغنام ونفق الجميع باستثناء 8، كم عدد الأغنام المتبقية؟
  3. والد "إيميلي" لديه ثلاث بنات، تم تسمية البنتين الأوليتين "أبريل" و"مايو"، ما هو اسم الابنة الثالثة؟
  4. ما هو عدد الأقدام المكعبة من الأوساخ الموجودة في الحفرة التي يبلغ طولها 3 أقدام وعرضها 3 أقدام وعمقها 3 أقدام؟

ما هو الهدف من هذا الاختبار؟

أُخِذَت الأسئلة من نسخة "طومسون" و"أوبنهايمر" المنقحة لما يسمى "اختبار الانعكاس المعرفي"؛ الاختبار بسيط بشكل مخادع، بينما يحتوي كل سؤال على إجابة واحدة صحيحة فقط، وتم تصميم جميع العناصر لاستحضار حل فوري وبديهي، والذي يبدو أنَّه صحيح ولكنَّه - للأسف - ليس كذلك؛ فالسبب وراء تصميم هذا السؤال ليس خداع الناس، لكن لاستنباط الاختلافات الطبيعية في أساليب تفكيرهم، وبشكل أكثر تحديداً، يهدف الاختبار إلى تحديد ما إذا كان الشخص الذي يخضع للاختبار مفكراً سريعاً وبديهياً أو مفكراً بطيئاً ومتأملاً.

يمكننا فحص الاختلافات في أساليب التفكير باستخدام سؤال الاختبار الأول كمثال؛ إذ يتحداك هذا السؤال لاستنتاج مكانك في سباق الجري، وبعد قراءة السؤال، من المرجح أن تخطر ببالك إجابة بديهية على الفور، وهي إذا تخطيت الشخص في المركز الثاني، فمن المؤكد أنَّك ستأخذ مركز الصدارة، هذا الجواب الحدسي مقنع للغاية لأنَّ مكاناً واحداً فقط أفضل من المركز الثاني وهو المركز الأول، ومن ثمَّ إذا كنت أفضل من الوصيف، فمن المؤكد أنَّك ستكون الأول.

من المرجح أن يكون المفكر السريع البديهي راضياً عن هذا الحدس الأولي، وفي المقابل، قد يدرك المفكر الأبطأ والأكثر تأملاً أنَّه من خلال اجتياز الشخص في المركز الثاني، فإنَّك ستأخذ موقعه في السباق؛ فهذا يعني أنَّ شخصاً واحداً ما يزال أمامك؛ وهذا يجعلك الوصيف.

شاهد: 10 أساليب للتدرب على التفكير الإبداعي

اختبر نمط تفكيرك من خلال اطلاعك على أجوبة الاختبار:

ماذا عن بقية الأسئلة؟ فيما يأتي الإجابات، التي تشمل الإجابات البديهية والإجابات الفعلية:

  1. السؤال الأول، إجابة بديهية: أولاً؛ الجواب الصحيح: الثاني.
  2. السؤال الثاني، إجابة بديهية: 7؛ الإجابة الصحيحة: 8.
  3. السؤال الثالث، إجابة بديهية: يونيو، الجواب الصحيح: إيميلي.
  4. السؤال الرابع، إجابة بديهية: 27؛ الجواب الصحيح: لا شيء.

كيف دخلت في الاختبار؟ هل تم تضليلك من خلال ردود حدسك الأولية أو هل رأيت بشكل صحيح من خلال الأسئلة الصعبة؟ من خلال حساب عدد الأسئلة التي حصلت عليها بشكل صحيح، ستحصل على مؤشر لأسلوب تفكيرك الشخصي، إما سريع وبديهي أو بطيء ومتأمل.

التفكير السريع والتفكير البطيء:

اقترح الاقتصادي "دانييل كانيمان" الحائز على جائزة نوبل وزميله منذ فترة طويلة "عاموس تفرسكي" أنَّ التفكير ينشط عادة أحد نظامين معرفيين؛ النظام الأول هو نهج سريع وبديهي، وغالباً ما تحكمه الاستجابات العاطفية أو العادات أو الغرائز، وميزته الأساسية توفير حلول سريعة ولكنَّها عادة ما تكون عرضة للتحيزات المعرفية الشائعة والمغالطات المنطقية.

ويتبع النظام الثاني نهجاً بطيئاً وتأملياً، والذي يتضمن التفكير التحليلي والتفكير الأكثر وعياً حيال الخيارات المتعددة، ويتميز بتحقيق نتائج أكثر دقة، ولكنَّها مرتبطة أيضاً بتكلفة الجهد المعرفي العالي، فلكل ميزة إيجابية ثمن سلبي لا بد من دفعه، هذا هو قانون الحياة على ما يبدو.

ما هو أسلوب التفكير الأفضل؟

بعد الاختبار الأولي، قد تتساءل عما يكشفه أسلوب تفكيرك عن نفسك، أيهما أفضل: سريع أم بطيء؟ في الثقافة الشعبية، غالباً ما تحمل صفة "بطيء" دلالات سلبية، فقد نستخدمها لوصف شخص ما لديه معدل ذكاء أقل من المتوسط، ومن المثير للاهتمام أنَّ تجربتنا الصغيرة مع أسئلة الاختبار المضللة تشير إلى خلاف ذلك تماماً، فمن الواضح أنَّ اتباع النظام الثاني في التفكير أدى إلى نتائج أفضل، فهل يعني ذلك أنَّ المفكرين البطيئين هم الفائزون عموماً؟

قد لا يكون الأمر بهذه البساطة في الواقع؛ إذ تهدف أسئلة الاختبار من البداية إلى قياس التفضيلات المتأصلة لدى الناس فيما يخص أسلوب تفكير، ومع ذلك، يستخدم معظم الأشخاص مزيجاً من النظامين الأول والثاني، مع تحديد الظروف للنظام المسيطر؛ إذ تُعَدُّ الأهمية النسبية للمهمة ومقدار الوقت المتاح للاختيار من بين العوامل التي تؤثر في طريقة تفكيرك.

مثال عملي يوضح استخدامات نظام التفكير السريع والبطيء في الحياة اليومية:

على سبيل المثال، قد ينطوي ارتداء ملابسك في الصباح على مجرد اختيار عشوائي أو غريزي من خزانة الملابس، فالأهم من ذلك هو خوفك من التأخر عن العمل وخاصةً إذا كان لديك اجتماعات هامة مقررة لا يمكنك التأخر عنها.

على النقيض من ذلك، من المرجح أن يتم  اختيار زي الزفاف قبل وقت طويل من الموعد المحدد؛ وذلك باستخدام الكثير من المحاكمات العقلية الواعية؛ لذا يبدأ معظم الناس بالتفكير في ملابس حفل الزفاف قبل أشهر عدة ويقارنون بين العديد من الخيارات المختلفة مع التفكير بعناية في إيجابيات وسلبيات كل زي.

يوضح المثال السابق التأثير الهام للسياق؛ إذ جربت صديقتنا "هانا" ما مجموعه 106 فساتين زفاف، ولكنَّ الحق يُقال لقد بدت مذهلة في النهاية، ومع ذلك، في حال كانت ستستثمر القدر نفسه من الوقت والجهد في كل اختيار من الملابس، فمن غير المرجح أن تخرج من غرفة القياس.

متى يكون نظام التفكير السريع هو الأفضل؟

لأنَّك نتخذ آلاف القرارات كل يوم؛ لذا لا يمكن أن تفكر في كل شيء صغير تفعله كل يوم، مثل اختيار جواربك وملابسك الداخلية، وقرار تنظيف أسنانك بالفرشاة والاستحمام، وهكذا بالنسبة إلى معظم القرارات، ربما يكون النهج التلقائي أو التعامل الآلي في التفكير هو الأكثر فاعلية، لكن عندما يكون لديك قرار هام في الحياة، أو أي قرار يؤثر في عملك وعلاقاتك الشخصية، فإنَّ اتباع الطريق البطيء، أو ما يسمى بـ "تفكير السلحفاة" (Turtle Think) قد يكون أكثر فائدة.

شاهد أيضاً: 11 وسيلة لتعزيز القدرات العقلية والذاكرة والتحفيز

هل يوجد نظام تفكير أفضل من آخر؟

مع وضع كل ذلك في الحسبان، قد نضطر إلى إعادة صياغة سؤالنا الأساسي، فبدلاً من محاولة تحديد أسلوب التفكير الأفضل، يبدو أنَّ لب القضية يتمثل في إيجاد التوازن بين نظامي التفكير، فقد تكون معرفة متى يجب التفكير بسرعة ومتى يجب التفكير ببطء هو العامل الأساسي في تغيير قواعد اللعبة لزيادة كفاءتك في العمل أو الدراسة أو الحياة اليومية، وتحقيق النجاح عموماً.

إقرأ أيضاً: المبالغة في التفكير تضر بسلامتك

ما هي العلاقة بين التقدم في السن والتفكير البطيء والقدرة على اتخاذ القرارات السليمة؟

أُجريت دراسة في جامعة "تكساس" في "دالاس" تتعلق باتخاذ القرار في موضوعات صحية، شملت الدراسة ثلاث مراحل من الحياة، في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من العمر، ومن بين المجموعات الثلاث، كان الأفراد الذين يتخذون أفضل القرارات قادرين على إدراك ما إذا كانت المعلومات هامة أو غير هامة.

من المثير للاهتمام أنَّ المجموعة الأكبر سناً (المفكرون الأبطأ) هي التي برعت في التمييز بين ما هو هام وما هو غير هام، فهل من الممكن أن يكون السبب هو امتلاك المجموعة الأكبر سناً المزيد من الخبرة الحياتية؟ أو المزيد من الحكمة، للاستفادة من ذلك في اتخاذ قراراتهم؟ تشير دراسات أخرى إلى أنَّه مع تقدمنا ​​في العمر، يتم تعزيز بعض قدرات اتخاذ القرار؛ وذلك لأنَّ تفكيرهم يتخذ منحى أبطأ.

لذا ضع في ذهنك أنَّنا مع تقدمنا ​​في العمر، ستؤثر القرارات التي نتخذها عندما كنا شباباً في تلك القرارات التي نحتاج إلى اتخاذها في الشيخوخة، مثل التقاعد والقرارات المتعلقة بالصحة.

إقرأ أيضاً: 6 أنماط تفكير تؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب

في الختام:

فقط لأنَّ عقولنا سريعة في اتخاذ القرارات، هذا لا يعني أنَّها أفضل، فأنا شخصياً قد أندم على الأوقات التي وقعت فيها في فخ التحدث أو الرد دون الاستفادة من التفكير البطيء والتأمل؛ لذا مثلما تدفن السلاحف بيضها في الرمال حتى تنمو وتنضج، ثم تسخن بفعل دفء الشمس، هكذا سيكون شكل التوقف عن إبداء آرائك بسرعة، وتلك هي الكنوز والحكمة التي تجدها من خلال منح أفكارك الوقت للنضوج والازدهار بشكل طبيعي.

المصادر: 1،2




مقالات مرتبطة