أهمية الحاضر وارتباطه بالمستقبل

إنَّ أحد الاقتباسات التلفزيونية المفضلة لديَّ، هو من مسلسل "كيف قابلت أمك" (How I Met Your Mother)، فالشخصيات الرئيسة فيه هي "تيد" (Ted)، و"مارشال" (Marshall)، وعندما يواجهان مشكلة لا يمكن التغلب عليها، غالباً ما يقولان لبعضهما بعضاً: "يبدو أنَّ هذه المشكلة لن يحلها سوى تيد ومارشال، ولكن في المستقبل".



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "إيفان تارفر" (Evan Tarver)، يُحدِّثنا فيه عن أهمية الحاضر وارتباطه بالمستقبل.

بعدها يعود الصديقان إلى لعب ألعاب الفيديو حتى ينتقل العرض إلى المشهد التالي، والذي يؤدي دائماً إلى انعكاسات عدم التعامل مع المشكلة مباشرةً، ولكن مَن يهتم؟ إنَّها مجرد كوميديا، ونريد من الشخصيات أن تضع نفسها في مواقف مضحكة، ومع ذلك، فإنَّ هذه الكوميديا البسيطة، على الرَّغم من كونها مضحكة، إلَّا أنَّها تستخفُّ بالحياة، فهي نموذج مصغَّر للرغبة البشرية في التسويف؛ أي أن تسلك الطريق الأقل مُمانعة، وأن تؤجِّل التعامل مع الألم إلى الغد.

المستقبل هو تراكم الإجراءات اليومية:

يمكن أن يكون الألم ناتجاً عن أي شيء، فربما قد ترغب في التمتُّع باللياقة البدنية، ولكنَّك لا تريد أن تبدأ بالذهاب إلى النادي الرياضي، ومن ثمَّ تؤجِّل ممارستك للتمرين إلى "الغد"، أو ربما قد ترغب في ادِّخار بعض النقود لمرحلة التقاعد، ولكنَّ الألم الذي تشعر به من انخفاض الدخل بسبب ادِّخارك للنقود، يكون أكثر من اللازم، وبدلاً من قيامك بالادِّخار تُخبِر نفسك بأنَّك ستبدأ بالتوفير ابتداءً من "الغد".

لكن، أنا متأكِّد من أنَّك ستدفع الألم إلى يومٍ آخر، ثم آخر، ثم آخر، إلى أن تصل إلى مرحلة تفقد فيها الدافع للبدء.

ومن المفارقات، أو ربما من قُبيل الصدفة، أنَّ الطريقة الوحيدة لتحقيق هذا الهدف طويل الأمد هي أن تبدأ "اليوم"، والطريقة الوحيدة التي ستحصل بها على اللياقة البدنية التي تريدها، هي الالتزام بتسعين يوماً من التمرينات والأكل الصحي؛ والطريقة الوحيدة التي ستتقاعد فيها، هي إذا كنت تستفيد من العوائد المضاعفة وتدَّخر نقودك اللازمة للتقاعد من كل راتب تحصل عليه.

إذاً، النجاح هو ليس مرحلة بعيدة تجدها في النهاية أو تتعثَّر فيها؛ بل إنَّه حصيلة العادات اليومية، ونتيجة مضاعفة المكاسب اليومية.

لذلك، فإنَّ الطريقة الوحيدة التي يمكنك من خلالها الحصول على المستقبل الذي ترغب فيه هي أن تتعامل مع كل يوم وكأنَّك تعيشه؛ بمعنى، كيف يمكن لشخص أن يعيش حياته إذا كان يتمتع بصحة جيدة ولياقة بدنية جيدة؟ أو كيف يتصرف الشخص الذي لديه سيطرة مالية على حياته؟ إذا كنت تريد ذلك، فابدأ بالعيش وَفق ذلك، ولكنَّ هذا لا يعني أنَّ الألم لن يواجهك.

كل شيء في الكون له رد فعل مساوٍ ومعاكس له؛ ولهذا، من المنطقي أنَّ نجاحك المضاعف سوف يقترن بالتعب والعرق والدموع التي تأتي مع كل يوم، ومن تجاهل المُمانعة، ومن استثمار أفعالك التي تقوم بها.

إقرأ أيضاً: فوائد التفكير في المستقبل لحياة صحية

مثال بسيط:

عندما أفكِّر في مستقبلي، أتذكَّر مُدَّخرات تقاعدي، فإنَّ فائدة إنشاء حساب للتقاعد، إلى جانب الضرائب، هي أنَّه لا يمكنك استخدام أموالك في أثناء زيادتها بمعدل مضاعف.

لذلك، إذا وضعت دولاراً واحداً في المُدَّخرات التي تقوم بتوفيرها للتقاعد، ولم تستخدمها لمدة 30 عاماً، وبافتراض وجود عائد سنوي بنسبة 10%، فسيكون لديك أكثر من 17 دولار في 30 عاماً؛ وهذا لأنَّك في السنة الأولى تكسب 0.10 دولار، ثمَّ في السنة الثانية تكسب 10% على 1.10 دولار بدلاً من دولار واحد، وهو ما سيصل إلى 1.21 دولار، وهكذا، أنا أقدِّم اعتذاري لأنَّني أعلم أنَّه ليس من المفترض أن يكون هذا درساً في الرياضيات أو في الأمور المالية، ولكنَّه يشرح فكرة المستقبل المركب.

إنَّه يسلِّط الضوء على الحاجة إلى البدء الآن، بدلاً من البدء لاحقاً، إنَّك في كل عام تنتظر لتبدأ بادِّخار الأموال لتقاعدك، وهذا الأمر يقلِّل من العوائد المضاعفة، وهذا يمنحك أموالاً أقل على الأمد الطويل، والأمر لا يقتصر على التمويل فحسب؛ بل كل ما تفعله في الحياة له عوائد مضاعفة.

هل هذا هو المستقبل الذي تريده؟ نعم، من الأفضل أن تبدأ الآن إذا كنت ترغب في الاستمتاع بالمستقبل الذي تريده في هذه الحياة التي تعيشها.

عدم التضحية بالحاضر:

أليست هذه مدونة تتعلَّق بالتنمية الشخصية؟ ألا يعني ذلك أنَّ اللحظة الحالية أهم من المستقبل؟ كل خبراء تطوير الذات يقولون إنَّها كذلك، وإنَّهم على حق، فهي فعلاً كذلك؛ وهذا يعني شيئين:

أولاً؛ إذا كان مستقبلك هو تجميع لأفعالك المركبة، فإنَّ كل إجراء في اللحظة التي يحدث فيها، هو الأكثر أهمية؛ وذلك لأنَّه سيؤدي في النهاية إلى المستقبل المثالي؛ لذا، بمعنى ما، الحاضر هو الأهم لأنَّه يصنع لك المستقبل.

ثانياً؛ هذا يعني أيضاً أنَّ الحاضر هو الأهم، بصرف النظر عن المستقبل، فإذا لم تكن راضياً عن حاضرك، فربما لن تكون راضياً عن مستقبلك أيضاً، إنَّها مسألة متعلِّقة بالحالة الداخلية، ويجب أن تكون راضياً عمَّا لديك في كل يوم؛ لذا، جوهرياً، إنَّ الهدف من الحياة هو الاستمتاع باللحظة الحالية؛ أي أن تكون راضياً عمَّا حدث سابقاً وما يحدث حالياً وما سيحدث لاحقاً.

لكن من المفارقات، أنَّ إحدى الطرائق التي نستمتع بها في الحاضر هي العمل نحو مستقبل أفضل، فالإنسان يريد ويحتاج إلى التقدم إلى الأمام، وإذا لم تتَّخذ الخطوة الأولى، فغالباً ما يصبح الحاضر راكداً؛ لذلك، ربما يكون المستقبل هو الأهم، لكن أنا لا أعتقد ذلك؛ بل إنَّني أظنُّ أنَّ الحاضر هو الأهم، ولكنَّ المستقبل هو شامل لكل لحظاتك الحالية، فلذلك ربما يكون فعلاً هو الأهم.

شاهد بالفديو: 10 أمور يجب القيام بها إذا كنت يائساً من مستقبلك

الخلاصة:

أظنُّ أنَّ الفكرة هنا هي القناعة، لكن لكي تكون راضياً، عليك أن تُقدِّر اللحظة الحالية، وفي نفس الوقت، يجب أن تقدِّر الاتجاه الذي تسير فيه حياتك، فلذلك، أينما تريد أن تتوجَّه حياتك، يمكنك أن تبدأ الآن، فأنت مدين بذلك لنفسك الحالية والمستقبلية.

المصدر




مقالات مرتبطة