أهمية التخطيط لمواجهة مصاعب الحياة

يقول الملاكم الأمريكي "مايك تايسون" (Mike Tyson): "يضع كل شخص خطةً محكَمةً بعد أن يتلقى لكمةً على وجهه". بالنظر إلى أنَّ "تايسون" لديه خبرة كبيرة في التخطيط للمباريات التي يتلقى خلالها لكمةً على الوجه، فنحن نظنُّ أنَّه من الصواب اتباع حكمته.



وفي حال لم تقتنع بما قاله "تايسون"، فيوجد كثير من العبارات والاقتباسات التي تؤكِّد ما قاله، مثل "أن يكون لديك خطة جيدة اليوم، أفضل من أن يكون لديك خطة مثالية غداً".

ما نريد قوله: إنَّه في سياق التحضير لمعركة، قلَّما يجد الناس أي فائدة تُذكَر من التخطيط، لكن في الوقت نفسه، لا غنى لنا عنه، ولننطلق من هذه النقطة، الخطط غير مفيدة، لكن لا بُدَّ من التخطيط، ومع التناقض الواضح في هذه العبارة، لكنَّها صحيحة.

كما ترى، لا يضع الشخص خطة مُحكمة بعد أن يتلقى لكمةً على الوجه؛ بل إنَّ كل شخص يستمر بتلقِّي الصفعات من الحياة حتى يمتلك خطة؛ أي إنَّ الحكمة صحيحة في الحالتين، فلا شيء في الواقع يسير كما خُطِّطَ له، لكن عدم وجود خطة لا يعني أنَّ الأمور ستسير سيراً أفضل؛ بل على العكس، تسوء الأمور عندما لا تمتلك خطة؛ وذلك لأنَّك لا تعرف إلى أين تتَّجه عندما لا تمتلك خطة.

الخطة هي بمنزلة خارطة طريق تنتهي بإنجاز الأهداف الكبيرة؛ لذلك إذا كان لديك أهداف فأنت تحتاج إلى خطة، أمَّا إذا أردت العيش عيشاً عشوائياً، فتحرَّر من وضع الخطط وعش كما تريد، لكن من المؤكَّد أنَّ ليس هذا ما تريده؛ لذلك إذا كنَّا سنتلقى الصفعات من الحياة، وما يزال لدينا أحلام نريد أن تتحقق، كيف سنتمكن من التخطيط بفاعلية ومن ثمَّ وضع الخطة موضع التطبيق؟ الجواب بسهولة؛ يجب علينا أن نتعامل مع الصفعات التي توجِّهها لنا الحياة، ومن ثمَّ سنرى أنَّنا وصلنا إلى وجهتنا المقصودة.

كيف تساعدك الخطة على التعامل بثقة مع صعوبات الحياة؟

هل سبق أن شعرت بأنَّك فقدت التحكُّم بزمام الأمور؟ وهل تشعر أحياناً بأنَّك تفقد السيطرة على حياتك ولا يمكنك فعل شيء حيال هذا الأمر؟

لا تقلق، فجميعنا اختبرنا هذه المشاعر في مرحلةٍ ما، وهذا شعور شائع جداً؛ إذ يوجد كثيرٌ من المشكلات؛ إخفاقات على صعيد العلاقات، ومشكلات عائلية، وكل الأمور العالقة التي تجعلنا نشعر بأنَّنا نفقد السيطرة على مسار حياتنا، ونظنُّ أنَّنا نتَّجه مباشرةً نحو كارثة.

إنَّه شعورٌ مزعجٌ، عندما تشعر بأنَّك تفقد السيطرة على حياتك، ولسوء الحظ، إنَّه شعور شائع كثيراً لدرجة أنَّه لا يوجد شخص لم يختبر مرارته.

عندما نفقد السيطرة على حياتنا، فإنَّنا نتعرَّض للصدمات بطريقة قاسية ومستمرَّة، وفجأة، نشعر بوجود عبء ثقيل من الأفكار، وننسى هذا العبء لبضع لحظات، لكن يحدث معنا شيء يذكِّرنا به من جديد، ومن ثمَّ نذهب إلى العمل ونواجه المشكلة بكل شجاعة؛ وهذا ما يجعلها تنتقل من اللاوعي إلى تفكيرنا الواعي، وبحلول نهاية اليوم، نصاب بالإنهاك من شدة التفكير في مشكلتنا طوال اليوم، ونذهب إلى الفراش متعَبين وقلقين بشأن المشكلة، ثمَّ نستيقظ في الصباح التالي لنفعل نفس الشيء.

على سبيل المثال المشكلات المالية؛ لنفترض أنَّك تريد شراء منزل، ولسوء الحظ - بالاعتماد على راتبك - إنَّ امتلاكك لمنزل يبدو أمراً مستحيلاً، ومن ثمَّ تفوتك المكافأة ربع السنوية التي كنت تدَّخرها عادةً في البنك، ومن ثمَّ تتعطَّل سيارتك ويجب عليك أن تدفع المال لإصلاحها.

من المؤكَّد أنَّ هذا الكم من المشكلات يكفي ليجعلك تشعر بأنَّك هُزِمت ولا بأس إذن من أن تندب حظك قليلاً، وتقول: "لن يكون لديَّ منزل أبداً، لا يوجد أي أمل في ذلك".

وللأسف، يتحول شعورك بالبؤس إلى حالةٍ من اللامبالاة، وتتوقف عن محاولة تحقيق هدفك وليست لديك أي طاقة أو رغبة بالمحاولة مجدداً، لكن إذا كنت قرأت بتأنٍّ، فربما تكون قد لاحظت أنَّ في مثالنا هذا لم يوجد خطة من البداية لامتلاك منزل، إنَّها مجرد أمنية أو حلم بامتلاكه من دون أن يكون لديك خارطة طريق لتحقيق هذا الحلم.

وهكذا، فإنَّ كل يوم نعيشه من حياتنا دون أن نتَّبع خطة، وكل يوم يمضي ونحن نشاهد بحزن كيف تتبخَّر أحلامنا، كل هذا يجعلنا نشعر أنَّ الحياة تهزمنا، والآن، لنعد إلى المثال، لكن مع بعض التعديل في السيناريو؛ أنت تريد شراء منزل، لكن لا يمكنك تأمين الدفعة الأولى، لكن يمكنك استخدام بعض الحِنكة لتجاوز هذه المشكلة من خلال تحليلها إلى أجزاء صغيرة.

بدايةً أنت تدرك أنَّك تحتاج إلى توفير مبلغ إضافي قدره 2000 دولار شهرياً ولمدة 12 شهراً لشراء المنزل، وبالنظر إلى المهارات التي تمتلكها، فأنت تدرك مثلاً أنَّك بارع في تصميم مواقع الويب، ومن ثمَّ ستبدأ العمل بوظيفتين إضافيتين في مجال تصميم مواقع الويب مع راتب قدره 50 دولاراً للساعة الواحدة؛ أي إنَّك ستحتاج إلى العمل 40 ساعة خلال الشهر حتى تدَّخر مبلغ 2000 دولار؛ وهذا يعني العمل لمدة 10 ساعات أسبوعياً، وفي نهاية العام، ستكون قد ادَّخرت المبلغ المطلوب لشراء المنزل.

إذا افترضنا وجود مشكلات غير متوقَّعة حدثت معك، فستجد أنَّك تستطيع التعامل معها بمرونة من خلال وجود خطة، ولنقل إنَّك خسرت مكافأتك ربع السنوية؛ هذا يعني أنَّه يجب أن تجني 2000 دولار إضافية بطريقة ما، ولنفترض أنَّ سيارتك تحتاج إلى بعض الإصلاحات؛ وهذا ما سيكَّلفك 500 دولار إضافية.

بالعودة إلى خطتك فإنَّ أمامك واحداً من خيارين، الأول تمديد الجدول الزمني لخطتك ليصبح 13 شهراً بدلاً من 12 شهراً، أو زيادة ساعات عملك الإضافي لتصبح 44 ساعة في الشهر بدلاً من 40 ساعة؛ وبذلك تحافظ على الجدول الزمني لخطتك وهو 12 شهراً، والآن أصبحت ترى كيف تصبح الأمور يسيرة بوجود خطة.

شاهد بالفديو: 6 طرق تساعدك على التخطيط لحياتك

انعدام التخطيط يعني الإرهاق النفسي:

كما رأينا، إنَّ التخطيط يعني مزيداً من السيطرة على حياتك، وعلى العكس، عدم وجود خطة، يعني أن تستعدَّ لتلقِّي الصفعات من الحياة باستمرار.

وحتى مع وجود مفاجآت تعترض طريقنا في الخطة التي وضعناها، فإنَّ الخطة تجعلنا نتعامل مع هذه المفاجآت غير السارَّة دون أن نشعر بالإحباط أو فقدان السيطرة، وكل ما نحتاج إليه هو تعديل الخطة بحيث تتلاءم مع الظروف المستجدة والمضي قُدُماً.

مثال آخر عن ذلك، "الكورتيزول" هو هرمون التوتر، وهو نتيجة لعملية التطور التي جعلتنا نتكيَّف مع المخاطر باستخدام آلية الكر والفر؛ وهذا ما ساعد الجنس البشري على البقاء على قيد الحياة طوال 200,000 عام، لكن في عالمنا المعاصر؛ إذ نادراً ما يوجد خطر مُميت، فإنَّ هذا الهرمون أصبح شيئاً معاصراً يهدِّد صحتنا بدلاً من كونه شيئاً ضرورياً لنجاتنا، فنحن الآن نرفع من مستويات "الكورتيزول" لدينا كلما حرمنا أنفسنا من النوم أو واجهنا مديرنا الغاضب؛ وبهذا يصبح هذا الهرمون مُهدِّداً لحياتنا.

وجدت بعض الدراسات أنَّ الجنود خلال الحرب عانوا من ارتفاع في معدلات "الكورتيزول" عندما كانوا متموضعين في أماكن قد تتعرَّض للهجوم من قِبل العدو، ونحن نفترض أنَّه ربما يوجد احتمال 50% أو أقل أن يتعرَّضوا لأي هجوم، وما يجعل شعورهم بالتوتر منطقياً هو عدم معرفتهم بما يحيط بموقعهم خلال الليل.

ما يدعم افتراضنا هو أنَّ الدراسات نفسها وجدت شيئاً آخر، وهو أنَّ الجنود الذين كانوا متأكِّدين بنسبة 100% من أنَّهم سيتعرَّضون لهجوم، عانوا من مستويات أقل من هرمون "الكورتيزول"، واقترحت الدراسة أنَّ معرفة الجنود على وجه اليقين بأنَّهم سيتعرَّضون لهجوم أجبرتهم على التخطيط، ومن ثمَّ وضع الخطة موضع التطبيق؛ بمعنى أنَّه لم يكن لديهم الوقت ليشعروا بالتوتر أو القلق، لقد كانوا مشغولين بالاستعداد لرد الهجوم؛ لذلك ليس من المفاجِئ أن تشعر بأنَّك تفقد السيطرة على حياتك عندما لا يكون لديك خطة.

إقرأ أيضاً: ما هي الخطة التي تنظِّم شؤون الحياة؟ وكيف تضعها؟

عندما تمتلك خطة فلا تقلق من المفاجآت:

لقد اتَّفقنا أنَّه عندما لا يكون لديك خطة في حياتك، فإنَّك ستشعر على نحو مستمر بأنَّك تتلقى الصفعات من الحياة، واتَّفقنا أيضاً على أنَّ تطبيق الخطة غالباً ما ينتج عنه مفاجآت غير سارَّة لم تكن تتوقعها، ومن البديهي أن يكون هذا مزعجاً.

لكن ما يجب أن تتذكَّره هو أنَّ المفاجآت غير السارَّة ستحدث في جميع الأحوال؛ لذلك ربما عندما تتعلَّم كيف تتلقَّى هذه الصدمات بصدر رحب، فإنَّك قد تتعلَّم كيف تستفيد من هذه الصدمات لمصلحتك.

الملاكمون يتعرَّضون لكثير من اللكمات في أثناء التدريب، وهذه هي الطريقة الوحيدة ليتعلَّموا كيف يتفادون اللكمات في المستقبل، والشيء نفسه يحدث في الحياة؛ أي إنَّ الطريقة الوحيدة لتطبيق خطة ناجحة في الحياة، خطة تؤدي إلى تحقيق أعظم طموحاتك، هي أن تتعلَّم كيف تتعامل مع الصفعات التي توجِّهها لك الحياة وتخرج من كل معركة بمزيد من القوة.

شاهد بالفديو: كيف تتجاوز صعوبات الحياة بنجاح؟

قد تُخفق خطتك الأولى، وكذلك الثانية والثالثة، لكن مع مرور الوقت، ستتراكم لديك الخبرات نتيجة الإخفاقات، وهذه الخبرات ستجعلك تستوعب كيف تمضي في تطبيق الخطة رغم الظروف السيئة التي قد تعترض طريقك؛ لذلك يكون من الضروري جداً أن نمتلك السيطرة على زمام الأمور في حياتنا، ونحدِّد أهدافنا، ونرسم خطة لتحقيقها، ومن ثمَّ تطبيق هذه الخطة على أرض الواقع.

في النهاية لا يمكن تحقيق الأهداف والرغبات إلَّا من خلال تنفيذ الخطة وتكرار المحاولة؛ لذلك إذا كنت تشعر بأنَّك تفقد السيطرة على حياتك بطريقة أو بأخرى، وإذا كنت تشعر بأنَّ الحياة توجِّه لك كثيراً من الصفعات، فقد يكون الوقت قد حان لتراجع خطتك، فقد تكون خطتك دون المستوى المطلوب، وقد تكون خطة خيالية لا يمكن تنفيذها، وقد لا يكون لديك خطة من الأساس.

إقرأ أيضاً: ملخص كتاب التخطيط أول خطوات النجاح

لكن ما يجب أن تثق به، هو أنَّه بعد أن يصبح لديك خطة وفي كل مرة تعيد تقييم أهدافك، وتراجع خطتك لتحقيقها وتقوم بتعديلها على ضوء المستجدات التي تحدث في حياتك، فإنَّك ستمتلك دوماً هذا الشعور بالثقة، وستشعر بوجود مغزى من الحياة.

لكن يجب أن تكون صادقاً مع نفسك وتتأكَّد من أنَّ خطتك قابلة للتطبيق، وهذا لا يعني أنَّه يجب أن تكون الخطة سهلة وخالية من الصعوبات، لكنَّ التخطيط القائم على الأمنيات مشابه للتفكير القائم على الأحلام الوردية، إنَّه سيئ مثل عدم وجود خطة من الأساس.

المصدر




مقالات مرتبطة