ففي كل يوم نحظى بفُرص لاكتشاف السعادة والرضى، وقد يعاني البعض من القلق والتوتر بسبب ظروف حياتهم، أو قد يكونون سريعي الغضب والحكم على المقرَّبين منهم، أو قد يربطون الرضى بامتلاك الثروة والمقتنيات الفاخرة، ومع ذلك لا يُعدُّ إدراك الرضى هدفاً نهائياً، وإنَّما مهارة حياتية تُصقَل وتُكتسَب مع الوقت. هو أمر بالغ الأهمية، ورحلة لتعلم تقدير اللحظات البسيطة والاستمتاع بها.
ما الرضى؟
الرضى هو شعور بالارتياح والسعادة. يختلف الرضى عن السعادة في الواقع؛ فعندما تكون سعيداً، تسيطر عليك أفكار إيجابية مستمرة، مثل الشعور بالمتعة أو الاهتمام. ولكنَّ الرضى يدوم مدة أطول ويمنح الشخص إحساساً أعمق بالإنجاز والاكتفاء.
نظراً إلى أنَّ الرضى يدوم مدة أطول، يجب على المرء أن يسعى لتحقيقه، فذلك يمنحه قدراً كبيراً من الإشباع مقارنةً بالسعادة. علاوة على ذلك، يساعدك الرضى على التركيز في الأمور الهامة، بدلاً من أن تسيطر عليك الأفكار السلبية أو القيام بنشاطات غير مجدية. يمكنك الاستمتاع باللحظة الحالية والشعور بالطمأنينة، ويمكنك أن تشعر بالراحة في موقفك، وتعزز المشاعر الإيجابية تجاه الآخرين، وتقدِّر الأمور التي تهمُّ. يقوي الرضى علاقاتك، ويعزز الإيجابية، ويزيد من فهمك لما تريده في الحياة.
قد يبدو تحقيق الرضى مهمَّة شاقَّة، ولكنَّها في متناول يديك إذا تعاملت معها ببساطة وصبر. وبالتركيز على مهمَّة واحدة تلو الأخرى، والاستمتاع باللحظة الحالية، وتحديد أهداف قابلة للتحقيق، فإنَّك تمهِّد طريقك للنَّجاح.
كيف يمكنك تعزيز الشعور بالرضى؟
هناك مجموعة من الاستراتيجيات التي يمكنك تحويلها إلى عادات في حياتك من أجل تعزيز الشعور بالرضى، وفيما يلي أبرزها:
1. ممارسة الامتنان
يتطلب الشعور بالامتنان أحياناً أن نهدِّئ من أفكارنا وأن نتأمَّل، ونترك أية مشاعر أنانية جانباً. ففي خضمِّ المواقف اليومية، قد نغضب أو نشعر بالإحباط، ولكن إذا تمهَّلنا للحظة وأعَدْنا تقييم الأمور، يمكننا رؤية الجوانب الإيجابية. قد تكون هناك أعمال روتينية لا يرغب أحد في القيام بها، ولكن عند البدء فيها، قد نكتشف أنَّها فرصة لتقدير الأشياء الصغيرة، مثل الاستمتاع بالهواء الطلق والطبيعة الجميلة، أو الذكريات الجميلة.
قد تتحول ممارسة الامتنان إلى عادة يومية، مثل تدوين خمسة أشياء نشعر بالامتنان لها كل يوم في مفكرة خاصة. كما يمكن تعزيز هذا الشعور من خلال ممارسات أخرى، مثل اليقظة الذهنية، والتعبير عن التقدير، والتطوع، وإظهار الامتنان للآخرين.
2. الحفاظ على عقلية إيجابية
إذا أردت أن تتعلم كيف تكون راضٍ، فإنَّ إحدى الطرائق لتحقيق ذلك هي التفكير بصورة إيجابية. جميعنا نواجه صعوبة في الحفاظ على إيجابيتنا طوال الوقت، ولكنَّ جهودنا هذه تحسِّن مزاجنا. فبدلاً من الحكم على الآخرين أو انتقادهم، ركِّزْ طاقتك على النشاطات الصحية، مثل مساعدة الآخرين على التحسن.
يمكنك القيام بذلك من خلال التطوع لكتابة الرسائل للمحتاجين، أو كتابة مقالات للمدونات الخاصة بالمنظمات الخيرية التي تعزز الصحة النفسية. وإذا كنت تنتقد نفسك كثيراً، فاستبدِلْ هذا السلوك بأفكار إيجابية عن نفسك، وإذا كنت لا تحب مظهرك الخارجي أحياناً، فتعلَّمْ كيف تحب نفسك أكثر.
تقتضي الرعاية الذاتية أشياء بسيطة، مثل تدليك الجسم، أو ممارسة التأمُّل، أو الاسترخاء وحسب، وتساعدك هذه الأشياء على فهم أنَّك شخص جميل وتستحق الحب.
3. التعاطف مع الآخرين
قد يكون التعاطف مع الآخرين أمراً صعباً، فلا أحد منَّا كامل. إحدى الطرائق لتسهيل الأمر عليك، هي أن تمارس التعاطف مع نفسك أولاً.
يُصعِّب عليك عدم حبك لذاتك الاهتمام بالآخرين. بالتالي، عليك أن تكون متعاطفاً مع ذاتك من خلال معاملتها بلطف والقيام بالنشاطات التي تستمتع بها. بمجرد أن تتعلم كيف تكون متعاطفاً مع نفسك، ستصبح قادراً على مساعدة الآخرين والتعاطف معهم. يمكنك زيارة دور رعاية المسنين، أو التبرع للمنظمات الخيرية، أو تنظيم حملات للتبرع بالدم، وغيرها من الأعمال التي تعزز التعاطف، فقد تكتشف بذلك متعة التعاطف مع الآخرين ومدى الرضى الذي تجنيه من ذلك.
شاهد بالفيديو: 7 خطوات لبلوغ الرضا عن الذات
4. تجنُّب مقارنة نفسك بالآخرين
أنت شخص فريد من نوعك، ويجب عليك تقدير هذه الصفة في نفسك. توقَّفْ عن مقارنة نفسك بالآخرين، فقد تعتقد أنَّ حياتهم أفضل، لكنَّ الحقيقة قد تكون مختلفة. فعندما تقترب من حياة الآخرين، قد تكتشف جوانب لا تراها من بعيد.
قد يمتلك شخص ما كل ما تتمناه، لكنَّ هذا لا يعني أنَّك ستكون راضٍ إذا حصلت على ما لديه، كما أنَّه قد لا يمتلك ما لديك. لذا، مقارنة نفسك بالآخرين هي مضيعة للوقت والطاقة لأنهم يعيشون حياتهم، أما أنت فتركِّز على ما ينقصك. قدِّر ما لديك، وعندما تبدأ في المقارنة، تمهَّلْ وفكِّرْ في تأثير هذه المقارنة فيك. قد تشعر بالغضب أو عدم الرضى، أو حتى الغيرة، فلا تسمح لهذه المشاعر أن تؤدي إلى كره الذات؛ بل وجِّهْ طاقتك تجاه أشياء إيجابية، مثل ممارسة هواية أو تعلم شيء جديد.
5. عدم الإسراف في الشراء
قد يمنحنا الإسراف في الشراء شعوراً مؤقَّتاً بالسعادة، ولكن هذه المقتنيات لن تجلب لك الرضى الحقيقي. قد يمنحك شراء سيارة فاخرة شعوراً مؤقَّتاً بالتميُّز، ولكنَّ هذا الشعور سرعان ما يزول، ويتبعه شعور بالفراغ.
يؤدي إنفاق الأموال التي اكتسبناها بعد بجهد على أشياء مادية إلى الندم، خاصة إذا لم يكن ذلك في متناول إمكاناتنا. فنحن بوصفنا بشراً، نحتاج إلى ما هو أكثر من الأشياء المادية لتحقيق السعادة الحقيقية. والتركيز على اكتساب الخبرات القيِّمة هو خيار أكثر حكمة، لأنَّ ما نكتسبه من خبرات وذكريات ثمينة يدوم مدة أطول.
6. الاستمتاع بالأشياء البسيطة
قد لا تجلب لك الأشياء البسيطة النجاح أو الثراء، إلَّا أنَّ الحياة أعمق من ذلك. فقد يمثِّل التواضع تحدٍّ لبعضهم، لكنَّه غالباً ما يكون المفتاح للاستمتاع بملذات الحياة البسيطة. تناوُل وجبة منزلية مع العائلة، أو الاستمتاع بمنظر الزهور في حقل، أو قراءة كتاب، أو القيام بأعمال خيرية، أو الاستمتاع بوقتك مع الأصدقاء، أو اصطحاب كلبك في نزهة، أو ممارسة الرياضة في الصباح، كلها أمثلة رائعة عن الأشياء التي قد نغفل عن تقديرها في حياتنا اليومية.
7. التحلي بالصبر
ينفد صبرنا أحياناً، لأنَّ الآخرين لا يفهموننا ولا يُصغون إلينا، أو يُطيلون انتظارنا. قد تؤدي هذه المشاعر السلبية إلى السخط، بالإضافة إلى المشكلات الصحية. بدلاً من الاستسلام للإحباط، تعلَّمْ الصبر. وإحدى أفضل الطرائق للتعامل مع هذه المشاعر هي تبنِّي البساطة في حياتنا. إذا كنت لا تحب الانتظار في الطوابير مثلاً، أشغِلْ تفكيرك بأشياء إيجابية، مثل تذكُّر لحظات مضحكة، أو تخيُّل مناظر جميلة، أو استخدام خيالك بطريقة إبداعية.
تنقل هذه الطرائق تفكيرك إلى مساحة أكثر إيجابية، وتجعلك تنسى الواقع قليلاً، فقد ينفد صبرنا في أوقات كثيرة خلال اليوم، لكن يمكننا استخدام خيالنا لنبقى في حالة ذهنية إيجابية، ممَّا يمنحنا الراحة والرضى الداخلي.
8. البحث عن شيء تؤمن به
نشعر أحياناً وكأنَّنا فقدنا الأمل تماماً، ما يجعل حياتنا تبدو بلا معنى. وهنا علينا أن نجد ما نؤمن به ونتطلع إليه أو أن نعرف قيمة ما نؤمن به، فهذا ما يمنحنا الدافع للاستمرار في الحياة. يجب أن نلتزم بالقِيَم والمعتقدات التي نؤمن بها، مثل الإبداع، والذكاء، والتعاطف، والروحانية.
تحفِّزنا هذه القيم وتدفعنا للاستمرار في الحياة، فعندما لا نعيش وفقاً لقِيَمنا ومعتقداتنا، قد نفقد الرغبة في الاستمرار. لذلك من الضروري أن نجد ما نؤمن به، وهذا ليس بالأمر الصعب، إذ يمكنك مثلاً مساعدة المحتاجين، أو الالتزام بتقديم الطعام لهم دورياً.
9. عيش اللحظة الراهنة
مع كلِّ ما يدور حولنا، من ضجيج الإنترنت إلى ضغوطات الحياة اليومية، من الطبيعي أن نواجه صعوبة في عيش اللحظة الراهنة، فالحياة مليئة بالعوامل المشتِّتة.
نحن نقلق بشأن قرارات بسيطة، مثل ماذا سنأكل على العشاء، وقرارات كبيرة، مثل التركيز على أهدافنا وأحلامنا، لكنَّ التفكير المفرِط في المستقبل يحرمنا الاستمتاع بالحاضر. لذلك من الضروري أن نعيش اللحظة الراهنة بممارسة اليقظة الذهنية، وممارسة الامتنان، والتركيز على التنفس.
في الختام
يمكننا جميعاً أن نتعلّم كيف نمارس الرضى في حياتنا. ومن الضروري الالتزام بممارسة النشاطات التي تعزز شعورنا بالرضى يومياً إن أمكن أو على الأقل عدة مرات أسبوعياً. يشمل ذلك ممارسة التأمل أو اليوغا، أو قراءة كتاب مفضَّل، أو قضاء الوقت مع الحيوانات الأليفة، أو ممارسة التمرينات الرياضية، أو أي نشاط آخر تستمتع به.
يزداد مستوى رضاك عندما تحسِّن جودة حياتك، وعلى الرغم من أنَّ الأمر قد لا يكون سهلاً في البداية، إلَّا أنَّ اتخاذ خطوات صغيرة قد يغيِّر حياتك للأفضل. ضَعْ خطة بسيطة وطبِّقها يومياً، أو استخدِمْ إحدى الاستراتيجيات التي ذكرناها في هذه المقالة، أو ابتكِرْ طريقتك الخاصة لتحقيق الرضى.
أضف تعليقاً