9 نصائح للتعامل مع عدم اليقين في حياتك

لطالما كان عدم اليقين جزءاً من الحياة، ولكنَّه يبدو مؤخراً وكأنَّه أصاب العالم بأسره، فلا يعرف أحد منَّا متى سيتمكَّن من العودة إلى العمل، أو أخذ إجازة، أو مشاهدة حفلة موسيقية، أو حتى معانقة أحبَّائنا مجدداً؛ أي إنَّنا لا نعرف متى ستعود الأمور إلى طبيعتها، أو ما إذا كانت ستعود إلى سابق عهدها على الإطلاق.



إذ يمكن أن تكون أوقات عدم اليقين إيجابية، مثل عند الانتقال إلى مدينة جديدة، لكن حين تحدث بطريقة غير متوقعة غالباً ما تكون مزعجة وصعبة، ولكن بصرف النظر عن شكل عدم اليقين، تذكَّر أنَّ لديك خياراً دائماً، يمكنك إمَّا التأقلم مع التغيير، أو رفضه والمعاناة بسببه.

لماذا نحتاج إلى أوقات عدم اليقين؟

إنَّ سلوكاتنا جميعاً محكومة بست احتياجات بشرية ضرورية لتحقيق سعادتنا المطلقة، ويتصدَّر كل من اليقين وعدم اليقين قائمة هذه الاحتياجات الأساسية؛ إذ إنَّنا نريد جميعاً مزيداً من اليقين في حياتنا حتى نتمكَّن من التغلُّب على الخوف وتوجيه حياتنا حيث نريد، وذلك لأنَّ اليقين هو العاطفة التي تسمح لنا بإنجاز ما كان يبدو مستحيلاً في يوم من الأيام، وتعزِّز قدرتنا على الإنجاز والقيادة والعمل، وهي مورد يمكننا الوصول إليه في لحظة.

في الوقت نفسه، عندما تفكِّر في عكس اليقين، الذي هو عدم اليقين أو التنوع، قد تعتقد أنَّه يسبِّب الخوف والقلق والشك، ولكنَّ الحقيقة هي أنَّ عدم اليقين لا يقلُّ أهمية عن اليقين لعيش حياة مُرضية، لأنَّ عدم اليقين يفتح مجالاً للمفاجأة والمرح في حياتنا، ويسمح لنا بتجربة مشاعر وأفكار ومعتقدات واستراتيجيات جديدة تماماً.

فالمفارقة هي أنَّنا نحتاج إلى كلا اليقين وعدم اليقين، نحتاج إلى كلا القوتين لنعيش حياة مُرضية وناجحة؛ إذ يحرِّرنا عدم اليقين ويسمح لنا بفعل أشياء جديدة، في حين يسمح لنا اليقين بالحصول على أي شيء نريده من الحياة.

التعامل مع عدم اليقين:

ستكون الحياة في الواقع مُملَّة دون عدم اليقين، لذا بدلاً من التخلُّص من عدم اليقين في حياتك، تعلَّم كيفية تحقيق التوازن بين اليقين وعدم اليقين كي تتمكَّن من تلبية جميع احتياجاتك الأساسية.

إليك 9 نصائح للتعامل مع عدم اليقين في حياتك:

1. تحمَّل المسؤولية:

رد فعل كثير من الناس عند مواجهة عدم اليقين هو الانغلاق على أنفسهم، وغالباً ما يُخطئ الناس بين مفهومي الانغلاق على الذات، والتخلِّي عن شيء ما أو شخص ما عندما يتعلَّق الأمر بالتعامل مع عدم اليقين، ولكن في حين أنَّ التخلي هو فعل إيجابي يحرِّرنا من حاجتنا إلى التحكُّم بكل شيء، فإنَّ الانغلاق أمر مختلف تماماً.

فمن السهل أن تختار عدم التدخل في مجريات الأمور عندما تواجه المصاعب، وذلك هو الخيار الذي يتطلَّب جهداً أقل، ولكنَّه أيضاً الخيار الذي يثبِّط عزيمتك ويمنعك من السيطرة على حياتك؛ لذا عوضاً عن الهروب من التغيير، تقبَّله وتحمَّل مسؤولية ظروفك، وأدرِك أنَّ الشخص الوحيد الذي يمكنه تغيير حياتك هو أنت.

2. غيِّر محط تركيزك:

تُسبِّب غالباً أشياء خارجة عن إرادتنا عدم اليقين، مثل أفعال شخص آخر، أو كارثة طبيعية، أو وفاة في الأسرة، أو كما الحال اليوم جائحة، فهذا جزء من سبب كونها مجهدة جداً، وهو أيضاً مفتاح التعامل معها، فعندما نحاول السيطرة على هذه الأحداث والظروف الخارجة عن سيطرتنا، ينتهي بنا الأمر في الشعور بالقلق.

على سبيل المثال من المؤكَّد أنَّك لن تحاول التحكم بالطقس، وذلك لأنَّك تعلم أنَّ ذلك مستحيل ولن يؤدي إلا إلى شعورك بالإحباط، ولمحاولة السيطرة على الآخرين النتيجة نفسها، فللتعامل مع عدم اليقين، ركِّز طاقتك على الأشياء التي يمكنك التحكم بها، مثل عواطفك وأفكارك وأفعالك، حينها ستشعر بالقوة والثقة بدلاً من التوتر.

3. ضع رؤية:

عندما يتعلَّق الأمر بالتعامل مع عدم اليقين، يمكن أن يكون التخيُّل مفيداً جداً، تخيَّل ما تريده، على سبيل المثال إذا وجدت نفسك عاطلاً عن العمل، تخيَّل كيف ستبدو مهنتك المثالية، وإذا انتقلت مؤخراً إلى مدينة جديدة، تخيَّل كيف تريد أن تكون حياتك هناك، وإذا كنت تواجه مشكلة مع شريكك، تخيَّل كيف تريد أن تكون علاقة أحلامك، وما هي الطريقة المثالية للتواصل مع بعضكما بعضاً.

إذ يجب أن تحمِّسك الرؤية، وأن تكون مقنعة، وأن تجذبك لا أن تضطر إلى فرضها على نفسك، فهي شيء تريده أكثر من أي شيء آخر، وتحرك عواطفك؛ لذا تخيَّل هذا الهدف، وتأمَّل كيف يُشعِرك ثمَّ سخِّر له كل حواسك، إذ يساعدك هذا على استعادة التوازن الذي يمكن أن تؤثر فيه أحياناً أوقات عدم اليقين.

4. اتخذ قراراً:

حان الوقت لتقول لنفسك: "حسناً، لن أجلس هنا، وآمل أن يكون كل شيء على ما يرام في النهاية، سوف أتحكَّم بهذا الموقف وبعواطفي"، لا تتردد أبداً، واتخذ قراراً بأنَّك ستجد حلَّاً، وبادر في العمل على تحقيق الرؤية التي حددتها للتو، فمع أنَّك قد لا تكون قادراً على التحكُّم بأوقات عدم اليقين، فإنَّك على الأقل ستكون واثقاً بأنَّ لديك خطة تلتزم بها.

شاهد بالفديو: 8 خطوات عملية لاتخاذ القرارات الصعبة في الحياة

5. ابحث عن أسبابك:

الآن بعد أن أصبحت لديك رؤيتك، وكرَّست نفسك للعمل للوصول إلى هذا الهدف، يجب أن تعرف سبب رغبتك في تحقيق هذه النتيجة عند التعامل مع عدم اليقين، فإنَّ التركيز على هدفك أمر بالغ الأهمية.

فهذا أحد أهم المكونات لإحراز تقدُّم في أوقات عدم اليقين، لأنَّه من دونه ستفقد الحافز، ففي حين أنَّك ستواجه حتماً العقبات عند المرور بأوقات عدم اليقين والتحديات، إلا أنَّ دوافعك ستساعدك على التغلُّب عليها، وعندما تشعر بالتوتر والضغط، ستحفِّزك دوافعك على الاستمرار بالعمل، ولن تسمح للخوف أو الحديث السلبي أن ينالا منك.

يمكنك صياغة أسبابك بطريقة إيجابية أو سلبية، على سبيل المثال، يمكن أن تقول: "إذا لم أفعل هذا سأخسر ذلك"، أو أن تقول: "إذا فعلت هذا سأكسب ذاك"، فما يهم هو أن تنبع أسبابك من رغبة قوية داخلك، وأن تُشعِرك باليقين؛ أي إنَّها لا يمكن أن تكون سطحية، بل يجب تكون مرتبطة بهدف عميق له تأثير عاطفي قوي.

تذكَّر حينما تشعر بالعجز في أوقات عدم اليقين، يجب أن تعثر على الأسباب أولاً، ثمَّ ستجد الإجابات لاحقاً، ابحث عن المعنى الذي تسعى إليه من تحقيق هدفك، واسمح لذلك بمساعدتك على الوصول إلى الهدف عندما تشتد الصعاب.

6. فكِّر في هدفك كل يوم:

فكِّر مرة أخرى في شيء كنت تريده أكثر من أي شيء آخر، شيء كنت تتوق إليه لدرجة أنَّك شعرت برغبة عميقة في الحصول عليه، شيء كنت واضحاً بشأنه تماماً، وفكَّرت فيه كل يوم، فربما لم تكن تعرف كيفية تحقيقه وبدأت تشعر بعدم اليقين، ثمَّ جذبت الموقف المناسب أو الأشخاص المناسبين، وحصل كل شيء كنت تريده في وقت واحد.

هناك جزء من دماغك يسمَّى "نظام التنشيط الشبكي" (RAS)، وهو الذي يحدِّد ما تلاحظه في العالم، فعندما تحدد هدفاً بوضوح فائق، ويكون لديك أسباب قوية كافية تدعم نيتك، فإنَّك تحفِّز هذا النظام على العمل، حينها تصبح ملاحظتك حادة لأي شيء يدور حولك، ويمكن أن يساعدك على تحقيق ذلك الهدف، ومعه يختفي عدم اليقين.

إذاً، استثمر بالكامل في رؤيتك، واجعلها جزءاً أساسياً من تركيزك كل يوم، ثمَّ ابدأ بملاحظة ما حولك في أوقات عدم اليقين، فقد تفاجئك الفرص والأفكار التي تصادفها.

7. ارفع معاييرك:

إذا كنت ترغب في إحداث تغيير حقيقي في حياتك وتطوير طرائق فعَّالة للتعامل مع عدم اليقين، يجب عليك رفع معاييرك.

متى حددت ما يمكنك فعله أو ما لا يمكنك فعله في حياتك؟ تمعَّن في أي مجال في حياتك تشعر أنَّ قدراتك فيه محدودة، واسأل نفسك متى قرَّرت قبول ذلك على أنَّه حقيقة واقعة، فبالنسبة إلى كثيرين منَّا، هذه القيود التي نفرضها على أنفسنا هي التي تمنعنا من تحقيق أي تقدم حقيقي في حياتنا، لأنَّنا أقنعنا أنفسنا بأنَّ وضعنا الراهن هو ما نستحقه، وهذا ما أنشأنا هويتنا على أساسه، ثمَّ أصبح الحياة التي نعيشها.

فإذا كنت تريد أن تنمو وتتطور في أوقات عدم اليقين، يجب عليك أن ترفع معاييرك، وأن تتخلَّى عن المعتقدات المُقيِّدة التي تبقيك مكتفياً بالوضع الحالي، وأن تبدأ في النظر إلى كل حالة عدم اليقين على أنَّها تحدٍّ للارتقاء إلى مستوى أعلى، اجعل التقدم أمراً محورياً ولا تقبل بأقل من ذلك؛ إذ سيتطلَّب هذا تدريب نفسك، فهو ليس بشيء يحدث بين عشية وضحاها، ولكن كلما كرَّرت وأكَّدت على طريقة تفكير وسلوكات الهوية الجديدة التي تسعى إلى اكتسابها، زادت قدراتك الذهنية في إيجاد طرائق لتحويلها إلى واقع.

8. اتبع عادات تناسب معاييرك:

يجب عليك أن تدعم معاييرك الجديدة بعادات يمكن أن تساعدك على الوصول إليها، فالعادات هي أشياء صغيرة تفعلها كل يوم وتولِّد في النهاية زخماً قوياً بحيث ترسم طريقاً واضحاً يؤدي إلى رؤيتك، وهكذا يمكنك التخلُّص من عدم اليقين بالعادات الصحيحة.

فإذا كنت غير راضٍ عن وضعك الراهن، وتشعر أنَّ إنشاء الحياة التي تريدها هو تحدٍ هائل، قسِّمها إلى خطوات صغيرة، ابدأ بتدريب جسدك وعواطفك على بعض العادات الصغيرة، على سبيل المثال، ربما يعني ذلك الخروج في جولة قصيرة في الصباح، أو إعداد وجبة فطور صحية، أو مقابلة صديق واحد كل أسبوع، يمكن حتى القيام بشيء لطيف لشخص آخر مرة واحدة في اليوم؛ إذ ستساعدك معرفة أنَّك تحسِّن العالم على تحمُّل أوقات عدم اليقين.

تحمل العادات قوة هائلة وتشكِّل شخصيتنا، إنَّها تساعدنا على تطبيق معاييرنا والتعامل مع عدم اليقين الذي يحمله التغيير، وتذكَّر عندما تواجه فترات عصيبة أنَّ لديك خياراً، إمَّا للتخلِّي عن السيطرة والانغلاق على نفسك، أو اتخاذ إجراء.

9. قيِّم تقدمك:

سرُّ التعامل مع أوقات عدم اليقين هو التركيز على التقدُّم، ستشعر أنَّك حيٌّ إذا تمكَّنت من إحراز تقدُّم منتظم، فقد تظن أنَّ الأمر صعب جداً، لأنَّك عندما تشعر بالضياع من الصعب فهم ما يحدث، ناهيك عن فهم الخطوات التي يجب اتخاذها للمضي قدماً، ولكن من خلال تحديد "أهداف ذكية"(SMART Goals)، وتتبُّع تقدمك، والاحتفاء بنجاحاتك، يمكنك إضفاء إحساس بالنظام واليقين على فترة فوضوية، والبدء في بناء شيء جديد.

إقرأ أيضاً: كيف تقيس تقدمك بالعودة إلى الوراء؟

في الختام:

إنَّ عيش الحياة التي تريدها، والتعامل مع عدم اليقين، ليس أمراً يحدث بين عشية وضحاها، بل يحدث تدريجياً باتخاذ إجراءات يسيرة، وامتلاك رؤية قوية تستطيع تخيلها بوضوح تام وتشعر برغبة عميقة في تحقيقها، والاهتمام بالآخرين، واغتنام كل فرصة للتواصل، وأن تكون مرحاً، وتحترم أحباءك وترعاهم.

فمهما كانت أوقات عدم اليقين عصيبة، لا تدعها تحدِّد مصيرك، بل اتخذ قراراً بمواجهتها، واتبع هذه النصائح، فبصرف النظر عن شعورك بالضياع، ستتمكَّن من عيش الحياة التي تريدها وتستحقها.

المصدر




مقالات مرتبطة