أهمية المهارات الناعمة للمديرين

سواء كنتُ أُدير مؤسسة محاسَبة مؤلفة من خمسة أفراد، أم شركة استشارية مرموقة من 500 خبير، فقد كان الشيء الوحيد الذي يؤرِّقني هو معدَّل دوران القوى العاملة؛ إذ إنَّني أدركتُ في وقت مبكِّر أنَّ الحفاظ على المواهب يجب أن يكون أولوية قيادية، وبالنتيجة، لقد ساهمنا في تطوير ثقافة تضمن تفاعُل الموظفين؛ وذلك بدفع رواتب جيدة، وتقديم رعاية صحية استثنائية، وجدول عمل مرن، وإقامة مجتمع حسن النية، ورعاية المناسبات الاجتماعية.



ملاحظة: هذا المقال للكاتب "غاري إس شاميس" (Gary S. Shamis) وهو الرئيس التنفيذي لشركة "وايندنغ ريفر كونسلتينغ" (Winding River Consulting)، ويُحدِّثنا فيه عن تجربته في إنشاء بيئة عمل للحفاظ على المواهب.

لقد طلبنا العون من الخبراء، وأكدوا لنا أنَّ تلبية احتياجات الأجيال القادمة ستضمن الأداء المرغوب، ومع أنَّه لا يُتوقَّع من جيل الألفية الالتزام طويل الأمد بالوظيفة، فقد اقتنعنا بأنَّنا سنصبح شركة رائدة فيما يتعلق بالاحتفاظ بالموظفين.

وبصفتي محاسباً، يمكنني أن أقدِّر كلفة استبدال العاملين المميزين، ولكنَّ قيمة مهارات القيادة التي علَّمناهم إياها غير قابلة للقياس، لقد لبَّينا طلباتهم لفرص التقدُّم، لكن فرضنا تدريباً قابلاً للقياس لأجل الترقية، وأعطانا نظام تطوير القيادة الذي أنشأناه ميزة تنافسية هامة.

وبالنظر إلى الماضي، كانت لفتة ذكية منا للاعتراف بالقادة ودعمهم، ولقد أدركنا أنَّ الموظفين المهنيين سيبقون لمدة أطول أيضاً، سيستثمرون أكثر في دورهم، وفي المنتج، وفي الخدمة المقدَّمة.

مَن يستحق الترقية:

ذكرتُ في كتابي "لَبِنات البناء: دراسات حالة لسلسلة ريادة الأعمال" (Building Blocks: Case Studies of a Serial Entrepreneur): "يُثار كثيرٌ من الجدل عما إذا كانت القيادة صفة فطرية أم مكتسبة؛ ومن خلال تجربتي، أرى أنَّها مزيج من الاثنتين معاً؛ فلا أحد يُولَد بنيَّة أن ينشئ بيئة مؤسساتية إيجابية وأن يطرد منها أناساً عرفهم لسنوات؛ وذلك لأنَّ الأمر يتطلب كثيراً من الأفكار للقيام بالأمور الصعبة بلطافة".

وأكبر عقبة تتمثل بأنَّنا في مجتمعنا نميل إلى ترقية الأفراد إلى أدوار قيادية بناءً على:

  1. الأقدمية: إخلاص الأفراد للشركة.
  2. الخوف: خسارة الموظفين الأكفاء.
  3. الكسل: عدم الرغبة في أداء مهام التوظيف الرتيبة.
  4. الإنجازات في الأدوار غير الإدارية: المبتدئون، والدعم، والعاملين بنظام الساعات.

يقول "جيم كليفتون" (Jim Clifton) المدير التنفيذي لمؤسسة "غالوب" (Gallup): "أعظم قرار تتخذه في عملك، هو مَن تعيِّنه مديراً؛ فعندما تعيِّن الشخص الخطأ، فلن يعوِّض شيء عن ذلك القرار السيئ، لا التعويضات ولا المزايا"؛ إذ سيتسبب ذلك في زيادة معدَّل دوران القوى العاملة، وإنتاجية أقل، وتكلفة أكثر للمؤسسة.

استنتجت مؤسسة "غالوب": "هذه استراتيجية معيبة بنتائج كارثية على صعيد عمل الشركة وأدائها المالي، وبقائها على الأمد الطويل"، ويوجد سببان رئيسان لعدم رضى الموظفين عن مديريهم: التواصل السيئ، وعدم التفاعل؛ والحل سهل جداً: المهارات الناعمة.

شاهد بالفديو: 3 خطوات على المدراء اتباعها لتحفيز موظفيهم

المهارات الناعمة أفضل من المهارات الصلبة:

نحن ننفق مبالغ باهظة على التدريب والتطوير المهني؛ أي المهارات الصلبة، وهي مهارات تقنية ومكتسبة وضرورية للعمل، ومع هذا، نخطئ الهدف عندما نفشل في تعليم المهارات الضرورية في مكان العمل؛ أي المهارات الشخصية الناعمة.

ويتحقق الرضى الوظيفي من خلال المديرين الذين يقدِّمون المنتورينغ والإلهام والرعاية للأفراد الذين يعملون في فرقهم؛ إذ ظنَّ 91% من خبراء الموارد البشرية في استطلاع على موقع "لينكد إن" أنَّ المهارات الناعمة هامة جداً لمستقبل التوظيف.

ذكرت "جمعية إدارة الموارد البشرية" (SHRM) في تقريرها عن الاتجاه العامِّ، أنَّ المهارات الناعمة في مكان العمل هامة للمستقبل أو لتوظيف المواهب، وقيِّمة جداً بالنسبة إلى المؤسسات المتنافسة.

كما وجد تقرير القوى العاملة في موقع "لينكد إن" أنَّ المهارات الناعمة الأربع الأكثر طلباً هي: القيادة، والتواصل، والتعاون، وإدارة الوقت، وأودُّ أن أضيف إليها المحادثات الصعبة، والتغذية الراجعة البنَّاءة، والتفويض.

إقرأ أيضاً: المهارات الصلبة مقابل المهارات الناعمة: سبب أهميتها في حياتك المهنية

المديرون والاندماج في العمل:

وَفقاً لمؤسسة "غالوب" (Gallup)، فإنَّ ثلثي عدد الموظفين في الولايات المتحدة غير مندمجين في العمل؛ لذا يكلف الموظفون غير المندمجين مؤسستك كثيراً من الوقت والجهد والمال.

ويلقي الموظفون باللوم على مديريهم في عدم إشراكهم في عملهم، ويشير نحو نصف الموظفين فقط بقوة إلى أنَّهم يعلمون بوضوح ما هو مُتوقَّع منهم عندما يذهبون إلى العمل كل يوم.

ووفقاً لمؤسسة "غالوب": "المديرون مسؤولون بنسبة 70% على الأقل من التباين في درجات تفاعل الموظفين عبر وحدات الأعمال"؛ فعندما يستخدم المديرون التواصل الفعال، فإنَّ ذلك يساعد فرقهم على العمل بكفاءة أكبر، ويتيح لهم أيضاً الوقت للقيام بالأشياء التي يحتاجون إلى القيام بها.

إعداد مديريك:

أعد المديرين من أجل النجاح؛ أي فكر كيف لهذه التغييرات أن تؤثر إيجاباً في القوى العاملة:

  1. مساعدة المديرين على تعزيز المهارات التي يحتاجون إليها عن طريق تخصيص تطويرهم؛ أي اسألهم ما هي المعرفة التي يحتاجون إليها ليكونوا أكثر نجاحاً في دورهم، ويمكنك الاستفادة من الفرص الخارجية للتعلم، ومن ذلك، المؤتمرات والكوتشز. ويمكن للكورسات الخارجية التي يعلِّمها الخبراء بنظام معين أن تكون من أكثر الطرائق فاعلية لتعليمهم؛ لذا طالِب بخطة عمل لتطبيق الدروس وعدم نسيانها، وقيِّم النجاح، وراقب تقدُّمهم باستمرار.
  2. عدم الاعتماد على تقييم الأداء السنوي بوصفه أداة للقياس؛ إذ يجب أن تكون التغذية الراجعة عملية مستمرة وثابتة وموثقة طوال العام؛ لذا زوِّد المديرين بفرصة لإنشاء قائمة من التحديات التي يحتاجون فيها إلى المساعدة، وساعدهم على التعرف إلى الكفاءات التي يحتاجون إلى تطويرها والمهارات التي يجب أن يتقنوها. وفي وقت التقييم السنوي، أكِّد أنَّ التقييم يتعلق بالدور الوظيفي؛ ففي الغالب تكون مقاييس الأداء عامة على مستوى الشركة وليس على مستوى الدور ومسؤولياته.
  3. إنَّ الحاجة إلى تقدير العمل المتقن هي فطرة بشرية؛ لذا احتفِ بالإنجازات والنجاح، وعندما تحقِّق الشركة أهدافها، تأكَّد من الإشادة بهم أمام الملأ لأجل مساهماتهم؛ فعندما يدرك الموظفون أنَّ جهودهم تُحدِث فرقاً، سيساهمون مساهمة أكثر فاعلية وحماسةً. إنَّ الحفاظ على الموظفين ليس مسؤولية الشركة وحدها؛ إنَّما مسؤولية المديرين أيضاً، ومن واجب رب العمل التأكد من أنَّ المديرين لديهم المهارات والأدوات والثقة المناسبة للقيادة. لا مفر من دوران القوى العاملة، لكن يمكن الحد من خسارة المواهب الواعدة من قِبل مديرين أكفاء ومؤسسات تدرك قيمة المهارات الناعمة.

المصدر




مقالات مرتبطة