أهمية مهارات الحياة وكيفية اكتسابها وأمثلة عنها

يولَد الإنسان صفحة بيضاء كما يقولون، بفطرة سليمة وبديهة حاضرة لتلقِّي المعلومات من الوسط المحيط الذي يكون عادة في الفترة الأولى هو الأسرة؛ إذ تأخذ الأسرة على عاتقها مهمة إنشاء الإنسان وإعداده ليكون مستقلاً بذاته وقادراً على تلبية احتياجاته الشخصية، ومن ثم ليكون قادراً على تقديم العون للآخرين وقابلاً للاعتماد عليه.



تعلِّم الأسرة طفلها كيف يأكل ويتحدث ويمشي ويقضي حاجاته ويعبِّر عن نفسه وعن رغباته، ليبدأ بعد ذلك خوض معركته الخاصة التي يتعلم في كل موقف منها مهارة من مهارات الحياة التي تضيف الخبرة إلى رصيده الإنساني، ونحن نفرد هذا المقال للتحدث عن أهمية مهارات الحياة وكيفية اكتسابها من قِبل الإنسان، وسنورد فيه أيضاً أمثلة واقعية تتعلق بهذه المهارات.

أهمية مهارات الحياة:

تبدو أهمية مهارات الحياة من خلال التسهيلات التي تمنحها للإنسان الذي يتمتع بها، فمهارات الحياة هي مجموعة من الأساليب والمعتقدات التي إذا ما تبنَّاها الإنسان اجتاز بسهولة اختبارات الحياة وخفف من الأذية التي قد تطاله عبر المرور في مضائقها.

من النقاط التي تُبرز أهمية مهارات الحياة نذكر ما يأتي:

1. تحسين حياة الإنسان على جميع الأصعدة النفسية والاجتماعية والمهنية والعائلية وغيرها:

كون مهارات الحياة تُحدث في نفس الإنسان تغيرات جذرية في التكيف مع المجتمعات وإدراك أمثل الطرائق في التعامل مع الآخرين، وهذا يؤثر إيجاباً في جودة حياته.

2. إضافة الخبرات إلى رصيد الإنسان:

فالمهارات الحياتية يكتسبها الإنسان إما عن طريق الاعتبار من تجارب الآخرين أو عن طريق الصفعات التي يتلقاها من الدروس الشخصية.

على سبيل المثال، إذا ما ذهب شخص إلى مكان وسكن في بناء فيه أشخاص يدينون بغير ديانته، فتعاملَ معهم بفوقية وازدراء ولم يترك لاحترام الجيرة مكاناً، وحدث أن طلبوا منه مساعدة وصدهم، ثم دارت الأزمان واحتاج إليهم وطرق بابهم سائلاً المساعدة وقوبل بالرفض الذي أبداه سابقاً، فسيتعلم أنَّ الدنيا تدور وأنَّ كل عمل يقدمه الإنسان عائد إليه لا محالة.

3. تعريف الإنسان بنفسه أكثر:

فمن ملامح أهمية المهارات الحياتية أنَّها تساعد الإنسان على التعمق أكثر في ذاته، وتعزيز ذكائه العاطفي، فيدرك الإنسان قيمه ونقاط قوَّته والمشاعر التي تثيرها المواقف في داخله ويتعلم أفضل الطرائق في التعامل معها.

فإذا ما نشأت فتاة على الاستقلالية في منزل ذويها، وتقدَّم لخطبتها شاب تحبه اشترط عليها ترك العمل بعد الزواج والاعتماد عليه في شراء حاجياتها، في مثل هذا الموقف تدرك الفتاة أنَّ الاستقلالية قيمة جوهرية بالنسبة إليها يسبب التنازل عنها التعاسة والبؤس، ولكنَّها غير موجودة في فارس أحلامها، فتكتسب الفتاة مهارة المفاضلة بين الأمور واتخاذ القرار المناسب.

4. بناء مجتمع متوازن:

فإذا ما اكتسب كل فرد من أفراد المجتمع مهارات الحياة التي تعينه على التأقلم مع الظروف والتعامل مع الآخرين بإنسانية ووفق حدود كل علاقة، فإنَّ ذلك سينعكس إيجاباً على جودة العلاقات بين أفراد المجتمع، ويصبح التواصل بينهم مثمراً وفعالاً.

شاهد بالفديو: 10 مهارات عملية عليك تعلمها لتطوير شخصيتك

بعض مهارات الحياة وكيفية اكتسابها وأمثلة عنها:

فيما يأتي سوف نورد لكم أهم مهارات الحياة ونشرح لكم كيفية اكتسابها مرفقين كلامنا بأمثلة واقعية عنها:

1. مهارة الذكاء العاطفي:

هي من أهم مهارات الحياة التي يجب على كل إنسان أن يكتسبها - والذكاء العاطفي بحسب "كولمان" هو قدرة الشخص على تعريف مشاعره ومشاعر الآخرين وإدارة عواطفه - وتنقسم مهارة الذكاء العاطفي إلى الوعي بالمشاعر الشخصية وفهم مشاعر الناس والتعاطف مع الآخرين والتواصل الفعال مع المحيط.

يساعد اكتساب هذه المهارة الفرد على الوعي بمشاعره الخاصة، فعندما يمر الفرد في موقف ما، فإنَّه وفي كثير من الأحيان يشعر بمشاعر متداخلة تسبب له الضياع والتشتت واتخاذ قرارات أو القيام بردود فعل غير موفقة.

هنا تمنحه مهارة الذكاء العاطفي ميزة تحليل المشاعر، فيسأل الفرد نفسه بماذا أشعر؟ ولماذا شعرت بهذا؟ وهنا يدرك الجذور الحقيقية لشعوره فيدرك كيف يتعامل معها.

كما يساعد اكتساب الفرد لمهارة الذكاء العاطفي على التخفيف من إطلاق الأحكام وتوزيع الاتهامات على الآخرين، كون هذه المهارة توجِّه الفرد لأن يضع نفسه مكان الطرف الآخر ويفهم أسبابه ودوافعه، ومن ثمَّ التوقف عن إطلاق الأحكام الظالمة والمتسرعة.

بفضل مهارة الذكاء العاطفي تتحول ردود الأفعال المستعجلة إلى استجابات واعية، كون الفرد يناقش مع نفسه دوافعه تجاه القيام بالفعل ويسبرها بمعايير العقل والمنطق قبل القيام بها.

كيفية اكتساب مهارة الذكاء العاطفي:

إنَّ اكتساب مهارة الذكاء العاطفي يجب أن يبدأ من الطفولة، وتؤدي الأسرة دوراً كبيراً في إكسابها للطفل، تماماً كما تكسبه اللغة والمفردات، فالطفل الذي تربى مثلاً على أن يصرخ إذا ما أراد شيئاً أو لعبة فإنَّه لن يكتسب مهارة الذكاء العاطفي، وهنا يأتي دور المربي؛ إذ يخبره ويعلِّمه بأنَّه إذا أراد شيئاً أن يقول وبكل بساطة: "أريد كذا" أو يشير إليه إذا لم يكن قد تعلَّم الحديث.

الطفل إذا ما سقط وبدأ يبكي، يجب على المربي أن يخبره بأنَّ ما يشعر به هو "الألم"، وفي مرات أخرى يعرفه بشعور "الغضب" أو "الغيرة" أو "الانزعاج"، وهنا يدرك الطفل تمايز مشاعره ويتعلم من المربي كيف يتعامل مع كل شعور ويفرغه.

في حال لم تكن الأسرة تمتلك الوعي الكافي لإكساب الطفل مهارة الذكاء العاطفي، فهذا لا يعني فوات الأوان، فالإنسان الواعي وفي أي وقت يستطيع تدريب نفسه على الوعي بمشاعره ومشاعر الآخرين والتعاطف والتواصل معهم بشكل إيجابي.

نشير إلى أنَّ الإنسان قادر على اكتساب مهارات الذكاء العاطفي وحده، ولا يتطلب الأمر منه أكثر من اطلاع على هذا المفهوم عبر قراءة الكتب أو حضور الدورات أو مشاهدة الفيديوهات التي تتناوله بشكل مفصل، وتدريب نفسه على استخدام هذه المهارات في حياته اليومية، ومن ثمَّ تكون فوائد امتلاك مهارة الذكاء العاطفي القدرة على إدراك المشاعر الشخصية ومشاعر الآخرين، والتعامل معها بحكمة دون انفعال، فضلاً عن امتلاك أسلوب تواصل فعال وتعاطف مع الآخر.

إقرأ أيضاً: الذكاء العاطفي ودوره في إدارة الذات

2. مهارة تقبُّل الآخرين:

تُعَدُّ مهارة تقبُّل الآخر من أهم مهارات الحياة التي يجب اكتسابها، وهذه المهارة تجعل من الشخص ذاته شخصاً مقبولاً من قِبل الآخرين، وتأتي مهارة التقبُّل لتقضي على كل نوع من أنواع التمييز بين البشر والتعامل مع الآخرين من منطلق الإنسانية البحتة، فلا يميز إنسان بين رجل وامرأة، أو بين عربي وأجنبي، أو بين ديني ولا ديني، أو بين أبيض وأسود، والتقبُّل لا يعني الموافقة على أفعال الآخر، ولكنَّها تعني احترام إنسانيته.

في هذا الصدد أتذكر كلام صديقتي التي سافرت إلى "بريطانيا" للدراسة، وأسرَّت لي أنَّ التقبل هو سر ارتقاء هذه البلاد، فهي تجمع بين أصناف وأجناس متباينة من البشر دون أن تلمِّح لتفوق صنف على آخر، فهي تقابل في الجامعة التي تدرس فيها طلاباً عربيين وزنوجاً وآسيويين وأوربيين من مختلف الديانات والمذاهب، فإنَّ الإنسان الذي يتعامل مع آخر بفوقية هو شخص منبوذ وغير محبوب، فالجميع سواسية أمام القانون.

كيفية اكتساب مهارة التقبل:

يحتاج اكتساب مهارة التقبل في الحياة إلى وعي كبير، ويجب البدء بتعليم الأطفال هذه المهارة منذ صغرهم، وفي مثال ذكرته اختصاصية تربوية تقيم في لندن سألها طفلها "لماذا صديقي "ألكس" لونه بني؟"؛ إذ وضَّحت الاختصاصية بأنَّ هذه فرصة مناسبة لتعليم الأطفال الاختلاف والتقبل، وأجابت طفلها بأسلوب علمي عن توضُّع الميلانين في الجلد، ورددت على مسامعه عند كل مرة يسأل فيها عن شيء مغاير لما يعرفه "كل إنسان مختلف".

نحن البالغون علينا أن ندرب أنفسنا ونردد على مسامعها بأنَّ "كل إنسان حر" و"كل إنسان مختلف" ليكون وعينا بهاتين العبارتين عصا سحرية تجعلنا نتقبل الآخر مهما بدا لنا مختلفاً أو غريباً.

3. مهارة التواصل الفعال مع الآخرين:

تُعَدُّ مهارة التواصل الفعال مع الآخرين من أهم مهارات الحياة الواجب اكتسابها، وتنطوي هذه الطريقة على اتباع المثل القائل "لكل مقام مقال"، فلكل نوع من أنواع العلاقات الاجتماعية طريقة تواصل ونبرة خطاب لا تصلح لنوع آخر.

على سبيل المثال، إذا كنت قائداً عسكرياً فيجب عليك التعامل بصرامة وحزم مع جنودك في فترة التدريب، والتعامل بإنسانية في العلاقات الشخصية، فأنت لست قائداً بين أصدقائك أو في الحافلة أو في عيادة الطبيب، والتعامل برقة مع زوجتك فهي ليست جندياً يجب أن يشتد عوده، كما يجب عليك التعامل ببر وعطف مع والديك المسنين، وأبوة حانية مع أطفالك الذين يفتقدون غيابك.

كيفية اكتساب مهارة التواصل الفعال:

إنَّ اكتساب مهارة التواصل الفعال يكون عبر الوعي للدور الذي يمثله الإنسان في كل مرحلة من حياته وفي كل علاقة من علاقاته، كما أنَّ وضع الإنسان لنفسه مكان الطرف الآخر يسهل عليه هذه المهمة ويدله على الأسلوب الأنسب.

شاهد بالفديو: ما هي مهارات التواصل الفعال؟

4. مهارة التفكير الإيجابي:

إنَّ مهارة التفكير الإيجابي هي من أهم مهارات الحياة التي يجب على الإنسان اكتسابها؛ كون هذه المهارة تجعله يتأمل في المواقف والأحداث التي يمر بها، ومن ثمَّ فإنَّه يكتسب مهارة التفكير التحليلي والتفكير الناقد، فيقسم القضايا الكبيرة إلى أجزاء صغيرة ويبحث عن موطن الخلل فيها ويعمل على إصلاحه.

في حال وجهت الحياة له درساً قاسياً فإنَّه مؤمن لمواطن الخير في ثناياه والعبر التي ستحسن حياته ما إن استخلصها من الدرس، فيبحث عنها ويتعلم منها، فلولا سجن سيدنا "يوسف" عليه السلام لما عرف الناس والعزيز قدراته في تفسير الرؤى ولما نال المنزلة المقربة منه التي كانت سبباً في اجتماعه بإخوته وأبيه مجدداً.

كيفية اكتساب مهارة التفكير الإيجابي:

إنَّ اكتساب مهارة التفكير الإيجابي يكون عن طريق البحث عن الخير حتى في المواقف التي تبدو سوداء بالمطلق، وهذا يعتمد على الإيمان المطلق برب العالمين والخير الذي كتبه وقدَّره لنا؛ لذا فإنَّ تعزيز الجانب الإيماني لدينا من شأنه أن يكسبنا مهارة التفكير الإيجابي والتفاؤل، فالله سبحانه وتعالى لم يخلقنا ليعذبنا.

إقرأ أيضاً: تأثير التفكير الإيجابي وفوائده في حياتك

في الختام:

إنَّ مهارات الحياة هي قيم مختلفة بين كل مجتمع وآخر، لكن توجد مهارات أساسية مشتركة بين جميع المجتمعات والبيئات، ولقد حرصنا على تقديمها لكم في هذا المقال مرفقة بأمثلة من حياتنا الواقعية، علَّنا نكون سبباً في وقفة واعية أمام ذواتكم تضمن لكم متابعة حياتكم بسلاسة ويسر.




مقالات مرتبطة