أين أنت من توقعاتك؟

تتوق النفس دائمًا لتحقيق أهدافها المنشودة، وتُكرّس السنوات الطويلة لتحقيق تلك الطموحات. ومع اقتراب اللحظة المنتظرة لتحقيق الهدف، قد يحدث أحيانًا عكس ما كان متوقعًا.



هل تتوقع من شخص عزيز ليس في محل شك أبداً أن يفي بوعده الذي سيغير مجرى حياتك وعند اللحظة الحاسمة تخلى عنك؟

هل تخليت عن بعض ملذات الحياة وألزمت نفسك بالقليل من احتياجاتك لتربي ابنك من دون أن يشعر بالنقص بين زملائه، وليصل إلى أعلى مراتب التعليم ويعمل في وظيفة مرموقة حتى تستريح أنت من تعب الحياة ويحمل هو مسؤوليتك في كبرك مثلما حملت مسؤوليته في صغره وشبابه إلا أنّه خذلك أشد الخذلان وتخلّى عنك وأنت في أمسِّ الحاجة إليه ورحل باحثاً عن حياةٍ تناسبه بدونك!

راجع جميع المواقف التي أصابتك بالانزعاج والإحباط في حياتك ثم توقّف عندها قليلاً وتأمَّل ما الذي حصل بداخلك؟ وما السبب وراء كل تلك المشاعر السلبية؟

غالباً ما نعلِّق آمالنا بتوقعاتٍ تحدث لنا سواءً كانت من أحداثٍ أو أشخاصٍ من أجل تلبية احتياجاتٍ نتوق إلى تحقيقها.

إن الصورة الخيالية التي رسمناها لأنفسنا ونحن نحقّق ما نريد وما خططنا له الليالي الطوال هي التي تجعلنا أكثر حماسةً وتحفيزاً، فنحن نراها بكل دقةٍ من جميع الزوايا ونمتِّع أنظارنا بألوانها الزاهية وما تحتويه من تفاصيل جميلة، وعندما نرهف الحواس نُنصت للنغمات الجميلة التي تجعل قلوبنا ترقص فرحاً حتى أننا نستشعر روائحها العبقة تدغدغ حواسنا وننتظر بفارغ الصبر تلك اللحظة التي حددناها لنعيش الحقيقة التي طالما شغفت قلوبنا بدلاً من الخيال.

وعندما تحين اللحظات الحاسمة لتحقيق الحلم، تأتي المفاجأة بانسحاب اللحظة تلو اللحظة من دون تحقيق ما نريد، هنا وعند هذه المفارقة يتبين أي نوع من الناس أنت! هنا تظهر حقيقة ذاتك وتعرف إن كنت ممن تجرفهم الأحداث وتحطمهم في طريقها أم من الذين يتحكمون بالأحداث ويقودونها.

فأين أنت من توقعاتك؟

تَبيَّن لي في كثيرٍ من الحالات التي مرت بي سواء من خلال تجارب الآخرين أو ما لمسته من جلسات تقييم الذكاء العاطفي أو جلسات الكوتشينغ أن توقعات الإنسان دائماً ما توصله إلى الانزعاج وقد تصل به حدِّ الإحباط الشديد والتخلي عن الأهداف التي طالما انتظرها وقد يصاب بالأمراض الجسدية والنفسية، التي قد تصل حد التخلص من الحياة.

إن التحدي الفعلي هو في كيفية تهيئة أنفسنا وتدريبها بشكلٍ مستمرٍّ على تخطي الصعوبات والعقبات وفي كيفية تجاوز التوقعات التي رسمناها بأيدينا وربطناها بوقت محدد وألزمنا أنفسنا بتحقيقها في ذلك الزمن المخطط له، ومن هنا سنغوص بشكلٍ أعمق في ذواتنا وتوقعاتها وفي كيفية تجاوز مشاعرنا السلبية والمضي قدماً في حياتنا، وهنا أودُّ أن أسألك التساؤلات التالية:

هل هناك توقعاتٌ إيجابية وتوقعاتٌ سلبية؟

إلى أين تصل بنا التوقعات، وكيف لنا أن نتخلَّص من مشاعرنا السلبية؟

شاهد بالفديو: 7 حقائق عليك أن تفهمها عن الحياة

ما علاقة التخطيط بالتوقعات؟

لو تأمَّلنا قليلاً ونحن في حالة من السكون الداخلي وراجعنا جميع المواقف أو الأحداث التي مررنا بها، سنجد أن بعضاً منها قد وافق توقعاتنا فكنَّا سعداء ومبتهجين عند تحقّقها وبالتالي هي توقعاتٌ إيجابية بالنسبة إلينا، أمّا على الجانب الآخر فكثيراً ما خالفت تلك المواقف أو الأحداث توقعاتنا فأصابتنا مشاعر الانزعاج والإحباط وهذه هي التوقعات السلبية بالنسبة إلينا.

إليك هذه الحقيقة التي لا مفرَّ منها، إن جميع التوقعات بكل ظروفها ومهما كانت نتيجتها مبهجةً كانت أم محبطةً لنا، فهي توقعاتٌ سلبية!!

إن التوقعات بكل أشكالها هي السبب الرئيس لمشاعر الإحباط التي تمرُّ في حياة الإنسان، فليس هناك توقعاتٌ إيجابية أو توقعاتٌ سلبية، إنّما هو انتظار حدوث أمرٍ ما في وقتٍ محدد أو انتظار ردة فعل أو قرارٍ من شخصٍ ما في وقتٍ محدد، ونحن من نتلاعب بالمسمَّيات لإرضاء غرور أنفسنا فإن حدث ما توقّعناه وسعدنا به أسميناه توقُّع إيجابي والعكس صحيح.

لابد أن تعلم أنّك كلّما رفعت سقف توقعاتك وتعاملت معها على أنها حقيقةٌ لا شكَّ فيها وأنها ستتحقق في الوقت الذي حددته لها وتعلّقتَ بأذيالها كان هبوطك منها قاسياً ومؤلماً، كأن تعمل على فتح رصيد بنكي، وتوفِّر كل شهر مبلغ ما يعينك في أوقات الشدّة، ولظروف اقتصادية معينة، يعلن البنك إفلاسه من دون أن يكون لك حيلةٌ في استرداد ودائعك، فتصيبك الحسرة على تلك الجهود التي بذلتها وأنت توفّر المال ليكون لك سنداً في سنوات تقاعدك.

وهناك العديد من الأمثلة التي شهدناها سواء من تجاربنا أو تجارب الغير، فكثيرٌ من الناس الذين وضعوا كل أموالهم في أسواق الأسهم في الفترة التي كانت في أوج نجاحها وكانت أرباحها خيالية والوعود تنهال على هؤلاء الناس بأن يصبحوا أثرياء في غمضة عين وعندما فاجأت الأزمة الاقتصادية عام 2008 العالم كله وتجاوزت الخسائر مليارات الدولارات وخسر هؤلاء الأشخاص كلَّ مدخراتهم التي وضعوها في الأسهم وكانت الخسائر كارثية بالنسبة لهم، كثيراً منهم أصابتهم الأمراض القلبية والجلطات الدموية ومنهم من لم يحتمل الصدمة فمات قهراً.

ولقد سمعنا العديد من القصص لأشخاصٍ تلقوا صدماتٍ قوية من أقرب الناس إليهم والذين كانوا بالنسبة إليهم خارج نطاق الشك أو الحذر وعندما تلقوا الطعنة النافذة التي لا براء منها، أسقطتهم توقعاتهم في براثن الندم والحسرة، فعندما تكون كتاباً مفتوحاً أمام الغير، يقلب صفحاتك كيفما يشاء، وكونك تتوقع منه صيانة العهد وعدم الإخلال بهذه العلاقة المقدسة، فلتكن مستعداً لتحمل نتائج توقعاتك عندما يمزقك صفحة صفحة. وقس على ذلك جميع المواقف التي مررت بها أو مر بها غيرك وكانت نتيجتها الخذلان.

إقرأ أيضاً: فعالية التوقعات الإيجابية

وبعد هذا العرض لتأثير التوقعات على حياتك وعلاقاتك، كيف تحمي نفسك من هكذا سقطة وتلملم شتاتك بسرعةٍ وتمضي قدماً دون أن تنكسر وتتوقف حياتك على شفا حفرةٍ من الانهيار؟

إن الحقيقة التي يدركها الجميع بأن لا شيء ثابت في هذا العالم، لا في أحداثه ولا في أشخاصه، وكلما آمنت وأيقنت أن هذه الحقيقة ستشملك حتماً في يومٍ ما وبطريقةٍ لم تكن تتوقعها وأنك لست خارج نطاق الإحصائيات، وأنَّ ما يصيب الغير لابد أن يصيبك، من هذه النقطة فقط ستبدأ بخفض سقف توقعاتك لكلِّ شيء من حولك ابتداءً بنفسك وحتى بالنسبة إلى أقرب الناس إليك وتعريجاً على الآخرين والأحداث والظروف وكل ما تتخيله، ستجد أن روحك أصبحت خفيفة لا يثقل كاهلها أي عائق يأتيها من الأحداث أو ردة فعلٍ قاسية تصيبها من شخص عزيز، وكن ذكياً تستقي الدروس من تجارب الآخرين قبل أن تكون أنت الدرس الذي يتعلم منه الآخرون.

قد يتبادر إلى أذهان الكثيرين بعد هذا الطرح سؤالٌ يتعلق بالتخطيط لحياتنا وأهدافنا، فهل يدخل ضمن التوقعات السلبية؟

تقول تيا موري "أنا منظمةٌ جداً وأحب التخطيط للأمور، أصاب بالإحباط عندما لا تسير الأمور وفقاً للخطة"، يتبين من هذه المقولة أن التخطيط عبارة عن توقعات لإنجاز أمرٍ ما في وقتٍ محدد وقد يسبب لنا الإحباط إن لم نحققه، إذاً فالتخطيط توقع وبالتالي فهو سلبي.

إقرأ أيضاً: 6 أسئلة يجب أن تطرحها على نفسك قبل أن تبدأ التخطيط للعمل

يقول ستيفن كوفي "ابدأ والنهاية في ذهنك"، إنّ حياتنا لابد أن يكون فيها أهدافٌ واضحة وتخطيطٌ دقيق للوصول إليها والنفس البشرية تواقةٌ دائماً للإنجاز والوصول إلى ما تريده فليس علينا أن نتجاهل أو نتخلص عنوةً من هذه الاحتياجات الفطرية حتى لا نقع في مصيدة التوقعات، فكيف نحل هذه المعادلة:

التوقعات = أمر سلبي.

التخطيط = التوقعات.

إذا فالتخطيط = أمر سلبي.

ولكن، التخطيط = أمرٌ مهمٌّ ومطلوبٌ لحياة الإنسان

توقف هنيهات واسأل نفسك هذه الأسئلة:

  • هل أنا متحكِّم بحصول النتائج في الوقت الذي أريده؟
  • كم مرةً في حياتي كنت أنا المتحكم بالنتائج وتم تنفيذها بحذافيرها بناء على تحكمي بها؟
  • ماذا لو لم يحصل ما خططت له، كيف لي أن أشعر وكيف لي أن أتصرف؟

لا تنجرف كثيراً وتصل إلى الخاتمة قبل دراسة التفاصيل، لابد أن تكون متأكداً أنك إن لم تخطط لحياتك ستكون مبعثراً لا تعرف أي طريق تسلك وستكون جزءاً من مخططات الآخرين منفذاً لها على حساب نفسك، فما عليك أن تفعله هو الأخذ بالأسباب والعمل عليها بكل تفاصيلها وكما قال أنطوان إيكسوبيري "ليس عليك أن تتنبأ بالمستقبل، بل أن تجعله ممكناً"، فالقانون الكوني يعطي كلُّ مجتهدٍ أضعاف ما بذله من جهد، أنت تخطط لتصل إلى النتائج التي تريدها في الزمن الذي تراه مناسباً لك وعندما لا يتحقق ما خططت له في الزمن الذي حددته له فاعلم وتيقن أنه ليس هو الزمن المناسب بحسب القانون الكوني وأن العطاء الذي ستجنيه أضعاف ما بذلته لم يحن وقته بعد، فلا تيأس وتبدأ بمسح الصورة الجميلة التي رسمتها في مخيلتك وعايشت تفاصيلها بكلِّ وجدانك، بل زد عليها من التفاصيل التي تشعل حماستك أكثر فأكثر، فالنتائج ليست من مهامك وإنما عليك أن تعيد شحذ المنشار وإعادة تقييم الخطوات التي رسمتها لنفسك، فإن احتاجت أي تغيير فاعمل على تغييرها وزد عليها خطواتٍ جديدة تجعل الهدف أكثر إشراقاً وتحفيزاً.

إقرأ أيضاً: تعرّف على أهمية التخطيط في الحياة العملية

عليك أن تؤمن بأن القانون الكوني لن يخذلك أبداً، وأنّ ما عليك هو أن ترسم لنفسك الطريق متسلحاً بالخطط المحكمة والعمل على تحقيقها، أمّا النتائج فليست مرهونة بك أو بغيرك لذا كن هادئاً واستكن من الداخل تجد نفسك أكثر صفاءً واتزاناً وحكمةً ولا تؤثِّر بك الأحداث الخارجية فتشعل غضبك أو تصيبك بالإحباط، بل حاسب نفسك على القيام بالأسباب، فإن لم تكن مقصراً في اتخاذها، دع الأمر يسير بحسب القانون الكوني ولا تعلِّق آمالك بتوقعاتٍ مربوطة بالزمن حتى لا تسقط في براثن الإحباط.

إذا فالمعادلة النهائية هي:

توقعات مربوطة بالزمن = أمر سلبي

التخطيط = التوقعات الغير مربوطة بالزمن، عليك القيام بالأسباب وليس من مهامك تحمل النتائج، فأنت تستحق حياة أفضل دائماً فلا تضيعها في إحباطات التوقعات!




مقالات مرتبطة