أهمية الهدوء في بعض المواقف

في إحدى الليالي الباردة قبل 18 عاماً، بعد زواجي من زوجتي بثمانية أيام وقضاء كلِّ ثانية من هذه الأيام بجانبها، شعرت بأنَّني يجب أن أخبرها أنَّني أحبها.

ابتسمتْ، وقالت لي: "عندما أبلغ الـ 75 عاماً من عمري، وأفكر في حياتي وكيف كان الحال عندما كنت أصغر سناً، آمل أن أذكر هذه اللحظة بالذات".



بقيت مستيقظاً أُفكر في الوقت الذي قضيناه معاً وفي جميع الخيارات التي اتخذناها في حياتنا، والتي أدت إلى هذه اللحظة، وفي مرحلة ما، أدركت أنَّ كلَّ ما فعلناه أو أينما ذهبنا، لم يكن له أهمية، وحتى المستقبل لم يحمل أيَّ أهمية أيضاً، كلُّ ما كان يهم بالنسبة إلي هو السكينة، ومجرد الوجود بجانبها والتنفس معها.

لقد شاركت هذه القصة معك للتو، لأنَّ القيام بذلك يساعد على تذكرها، وأنا أعلم أنَّك بحاجة إلى رسائل تذكير في بعض الأحيان أيضاً، وجميعنا بحاجة في بعض الأحيان إلى أن نُذكَّر بجمال الاهتمام باللحظة الحالية وبالناس والحوارات والهدايا الصغيرة التي لا تُقدَّر بثمن وروعتها.

نحن بحاجة إلى أن نُذكَّر بما يعنيه الحضور الذهني والتقُّبل؛ لأنَّنا في كثير من الأحيان، في خضم مشكلات الحياة وفوضاها، ننسى أن نكون حاضرين في اللحظة وننسى أن نعيش مع الأشخاص حولنا، وننسى أن نقدِّر الجمال الذي يمتلكه هؤلاء الأشخاص، على الرَّغم من عيوبهم؛ لذلك كتبت عن لحظة لا تُقدَّر بثمن من ماضيِّ البعيد تساعدني على العثور على هدوئي الداخلي، بصرف النظر عن مكان وجودي أو عن الشخص الذي أكون معه، أنا أدرك أنَّ اللحظات ليست كلَّها قصص حب، لكن ليس بالضرورة أن تكون كلَّ اللحظات جيدة بما يكفي بالنسبة إلينا.

الهدوء هو القوة:

إنَّ العدوان الأساسي على أنفسنا والآخرين - أي الضرر الأساسي الذي يمكن أن نلحقه بالطبيعة البشرية كلَّ يوم - هو أن نبقى جاهلين من خلال عدم امتلاك الوعي أو الشجاعة للنظر إلى أنفسنا والآخرين بصدقٍ ورفق.

إذ إنَّنا طوال اليوم، وكلَّ يوم، ننزعج من الناس ومواقفهم عندما يفشلون في تلبية توقعاتنا، كما لو أنَّ واقعهم غير كافٍ بالنسبة إلينا، ولن يكون كذلك أبداً؛ فنحن نرفض هؤلاء الأشخاص و"مشكلاتهم" لأنَّها تبدو مختلفة عن مشكلاتنا بطريقة ما؛ فنحن نشعر أنَّنا بحاجة إلى شيء أفضل منهم.

إنَّنا نسمح لمشاعرنا وقلقنا بالحصول على أفضل ما نملك، ونمنع أنفسنا عن رؤية الحقيقة، والحقيقة هي؛ عندما يزعجنا شخص ما، فعادةً ما يكون ذلك بسبب عدم تصرفه وفقاً للطريقة التي توقعنا أنَّه "ينبغي" أن يتصرف بها؛ ومن ثَمَّ لا ينبع الإحباط من سلوكهم، لكن من كيفية اختلاف سلوكهم عمَّا توقعناه؛ لذلك إنَّ الهدوء هو قوة بشرية عظمى.

بصرف النظر عن الموقف، فإنَّ المقياس النهائي لحكمتنا وقوتنا هو مدى هدوئنا عند مواجهة أيِّ موقف كان؛ إذ تُحافظ القدرة على عدم المبالغة في رد الفعل أو أخذ الأشياء على محمل شخصي، على صفاء أذهاننا وعلى السلام في قلوبنا، ممَّا يمنحنا فوراً القدرة على التحكم بالموقف.

شاهد بالفديو: 9 إرشادات تساعدك على الإحساس بالسلام الداخلي

الهدوء تحت الضغوطات:

طيلة العقد الماضي، نمَّينا أنا وزوجتي من أنفسنا تدريجياً؛ إذ إنَّنا نروض ميولنا للغضب والانزعاج من الناس عندما لا يتوافق سلوكهم مع توقعاتنا.

فنحن بوصفنا بشراً، نملك فكرة في أذهاننا عن الكيفية التي يُفترض أن تكون عليها الأشياء، لكن للأسف، هذه هي المشكلة؛ فجميعنا نشعر بالإحباط عندما لا تسير الأمور بالطريقة التي نتوقعها، وعندما لا يتصرف الناس كما "يُفترض بهم" أن يتصرفوا، فعلى سبيل المثال نحن نتوقع أن يتصرف أزواجنا وأطفالنا بطريقة معينة، وأن يكون أصدقاؤنا لطفاء وسَلِسين، وألَّا يكون الغرباء صعبي المراس، وأن تكون الحياة أسهل، وهكذا دواليك.

عندما نواجه الواقع، نشعر بالضغط في داخلنا ثم نبالغ في رد فعلنا؛ أي نغضب ويصيبنا الإحباط والتوتر ونبدأ بالبكاء وبغيره من التصرفات، لكن يجب أن نأخذ أنفاساً عميقة، وأن نفكر بطريقة أفضل؛ إذ لا يمكنك التحكم بسلوك الآخرين، ولا يمكنك التحكم بكلِّ ما يحدث لك، فكلُّ ما يمكنك التحكم به هو كيفية الرد على كلِّ شيء؛ إذ إنَّ ردَّك هو أعظم فرصة بالنسبة إليك.

عندما تشعر بأنَّك على وشك الغضب، خذ نفساً عميقاً وطويلاً؛ إذ يُهدِّئ التنفس العميق التوتر، ويهدئ استجابة الكر أو الفر، ويسمح لنا بتهدئة قلقنا؛ لذلك نختار ردوداً مدروسةً أكثر، بصرف النظر عن الموقف.

لذلك، على سبيل المثال ابذل قصارى جهدك لتتنفس بعمق عندما تواجه موقفاً مثيراً للغضب، وفي استطلاع أجريناه منذ فترة مع الحاضرين في حدث بعنوان "فكِّر تفكيراً أفضل وعش أفضل" (Think Better, Live Better)، كانت المبالغة في رد الفعل في أثناء محاولة تخطِّي الازدحام المروري هي السبب الأكثر شيوعاً للمبالغة في رد الفعل كلَّ يوم؛ لذا تخيَّل لو يأخذ جميع السائقين أنفاساً عميقة قبل أن يشتموا الآخرين.

إقرأ أيضاً: أهم أدوات فن إدارة الغضب

لا شك أنَّنا قد نفقد صوابنا عندما لا يلبي الناس توقعاتنا، وخاصة عندما يتصرفون بوقاحة وفظاظة، لكن محاولة تغيير ما هو غير قابل للتغيير، ورغبتنا في أن يكون الآخرون كما نريدهم أن يكونوا بالضبط، أمرٌ لن ينجح، ومع ذلك معظم الناس لا يفكرون في البدائل؛ أي التنفس العميق والتغاضي وأن يكونوا قدوة للآخرين، ويتقبلوا الناس حتى عندما يزعجونهم.

إليك كيف نمَّينا ودعمنا أنفسنا أنا وزوجتي:

  • تركيز الاهتمام تركيزاً حقيقيَّاً على لحظات الحاضر.
  • التنفس بعمق.
  • تذكير أنفسنا بأنَّنا لا نستطيع التحكم بالآخرين.
  • تذكير أنفسنا بأنَّ الآخرين يتعاملون مع حياتهم كيفما يريدون.
  • عدم أخذ سلوكهم على المحمل الشخصي.
  • رؤية الخير فيهم حتى عندما يكون الأمر صعباً.
  • نسيان المُثُل والتوقعات التي نملكها عن الآخرين، وعن الحياة بشكل عام، والتي تسبب إحباطاً غير ضروري ومشكلات ونوبات من الغضب.
  • تذكُّر أنَّه عندما يكون الآخرون صعبين، فإنَّهم غالباً ما يمرون بوقت عصيب لا نعرف عنه شيئاً؛ لذا يجب علينا منحهم التعاطف والحب.

يتطلب التفكير تفكيراً أفضل الممارسةَ؛ لكنَّ الأمر يستحق العناء؛ إنَّه يجعلنا أقل إحباطاً، ويساعدنا على أن نكون أكثر وعياً، ويحسِّن علاقاتنا، ويقلل من إجهادنا، ويسمح لنا بجعل العالم مكاناً أكثر سلاماً إلى حدٍّ ما.

إقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع الضغوطات؟

في الختام:

نعم لغرس مزيد من الحب في هذا العالم، حتى عندما لا توجد "قصة حب" رائعة ترويها، ونعم لأن تحب الأشخاص الذين تعيش معهم قدر الإمكان حتى تكون مع الأشخاص الذين يستحقون حبك حقاً.




مقالات مرتبطة