8 طرق تسبب فيها البؤس لنفسك

جلستُ في غرفة معيشتها أحدق فيها بعيون دامعة، وقلت: "أشعر بالضياع والوحدة وأنَّني أفقد صوابي، لا أعرف ما خطبي".



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدوِّن "مارك كرنوف" (Marc Chernoff)، ويُحدِّثنا فيه عن نقاش دار بينه وبين جدَّته تطرقوا فيه إلى 8 طرائق نسبب فيها البؤس لأنفسنا.

قصة حقيقية:

سألتني بلطف: "لماذا تشعر بهذا؟".

قلت: "لأنَّني قلقٌ وخجول ونادم".

فسألت: "ألا تعتقد أنَّ كل شخص في العالم يشعر كما تشعر في بعض الأحيان؟".

أجبت: "ليس كذلك".

قالت: "حسناً عزيزي، أنت مخطئ، إذا كنت تعتقد أنَّك تعرف شخصاً لا يشعر أبداً كما تشعر الآن، شخصاً لا يشعر أبداً بالضياع والوحدة والارتباك والجنون، إذاً لا تعرف ذلك الشخص جيداً، فكل منا يحمل داخله مقداراً من الجنون الذي يدفعه إلى التصرف بطرائق غريبة في أحيان كثيرة، وهذا الجانب من شخصيتنا ضروري، وهو جزء من قدرتنا البشرية على التفكير والتكيف والنمو، وجزء من كونك ذكياً، فلا يوجد أبداً شخص عظيم لم يكن فيه شيء من هذا الجنون".

جلست بصمت للحظة، ثم انتقلت عيني من التحديق في عينيها إلى الأرض وعادت إلى عينيها مرة أخرى: "إذاً تقولين إنَّني يجب أن أشعر بذلك؟".

قالت: "إلى حدٍّ ما، دعني أصوغ الأمر بهذه الطريقة: أخذ مشاعرك كلها على محمل الجد طوال الوقت، والسماح لها بدفعك إلى البؤس هو إهدار لشخصيتك المذهلة، أنت وحدك من تختار ما يهم وما لا يهم، وأنت من يمنح الأهمية لأي شيء في حياتك".

أجبتها بصوت خافت: "ربما".

تابعت قائلة: "وأحياناً ما تشعر به ببساطة لا يتوافق مع ما تحتاج إليه، تلك في الغالب طريقة عقلك الباطن لمساعدتك على النظر إلى الأشياء من وجهة نظر مختلفة؛ لكنَّ هذه المشاعر تتغير بسرعة إن لم تتمسك بها وتلاحظها، ثم تستمر بالتقدم دون السماح لها بعرقلتك، وهذا ما اضطررت إلى فعله بنفسي بانتظام؛ لذلك كلانا في الواقع نعاني المشاعر نفسها يا عزيزي، وأنا متأكدة من أنَّنا لسنا الوحيدين".

تشاركنا لحظة من الصمت، ثم ابتسمتُ وقلتُ: "شكراً لك يا جدتي".

على مدار الساعات القليلة التالية، ناقشنا أنا وجدتي 8 طرائق نسبب فيها البؤس لأنفسنا:

1. التحسُّر على الماضي:

يجد الناس صعوبة في التخلي عما يسبِّب لهم التعاسة بسبب الخوف من المجهول إن حاولوا تغيير واقعهم، فيفضلون العيش مع المعاناة المألوفة، وفي حالات كثيرة تستمر في روتينك القديم لمجرد أنَّه مألوف لك، ولأنَّك خائف من التغيير والمجهول، فتؤجل باستمرار أحلامك وأهدافك وتضيع فرصاً عظيمة لمجرد أنَّها تتطلب منك الخروج من منطقة راحتك.

تبدأ باستخدام الأعذار لتبرير افتقارك إلى الشجاعة، مثل عدم توفر المال أو الوقت أو غيرها، هذه حلقة مفرغة تؤدي إلى حياة غير مُرضية، وحتى تصل إلى نهاية حياتك آسفاً على ما فاتك؛ لأنَّك لم تتبع قلبك، وكنت تُبَدِّي دائماً احتياجات الآخرين على احتياجاتك، ولأنَّك لم تفعل ما كان يمكن أن تفعله عندما سنحت لك الفرصة.

لتجنُّب كل هذا تخلَّ عن الماضي، انسَ ما لا يمكنك تغييره، اليوم هو أول يوم من بقية حياتك، من الآن فصاعداً لا تسمح بالأعذار ولا المبررات ولا الندم، ابدأ من حيث أنت الآن واخرج من منطقة راحتك واتخذ خطوة جريئة إلى الأمام.

شاهد بالفيديو: 5 عادات خاطئة يجب أن تبتعد عنها لتتخلص من التعاسة

2. الهوس بالحب:

يحدث ذلك لنا جميعاً في مرحلة ما، حين نعاني عواقب الهوس والإدمان الذي يسبِّبه الحب، وحين يدمن دماغك المواد الكيميائية المرتبطة بالمشاعر التي يبعثها وجود شخص أو شيء ما.

عندما يغيب ذلك الشخص تخرج عن السيطرة وتشعر على الفور بالاضطراب، كما لو كان الشيء الذي تحتاج إليه موجوداً أمامك؛ لكنَّك لا تستطيع الوصول إليه، وبعد ذلك تشعر بالاستياء من هذا الشخص الذي تظن أنَّه شجَّع تعلُّقك به؛ لكنَّه يرفض الآن إعطاءك ما تريده على الرَّغم من أنَّك متأكد من أنَّه يمتلكه لأنَّه كان يقدمه في السابق.

في هذه الأثناء، بالطبع ينفر هذا الشخص أكثر فأكثر من تصرفاتك؛ إذ لم يعد ينظر إليك بوصفك نداً له؛ بل مجرد شخص يعتمد عليه، ولم يعد يراك ذلك الشخص الذي كان يهتم به؛ بل شخص بائس لا حول له ولا قوة، لكن إذا توقفت وفكرت في الأمر ستدرك أنَّك لا تستطيع لومه؛ إذ أدى هوسك إلى تقليل تقديرك واحترامك لذاتك، ومن الصعب أن يحب أحد أو يحترم أولئك الذين لا يحبون ويحترمون أنفسهم.

إقرأ أيضاً: سايكولوجيا الوقوع في الحب والفرق بينه وبين الحب الحقيقي

3. التنافس مع الآخرين:

إذا تنافست مع الآخرين، فسوف تشعر بالمرارة، وإذا كنت تتنافس مع نفسك فسوف تصبح أفضل؛ لذا لا تدخل منافسة مع أي شخص غير نفسك، وحاول التغلب على ماضيك وليس الآخرين، وبدلاً من التنافس مع الآخرين، اعمل معهم على هدف مشترك، استخدموا رؤيتكم ومواهبكم لتحقيق ما لا يستطيع أحد منكم تحقيقه وحده.

يحدث النمو الشخصي الحقيقي والتعلم من خلال العلاقات، عندما تحل الروح التعاونية محل الروح التنافسية.

4. التذمُّر دون اتخاذ الإجراءات:

الشكوى مضيعة للوقت، لدينا جميعاً قدر محدود من الوقت والطاقة؛ أي إنفاقهما في التذمر والشكوى هو خسارة كاملة، بدلاً من ذلك افعل شيئاً مفيداً، وانتبه في كل مرة تبدأ بالشكوى خلال اليوم، ولاحظ كم مرة تشكو وتركز على الأفكار السلبية، وافهم أنَّ الوعي بهذه العادة غير المنتجة هو الخطوة الأولى للتغلب عليها.

خلاصة القول: لا تتذمر بشأن شيء ما إلا إذا كنت ستفعل شيئاً حياله.

5. الكذب:

أفضل شيء بشأن قول الحقيقة هو أنَّك لست مضطراً إلى تذكُّر كل ما قلته، فلا تختفي الحقيقة لمجرد أنَّك تتجاهلها؛ إذ يتطلب الأمر عناية وانتباهاً مستمراً لإخفاء الحقيقة والكذب، فبينما قد يكون من الصعب التعامل مع الحقيقة وقد تزعجك؛ لكنَّها ستحررك من ذلك العبء دائماً، وفي النهاية سيقول شخص ما الحقيقة على أي حال، والسؤال الوحيد هو: من سيقولها، أنت أو شخص آخر؟

شاهد بالفيديو: أقوال وحكم رائعة عن التفاؤل في الحياة

6. المماطلة حتى آخر لحظة:

المقاومة في البداية هي دائماً أسهل خيار يمكنك اتخاذه، وهي أيضاً الخيار الذي يضمن أنَّك لن تصل أبداً إلى النتيجة النهائية التي تريدها، والشيء الذي نفعله جميعاً ويسبِّب لنا البؤس هو عدم فعل شيء عندما نحتاج إلى إنجاز شيء ما؛ لكنَّ طريقة مواجهة هذا بسيطة، وهي الشروع في العمل الذي يجب أن ننجزه.

لا شعور يضاهي الشعور بالإنجاز، ولا شيء أغلى من وجودك على قيد الحياة، وإذا لم تفعل ذلك الآن، فربما لن تفعله أبداً، فذلك الشيء الذي كنت تؤجله لأطول فترة، الشيء الذي كنت تماطل فيه خلال الأسابيع العديدة الماضية، هذا هو الشيء الذي يجب أن تبدأ بفعله اليوم، هذا هو الشيء الذي يجب أن تبدأ به قبل الذهاب إلى الفراش الليلة.

إقرأ أيضاً: هل المماطلة أمر سيء؟ وما حقيقتها؟

7. التركيز على ما لا تحبه:

ما تركز عليه يزداد حضوره في حياتك، فعندما تركز على الصفات الرائعة للشخص، تكون لك علاقة رائعة معه، وعندما تركز على صفات الشخص غير الجيدة، فلن تتمتع بعلاقة جيدة معه، وعندما تركز على فوائد الموقف، يمكنك الاستفادة منها، بينما عندما تركز على السلبيات، لا تكسب شيئاً سوى الانزعاج.

خلاصة القول هي أنَّك ترى ما تريد أن تراه فقط، وما تراه يحدد أين تتجه في الحياة، موقفك هو الشيء الصغير الذي يُحدث فرقاً كبيراً، لا تكن من الحمقى الذين يصرون على عدم الابتسام.

8. توقعاتك:

لن ترقى الحياة إلى مستوى توقعاتك أبداً، إلا إذا كانت توقعاتك ببساطة هي تقبُّل ما تجلبه لك الحياة وتحقيق أقصى استفادة منه؛ لذا عليك أن تخفض سقف توقعاتك وتزيد امتنانك لزيادة سعادتك، واعلم أنَّ كل شيء مُقدَّر وله هدف سواء فهمته أم لا، ورد فعلك هو الذي يحدد مدى نجاحك.

التخلي عن تصورك للأمور صعب حقاً؛ لكنَّه يستحق العناء؛ فالجزء الأجمل من هذه الممارسة هو شعور السلام الذي ينتج عن العيش في الحاضر والاستفادة مما هو متاح لك في اللحظة، وللوصول إلى هذا السلام عليك إعادة تدريب ذهنك على تقبُّل الحياة كما هي، وليس كما كنت تتوقع؛ لذا رحِّب بمفاجآت الحياة، وابتسم وأدرك أنَّه من الأفضل أن تفاجأ بسرور بدلاً من أن تشعر بخيبة أمل.




مقالات مرتبطة