أساليب إدارة النزاعات من أجل تواصل فعال في العمل

أينما وُجِد البشر، لابد من وجود نزاعات؛ إذ قد يحدث نزاع في أيِّ مؤسسة على اختلاف أشكال وأنواع المؤسسات؛ وهو حقيقة أمر ضروري جداً للنمو والتطور والنجاح، لكنَّه نادراً ما يكون جيداً لحظة حدوثه.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدونة "جينيفير ري فارمر" (Jennifer R. Farmer)، والتي تحدثنا فيه عن تجربتها الشخصية في إدارة النزاعات في العمل.

توجد مجموعة متنوعة من أساليب إدارة النزاع التي تسمح لنا بالتواصل الفعال في العمل والمنزل، وقد يكون الأسلوب النموذجي بالنسبة إليك هو ذلك الذي تعلمته في المنزل أو خلال نضجك؛ ويكمن التحدي في أن يكون لديك ما يكفي من الوعي الذاتي لتقييم ما إذا كان أسلوبك الفردي لإدارة النزاع مثمراً بفاعلية أم لا.

لقد تعلمت من عملي لسنوات عديدة في التدريب أنَّ كل واحد منَّا يمتلك في داخله "طفلاً صغيراً" أو شخصية مختلفة، وقد يتنازع هذا الطفل في داخلنا أحياناً مع الطفل الذي في دواخل الآخرين، وقد نمتلك في أحيان أخرى اختلافات فلسفية عميقة حول رؤيتنا وطريقة تنفيذها؛ لكن ومع كلِّ ذلك، وجدت أنَّ الناس يدخلون حياتنا -سواءً في العمل، أم المنزل، أم أيَّ منظمة اجتماعية- لتعليمنا المجالات التي نحتاج النمو فيها، ولذلك أقول: "لا مفر من النزاع أبداً".

4 أساليب لإدارة النزاع من أجل التواصل الفعال في العمل:

أوصيك بالنصائح الآتية لإدارة النزاع بنجاح، وذلك لكي تحقق التواصل الفعال في العمل:

1. كن استباقياً:

غالباً ما أنصح العملاء والزملاء في حالات الأزمات بالانتباه إلى إشارات التحذير المتكررة قبل أن يتطور الموقف إلى أزمة حقيقية، حيث يؤدي الفشل في مراقبة هذه العلامات التحذيرية والتعامل معها إلى حدوث أزمات قد لا تُحمَد عقباها.

غالباً ما أوصي القادة والموظفين أيضاً بأن يكونوا استباقيين قدر الإمكان لمعالجة النزاع في مكان العمل بشكل مناسب، وبأن يتحققوا من الأمر ويتابعوه في اللحظة التي يشعرون فيها أنَّه قد خرج عن نطاق السيطرة.

وعلى غرار ذلك، إذا كنت تشعر أنَّ هناك مشكلة كامنة، عالجها بشكل استباقي، وغيِّر مسارها، واختر مساراً مختلفاً؛ فأسوأ ما يمكن فعله هو التظاهر بأنَّ النار لا تسبب حريقاً، وأنَّ الجمر لن يشتعل ما دام تحت الرماد.

2. تحلَّ بالوضوح:

لقد تلقى معظمنا تغذية راجعة تنطوي على ملاحظة سلبية وأخرى إيجابية، وربَّما يعدُّ هذا أمراً يسبب الإرباك؛ فإذا كان هناك نزاع في مكان العمل، فحدد المشكلة بشكل ودي ومباشر، ولا تنتظر حتى تشعر بالإحباط؛ ذلك لأنَّه سيؤدي غالباً إلى نتائج عكسية.

لقد ارتكبت هذا الخطأ كثيراً فيما مضى، إذ التزمت الصمت بدافع القلق على مشاعر الآخرين، حتى وصلت إلى مرحلة الإحباط؛ وعندما فرَّغت ما كنت أشعر به، كان الأمر مؤلماً، بل ومدمراً في بعض الحالات؛ و لو أنَّني كنت مستعدة لقول الحقيقة مسبقاً، لتمكنت من تقديمها بشكل مفيد وبنَّاء.

اذكر ما تعانيه بالتحديد، وحدد تأثيره فيك وفي الفريق والمنظمة ككل، ولا تسمح بوجود أيِّ ارتباك؛ وإذا كنت تعمل في بيئة لا تقدر كونك صريحاً وواضحاً، فعليك أن تقرر ما هو الأكثر أهمية؛ فإمَّا أن تتماشى مع منظمتك، أو تكون أكثر فعالية.

إقرأ أيضاً: نموذج محرابيان (Mehrabian) للتواصل، تعلّم التواصل بوضوح

3. قدم طلباً:

عندما تواجه نزاعاً في العمل، احرص على طلب تغيير سلوك معين، ووضح طريقة تأثير تصرفات شخص ما فيك، وساعده في تحديد ما يمكنه القيام به للمضي قدماً؛ فإذا بدأت محادثاتك وتوقفت عند الخطأ الذي ارتكبه هذا الشخص، فلن يعرف كيف يحسِّن خطأه، وقد ينتهي به الأمر بالاستياء منك أو تجنُّبك إذا كان لا يعرف طريقة كي يتغير.

لذا حدد تأثير تصرفات الشخص الآخر فيك، ثمَّ قدم طلباً كما يأتي: "يزعجني عندما تتحدث معي بهذه الطريقة، وأود أن أطلب منك عدم استخدام الألفاظ النابية عندما نتعامل مع بعضنا بعضاً"، أو: "هذا أمر محرج بعض الشيء، لكنِّي أقدِّر علاقة العمل التي تجمعنا عالياً، وأرغب في مشاركة أمر معك. لقد لاحظت أنَّك تتأخر بشكل روتيني عن الاجتماعات، وهذا يتعارض مع جدول أعمالي، ويقودني إلى الاعتقاد بأنَّك لا تقدِّر وقتنا معاً؛ لذا هل يمكننا الاتفاق على أنَّك لن تفوت الموعد المحدد في جميع الاجتماعات، أو على أن نلغي اجتماعاتنا إذا تأخرت أكثر من ثماني إلى عشر دقائق؟".

4. تعلَّم متى تستوعب النزاع ومتى تتمسك بموقفك:

تشير الكاتبة "مارغريت أولاتونبوسون" (Margaret Olatunbosun) إلى وجود أنواع عديدة من أساليب إدارة النزاع، والتي منها: التجنب، والاستيعاب، والتسوية، والتعاون.

يعني تجنُّب النزاع رفض مواجهة التحدي والتعامل معه؛ أمَّا استيعاب النزاع، فيعني تلبية رغبات الآخرين وأمانيهم حتى لو اضطررت إلى استبعاد احتياجاتك وتفضيلاتك الخاصة؛ وأمَّا التسوية والحلول الوسطى، فتعني أن يقدِّم كلُّ طرف تنازلات للآخر ويقبل بها؛ بينما يتعلق التعاون بسعي الطرفين إلى إتفاق مربح للجميع، بدل فوز أحد الطرفين على الآخر.

ستختار أحد هذه الأنواع اعتماداً على نوع النزاع في العمل؛ فإذا كان أساس الصراع خللاً في أخلاقيات العمل أو موقفاً ناتجاً عن إساءة أو مضايقة، فلا تسعَ إلى التسوية وتقديم التنازلات مع الطرف المسؤول، وابقَ بدلاً من ذلك مصرَّاً على موقفك، واتخذ إجراءات تصحيحية لضمان بيئة عمل آمنة وداعمة.

الغاية من ذلك هو أن تطور حكمتك ودهاءك لمعرفة الاستراتيجية التي يجب استخدامها في المواقف المختلفة.

شاهد بالفيديو: 8 أسباب للتوتر والنزاعات في أماكن العمل 

3 استراتيجيات فعالة لإدارة النزاع:

الآن، وبعد أن عرفنا أساليب إدارة النزاع التي تدعم التواصل الفعال، لنلقي نظرة على بعض الاستراتيجيات التي ستدعم تطورك المهني ونموك:

1. حاول أن تفهم أولاً:

عندما أعمل مع عملاء وزملاء جدد، أؤكد على أهمية تطوير وتمتين العلاقة معهم؛ إذ أعتقد أنَّه من الصعب جداً محاولة انتقاد الآخرين وتجاهل آرائهم تماماً عندما تعرفهم جيداً.

ينطبق الشيء نفسه على مكان العمل؛ فعندما تواجه خلافاً، حاول أن تفهم بصدق وجهة نظر الطرف الآخر، واعرف سبب تفرده برأيه من خلال معرفة قصته وخلفيته الشخصية؛ وعندما تعرف كل ذلك، ستكون أقل عرضة إلى أن تكون دفاعياً عند ارتكاب هفوات صغيرة، وتدرك أنَّ كلَّ النزاعات تكون حول تراكمات من التحديات والخلافات السابقة.

2. تضرع لله من أجل الشخص الذي تواجه معه نزاعاً:

ستتخلى بكل تأكيد عن الحقد والضغينة عندما تتضرع لله من أجل الآخرين، وإنَّه ليس بالأمر السهل أن تتمنى الخير لشخص أزعجك أو أثار حفيظتك.

لقد عملت مرة مع زميل يرفض بشدة ووضوح الرد على الرسائل الإلكترونية والمكالمات الهاتفية والرسائل النصية، وقد كان شخصاً فظاً بالإضافة إلى ذلك، وقد اضطررت إلى العمل معه لسنوات عدة، وكنت أكره بشدة شعوره بعدم المسؤولية؛ لكن في مرحلة ما، وصلت علاقتنا إلى نقطة تحول حاسمة، وكنت أتمنى بشدة أن يجد أحدنا وظيفة جديدة.

ومن ثمَّ اقترح أحدهم عليَّ أن أتضرع وأصلي لأجله، وقد كان من الغريب أن تتضرع لشخص جعل حياتك صعبة؛ لكنِّي واصلت التضرع، وتمكنت فجأة من فهم زميلي، وتعاطفت معه، ومنحته الاهتمام؛ فسمح لنا ذلك بوضع خلافاتنا جانباً وتطوير علاقة عمل أفضل.

3. تحدث بأسلوب الشخص نفسه:

يعدُّ التواصل أحد أهم المهارات التي يمكن امتلاكها؛ إذ يمكنك من خلال اللغة إنشاء عوالم أو تدميرها، والحصول على صديق أو عدو مدى الحياة.

يؤكد فرانك لونتز (Frank Luntz) في كتابه "كلمات ذات تأثير" (Words that Work) على أهمية توقع ما سيسمعه الآخرون ويفهمونه بناءً على اختيار الكلمات المناسبة؛ لذا إذا كنت تحاول التأثير في شخص ما أو حل نزاع ما، فتحدث بأسلوبه؛ ولا أعني ذلك حرفياً، وإنَّما تحدث بطريقة تزيد من احتمال شعور الشخص الذي تتعامل معه بأنَّ ما يقوله مسموع وينال احترامك.

إقرأ أيضاً: مهارات التواصل وطرق تطويرها وتنميتها

الخلاصة:

قد تكون إدارة النزاعات واحدة من أهم المهارات في كلٍّ من البيئات المهنية والشخصية، وسيتمتع الأشخاص القادرون على مواجهة النزاع مباشرة والعمل من خلاله دون إخفاق بعلاقات إيجابية ونجاح مهني مذهل.

لذا، نأمل أن تحسن هذه المقالة قدرتك على التأقلم في هذا العالم، وتجاوز النزاعات التي قد تواجهها فيه لتحقيق الأفضل دوماً.

 

المصدر




مقالات مرتبطة