أمثلة على الذكاء العاطفي في العلاقات والعمل والحياة

يقول دانيال غولمان في كتابه الذكاء العاطفي: "ما يهمُّ للنجاح في الحياة الشخصية وتحقيق النجاح والإنجازات هو توافر مجموعة من المهارات العاطفية، وليس فقط المهارات المعرفية التي تُقاس من خلال اختبارات الذكاء التقليدية"، ولو تأملنا قليلاً فيما قاله غولمان، لعرفنا حقيقة الأسباب التي تجعل شخصاً عادياً لا يملك شهادة أكاديمية أنجح من طبيب أو مهندس أو أي شخص يحمل شهادة علمية.



على الرغم من أنَّ مصطلح الذكاء العاطفي يُعَدُّ مصطلحاً حديثاً نسبياً، إلَّا أنَّه بات من أكثر المصطلحات استخداماً خلال الفترة الماضية؛ وذلك لأهمية المهارات التي يكتسبها الإنسان من جراء تعرُّفه إلى الذكاء العاطفي، وأهمية تلك المهارات في قيادة حياة الإنسان لتكون أكثر جودة وسعادة ونجاحاً.

لن نستغرب أبداً حين نعلم أنَّ مهارات الذكاء العاطفي باتت معياراً أساسياً من معايير النجاح في الحياة العملية والاجتماعية والأسرية؛ فعلى سبيل المثال باتت مهارات الذكاء العاطفي تشكِّل الحجر الأساس في إجراء المقابلات الوظيفية، وفي أولوية التوظيف في قطاع الأعمال.

ما هو الذكاء العاطفي؟

يمكن التعبير عن الذكاء العاطفي بأنَّه مجموعة من المهارات التي يمكن أن يكتسبها الإنسان ويستخدمها في واقع الحياة اليومية من أجل إحداث الفارق الإيجابي على مستوى الحياة الشخصية وعلى مستوى التعامل والتواصل مع الآخرين، فالذكاء العاطفي ومهاراته هي أشياء تحدد طريقة استجابتنا لتحديات الحياة، وطريقة التعبير عن مشاعرنا وتفاعلنا مع الآخرين والتأثير فيهم بطريقة إيجابية.

شاهد بالفيديو: الذكاء العاطفي في العمل مفتاح النجاح المهني

لماذا بات الذكاء العاطفي أكثر أهمية من الذكاء العادي؟

في حقيقة الأمر يُعَدُّ معدل الذكاء العادي عنصراً هاماً جداً في الموضوعات التي تتعلق بالتحصيل الدراسي والأكاديمي، وقد أكَّد الباحثون أنَّ قدرات الذكاء العادية لها علاقة وثيقة بالجينات وعلم الوراثة، إلَّا أنَّه ومن خلال الأبحاث والدراسات وجد العلماء أنَّ النجاح في مختلف جوانب الحياة ليس له علاقة بمعدل الذكاء العادي؛ وهذا ما يُفسر وجود أشخاص ناجحين في حياتهم دون أن يكون لهم أي تحصيل أكاديمي.

استكمل الباحثون دراساتهم ليجدوا أنَّ النجاح في الحياة يتعلق بمجموعة من التأثيرات النفسية المتداخلة، وسُمِّيَت تلك التأثيرات بمعدل الذكاء العاطفي، والذي بات عنصراً هاماً للنجاح في الحياة الزوجية والحياة العملية والحياة الدراسية وغيرها من مجالات الحياة الأخرى، وتُتيح مهارات الذكاء العاطفي للفرد الحصول على مستوى عالٍ من التواصل مع الآخرين بفاعلية، والتعاطف معهم وامتلاك ميزة الوعي الذاتي والوعي الاجتماعي.

تؤثر مهارات الذكاء العاطفي في طريقة استجابتنا لأنفسنا وللآخرين، وفي طريقة التفاعل مع العديد من الأشخاص الآخرين، وتكمن أهمية الذكاء العاطفي في أنَّه يتعامل مع مجموعة من قدرات الإنسان العاطفية من أجل تنميتها، والعمل على تطويرها، وهذه القدرات هي:

  • تحديد وتصنيف العواطف.
  • امتلاك المقدرة على التعرُّف وفهم شعور الآخرين.
  • إدارة المرء لعواطفه.
  • امتلاك القدرة على إدراك شعور الآخرين.
  • تسخير العواطف في عملية التواصل مع الآخرين.

سنتعرَّف معاً في هذا المقال إلى تأثير مهارات الذكاء العاطفي في مختلف جوانب الحياة من خلال الأقسام الآتية:

أمثلة على الذكاء العاطفي في الحب:

إنَّ علاقة الحب هي علاقة ذات معنى خاص، ويتطلَّب النجاح في علاقة الحب توافر مجموعة من الشروط اللازمة من أجل استمرارها؛ مثل التفاني بين طرفي العلاقة والثقة المتبادلة بين طرفيها.

قد يتساءل بعض الأشخاص الذين يرغبون في العثور على الحب في حياتهم الزوجية: ما الذي يجعل الحب يدوم في هذه العلاقة؟ وكيف تنجو بعض الزيجات أو الشراكات الزوجية وتزدهر في حين يغرق بعضها في المشكلات؟

بشكل عام، إنَّ الأزواج الناجحين الذين لديهم علاقات مزدهرة وقوية في حياتهم الزوجية يتمتعون بمستوى عالٍ من مهارات الذكاء العاطفي، فنحن نعلم أنَّ مهارات الذكاء العاطفي تصف قدرة الشخص على إدراك المشاعر والتحكم بها والتعبير عنها بطريقة صحيحة؛ أي بعبارة أخرى هي القدرة على التعامل مع العلاقات بشكل مناسب وتعاطفي.

إنَّ مهارات الذكاء العاطفي في العلاقة الزوجية يمكن أن تُترجَم من خلال امتلاك الشريكين مقدرة على إدارة مشاعرهم وتوجيهها لتكون بمنحى يأخذ العلاقة الزوجية إلى النجاح أكثر.

يمكننا القول إنَّ مهارات الذكاء العاطفي هي السر الحقيقي لنجاح العلاقات الزوجية؛ ويعود ذلك إلى أنَّ تلك المهارات تجعل كلا الشريكين يدركان تماماً كافة التغييرات التي يمكن أن تُصيب العلاقة الزوجية باستمرار، ويعرفان تماماً أنَّ تلك التغييرات طبيعية؛ بل يتعاملان مع متغيرات العلاقة الزوجية من خلال الوعي لذواتهم ووعيهم للشريك، ومن خلال التعاطف المتبادل بين الشريكين، ومن خلال ما سبق نستنتج مدى أهمية مهارات الذكاء العاطفي للوصول إلى ذروة الحب والرومانسية في العلاقة الزوجية وعلاقة الحب بشكل عام.

إقرأ أيضاً: 5 خطوات لتحقيق الذكاء العاطفي في الحب

أمثلة على  الذكاء العاطفي في التربية :

يمكن أن يحصل الآباء على فوائد عديدة من جراء استخدام مهارات الذكاء العاطفي في تربية الأبناء، وإنَّ أبرز ما يوفره استخدام مهارات الذكاء العاطفي في مجال تربية الأبناء هو:

1. تفهُّم مشاعر الأبناء والقدرة على بناء تواصل فعَّال معهم:

إنَّ تربية الأبناء تربية صحيحة تتطلب من الآباء والأمهات فهم مشاعر الأبناء في كافة مراحلهم العمرية؛ إذ إنَّ فهم مشاعر الأبناء وإدراك عواطفهم يقود الآباء والأمهات إلى فهم مسببات السلوك لأبنائهم بما يتيح لهم فرصة إنشاء تواصل فعَّال معهم؛ وذلك إما من أجل تصحيح مسار التربية، أو من أجل تعزيز المهارات الإيجابية ومعالجة السلبيات.

2. امتلاك المرونة وتقبُّل السلوكات بدلاً من إصدار الأحكام:

إنَّ الآباء الذين يمتلكون مهارات في الذكاء العاطفي لديهم قدرة كبيرة على تقبُّل أبنائهم بكافة سلوكاتهم وأفكارهم، وكيف لا وهُم يمتلكون مهارات في التعاطف والتعرُّف إلى مشاعر الآخرين؟ فكيف وإن كان الآخرون هم الأبناء؟ وهذا يعني ابتعاد الآباء والأمهات عن إطلاق الأحكام المُسبقة والجاهزة على الأبناء، وإنَّ عدم إطلاق الأحكام يعني أنَّ الوالدين يمتلكان قدرة على التعامل مع مشكلات الابن أو الابنة.

على سبيل المثال، لا يقول أحد الوالدين إنَّ ابني كاذب أو ابني مستواه متدنٍّ في الدراسة أو ابني مشاغب؛ بل وقبل أن يُطلِقا تلك الكلمات يتقبلان حالة الابن، ويدرسان الأسباب، ويضعان خطة لتصحيح المسار، ويطبقان تلك الخطة، والأهم من ذلك أنَّهما يمتلكان مرونة فكرية تجعلهما يُغيِّران من طريقة التعامل مع الأبناء بما يخدم الهدف العام في التربية السليمة.

إقرأ أيضاً: الذكاء العاطفي عند الأطفال: تعريفه، ومقوماته، وأهميته، وطرق تنميته

أمثلة على الذكاء العاطفي في التعليم:

على الرغم من أنَّ مهارات الذكاء العاطفي لا تُدرَّس في المناهج المدرسية، إلَّا أنَّه لا يمكن إطلاقاً أن نغفل مدى أهمية امتلاك الطلاب مهارات الذكاء العاطفي، وأثر تلك المهارات في التحصيل العلمي؛ إذ كشفت الأبحاث والدراسات أنَّ الذكاء العاطفي يؤثر تأثيراً كبيراً في العملية التعليمية، وله علاقة مباشرة بمستوى الأداء المدرسي والأكاديمي، فالطلاب الأذكياء عاطفياً مجهزون للتعامل بشكل أفضل مع المشكلات الدراسية؛ إذ إنَّ امتلاك مهارات الذكاء العاطفي يعني ما يأتي:

  • الطالب الذكي عاطفياً يمكنه التغلُّب على مشكلة رهاب الامتحان وضغطه من خلال مقدرته على إدارة عواطفه والتحكم بها.
  • الطالب الذكي عاطفياً يمكنه أن يحافظ على تركيزه وأن يبتعد عن الملل من خلال امتلاك دوافعه الداخلية التي تشجِّعه دائماً على المثابرة والاجتهاد.
  • الطالب الذكي عاطفياً يكون واثقاً بنفسه نتيجة امتلاكه القدرة على التعرُّف إلى مشاعر الآخرين، وامتلاك القدرة على حل مشكلاته ومشكلات أقرانه.
  • الطالب الذكي عاطفياً لديه قدرات في إنشاء تواصل فعَّال مع المدرسين ومع الزملاء؛ وذلك لأنَّه يملك في الأساس ميزة التعاطف مع الآخرين.

أمثلة على الذكاء العاطفي في العمل:

لا توجد في عالم الأعمال حالياً مهارات أهم من مهارات الذكاء العاطفي؛ إذ تفوَّقت على مهارات الخبرة المهنية ودرجات التحصيل الأكاديمي؛ وذلك لما لها من أهمية في منح الموظفين والعمال القدرة على التعامل مع الآخرين، وتوجيه الناس ومساعدتهم ورفع كفاءة الأداء وجودة الإنتاج وامتلاك الموظفين دوافعهم الداخلية التي تقودهم إلى القيام بمهامهم على أكمل وجه بما يحقق أهدافهم الخاصة وأهداف العمل كله.

فيما يأتي نستعرض معاً بعض الأسباب التي تجعل مهارات الذكاء العاطفي على درجة عالية من الأهمية في مكان العمل وهي:

1. اكتساب مهارات في التواصل اللفظي وغير اللفظي:

إنَّ اكتساب مهارات في التواصل الفعَّال يُعَدُّ ميزة هامة جداً في بيئة الأعمال سواء للمديرين أم القادة أم الموظفين، وكذلك مهارات التواصل غير اللفظي والتي تتمثل في فهم بعض مهارات لغة الجسد؛ والمثال عن ذلك عندما يلاحظ المدير أو القائد أو الزميل أنَّ زميلاً ما أو موظفاً ما تبدو عليه ملامح الحزن أو التعب أو الهم؛ والتي تُعَدُّ من العلامات غير اللفظية ويدفع فهمها الآخرين إلى البحث عن أسباب ما تظهر على ذلك الموظف والسعي إلى تقديم المساعدة والتعاطف معه وبذل الجهود لحل المشكلة.

2. إدراك المشاعر الشخصية:

إذ يمكن استخدام هذه المهارة من أجل ضبط السلوك قبل وقوع المشكلة في العمل؛ فعلى سبيل المثال لو كنت موظفاً في قطاع ما وقد مررت بليلةٍ عصيبة لسبب ما، فيمكنك من خلال مهارة إدراك المشاعر أن تحاول تغيير سلوكك وتحوِّل تركيزك في العمل إلى المشاعر الإيجابية بدلاً من تذكُّر أحداث تلك الليلة العصيبة.

3. تحسين عملية اتِّخاذ القرارات:

عندما يكون الجو العام للعمل مفعماً بمشاعر الود والتعاطف والتفهم للآخرين؛ فلا بدَّ في مثل هذه الأجواء أن تكون كل القرارات المتَّخذة صحيحة؛ وذلك لأنَّه لا يمكن أن يُتَّخَذَ قرار ما إذا لم تُؤخذ في الحسبان كافة الأمور المتعلقة بباقي الموظفين وأعضاء المؤسسة أو الشركة، وهذا الأمر يحسِّن بشكل كبير من جودة القرارات المتَّخذة ويقلل من عملية تدوير القرار وتجنيبه عملية الجدال والأخذ والرد حوله.

4. زيادة كفاءة الحياة المهنيَّة:

إنَّ مهارات الذكاء العاطفي ومهارات القيادة تسير جنباً إلى جنب؛ إذ تساعد مهارات الذكاء العاطفي على إظهار قدرات المديرين والقادة والموظفين على الصبر والاستماع والتفهُّم والتعاطف بما يزيد من كفاءة الحياة المهنية؛ سواء كان المرء مديراً أم قائد فريق أم موظفاً عادياً.

5. تشجيع الآخرين على تطوير مهاراتهم الشخصية وبث روح التفاؤل:

كما هو الحال بوجود بعض الأمراض التي تكون مُعدية وخطيرة، يكون الحال تماماً بالنسبة إلى العواطف؛ فهي مُعدية، فإن كان جو العمل مشحوناً بعواطف سلبية، ستُسيطر السلبية على العمل كله، وفي المقابل عندما يكون الجو السائد جواً مفعماً بالإيجابية والتفاؤل وحب تطوير القدرات والمهارات؛ فإنَّ هذه الحالة ستنتقل أيضاً بالعدوى من شخص إلى آخر داخل العمل؛ لترتفع كفاءة الأداء وجودة الإنتاجية.

شاهد بالفيديو: 6 عادات يومية لتنمية الذكاء العاطفي

أمثلة على  الذكاء العاطفي في العلاقات:

إنَّ نجاح الفرد في حياته يكون من خلال نجاحه في إدارة العلاقات التي يمتلكها؛ إذ لا يمكن لأي فرد أن يكون ناجحاً في الحياة كلها ما لم تكُن لديه علاقات ناجحة؛ على سبيل المثال هل سمعت يوماً عن تاجر ناجح وليست لديه علاقات؟ أم هل سمعت عن زوج أو زوجة سعيدة في حياتها الزوجية، والعلاقة مع الشريك كانت متأزمة مثلاً؟ وغيرها من الأمثلة الكثيرة التي لا حصر لها، فلا نجاح بلا علاقات وتواصل فعَّال.

إنَّ مهارات الذكاء العاطفي تقوم أساساً على تزويد المرء بمجموعة فعَّالة من المهارات التي تصب كلها في نهاية المطاف في إنشاء علاقات تواصل فعالة مع الآخرين، فإنَّ إدراك المرء لمشاعره وقدرته على ضبطها يجعل منه شخصاً متزناً قادراً على إدارة ردود أفعاله بحكمة وإيجابية، وكذلك فإنَّ فهم مشاعر الآخرين يعني أن يفهم المرء أسباب سلوكات الآخرين ودوافعهم، ومن ثم توخي الأعذار لهم من جراء بعض التصرفات التي يمكن أن تصدر عن الآخرين، كما أنَّ التعاطف مع الآخرين يُعَدُّ جوهر التواصل الفعَّال وإنشاء علاقات متينة تعود بالنفع على المرء والآخرين.

إقرأ أيضاً: الذكاء العاطفي والذكاء الاجتماعي

في الختام:

بعد الاطِّلاع على كل ما سبق وعلى كل الفوائد التي يمكن أن تحصل عليها من اكتساب مهارات الذكاء العاطفي، أعتقدُ أنَّك أصبحتَ في صورة تدرك تماماً مدى أهمية الانطلاق نحو اكتساب تلك المهارات الحياتية التي باتت تمثِّل محور النجاح في مختلف مناحي الحياة، ولا تترد في البدء الآن؛ وذلك لأنَّ كل يوم تنتظر فيه دون أن تبدأ بتعلُّم مهارات الذكاء العاطفي فأنت تضيِّع على نفسك فرصة تقليل زمن ومسافة الوصول إلى هدفك الأسمى في الحياة.

المصادر:

  • كتاب الذكاء العاطفي لدانيال جولمان.
  • كتاب الذكاء العاطفي 2.0 ترافيس برادبيري وجين جريفز.



مقالات مرتبطة