أهمية اتخاذ القرارات بناءً على الإيمان بدلاً من الخوف

"الشيء الوحيد الذي يقف بينك وبين الحياة التي تريدها هو تلك المخاوف التي تُقنِع نفسك بها وتمنعك من تحقيق ما تصبو إليه" - رائد الأعمال الأمريكي "جوردان بلفورت" (Jordan Belfort).



يشير مفهومَي الندرة والوفرة إلى إطارين مرجعيين يجعلان الشخص ينظر إلى العالم نظرة معيَّنة، فالشخص المُقتنِع بمفهوم الندرة ينظر إلى الحياة على أنَّها خالية من الفرص، ويتمسَّك بالفرصة الصغيرة المُتاحة له بِوصفها قارب النجاة الوحيد في بحرٍ من عدم اليقين، ويرى الشخص الذي يؤمن بالوفرة أنَّ الحياة مليئةٌ بالفرص، ويعرف أنَّ أي حالة من عدم اليقين، هي في الواقع فرصة مُقنَّعة في هيئة خوف.

وبناءً على هذا، من السهل أن نلاحظ أنَّنا يجب أن نتصرف جميعاً من منطلق الوفرة بدلاً من الندرة، ومع ذلك، يبدو ظاهرياً، أنَّ خيار أن تعيش حياة الوفرة لا يحتاج إلى تفكير، لكن توجد قوى تجعل الناس ينظرون نظرةً طبيعيةً إلى الحياة من خلال مفهوم الندرة، فما هي هذه القوى، والأهم من ذلك، كيف يمكننا استخدامها للخير والإيمان بالوفرة؟

هذه القوى، على الرَّغم من وجودها بكثرة، يمكن تلخيصها في عاملين هامَّين جداً، يؤديان إمَّا إلى حياةً من الندرة أو حياة من الوفرة، وهما الخوف والإيمان.

اتِّخاذ القرارات بناءً على الخوف:

لسوء الحظ، نحن جميعاً على دراية بهذا النوع من اتِّخاذ القرارات؛ وذلك لأنَّ الخوف هو الأساس الذي نبني عليه نحن البشر معظم قراراتنا.

فنحن البشر ذات طبيعة غريزية؛ ولذلك تُثير معظم المواقف استجابة الكر أو الفر لدينا، ونحاول غريزياً إطالة وقت راحتنا وإزالة أي حالة من عدم اليقين، ولكن في عالمنا اليوم، غالباً ما يكون أسوأ ما يمكن أن يحدث، حتى في أكثر المواقف الصعبة هو مجرد الشعور بعدم الراحة، فلم يعد خوفنا من المجهول ضرورة للنجاة.

ومع ذلك، ما زلنا نبني معظم قراراتنا على مخاوفنا بدلاً من إيماننا، أو كما يقول الكاتب الهندي الأمريكي "ديباك تشوبرا" (Deepak Chopra)، إنَّنا نبني قراراتنا على أساس يقين الماضي بدلاً من الإمكانات غير المحدودة للمستقبل المجهول.

بالنسبة إلى وجهة نظره، عندما نتخذ قراراً قائماً على الخوف، فإنَّ ما نفعله هو الاعتماد على ما حدث في الماضي لدفع مستقبلنا؛ وهذا يعني أنَّه عندما نتخذ قرارات مدفوعة بالخوف نستمر في إعادة تكرار الماضي، ونؤكِّد أنَّ فرص مستقبلنا ستكون أحداثاً متكررة من ماضينا، فعندما ندع الخوف يتحكَّم بقراراتنا، نحدُّ بذلك من فرصنا ويُحكَم علينا بتكرار ماضينا، الأمر الذي يبدو أنَّه طريقة غير ممتعة نحيا بها حياتنا.

وتكمن في المجهول "احتمالات فحسب" كما يسمِّيها "تشوبرا"، وهي قدرة أي احتمالية على أن تتجلَّى في العالم المادي؛ لذا فكِّر في الأمر: عندما ننطلق من الخوف، يكون المجهول مظلماً ومشؤوماً؛ إذ يدفعنا اتِّخاذ القرارات القائم على الخوف بعيداً عن الاحتمالات غير المحدودة ونحو الأمان الدنيوي للأمور المعلومة، لكن عندما نفضِّل المعلوم على المجهول، فإنَّنا نحدُّ من فرص حياتنا.

شاهد بالفديو: 7 طرق لتحسين مهارة اتخاذ القرار

 

ماذا لو كنت تفكِّر في ترك وظيفتك؟ فهناك احتمال أن ترغب في ذلك، ولكن عندما تنطلق من مبدأ الخوف، بدلاً من رؤية الحرية والإمكانات غير المحدودة للتخلِّي عن العمل والسعي وراء مسارٍ آخر، سترى الجانب السلبي لفقدان الراتب، وإنشاء فجوة محتمَلة في سيرتك الذاتية.

لذلك، وبدلاً من خوض المجهول وتقبُّل ما سيأتي بعد ذلك من نتائج، فأنت تستسلم لتكرار الحلقة نفسها التي أدَّت بك إلى عدم الرضى، ومَن يدري، ربما من خلال ترك وظيفتك، وحتى مع عدم وجود خطة، يمكنك الانضمام إلى مجموعات للقاء أُناس جدد أو حتى السفر، ومن المحتمل أنَّ التجارب التي ستحصل عليها من خلال لقائك مع أشخاصٍ يشبهونك في التفكير ومن خلال استكشاف العالم، ستمنحك قدراً أكبر من الإبداع والتحفيز أكثر ممَّا كنت ستكسبه في أثناء العمل في وظيفة تشعرك براحة مبالغ فيها.

اتخاذ القرارات بناءً على الإيمان والثقة:

عندما ننظر عند اتخاذ القرارات القائم على الخوف إلى ما هو غير مؤكَّد أو مجهول على أنَّه سلبي، فإنَّ الأشخاص الذين يتخذون قراراتٍ على أساس الإيمان يرَون أنَّ ما هو غير مؤكَّد أو مجهول هو احتمال لتوفُّر كمية غير محدودة من الفرص.

يُعَدُّ المجهول أمراً إيجابياً بالنسبة إلى الأشخاص الذين يتحلَّون بالثقة والإيمان في اتخاذ القرارات، ويجب تقبُّله بكل رحابة صدر، فقد يجلب المستقبل جانباً سلبياً، لكنَّه قد يجلب أيضاً بعض الجوانب الإيجابية، وعندما لا تكون هناك طريقة لمعرفة ما يُخبِّئه المستقبل بالضبط، فمن الأفضل بكثير أن تثق بأنَّ الأمور غير المؤكَّدة ستصبح إيجابية في النهاية.

لكن ما الذي يمنح هذا النوع من الأشخاص هذه العقلية الإيجابية؟ وما الذي يجعلهم يظنُّون أنَّ المستقبل سوف يتحسَّن تحسُّناً مستمراً بصرف النظر عن أفعالهم في الوقت الحاضر؟

بدلاً من التفكير في الإيمان بالمعنى التقليدي، فإنَّ أولئك الذين يتخذون قراراتٍ قائمة على الإيمان والثقة، يؤمنون بأنفسهم ويثقون بقدراتهم، ولديهم إيمان بأنَّه بصرف النظر عمَّا يلقي به المستقبل عليهم، فإذا واظبوا على متابعة هدفهم وكانوا واثقين بشأن توجُّههم، فسيخرجون من الجانب الآخر بشكل أفضل؛ وذلك لأنَّهم اغتنموا الفرصة.

لذا فكِّر: عندما ننطلق من مبدأ الإيمان، يكون المجهول مليئاً بالاحتمالات، ويدفعنا اتخاذ القرار القائم على الثقة والإيمان إلى إمكانات غير محدودة لمستقبل بلا عوائق.

وبالعودة إلى المثال المذكور آنفاً، ماذا لو كنت تفكِّر في ترك وظيفتك لمتابعة مشروع ريادي، وتريد اتباع أسلوب حياة يتيح لك حرية السفر والعمل في الوقت الذي تريده؟ إذ تبدو تلك فكرة رائعة جداً.

قد ينظر شخص ما في حالة خوف إلى هذا الموقف، ويفكِّر في السلبيات فقط: الفشل المحتمل، وفقدان الدخل، وفقدان المُدَّخرات، وفقدان الأمان؛ ومع ذلك، فإنَّ الشخص الذي يؤمن بنفسه، سيكون واقعياً بشأن السلبيات، لكنَّه سيركِّز أكثر على الإيجابيات التي تتمثَّل في أسلوب حياة مثالي، وحرية، وعلاقات جديدة، ومهارات جديدة، وإمكانية تحقيق أرباح ضخمة.

عندما نفكِّر في المستقبل، بدلاً من تصوُّر حدوث كل شيء بشكل خاطئ حتى لو كان ذلك لبضع ثوانٍ فقط، فماذا لو تصورنا أنَّ كل شيء يسير على ما يرام؟ فكلا الاحتمالين معقول.

لذا أنت تستقيل من وظيفتك، وتنطلق وحدك بصفتك رائد أعمال، فقد تصبح الأمور "جيدة"؛ إذ إنَّك ستنشئ مشروعاً تجارياً ناجحاً، وقد لا يحدث ذلك، ولكن إذا تحلَّيت بالإيمان، فإنَّ كل تجربة لديك في أثناء محاولتك لبناء عملك، ستمنحك تجارب إيجابية مع أشخاص إيجابيين، بحيث تكون أفضل حالاً ممَّا أنت عليه اليوم، حتى لو فشلت الشركة.

يمكنك استخدام الدروس التي تعلَّمتَها من هذا العمل لإنشاء عمل تجاري أقوى، وفي أثناء السفر، قد تكتشف شغفك وهدفك الحقيقيين، لكن بخلاف ذلك سيبقى كل شيء مجهولاً بالنسبة إليك، وربما تقابل شريكك المستقبلي في مجموعةٍ لروَّاد الأعمال، فالاحتمالات لا حصر لها حرفياً، وإذا كنت تنظر إلى الفشل على أنَّه خير معلِّم، فستكون جميع الاحتمالات إيجابية.

إقرأ أيضاً: طرق فعالة تساعدك على اتخاذ القرارات بشكل أفضل

عندما تفكِّر في الأمر بهذه الطريقة، فإنَّ الشيء الأكثر ضرراً الذي يمكن أن تفعله لنفسك هو عدم السعي وراء هدف أسمى بسبب الخوف، وعندما تكون الاحتمالات كثيرة وإيجابية، ستشعر بالأمان في المجهول؛ لذا امنح حياتك مجالاً لكي تنمو، واختر طريقاً آمناً بتقبُّل كل الاحتمالات؛ وذلك لأنَّ الاحتمالات الأكثر إيجابية تعني احتمالية أكبر للسعادة، ويبدو أنَّه السيناريو الأكثر أماناً الذي يمكن تخيله.

المصدر




مقالات مرتبطة