أهمية المشي للتوازن العاطفي

عانت الكاتبة "نيتا سويني" (Nita Sweeney) في عام 2007، من خسارات مدمِّرة واحدة تلو الأخرى، ففي حينها، توفي سبعة من أصدقائها المقربين وأفراد أسرتها.



عانت "سويني" (Sweeney) بالفعل من الاكتئاب المزمن والاضطراب ثنائي القطب، ولكن مع وفاة الكثير من أحبائها في مثل هذه الفترة القصيرة من الزمن، سقطت في هاوية جديدة، عقلياً وجسدياً، تقول: "لقد كنت مضطربة عاطفياً، وبدأت باكتساب الكثير من الوزن، كنت في حالة بدنية سيئة لدرجة أنَّ المشي حول المنزل كان يُسبِّب لي التعب".

خرجت "سويني" (Sweeney) أخيراً من يأسها بحذر، فمن عام 2007 إلى عام 2017، انتقلت من كونها بالكاد قادرة على النهوض من السرير، إلى المشي كل يوم كيلومترات عدة في الأسبوع. تخرج للمشي وحدها، أو مع زوجها، وفي أي وقت أو أي مكان تجد فيه فرصة، وتؤكد أنَّ المشي يشفيها.

حملت "سويني" (Sweeney) هذا الشعور معها خلال ثلاثة سباقات ماراثون كاملة، وأكثر من 60 سباقاً قصيراً، كان ركضها بطيئاً، لكن لا تحفِّزها السرعة أو الميداليات أو حتى اللياقة البدنية، فبالنسبة إليها، إنَّها "رحلة لتحسين صحتها العقلية".

تصف "سويني" (Sweeney) في كتابها "الاكتئاب يكره الهدف غير الثابت" (Depression Hates A Moving Target)، كيف تمكَّنَت من تحقيق التوازن العاطفي خطوة بخطوة.

تقول: "أعلم أنَّ هناك فوائد جسدية، فعندما أتوقف عن المشي، يزداد وزني، وعندما أعود مرة أخرى، أفقده، الأمر سهل، ولكن بالنسبة إليَّ، الأمر عاطفي أكثر منه جسدي، هناك شيء ما يتعلق بالإبطاء في وتيرة المشي، وهذا يجعل الأمور تتدهور تدهوراً لا يتناسب مع التمرينات الأخرى".

هناك أدلة للتحقق من صحة تجربة "سويني" (Sweeney)؛ إذ أظهرت الدراسات أنَّ المشي يمكن أن يخفف الاكتئاب، ويقلل القلق، ويعزز وظيفتنا الإبداعية والمعرفية.

عندما نتحدث عن الفوائد الجسدية المؤكدة التي نحصل عليها من المشي، يصعب تصديق الأمر. يناقش تقرير صادر عن "كلية الطب في جامعة هارفارد" (Harvard Medical School) عام 2015، العلم الراسخ الذي يُظهر أنَّ المشي يمكن أن يخفض ضغط الدم، ويحارب أمراض القلب، ويقلل من خطر الإصابة بالنوع الثاني من السكري، ويساعد على إنقاص الوزن.

إقرأ أيضاً: كيف تحدِّد قيمك الشخصية لتعيشَ حياةً ملؤها الإنجاز؟

المشي لراحة البال:

من الواضح أنَّنا لا نسير بالقدر الذي اعتدنا عليه، ففي الماضي، لم يكن لدينا خيار آخر، كان المشي هو السبيل الوحيد للتجول ما لم تكن تمتلك حصاناً أو زورقاً، ومع انتشار السيارات والمسافات المتزايدة بين المنزل والعمل، أصبح المشي لأكثر من مسافة قصيرة أمراً عفا عليه الزمن تقريباً، ولم يعد خياراً معقولاً.

تسمح لنا وسائل النقل الحديثة بالوصول إلى مسافات أطول بكثير في وقت أقل، ولكن مع أنَّ المشي قد لا يكون مناسباً للسفر اليومي، إلا أنَّه قد يساعدنا على التعامل تعاملاً أفضل مع جداولنا اليومية.

وأحد الأسباب الذي جعل المشي من أولويات "سويني" (Sweeney) هو أنَّه يساعدها على التخلص من القلق، تقول: "إنَّها طريقة تساعدني على الشعور بالهدوء، أنا فقط أحتاج إلى القليل من الحركة، كي أشعر بتحسن".

تقول عالمة النفس الدكتورة "كارلا ماري مانلي" (Dr. Carla Marie Manly)، من الناحية النفسية: "المشي أمر مذهل"، وتشير إلى البحث الذي يثبت أنَّ المشي لمدة 12 دقيقة يمكن أن يرفع مزاجك لساعات عدة.

تقول "مانلي" (Manly): "عندما نمشي، نكون قادرين في الواقع على ترك مشكلاتنا وراءنا، فالحرية النفسية التي تأتي مع المشي يمكن أن تخلق رحابة داخلية وشفاءً لا يضاهى".

لاحظت "مانلي" (Manly) قوة الشفاء التي نحصل عليها من المشي عندما عملت مع المراهقين تحت المراقبة، وكانت غالباً ما تعالجهم بـ "المشي في أثناء التحدث" معهم، ولاحظَت أنَّهم يزدهرون عبر إحساس الحرية الذي يوفره المشي، وتقول: "شعروا أنَّ مشكلاتهم وقضاياهم أقل إلحاحاً عندما كانوا في الخارج يسيرون معي"، ويمكن للبالغين الاستفادة بالطريقة نفسها.

تأخذ "مانلي" (Manly) الأدوية الخاصة بها، وتبدأ صباحها دائماً بالمشي في حديقة قريبة، وإذا وجدت وقتاً في جدولها الزمني، فتمشي لمدة 5 إلى 10 دقائق أخرى حول المنزل لتصفية رأسها وتحريك جسدها.

أفضل تمرين:

نعلم جميعاً أنَّنا يجب أن نتحرك أكثر، لكن قد نرفض المشي لأنَّه يبدو أمراً سهلاً للغاية بحيث لا يكون خياراً نافعاً أو فعالاً للياقة البدنية، لا يبدو أنَّه يمثل تحدياً كافياً لإحداث فارق.

يوضِّح الدكتور "يوجين تشارلز" (Dr. Eugene Charles)، اختصاصي تقويم العمود الفقري في "مانهاتن" (Manhattan) ومدير مركز علم الحركة التطبيقي في "نيويورك" (New York)، أنَّ مرضاه عادة يكونون أكثر اهتماماً بتمرينات الزومبا، والجمباز، والبيلاتس، واليوغا، أو تمرينات أخرى في الوقت الحالي أكثر من اهتمامهم بتمرينات المشي.

يقول: "إنَّ المشي يجب أن يكون التمرين الأساسي للجميع"، ويوصي بـ 45 دقيقة في اليوم لأولئك الذين يريدون إنقاص الوزن، و30 دقيقة لمَن يحاولون الحفاظ على وزنهم، والمشي في أي وقت تشعر فيه بالإحباط. إنَّ المشي سيجعل جميع مساعيك الجسدية الأخرى أفضل بكثير، حتى لو كنت نشيطاً جداً بالفعل.

أعتقد أنَّ كل التمرينات جيدة؛ لكنَّ المشي هو الأفضل؛ ذلك لأنَّه يناسب الجسم البشري حقاً، وهو منشط عصبي، فهو أقرب ما يكون إلى دواء لجميع الأمراض كما لاحظنا.

إذا كان الهدف من التمرين عقلاً وجسماً سليمَين، يؤكد "تشارلز" أنَّ المشي يحقق ذلك أفضل من أي تمرينات أخرى، ويصف المشي بأنَّه طريقة لضبط عقلك وجسمك، ويجعلك تقف وَقفةً أكثر استقامة، ويساعد على تنشيط الدورة الدموية في الجسم، كما أنَّه يحسن التوازن والتنسيق.

يحقق المشي كل ذلك من خلال ما يُعرَف بآلية "الزحف المتقاطع" (cross-crawl)؛ إذ تحرِّك ذراعك اليمنى ورجلك اليسرى إلى الأمام والخلف جنباً إلى جنب، هذا النمط المتقاطع هو ما يطوره الأطفال عندما يتعلمون الزحف، وقد وجد أنَّه ضروري لتطورهم البدني والمعرفي.

يقول "تشارلز" (Charles)، سواء كان ذلك في الركض، أم المشي، أم الجري، فإنَّ هذه الحركة تساعد على جمع كل من بنية جسمك وعقلك، من خلال ربط نصفي الكرة المخية الأيمن والأيسر.

ويقول أيضاً: "رأيي هو أنَّ المشي يحفِّز المخيخ، وهذا يحسِّن الذاكرة والإدراك ويمكن أن يمنع مرض الزهايمر وباركينسون، وأقول للمريض، إذا مشيت، فستكون في حالة جيدة بعد المشي"؛ باختصار، المشي المنتظم يجعلك أفضل استعداداً للتعامل مع الحياة.

إقرأ أيضاً: العطاء والأخذ: تطرف مجتمعي بحاجة إلى التوازن

الدافع للحركة:

من أفضل الأمور في المشي سهولته، فكل ما تحتاج إليه هو الخروج من المنزل والمشي أو استعمال جهاز المشي في المنزل وزوج مناسب من الأحذية؛ لكنَّ الجزء الأصعب هو البداية فقط، تقول "سويني" (Sweeney)، إنَّ اكتئابها واضطرابها يسيطران عليها، ولكن إذا تمكَّنت من العثور على بعض الدافع للمشي، فإنَّها تعلم أنَّ الأمور ستتحسن.

بالطبع، هناك أيضاً فوائد من التمرينات الشاقة التي تجعلك تتعب وتتألم في اليوم التالي، لكن لا يجب أن تكون جزءاً من روتين المشي الخاص بك. ينصح "تشارلز" (Charles)، بأنَّه يجب أن تأخذ الأمور بسهولة، خاصة إذا كنت تعاني من الألم أو الضعف أو بدأت للتو بممارسة المشي، ويقول: "يمكنك جعل المشي جميلاً وهادئاً كما تريد، فالأمر متروك لك، حتى لو مشيت ببطء، سيكون ذلك مفيداً بالنسبة إليك".

غالباً ما ينصح المتمرسون في المشي للاستفادة من المشي اترك ذراعيك تتأرجح، وعقلك في حالة من الصفاء، ستلاحظ التفاصيل في العالم من حولك، وتستمتع باللحظة.

يقول "كاليب باك" (Caleb Backe)، الكوتش الشخصي وخبير السلامة: "إنَّ فوائد المشي أفضل عندما ننتهز الفرصة ونتوقف عن الكلام؛ لذلك أفضِّل السير في صمت، فإنَّ المشي بصمت مع نفسك، من الناحية المثالية في بيئة طبيعية، يسمح بالتأمل الحقيقي، وستعرف فوائد المشي عندما تعود إلى المنزل وتشعر وكأنَّك نسخة أفضل من نفسك".

ترى "سويني" أنَّ الخروج للمشي مع الأصدقاء، يساعدها على الحفاظ على دوافعها والشعور بالانتماء للمجتمع؛ لكنَّها تؤكد أنَّ جولات المشي الجماعية هذه ليست بديلاً عن نزهاتها الهادئة وحدها، التي تعدُّها مقدسة. وتقول: "إنَّه وقت خاص أقضيه مع نفسي، أحب السير مع زوجي، ولكن هناك شيء ما يتعلق بالمشي وحدي فحسب، وهي فترة راحة من صخب الحياة".

المصدر




مقالات مرتبطة