9 طرق عملية لتصبح أكثر تفاؤلاً في حياتك اليومية

حاولت العديد من الدراسات إثبات أهمية التشاؤم، فتقول النظرية النفسية "تأثير المتفرج" (bystander effect) أنَّ احتمال تقديم الأفراد المساعدة لضحية يقل حين يتواجد أشخاص آخرون معهم، كما تقول فكرة انتشرت بفضل رواية "أمير الذباب" (Lord of the Flies) للكاتب "ويليام غولدنغ" (William Golding)، أنَّنا كبشر سنتصرف بأنانية وسنتخلى عن الأخلاق، حين نضطر للاعتماد على أنفسنا خارج إطار الحضارة أو التفكير التقليدي، اجتمع كل ذلك ليؤدي إلى استنتاج أنَّ التشاؤم جزء لا يتجزأ من الوجود البشري، أو على الأقل هذا ما كنا نعتقده.



ملاحظة: قد تشعر أنَّ التشاؤم يعكر صفو العالم أحياناً، بدءاً من القوانين والسياسات التي تفترض عادةً أنَّ الناس سيقترفون تصرفاتٍ سيئة إلى الطريقة التي نرفض بها إحياء أمل اقتناص فرصٍ معيَّنةٍ في نفوسنا.

وجد المؤرخ والمؤلف "روتغير بريغمان" (Rutger Bregman) في أحدث كتبه "الإنسانية: تاريخ مُتفائل "(Humankind: A Hopeful History) أنَّ العكس صحيح، ويقول: "الرسالة التي أحاول إيصالها في كتابي، هي أنَّ معظم الناس في أعماقهم طيبون، إذ تُظهر كمية هائلة من الأدلة العلمية، من علم الآثار وعلم الاجتماع وعلم النفس والأنثروبولوجيا، مراراً وتكراراً بأنَّنا تطورنا لنكون ودودين؛ ويتحدث علماء الأحياء عن أنَّ البقاء للألطف هذه الأيام، فاللطف هو قوتنا الخارقة كجنس بشري"؛ دحض روتغير نظرية أمير الذباب وتأثير المتفرج، مستخدماً بيانات حديثة من أنظمة المراقبة ودراسات حالة حقيقية على شاكلة أحداث رواية أمير الذباب في كتابه، ليثبت أنَّ البشر أخيار في جوهرهم وأنَّ التفاؤل هو أفضل نهج في الحياة.

على الرغم من الأدلة، لا يزال من الصعب تبنِّي نظرة إيجابية فعلاً، خاصة بعد أحداث العام الماضي العصيبة وغير المتوقعة، لكنَّ هناك أساليب تدفعك إلى تغيير طريقة تفكيرك، كما يعرف روتغير نفسه ذلك، حيث يقول: "اعتدت أن أكون متشائماً"، هنا، يشرح روتغير كيف يمكنك البدء في تغيير طريقة تفكيرك، لتنظر إلى العالم والأشخاص من حولك بإيجابية باتباع الطرائق التِّسع الآتية:

1. افتراض أنَّ الناس أخيار دائماً:

وجد بحث روتغير عن نظرية تأثير المتفرج، وعن تصرفات الناس حين يواجهون موقفاً في الواقع عندما يكون شخص ما في خطر، أنَّ الناس يساعدون بعضهم البعض في 90٪ من الحالات، أي أنَّ توقع السلوك الخيِّر من الناس نهج إيجابي وواقعي أيضاً؛ يقول روتغير: "حين لا تكون واثقاً ماذا يجب أن تعتقد، افترض الأفضل؛ وسوف تكون على حق في معظم الأوقات حين تفعل ذلك، لأنَّ الأدلة العلمية تشير إلى أنَّ 98٪ من الناس نواياهم حسنة حقاً". 

يتابع روتغير: "حتى لو كان الناس لا يكنُّون لك نوايا حسنة، فإنَّ استجابتك الإيجابية يمكن أن يكون لها آثار نفسية عميقة عليهم، فإذا كان شخص سيئاً معك حقاً وتجاوبت أنت بلطف ومودة، سيجد ذلك الشخص صعوبة بالغة بالاستمرار في التعامل معك بلؤم، لأنَّنا كبشر نقلد سلوك بعضنا البعض في كل لحظة، لذلك قد يكون من المنطق والذكاء والحكمة التعامل مع أعدائك بلطف".

يوضح روتغير أنَّ هناك أشخاص سيِّئون حولنا بالطبع، مثل المحتالين والمجرمين، مما يجعل اتباع هذا النهج صعباً، ومع ذلك، ينصحنا بقبوله ببساطة، فيقول روتغير: "تقبَّل أنَّك سوف تُخدَع لبضعة مرات في حياتك، أو أنَّك ستُسرَق أو أحدهم سيخون ثقتك؛ لكن، هذا ثمن يجب أن تكون مستعداً لبذله مقابل حياة يمكنك الوثوق فيها بكل من حولك، وكم من الرائع فعل ذلك".

إذا كنت تريد ألا تُخدَع أبداً، فسوف يكون أسلوبك في الحياة وتجاه الناس دائماً أسلوب تشكيك وحذر، مما يعني أنَّك لن تكون قادراً على تطوير نظرة متفائلة حقاً، يوضح روتغير أنَّ الناس غالباً يخجلون من أن يُخدَعوا أو أن يُحتال عليهم، لكنَّه يعتقد أنَّ "الناس يجب أن ينظروا إلى تلك المواقف على أنَّها دليل على إنسانيتهم ويجب الافتخار بها".

إقرأ أيضاً: كيف يتعامل الناجحون مع الأشخاص السامين؟

2. مقابلة الناس وجهاً لوجه:

يقول روتغير: "يسبب الشعور بالوحدة الضرر نفسه الذي يسببه تدخين خمس عشرة سيجارة في اليوم الواحد"، ويوضح أنَّ مقابلة الناس وجهاً لوجه ورؤية الخير في الناس من حولك هامة جداً، لتطوير نظرة متفائلة بالحياة، خصوصاً بعد أحداث العام الماضي، ويقول روتغير: "نحن الصنف الوحيد في مملكة الحيوانات بأكملها الذي يمكنه أن يحمرَّ خجلاً، ما من حيوان آخر يمكنه فعل ذلك غيرنا، وتساعدنا هذه الخاصية على بناء الثقة بين بعضنا، ولكن لا يمكنك رؤية شخص يحمر خجلاً عبر الإنترنت"، لذلك، سيساعدك قضاء الوقت مع الناس وجهاً لوجه - وخاصة الأشخاص الذين تعرفنا إليهم حديثاً - على رؤية الخير في الآخرين والإنسانية بشكل عام.

3. فهم أنَّ التفاؤل لا يعني السذاجة:

يقول روتغير: "في كثير من الأحيان، نعتبر أنَّ التشاؤم هو نظرة واقعية، لكن في الحقيقة، أعتقد أنَّ المتشائمين غاية في السذاجة، إذا ألقيت نظرة على أحدث الأدلة العلمية، سوف تجد أنَّها تتبنى وجهة نظر أكثر تفاؤلاً تجاه الطبيعة الإنسانية"، يثبت بحث روتغير أنَّ النظرة المتشائمة نحو العالم هي في الواقع نظرة غير واقعية، وأنَّ التفاؤل ليس فيه شيء من السذاجة، حيث يقول: "يميل المتشائمون إلى أن يكونوا كسالى"، موضحاً أنَّ السلوك السلبي هو وسيلة سهلة للتملص من المسؤوليات الشخصية والاجتماعية والسياسية، ويقول: "نقيض التشاؤم هو الأمل، والأمل هو إمكانية التغيير"، مضيفاً أنَّ هذه هي أفضل طريقة للتفكير، إذ أثبت التاريخ أنَّ التغيير ممكن ومثمر.

4. قراءة القصص التي نريد أن نعيشها:

نقرأ كثيراً عن المآسي التي حصلت عبر التاريخ والتي تحدث الآن، لأنَّ تلك القصص هي حالات استثنائية من الحياة الطبيعية، والأمر ذاته ينطبق على الروايات الخيالية؛ يقول روتغير: "الحكايات ليست مجرد قصص أبداً، نصبح نحن الحكايات التي نقصها على أنفسنا، إذا أخبرنا أنفسنا على الدوام بأنَّ معظم الناس أشرار وأنانيون، سيبدأ الناس من حولنا بالتصرف على هذا النحو فعلاً"، ولهذا من الهام انتقاء أنواع القصص التي تقرأها بعناية بحيث تتأكد من أنَّها تعكس الحياة بصورة واقعية ومتفائلة؛ يقول روتغير: "أعتقد أنَّه يمكننا تغيير العالم، إذا عدل كل شخص رأيه بالطبيعة الإنسانية، لينظر إليها بتفاؤل وواقعية أكبر، واستناداً إلى العلم الذي يدرس الجنس البشري"، ويشرح أنَّ القصص التي نقرؤها ضرورية لحصول هذا التغيير في منظورنا.

5. تنظيم متابعة الأخبار:

الأخبار جزء أساسي من القصص التي نتلقاها، وتركز عادة على الجوانب السلبية من الحياة، يقول روتغير: "تتحدث الأخبار في الغالب عن الحالات الاستثنائية، من الأمور التي لم تجرِ على ما يرام، لذا إن كنت تشاهد الأخبار كثيراً، وخاصة على التلفاز، سوف تصاب بالاكتئاب وتصبح متشائماً".

يشرح روتغير ظاهرة معروفة بين علماء النفس تدعى "متلازمة العالم الموحش" (mean world syndrome) حيث ينظر الناس إلى العالم على أنَّه أكثر سلبية مما هو عليه في الواقع بسبب الرسائل السلبية التي يتلقونها من وسائل الإعلام، فيقول: "حين تقرأ أو تشاهد شيئاً، أسأل نفسك ما إذا كنت سترغب بمشاهدة أو قراءة ذلك الخبر لو نُشِر قبل يوم أو أسبوع، وإذ لم تكن لترغب بقراءة أو مشاهدة أخبار قديمة، هذا يعني أنَّ المعلومات التي تحتويها عديمة القيمة تماماً".

شاهد بالفديو: 7 علامات تشير إلى أنّك قد تصاب بالاكتئاب قريباً

6. وضع الأمور في نصابها:

يقول روتغير: "نحن نفكر دائماً أنَّ الحقبة التي نعيش فيها هي الأروع، وأنَّ الأمور التي تحصل الآن لم تحصل من قبل"، ويشرح أنَّه قلق بشأن العديد من الأمور في المجتمع المعاصر، لكنَّه يشكك خصوصاً بهذه الفكرة بسبب كونه مؤرخاً، إذ يقول: "تساعد دراسة التاريخ على وضع الأمور في نصابها"؛ ويستخدم كمثال الأشخاص الذين يقولون أنَّ التكنولوجيا تتطور اليوم بشكل أسرع من أي وقت مضى، لكن في الحقيقة، اختُرِعت أمور مثل القطارات والسيارات وشبكات الصرف الصحي والكهرباء خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً في أواخر القرن التاسع، والتي كانت مقارنة بالآن، الحقبة الفعلية للتقدم التكنولوجي.

ينطبق الأمر ذاته على تفكيرنا في الأمور السيئة التي تحصل الآن، فيشرح روتغير أنَّ تغيير منظورك بحيث تدرك أنَّ الأمور السيئة لطالما حصلت، وأنَّ الأمور الجيدة تحصل دائماً أيضاً، سوف يساعدك لتصبح أكثر تفاؤلاً؛ كل ذلك يعتمد على نظرتك إلى الطبيعة الإنسانية.

7. معاملة الناس كما تريدهم أن يتصرفوا:

كما يجب أن تتوقع الخير من الناس، يجب معاملتهم باحترام حتى لو لم ترُق لك تصرفاتهم؛ ويشرح روتغير ذلك مستعيناً بالسياسة، إذ يؤيد هو عمليَّةً تُدعى "الديمقراطية التشاركية" (participatory democracy)، بحيث يتم اختيار أشخاص ينتمون إلى خلفيات متنوعة عشوائياً، ليتخذوا القرارات السياسية، ويشرح أنَّ هذه العملية أثبتت نجاحها لأنَّ معاملة الناس باحترام وثقة وتفاؤل ينتج عنه تصرفهم بطريقة تتماشى مع تلك المعاملة؛ وينطبق الأمر ذاته على طريقة تعاملك مع الناس في حياتك اليومية، يقول روتغير: "سيتكاسل الناس إذا عاملتهم وكأنَّهم كُسالى، وإذا عاملتهم على أنَّهم أغبياء فسوف يتصرَّفون بغباء، أما إذا عاملتهم كأنَّهم أذكياء ويتحلون بالإيثار ويرغبون بالمساهمة في تحقيق المصلحة العامة، فسيتصرفون على هذا النحو، أي أنَّ كل ذلك يعتمد على نظرتك إلى الطبيعة الإنسانية".

8. أخذ التطورات التي تطرأ على العالم في الحسبان:

يسهُل التركيز على الصعوبات التي يواجهها الناس والمنحى السيء الذي تأخذه الأوضاع، لكنَّ روتغير يشدِّد على أنَّ هناك العديد من الجوانب التي تتحسن وتتطور، ومن الهام ملاحظتها، ويشرح طريقة بسيطة لفعل هذا، عبر التفكير بالأجيال التي عاشت والتي تعيش الآن: "حين تنظر إلى الوضع من حيث تعاقب الأجيال، سوف تلاحظ بأنَّ اليافعين اليوم، وخاصة أولئك الذين ينتمون إلى الجيل زد، هم الجيل الأكثر تنوعاً عرقياً والأعلى تحصيلاً دراسياً والأكثر تقدماً من بين جميع الأجيال التي سبقتهم".  

يقول روتغير: "الجيل الجديد لديه أفكار مختلفة جداً عن العالم، وأعتقد أنَّ ذلك سيؤدي إلى تغييرات هائلة"، ويضيف أنَّ بعضاً من هذا التغيير بدأ يحصل بالفعل على هيئة أمور مثل حركات "حياة السود هامة" (Black Lives Matter)، و"العدالة المناخية" (climate justice) وازدياد شعبية النباتية كحمية غذائية.

إقرأ أيضاً: كيف تكون شخصاً متفائلاً عندما تواجهك المصاعب؟

9. إدراك القوة التي يتمتع بها كل فرد:

يقول روتغير: "يمكنك كفرد إحداث تغيير كبير، لأنَّ الناس يعتقدون أنَّهم عاجزون عن إحداث تغيير"، ويشرح أنَّ إحدى أهم الطرائق لتطوير نظرة متفائلة إلى الحياة، هي إدراك أنَّه بوسعك أنت كفرد تغيير الأمور، وفقاً لروتغير: "نُشبه نحن البشر الخراف إلى حد ما، إذ إنَّنا نفعل ما يفعله الآخرون، لكنَّ المميزين الذين لا يتبعون القطيع لهم تأثير هائل بمفردهم".

أثبت التاريخ والأحداث المعاصرة أنَّ تأثير الأفراد كبير، ومن هؤلاء الأفراد مثلاً الناشط الأمريكي الذي طالب بإنهاء التمييز العنصري "مارتن لوثر كينغ" (Martin Luther King) والناشطة التي تسعى لوقف الاحتباس الحراري "غريتا ثنبرغ" (Greta Thunberg)، ويضيف روتغير: "إذا كان لديك اعتقادات وأفكار تؤمن بها بقوة، فيمكن لك إحداث تغيير هائل".

 

المصدر




مقالات مرتبطة