أثر اللطف في حياتنا

كانت ليلة يوم الجمعة من شهر تشرين الأول ليلةً مظلمةً ظلاماً دامساً؛ حيثُ وجدتُ نفسي أتجول في طريقِ منتزهٍ حالك الظلام في ولاية جورجيا (Georgia)، وبدأتُ أتساءل: أنا من سكان نيويورك، فما الذي كنت أفعله في سيارة كامري (Camry) في هذه الغابة ومع جهاز تحديد المواقع (GPS) الذي أصرَّ إلى أن يأخذني إلى اتجاهات غير واضحة المعالم؟



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتبة هايدي كازيفيتش (Heidi Kasevich) والتي تُحدِّثنا فيه عن أهمية إظهار اللطف للآخرين.

لقد كنتُ هناكَ بصفتي أماً فخورةً بنفسها كونها والدةُ خريجٍ جامعي تأهَّل للمشاركة في مسابقة إقليمية في منطقة نائية خارج أتلانتا؛ كنتُ هناك لأنَّني حملت محبة هذا الولد في قلبي بشدة مثلما فعلت في اليوم الذي ولِدَ فيه قبل 21 سنة، فمنذ ذلك الحين اتسمت حياتنا بلحظات تتخللها الإثارة والهدوء؛ فلطالما كنا شخصين انطوائيين نحاول أن نشق طريقنا في ظل عالم منفتح.

لقد كان اليوم الذي أُقيم فيه السباق رائعاً، وعندما صعدتُ أنا وابني إلى داخل السيارة التي استأجرتها كي نعود إلى المطار، أدهشني سؤالهُ الساخر إلى حدٍ ما: "ما الذي دفعكِ إلى استئجار هذه السيارة؟ فهذا ليسَ من شيمكِ"؛ شككت في قراري لثانية واحدة وتساءلتُ في قرارة نفسي: "ألم أعد امرأة قوية تُدركُ ما تفعله وتستطيع الدفاع عنه؟"، فقد حملني التعليق الذي أبداهُ على التفكير في المشهد مع موظف تأجير السيارات في الليلة الماضية عندما استأجرتُ السيارة، وبعد ذلك عن عملي في تعزيز ثقافة اللطف في المدارس، وقبل أن تسنحَ لي الفرصة التعبير عن ردي، كان ابني قد غرق في نوم عميق.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح لتعليم الأطفال أن يكونوا لطفاء مع أنفسهم

لذا بقيتُ مع ذكرياتي؛ حيث تبادر إلى ذهني ما قاله موظف تأجير السيارات بنبرة حزينة بعض الشيء: "يُمكنكِ اختيار أي سيارة في هذا الصف،" فقد كان ذلك أمراً مربكاً، لكنَّه ممتع في الوقت نفسه؛ وبينما كنت أراقب مشاعره، سألتهُ: "لو كنتَ مكاني، فأي سيارة ستختار؟ أنت تبدو وكأنَّك تعرف الكثير عن السيارات"، لكن في الواقع بدا على وجهه أنَّه فعلاً مُثقلٌ بأعباء العمل ولا يتقاضى أجراً كبيراً ويحتاج إلى إجازة، فأجابني بعد أن تحولت نظرته العبوس إلى ابتسامة: "لو كنتُ مكانكِ، لاخترتُ سيارة كامري (Camry) سوداء اللون؛ وذلك لأنَّني أحب السيارات كبيرة الحجم والتي لا تستهلك الكثير من الوقود"، حينها قلتُ له: "شكراً جزيلاً على مساعدتك فأنت حقاً خبير"، وقد بدا مسروراً جداً لأنَّني طلبتُ نصيحته على الرغم من أنَّ السيارة بالتأكيد لم تكن خياري الأول.

والحقُ يقال، فأنا أشعر بالراحة أكثر عند قيادتي السيارات الصغيرة، وكنت أفكِّر بتلك السيارة الحمراء الصغيرة الموجودة في نهاية الصف، غير أنَّني مضيت أحمل أمتعتي وأضعها في صندوق السيارة الضخم، لكنَّني أشكر ذلك الموظف؛ وذلك لأنَّه تكرَّم عليَّ باقتراحه، وأتمنى أن يكون تصرفي الصغير قد أحدث فارقاً في حياته.

أنا أعمل مع سفراء مؤسسة "كوايت سكولز" (Quiet School Ambassadors) لتعزيز ثقافة اللطف في المدارس، فثقافة اللطف، كما نُعرِّفُها، هي ثقافة تسنحُ لكل عضوٍ فيها المقدرة على التفاعل مع الآخرين بصدق وتعاطف، مستحضراً الشجاعة كي يكون "صادقاً بمشاعره"، ويتمكن من وضع نفسه مكان الشخص الآخر.

شاهد بالفديو: 8 نصائح لإظهار التعاطف ومراعاة الأخرين

وتبدأ تنمية هذا المزيج من الوعي الذاتي وتبنِّي وجهة النظر، بفهم قوة تأثير الحالة المزاجية والطرائق التي تشكل بها أنماط الشخصية الطريقة التي نتواصل فيها ونتخذ القرارات، فكيف يمكنك كشخصٍ انطوائي أن تكون متعاطفاً مع شخص منفتح يتوق إلى التحفيز الاجتماعي كنشاط لاستعادة طاقته - عندما تتوق إلى القيام بنقيض ذلك - إذا كنت لا تفهم أساساً مفهوما الأنا والآخر من منظور الحالة المزاجية؟ أو كيف يمكنك كشخص منفتح أن تتعاطف مع شخص انطوائي يحتاج إلى وقت لتقييم الخيارات قبل أن يتخذ أي قرار - عندما تميل أنت إلى اتخاذ القرارات السريعة بنفسك - إذا كنت تجهل أساليب التفكير المختلفة اختلافاً كبيراً عن أسلوب تفكيرك؟

بالإضافة إلى ذلك، يتطلب مثل هذا العمل في المدارس أن نُكرِّس الكثير من الوقت لتعزيز ثلاث نقاط قوة شخصية أساسية في طلابنا، والتي عند الجمع بينها، تحثهم على المشاركة في أعمال تتسم اللطف:

  • ضبط النفس المتبادل بين الأشخاص، الذي يسمح للفرد بالرد على الآخرين بطرائق مناسبة اجتماعياً.
  • الذكاء الاجتماعي والعاطفي والذي ينطوي على القدرة على فهم مشاعر الآخرين ومن ثم استخدام هذا الفهم لتوجيه القرارات والإجراءات.
  • الامتنان والذي يُعرف بأنَّه إظهار التقدير للمنافع التي نتلقاها من الآخرين، والرغبة في تبادلها.

إنَّ الوقت مناسب للطف والإحسان؛ فقد توصلت دراسة أجرتها جامعة ولاية أريزونا (Arizona State University) إلى أنَّ الآباء لا بُدَّ أن يؤكِّدوا أهمية التعامل بلطف قبل التفكير في الإنجاز الأكاديمي من أجل العافية العامة ونجاح أطفالهم على الأمد الطويل، ولحسن حظ المعلمين يكشف استطلاع شارع سمسم (Sesame Street) أنَّ أغلب الآباء يؤمنون حقاً بأنَّ اللطف أكثر أهمية من الإنجاز الأكاديمي، وبينما كنت أفكر في حقيقة أنَّ هؤلاء الآباء عبروا أيضاً عن خشيتهم أن يكون العالم مكاناً قاسياً للأطفال، استيقظ ابني فقلت له: "استأجرت السيارة هذه تعبيراً عن عمل إنساني قدَّمته في ذلك اليوم"، والذي أسعدني جداً.

المصدر




مقالات مرتبطة