7 طرق لتجنب التفكير الثنائي

لسوء الحظ، إنَّنا نعيش في عالم لا يرى سوى "الأبيض" أو "الأسود"، و"هُم" أو "نحن"، و"الخير المطلق" أو "الشر المطلق"، و"الصالح جملة وتفصيلاً" أو "الفاسد جملة وتفصيلاً"؛ حيث يعيش المرء في فضاء لا يسكنه سوى نقيضين أياً كان نوعهما.



يعود سبب كل ذلك إلى ميل البشر إلى التفكير الثنائي.

ما هو التفكير الثنائي؟

يحدث التفكير الثنائي عندما تُبسَّط أشد المصطلحات أو الأفكار أو المشكلات تعقيداً لتنتمي إلى فئتين مختلفين، بينما يجري تجاهل المنطقة الرمادية في المنتصف.

يمنحنا التفكير الثنائي إحساساً باليقين، ويُشعِرنا بالراحة في ظل عالم معقد للغاية؛ فقد يكون انعدام اليقين والتعقيد مخيفاً، ويسبب القلق؛ لذا، لا عجب من وقوع الناس في التفكير الثنائي، خصوصاً خلال الأوقات المتقلبة التي نشهدها حالياً.

يقول الكاتب بوب جوهانسون (Bob Johansen): "تقرِّبنا التصنيفات من اليقين، ولكنَّها تبعدنا عن الوضوح"؛ فإذا كنت قلقاً بشأن الجائحة العالمية والاضطرابات العنصرية ومستقبل حياة عائلتك، سيرهقك التفكير في تعقيدات العالم جداً، إذ لا أحد قادر على فهم كل شيء عن أي شيء؛ لذا يسلك دماغك طريقاً مختصراً لتشعر بحال أفضل، فتتعامل مع الأمور ببساطة مبالغ فيها عبر تصنيفها إلى فئات عامة ينتج عنها التفكير الثنائي.

مشكلة التفكير الثنائي:

تكمن مشكلة التفكير الثنائي في أنَّه لا يتسم بالدقة، هذا لأنَّ المنطقة الرمادية موجودة دائماً؛ ورغم أنَّه قد ينتابنا شعور مريح عندما نقسم العالم إلى فئات متناقضة، إلَّا أنَّ العالم لا يسير هكذا؛ فعندما ننخرط في التفكير الثنائي، ينحصر تفكيرنا في وضع الافتراضات؛ وكما يقول جوهانسن (Johansen): "لا يتطلب الانشغال بالتصنيف الكثير من التفكير أبداً؛ فكل ما عليك فعله هو الافتراض أنَّ التجارب الجديدة تتناسب مع التعميمات والقوالب النمطية التي تفكر من خلالها".

كما يقود التفكير الثنائي إلى الصراع؛ فعندما تضع الافتراضات بشأن الآخرين من خلال تصنيفهم ضمن فئات مقولبة، فلن ينتابنا الفضول لمعرفتهم، ولن نحاول تقصِّي الفروقات الدقيقة التي قد تحقق التقارب فيما بيننا؛ لكن كيف يمكننا التوقف عن التفكير بطريقة ثنائية؟

7 طرق لتجنب التفكير الثنائي:

1. تجريب أشياء جديدة:

إذا أردنا التخلص من عادة التفكير الثنائي، فعلينا زيارة أماكن جديدة، وتجربة أشياء جديدة؛ فالحياة معقدة، وتملؤها الفوضى؛ وعندما نخرج ونختبر الحياة، نعطي لأنفسنا فرصة لنجد أفكاراً ووجهات نظر جديدة.

لذا، جرِّب الالتحاق بدورة، أو تعلُّم لغة، أو ممارسة هواية جديدة، أو السفر، أو أي شيء يختلف عمَّا فعلته في السابق؛ إذ يعدُّ تغيير تجاربنا اليومية جزءاً هاماً من التخلص من التفكير الثنائي الذي اعتدت عليه.

إقرأ أيضاً: 55 عادة لتعزيز القوة الذهنية

2. التعرُّف على أناس جدد:

ينطبق الكلام نفسه هنا؛ فإذا كان جميع الناس على مواقع التواصل الاجتماعي يبدون ويفكرون مثلك، فقد تكون عالقاً في حلقة مفرغة؛ حيث تطلق أحكاماً قائمة على تفكيرك الثنائي، فيوافق عليها أصدقاؤك، وهكذا دواليك.

لذا، تخلَّص من التفكير الثنائي من خلال التعرف على أشخاص جدد ينتمون إلى ثقافات وأعراق وديانات وخلفيات مختلفة؛ ولا تكتفِ بذلك فحسب، بل عليك تقبُّل وجهات نظر الآخرين والانفتاح عليها.

3. صقل فضولك:

حتى وإن خالفت أفكار غيرك، فمن الهام طرح الكثير من الأسئلة وتناول كل تفاعل بروح الفضول الحقيقي كي تتخلص من التفكير الثنائي.

جرِّب أن تلعب دور المحقق الفضولي عندما تتعرف على أشخاص جدد؛ فبدلاً من التحدث عن نفسك، تصرَّف وكأنَّ عملك هو التعرف على الآخرين بقدر ما تستطيع، أو جرِّب تقمص شخصية المراسل الصريح، وحاول جاهداً اكتشاف جوهره الحقيقي الذي يميز هذا الشخص؛ حيث سيعتريك فضول حقيقي لمعرفة الآخر بدلاً من استغلال الحديث لتثرثر عن نفسك.

4. إتقان مهارات الإصغاء الفعال:

إنَّه لمن الهام أن تتأنى قليلاً قبل إطلاق أي إحكام، فقد يكون رد فعلك الأولي والغريزي عن الأمور مثالاً عن التفكير الثنائي أحياناً؛ حيث نميل إلى وضع الافتراضات وإطلاق الأحكام قبل أن نجمع المعلومات اللازمة لتأخذ فكرة واضحة عن الأمر.

تخلَّص من هذه العادة من خلال التأني قبل إظهار أي ردة فعل، وتمهل وفكِّر قبل أن تتسرع في الحكم على الأمور، وانتبه إلى نفسك إذا شعرت أنَّك تصنِّف الأشياء إلى فئات عامة، وحاول أن ترى الصورة الأوسع.

أنصت، وحاول تقبُّل الأفكار الجديدة عوضاً عن إضافة معلومات جديدة إلى تلك الموجودة في العدد المحدود من التصنيفات الموجودة مسبقاً، واختر معلومات مربكة ومعقدة عوضاً عن اختيار معلومات تناسب تماماً التصنيفات الثنائية التي اعتدت على استخدامها.

شاهد بالفيديو: 7 أسرار للإصغاء الفعال

5. تعزيز شعور التعاطف:

تقول "برين براون" (Brene Brown): "إنَّ تبني وجهات النظر هو الإصغاء إلى الحقيقة كما يختبرها الآخرون، والاعتراف بأنَّها حقيقة"، ويعني هذا أنَّك عندما تتعرف على أشخاص جدد أو تجرب أشياء جديدة، عليك أن تصغي إلى الحقيقة من وجهة نظرهم، بدلاً من محاولة إجبارهم على تبنِّي افتراضاتك المسبقة.

سنتمكن من استدعاء المنطقة الرمادية إلى حياتنا عندما نعترف أنَّ اختلاف وجهة نظر الآخرين عن وجهة نظرنا لا يعني أنَّها خاطئة، ويعزز هذا الأمر من شعورنا بالتعاطف؛ إذ تقول براون (Brown): "يتعارض التعاطف مع وسم الآخرين بالعار وإصدار الأحكام بحقهم، ويتطلب تجنب إصدار الأحكام الفهم؛ حيث نميل إلى الحكم على الأمور التي نسارع إلى تصنيفها ضمن الفئات التي يسمها العار بالنسبة إلينا؛ أي بدلاً من الانغلاق على أنفسنا بسبب وسم الآخرين بالعار وإطلاق الأحكام بحقهم، ينبع التعاطف من احترام تجارب الآخرين وآرائهم، والانفتاح على تعدد وجهات النظر".

لكن لا يفكر جميع الناس بالطريقة نفسها، وهذا أمر جيد للغاية.

6. الحذر من الوقوع في فخ تأثير "دانينغ-كروجر" (Dunning-Kruger Effet):

يعني تأثير "دانينغ-كروجر" (Dunning-Kruger Effect) معرفتك بالقليل عن موضوع ما، مع عدم الثقة بمدى خبرتك فيه؛ فعندما لا يعرف الناس أي شيء بخصوص أمر ما، تكون ثقتهم منخفضة بخبرتهم؛ وكلما زادت معرفتهم أكثر، قلَّت ثقتهم بأنفسهم؛ ذلك لأنَّهم يدركون أنَّ الأمر أشد تعقيداً ممَّا كانوا يظنونه؛ ولكن بمجرد أن يصبح الشخص خبيراً في المجال، تتعزز ثقته تدريجياً مجدداً.

ينبغي أن تتعرف على هذا التأثير إذا كنت تريد أن تتجنب التفكير الثنائي، حيث تتيح لنا هواتفنا الذكية معرفة أساسيات أي موضوع نريده، والذي يقودنا إلى الشعور بثقة عارمة ظناً منَّا أنَّنا نعرف الكثير من الأمور.

إذا كنت تعرف مقداراً قليلاً من شيء ما، فينبغي أن تعرف أيضاً أنَّ ثقتك قد تكون عالية بلا مبرر؛ فأنت لست ضليعاً بالمجال، ولا تعرف تعقيداته بعد؛ لذا كن متواضعاً، وحاول أن تتعلم أكثر عن الأمر قبل التباهي والافتخار بخبرتك الكبيرة؛ كما يجب أن يكون التفكير الثنائي دليلاً على أنَّك في الواقع تطلق الافتراضات والتعميمات، ولست خبيراً أبداً.

7. تقبُّل انعدام اليقين:

إذا أردت التخلص من التفكير الثنائي، فينبغي أن تذكِّر نفسك يومياً بأنَّ العالم معقد، وأنَّنا لا نعرف نِصف ما نعتقد أنَّنا نعرفه؛ ورغم أنَّ هذا الأمر قد يثير القلق، لكنَّه حقيقة هامة عليك تقبُّلها إذا أردت أن ينضج تفكيرك.

إقرأ أيضاً: افهم قبل أن تحكم

التفكير الشامل:

يُطلِق جوهانسن (Johansen) على ترياق التفكير الثنائي اسم التفكير الشامل؛ فبدلاً من إطلاق الافتراضات والتعميمات، يتيح لك التفكير الشامل استكشاف التفاصيل الصغيرة والمناطق الرمادية.

هذا هو التفكير الذي يجب أن يطمح إليه الجميع إذا أردنا تجنب التفكير الثنائي؛ إذ علينا أن نتمكن من منع أنفسنا من إلقاء الافتراضات والأحكام، ونبحث بجدٍّ عن التعقيد والمناطق الرمادية؛ لذا، تأنَّ وتعلم أكثر، وتقبَّل وجود آراء غير تلك التي نشأت عليها، وتقبَّل التعقيد وانعدام اليقين، ودعها تحفزك لتتعلم أكثر بدلاً من أن تكون واثقاً بنفسك بصورة مبالغ فيها.

أفكار أخيرة:

رغم أنَّ التفكير الثنائي مفيد لبقاء الإنسان، إلَّا أنَّه ضار عندما يقيِّد التجارب التي نعيشها؛ وإذا تمكن الناس من تعويد أنفسهم على التفكير الشامل أكثر، لن نحيا في عالم يسوده التفكك والانقسام؛ ذلك لأنَّ الناس سيهتمون بوجهات نظر بعضهم المختلفة، بدلاً من تصنيف بعضهم في فئات مسبقة؛ لذا ابدأ تطوير التفكير الشامل، وكن منفتحاً على مزيد من الاحتمالات.

 

المصدر




مقالات مرتبطة