أهمية الفشل لتحقيق النجاح

هل سبق لك أن سمعتَ المثل القائل: "الفشل حادثة وليس شخصاً"؟ فإذا كان القول المأثور صحيحاً، فسيبدو أنَّ الفشل ليس بهذا السوء؛ بل هو مجرد حدث، مثل عيد ميلاد أو حفل زفاف، ولكنَّه حدث سيِّئ على الأقل لمَن يمر به.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "إيفان تارفر" (Evan Tarver)، يُحدِّثُنا فيه عن الفشل.

والمشكلة هي أنَّنا نحدد جزءاً كبيراً من هويتنا على أساس نجاح أو فشل هدف أو مشروع أو مهمة أو رغبة، والفشل هو مجرد حدث بالتأكيد، لكن عندما يُنظَر إلى هذا الحدث على أنَّه يصنع حياة شخص ما أو يدمرها، يصبح من الصعب إثبات أنَّ الفشل مجرد حدث، فما هو الفشل إذاً؟ ولماذا يمكن أن يكون مُنهِكاً للغاية؟

يمكن تعريف الفشل بعدَّة طرائق؛ إذ يمكن تعريفه بأنَّه عدم القدرة على تحقيق النتيجة المرجوة في الوقت المخصص لتحقيقها، ويمكن أن يُنظَر إليه على أنَّه الافتقار إلى الانضباط الذاتي اللازم للنجاح، ويمكن عدَّه الفجوة بين مكان حياتك الآن وأين تتخيلها في المستقبل، لكن أنا متأكد من أنَّك قد لاحظت، فإنَّ كل تعريف من تعريفات الفشل هذه يحتوي على عنصر هام؛ وهو الوقت، ولقد حان الوقت الذي يحدِّد في النهاية ما إذا كنت ناجحاً أم فاشلاً؛ لذا دعني أشرح؛ إذا لم تحقق هدفاً أو تنهي مشروعاً في الوقت المحدد، فسيبدو أنَّك فاشل.

لكن ماذا لو خُفِّفت هذه القيود؟ فإذا كان هدفك هو إدارة نشاط تجاري إيجابي ذي عائد مالي في غضون عام واحد - على سبيل المثال - ولم تكن في وضع سيِّئ بعد سنة، فهل أنت فاشل؟ لا، بالطبع لست فاشلاً، فربما تكون قد وقعتَ ضحية لبعض الأخطاء الشائعة؛ وهذا يجعلك تشعر أنَّك فشلت.

حدِّد هدفاً وهذا ما يجب عليك فعله دائماً، لكن إذا لم تحقق ذلك - ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى ضخامة هدفك - فلا تَعُدَّ نفسك فاشلاً؛ بل إنَّك ناجح في تحسين نفسك والخروج من منطقة الراحة الخاصة بك ومتابعة العملية بإصرار، وفي هذا السيناريو لا يُعَدُّ عدم تحقيق الهدف الكبير فشلاً، ولكنَّ عدم المحاولة سيكون كذلك.

كما ترى، تُحدَّد الأهداف عادة قبل السعي إلى تحقيقها، لكن فكِّر في ذلك لثانية، فهذا يعني أنَّنا نحدد التواريخ والمواعيد النهائية قبل أن نفهم حتى مقدار صعوبة الوفاء بها، فنحن محظوظون بالجهل لكن بعد أن يزول هذا الجهل، نرى مقدار العمل المطلوب لتحقيق الهدف الكبير والنجاح.

لذلك قد لا تكون قيود الوقت التي تمنحها لنفسك واقعية، وسيتعيَّن عليك تعديلها في أثناء تقدُّمك، ومن ثم بالنسبة إلى الأهداف التي لها موعد نهائي غير قابل للتغيير؛ مثل التقدُّم إلى مسابقة، فإنَّ الفشل في الوفاء بالموعد النهائي لا يُعَدُّ فشلاً على الإطلاق، فلقد كانت محاولة شُجاعة منحتك تجارب تعليمية يمكنك تطبيقها على الفرصة التالية التي تظهر.

لذلك مع أنَّ فقدان فرصة المسابقة قد يبدو كأنَّه فشل، إلَّا أنَّه علامة على أنَّك بحاجة إلى الاستعداد والعمل بجدية أكبر للمسابقة التالية، وطالما مدَّدت الإطار الزمني الخاص بك ليشمل الفرصة التالية، سيصبح الفشل بمنزلة تجربة مفيدة، وهذا ينطبق حتى على الأعمال التجارية.

إذاً ماذا لو فشلت شركتك؟ يوجد احتمالات، لقد منحك الفشل كثيراً من الخبرات التعليمية التي يمكنك استخدامها الآن في مشروع عملك التالي، وفي الأساس كان فشل مساعيك التجارية الأولى تجربة تعليمية ضرورية لنجاحك في نهاية المطاف.

شاهد بالفديو: 7 خطوات لتقبّل الفشل والنهوض لتحقيق النجاح

الوقت يمكن أن يساوي النجاح والفشل:

عند رؤية الأمور بهذه الطريقة، يبدو الفشل مفيداً؛ بل إنَّه ضروري، وكل ما عليك فعله إذا كنتَ تؤمن بما قرأته، هو تمديد أفقك الزمني والعمل الجاد حتى تحقِّق النتائج المرجوة، لكن ليست هذه هي الطريقة التي يعمل بها الفشل، فبالنسبة إلينا، عندما نشعر بالفشل، يبدو الأمر كأنَّ النهاية ستكون فاشلة.

فإذا كان الأمر سهلاً مثل تعديل قيود الوقت أو التركيز على خبرات التعلُّم، فلن يشعر أحد بالفشل، لكن للأسف، كلنا تقريباً نشعر بالفشل؛ إذ تكمن المشكلة في أنَّنا نتعامل عن كثب مع عيوبنا، ونحدد هويتنا من خلال الإنجاز الخارجي أو فشل أفعالنا، وعندما نفعل هذا؛ فإنَّنا نُهيِّئ أنفسنا للفشل؛ إذ إنَّ حياتنا ديناميكية، وهذا يعني أنَّها تتغير باستمرار، لكن عندما نعطي كثيراً من الأهمية لحدث واحد، فإنَّنا نجبر أنفسنا على التفكير في حياتنا على أنَّها ثابتة.

وإذا كنتَ قد حققت مستوى منخفضاً من النجاح، فأنت تعلم أنَّه سريع الزوال، وتتلاشى الذكرى وتهدأ المشاعر ولا يبقى لديك سوى التفكير: "ماذا بعد؟" وإذا كنتَ قد واجهت فشلاً خفيفاً، فأنت تعلم أنَّ خلاف ذلك هو صحيح أيضاً؛ لذلك مع أنَّنا قد ننظر إلى حدث واحد على أنَّه العمود الفقري لانتصارنا أو فشلنا، فإنَّنا نعلم في أعماقنا أنَّ هذا ليس صحيحاً، ولماذا؟ لأنَّ الحياة ديناميكية؛ إذ إنَّها تتحرك تحركاً دائماً، ففي كل مرة تنجح فيها أو تفشل، سيكون لديك قدر لا حصر له من فرص النجاح أو الفشل مرة أخرى.

ولا يُنظَر إلى الفشل على أنَّه سلبي إلَّا عندما ننظر إليه على أنَّه نقطة زمنية واحدة ثابتة، ويُنظَر إليه أيضاً على أنَّه سلبي عندما نركز في الحدث نفسه وليس في النتائج؛ إذاً، ماذا لو فشلت؟ فلقد تعلَّمت من تجربتك، أليس كذلك؟ وهذا يبدو كأنَّه نجاح بالنسبة إليَّ.

وقد قال الرئيس الأمريكي السابق "تيدي روزفلت" (Teddy Roosevelt): "ليس الهام ذلك الناقد، ولا ذاك الذي يسلِّط الضوء على عثرات الشجعان أو على ما كان يجب القيام به بصورة أفضل؛ بل يعود الفضل إلى العامل الكادح الذي يعمل في الميدان ووجهه ملطخ بالتراب والعرق والدم ويعمل بجد وكد، ويُخطِئ ويُقصِّر مراراً وتكراراً؛ وذلك لأنَّه لا يوجد إنجاز بلا أخطاء أو عيوب، ويسعى جاهداً إلى أداء عمله بحماسة وإخلاص، ويُكرِّس نفسه في سبيل قضية نبيلة، ويعرف أنَّه في أحسن الأحوال سيحقق نصراً كبيراً في النهاية، وفي أسوأ الأحوال إذا فشل، فقد نال شرف المحاولة، فلا يكون مكانه أبداً مع الجبناء الذين لا يعرفون طعماً للنصر ولا للهزيمة".

وكما يشير الرئيس "روزفلت"؛ فإنَّ الفشل يكون فشلاً إذا لم تحاول، فالجرأة مهما كانت مساعيك، هي نجاح فوري، لماذا؟ لأنَّه من خلال الجرأة، فإنَّك تتعلَّم من خلال السعي النشط كسب الخبرات، فأنت تتعلم وتعيش، ومع أنَّ هذا العالم يبلغ عمره نحو 5 مليارات عام، إلا أنَّه مكان نستمتع به فقط لمدة 100 عام أو أقل، ومن الأفضل أن تنشغل بالحياة.

إقرأ أيضاً: 4 نصائح لتصبح أكثر جرأة وتغتنم المزيد من الفرص

النجاح عملية والفشل حدث:

لا أستطيع أن أؤكِّد بما فيه الكفاية مقدار أهمية الوقت لمعادلة النجاح أو الفشل، فإذا كنتَ معتاداً على إدارة العملية، فستعرف أنَّ النجاح عملية مستمرة، ومع ذلك، يبدو الفشل وكأنَّه مرحلة زمنية واحدة، وهذا يشوه تصورنا لما يعنيه أن تكون ناجحاً وما يعنيه أن تكون فاشلاً؛ فعلى سبيل المثال، عندما بدأنا شركتنا، ظننا أنَّ الشركة ستنطلق بسرعة، فلقد قمنا بالأعمال التمهيدية، واتصلنا بالعملاء المُحتملين وتحقَّقنا من صحة فكرتنا، وحتى وقَّعنا العقد مع العملاء قبل البدء بدوام كامل.

فمن منظورنا الساذج؛ ظننا أنَّنا سنحقق نجاحاً باهراً وبدأنا بإدارة شركتنا بوصفها مصدراً رئيساً للدخل، ولقد كانت جهودنا موجودة، والوقت الذي وضعناه في العمل كان موجوداً بالتأكيد، ولكنَّ النتائج لم تكن كذلك، فهل كنَّا فاشلين؟ إذ إنَّني شعرت بالفشل بالتأكيد، فلقد كنَّا نستنزف رأس المال وعميلنا الوحيد تركنا.

عندما تدير مشروعاً تجارياً ذا مردود نقدي، فإنَّ رأس المال المُستهلَك يعني أنَّك تنفق مباشرةً من مدخراتك وسينتهي بك الأمر إلى الإفلاس، ففي كل مرة كنا نقترب من إبرام صفقة ثم نخسرها، شعرت بأنَّنا قد فشلنا، واسمحوا لي أن أخبركم أنَّنا قد اقتربنا من كثير من الصفقات، التي ضاعفت شعوري بالفشل، لكن بفضل كل المحتوى الإيجابي الذي تعلمته على مر السنين، وحتى خلال الفترة التي أمضيتها في العمل في الشركة، كنت أعلم أنَّه يتعيَّن علي المثابرة، وكنت أعرف أنَّ الفارق بين النجاح والفشل هو عدم الاستسلام، وظللت أكرر اقتباس رئيس وزراء "المملكة المتحدة" (United Kingdom) السابق "ونستون تشرشل" (Winston Churchill) مراراً وتكراراً في رأسي: "النجاح يتكون من الانتقال من فشل إلى فشل دون فقدان الحماسة".

والقول الثاني: "النجاح ليس نهائياً والفشل ليس قاتلاً، وما يهم هو الشجاعة لمواصلة تحقيق هدفك"، وهذا يبدو قابلاً للتطبيق أيضاً، فكان عليَّ أن أصدِّق أنَّ النجاح كان قريباً، حتى لو لم أكن أعرف ذلك، وكنت أتراجع، ولكنَّني شعرت بأنَّني أتقدَّم إلى الأمام بدلاً من أن أسبر أغوار نفسي، ومع ذلك، فإنَّ نجاح أعمالنا لم يكن يحدث في الإطار الزمني الذي خططنا له في الأصل.

إذاً ماذا سأفعل؟ وهل أستسلم؟ وسأكون كاذباً إذا قلت إنَّني لم أفكر في الأمر أبداً، ولكنَّنا لم نكن قد بدأنا سوى منذ بضعة أشهر في أعمالنا، وأدركتُ أنَّ ما كنت أواجهه لم يكن فشلاً؛ ولكنَّه كان في الواقع في صميم ريادة الأعمال، فعليك أن تعاني قبل أن تجد نجاحاتك.

شاهد بالفديو: دروس هامة يجب تعلمها عن الفشل

ومع ذلك، فإنَّ المعاناة ليست هي نفسها حالات الفشل؛ بل هي تجارب التعلُّم بالتأكيد، ولكنَّ الفشل ليس كذلك، ففي الجوهر، كان عليَّ توسيع الإطار الزمني، إذ لم نكن رابحين في الوقت الذي توقعته، ولكنَّ هذا يعني فقط أنَّه كان علينا المضي قدماً، وما أدركناه هو أنَّه كان يوجد كثير من الأعمال التمهيدية التي ينطوي عليها بدء عمل تجاري، وحتى العمل الذي من المفترض أنَّه تم التحقق من صحته قبل البدء به، وبصفتنا رجال أعمال شبان ساذجين، ظننا أنَّ مشروعنا سينجح وسيتهافت الناس إلى العمل معنا.

وكما قلت؛ كنا ساذجين، وما لم نفهمه في ذلك الوقت هو أنَّه سيتعيَّن علينا قضاء معظم الوقت من الستة أشهر في بناء العلاقات ثم الحفاظ عليها؛ حتى يثق عملاؤنا المحتملون بنا بما يكفي للاستثمار في عروض القيمة التي نقدمها؛ وبهذه الطريقة، النجاح هو في الحقيقة عملية ولكنَّ الفشل بالتأكيد يبدو كأنَّه حدث.

فكلَّما فشلت الصفقة، شعرت بالفشل، لكن عندما تلقيت مكالمة ناجحة أو تلقيت تغذية راجعة إيجابية على عرضنا لم أشعر بالنجاح؛ وهذا لأنَّه غالباً ما يكون من الصعب رؤية النجاحات في الوقت الحالي؛ وذلك لأنَّها تحدث ببطء وتتراكم مع مرور الوقت؛ وهذا يعني بالطبع أنَّه يتعيَّن علينا أن نكون مدركين للعملية ونوجِّه أنفسنا إليها، ونظن أنَّ الجهد اليومي سينتج عنه حياتنا المثالية.

والوقت هو الفاصل بين النجاح والفشل، والاستسلام - اختزال الإطار الزمني - هو فشل؛ إذ إنَّ حب العملية والاستعداد للعمل عليها كل يوم - مع العلم أنَّ جهودك ستبني على نفسها - يُعَدُّ نجاحاً، وقد لا يحدث هذا اليوم، وقد لا يحدث غداً، لكن إذا كنتَ تريده بشدة وكنت على استعداد لخوض المعاناة، فسيتحقق؛ وذلك لأنَّ الوقت المُستغرق في التعلُّم لا يضيع أبداً.

المصدر




مقالات مرتبطة