أسرار تكرار سورة الفاتحة

تكمن الكثير من الأسرار والعجائب في عالم الدين والروحانية، ومن بين تلك الخفايا الروحية تبرز سورة الفاتحة بوصفها جوهرة من جواهر القرآن الكريم؛ إذ إنَّ تكرار تلاوة هذه السورة العظيمة ليس مجرد فعل عادي؛ بل يحمل في طياته أبعاداً عميقةً وفوائدَ لا تُحصى.



يتساءل الكثيرون عن سر هذا التكرار وتأثيره في الروح والعقل، وما إذا كانت ثمة أسرار تتعلق بالتكرار لهذه السورة الرمزية، وسنكتشف في هذا المقال أسرارَ تكرار سورة الفاتحة، وكيف يمكن لتكرارها أن يكون مفتاحاً لتعزيز الروحانية والارتباط العميق بالله.

أسرار تكرار سورة الفاتحة:

سورة الفاتحة هي أعظم سورة في القرآن الكريم، وهي تشتمل على شفاء القلوب والأبدان، وتضمن الهدايةَ والرحمةَ والمغفرةَ من الله تعالى، وتكرار سورة الفاتحة 17 مرة في اليوم هو عبادة مفروضة في الصلوات الخمس، وهو يعني أنَّ المسلم يقرأ هذه السورة في كل ركعة من ركعات الصلاة، ويستمع إليها في الركعات التي يؤم فيها الإمام.

بعض الأسرار والفوائد من تكرار سورة الفاتحة هي:

  1. تحميد الله وشكره على نعمه وجماله ورحمته وعدله وحكمته.
  2. توحيد الله وإخلاص العبادة له والاستعانة به في كل أمر.
  3. التعرف إلى أسماء الله وصفاته وأفعاله وحقوقه.
  4. الاعتراف بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم بوصفه خاتم الأنبياء والمرسلين والقدوة الحسنة.
  5. الدعاء لله بالهداية إلى الصراط المستقيم والثبات عليه والنجاة من الضلال والغضب.
  6. الاستغفار من الله والتوبة إليه من الذنوب والخطايا والمعاصي.
  7. الاستشفاء بالله من كل داء وبلاء ومكروه وشر.
  8. الاستمتاع بجمال اللغة العربية وبلاغتها وفصاحتها وإعجازها.
  9. الاستفادة من العلوم والمعارف والحكم والمواعظ التي تحويها هذه السورة.

سورة الفاتحة:

هي سورة الحمد والتوحيد والدعاء والشفاء والهداية والرحمة والمغفرة، وهي سورة القرآن والإسلام والمسلمين، وهي سورة العبادة والعلم والحكمة والإيمان، فلنحرص على تلاوتها وتدبرها وتفهمها والعمل بها، ولنستشعر معانيها وأسرارها وفضائلها وبركاتها، والله أعلم.

شاهد بالفديو: فضل قراءة القرآن الكريم

ما هو حكم تكرار سورة الفاتحة في الصلاة؟

إنَّ تكرار سورة الفاتحة في الصلاة هو أمر يختلف فيه العلماء من المذاهب الفقهية المختلفة، وبعضهم يرى أنَّه لا يبطل الصلاة، ولكنَّه مكروه وغير مستحب، وبعضهم يرى أنَّه لا بأس به إذا كان لسبب معذور أو للتأمل والتدبر، وبعضهم يرى أنَّه لا يؤثر في صحة الصلاة إلا إذا كان تكراراً متعمداً.

أولاً:

إنَّ سورة الفاتحة هي ركن من أركان الصلاة، ولا تصح الصلاة دون تلاوتها، كما جاء في الحديث الصحيح: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"، [رواه البخاري ومسلم].

ثانياً:

إنَّ تكرار سورة الفاتحة في الركعة الواحدة ليس من السنة المعهودة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة رضوان الله عليهم، ولم يرد في القرآن أو السنة أمر أو نهي بشأنه.

ثالثاً:

إنَّ العلماء من المذاهب الفقهية المختلفة قد اختلفوا في حكم تكرار سورة الفاتحة في الركعة الواحدة، وذلك لعدم وجود دليل قاطع في هذه المسألة، ومن أبرز الأقوال في هذا الباب هي:

1. قول الحنفية:

تبطل الصلاة في تكرار الفاتحة عمداً في الركعة الواحدة؛ لأنَّها تعدُّ زيادةً في الركن، وتخالف السنة، وتشبه البدعة، وهذا القول متشدد جداً، ولم يتبعه غيره من العلماء.

2. قول الشافعية:

لا تبطل الصلاة في تكرار الفاتحة في الركعة الواحدة، ولكنَّه مكروه إذا كان عمداً وبلا سبب، ولا بأس به إذا كان لسبب معذور، مثل التشكك في القراءة، أو التأمل في المعاني، أو الاستشفاء بالله، وهذا القول متوسط ومقبول.

3. قول المالكية والحنابلة:

لا تبطل الصلاة في تكرار الفاتحة في الركعة الواحدة، وسواء كان عمداً أو سهواً، وسواء كان بسبب أو دون سبب؛ لأنَّها لا تخرج عن حدود الذكر المشروع، ولا تخالف السنة بوجه قطعي، ولا تشبه البدعة بوجه ظاهر.

رابعاً:

إنَّ الأفضل والأحوط هو الاتباع للسنة المثبتة عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم، وهي قراءة سورة الفاتحة مرة واحدة في كل ركعة، وعدم التكرار إلا في حالة الضرورة أو الحاجة، وإذا أردتَ التكرار للتدبر أو التعقل أو الاستمتاع بجمال القرآن، فافعل ذلك في خارج الصلاة، ولو مرات كثيرة، فلا حرج في ذلك.

خامساً:

إنَّ هذه المسألة من المسائل الفرعية التي لا تؤثر في العقيدة أو الشريعة، لا تستدعي الخلاف أو النزاع بين المسلمين، ولا تجعل أحداً يتهم أحداً بالضلال أو البدعة أو الكفر، فالمسلمون إخوة في الدين، ويجب عليهم التسامح والتعاون والتراحم فيما بينهم، والتمسك بالكتاب والسنة والإجماع والقياس فيما اختلفوا فيه من الفقه والتفسير وغيرهما.

إقرأ أيضاً: دعاء الاستفتاح في الصلاة

تكرار سورة الفاتحة للشفاء:

سورة الفاتحة هي سورة الشفاء والرحمة والمغفرة، وهي أعظم سورة في القرآن الكريم، وهي شافية وراقية بإذن الله تعالى وقد أثبتت الأحاديث النبوية والتجارب العملية فضلها وفاعليتها في علاج جميع الأمراض الروحية والعضوية والنفسية.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما أدراك أنَّها رقية"، وقال ابن القيم رحمه الله: "سورة الفاتحة تشتمل على شفاء القلوب وشفاء الأبدان"، وقد جاء في السنة النبوية أنَّ بعض الصحابة رقوا رجلاً لدغته العقرب بقراءة الفاتحة سبع مرات، فبرأ بإذن الله، وهذا العدد من السنة المطهرة، وله حكمة لا نعلمها، والله أعلم، فالمؤمن يثق بكلام الله ورسوله، ويستشفى بالفاتحة بإخلاص وتوكل ويقين، ويترك الأمر لله الشافي المعافي، والله تعالى يقول: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً}، [الإسراء: 82].

ومن أسرار تكرار سورة الفاتحة للشفاء هي:

1. أنَّها تحتوي على اسم الله الرحمن الرحيم:

وهو اسم شامل لجميع أسماء الله الحسنى، وهو اسم يدل على رحمته الواسعة وشفاعته العظيمة وعفوه الكريم، فمن قرأ هذا الاسم بإخلاص وثقة وتوجه إلى الله بالدعاء والاستغفار، فإنَّ الله يرحمه ويشفيه ويغفر له.

2. أنَّها تحتوي على "الحمد لله رب العالمين":

وهو اعتراف بنعم الله وشكره عليها، وهو سبب لزيادة النعم والبركات والصحة والعافية، فمن حمد الله على ما أعطاه وصبر على ما ابتلاه، فإنَّ الله يزيد من فضله ويكشف عنه البلاء.

3. أنَّها تحتوي على "اهدنا الصراط المستقيم":

وهو دعاء للهداية والثبات على الإسلام والسنة والجماعة، وهو سبب للنجاة من الضلال والغضب، فمن اتبع الصراط المستقيم واجتنب صراط الضالين، فإنَّ الله يهديه ويوفقه ويسدد خطاه.

4. أنَّها تحتوي على "صراط الذين أنعمت عليهم":

وهو ذكر للأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، وهم الذين نالوا من الله النعمة والفضل والكرامة، فمن اقتدى بهم واتبع سنتهم وسار على خطاهم، فإنَّ الله ينعم عليه ويفضله ويكرمه.

5. أنَّها تحتوي على "غير المغضوب عليهم ولا الضالين":

وهو تحذير من اليهود والنصارى والمنافقين والمبتدعين، وهم الذين أغضبوا الله بكفرهم وعصيانهم وبدعتهم وضلالتهم، فمن اجتنبهم وحذر منهم ونهى عنهم، فإنَّ الله يرضى عنه ويحميه وينصره.

إقرأ أيضاً: 6 آداب لقراءة وتلاوة القرآن الكريم

لماذا سميت سورة الفاتحة بالسبع المثاني؟

سورة الفاتحة هي أول سورة في القرآن الكريم وأهمها، ولها أكثر من اسم منها السبع المثاني، وهذا الاسم جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية، فقال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ}، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته"؛ والمثاني هي ما يثنى أو يعاد، وسميت الفاتحة بالسبع المثاني لأنَّها تتكون من سبع آيات تثنى في كل ركعة من الصلاة، ويثنى بها على الله تعالى بالحمد والشكر والتسبيح والتعظيم، وقيل أيضاً إنَّها سميت بالسبع المثاني لأنَّها استثنيت لهذه الأمة ولم تنزل على من قبلها، أو لأنَّها نزلت في المكانين المكة والمدينة، والله أعلم.

ماذا يحدث عند تلاوة سورة الفاتحة؟

سورة الفاتحة هي سورة عظيمة ومباركة؛ إذ تحتوي على معانٍ عميقة ورسائل جليلة، وعند تلاوة سورة الفاتحة، يحدث الآتي:

1.  تفتح الصلاة بسورة الفاتحة:

فهي ركن من أركان الصلاة، ولا تصح الصلاة إلا بها، فعند تلاوة سورة الفاتحة نبدأ بالبسملة، ونحمد الله رب العالمين، ونثني عليه بأسمائه الحسنى، ونستعين به ونعبده وحده، وندعوه بالهداية إلى الصراط المستقيم، ونتبرأ من الضالين والمغضوب عليهم.

2. تجمع سورة الفاتحة بين الدعاء والذكر والتسبيح والتعظيم:

فهي سورة دعاء بامتياز، وهي أفضل الدعاء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ"، فعند تلاوة سورة الفاتحة ندعو الله بما نريد من خير الدنيا والآخرة، ونرجو رحمته ومغفرته وجنته، ونستجير به من عذابه وناره وغضبه.

3. تحتوي سورة الفاتحة على خلاصة القرآن الكريم:

وملخص لعقيدة التوحيد والرسالة والأخلاق والشريعة، فهي أم الكتاب وأم القرآن والسبع المثاني، فعند تلاوة سورة الفاتحة نتدبر معانيها وآياتها، ونعمل في مقاصدها وحكمها، ونتفقَّه في دين الله وشرعه، ونتبع سنة رسوله وهديه.

4. تشفع سورة الفاتحة لقارئها ومدبرها:

وتكون له رقيةً وشفاءً وبركةً ونوراً وهدايةً، فعند تلاوة سورة الفاتحة نستشفي بها من كل داء وبلاء وسوء وشر، ونستنير بها في كل ظلمة وشبهة وغمة وحيرة، ونستهدي بها إلى كل خير وصلاح وفلاح ونجاة.

في الختام:

يظهر واضحاً أنَّ تكرار سورة الفاتحة يحمل في طياته العديد من الأسرار والفوائد؛ إذ يعدُّ الانغماس في تلاوتها مراراً وتكراراً وسيلةً فعَّالة لتعزيز التركيز وتعزيز الروحانية، كما أنَّ هذا الفعل يقود إلى فهم أعمق للمعاني الدينية، ويعزز الاتصال الروحي بالله، لذا يتعين على المؤمن البحثَ المستمر عن الفهم العميق للسورة وتطبيقها في حياته اليومية؛ فهذا يعزز النمو الروحي والتلاحم مع القرآن الكريم.




مقالات مرتبطة