7 طرق ذكية وبسيطة للتعامل مع الأشخاص صعاب المراس

اصطحبتُ ابني "ماك" (Mac) في أحد الأيام إلى حديقة ألعاب في حيِّنا، وفي حين كنتُ أتحدَّث مع والد أحد الأطفال، نظرتُ إلى ماك فرأيت الدموع تنهمر من عينيه، ركضتُ نحوه وسألته عمَّا حدث، ولكنَّه لم يُبدِ شيئاً في تلك اللحظة سوى ارتعاشٍ في شفته السفلية؛ لذلك التفت إلى فتاةٍ مراهقة صغيرة تلعب في الأراجيح لكي تخبرني بما حدث، وأوضحت لي أنَّ اثنين من المتنمِّرين كانا يضايقان ماك ويطلقان عليه بعض الألقاب. لقد طلبت الفتاة منهم أن يتوقفوا، لكنَّهم استمروا في مناداته بأنَّه ذو رائحةٍ كريهة، وأخبروا الأطفال الآخرين أنَّه يتغوَّط في سرواله، فرفض جميع الأطفال اللعب معه.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "مارك كرنوف" (Marc Chernoff)، ويروي فيه قصة تعرُّض ابنه للتنمر واستراتيجيات للتعامل مع الأشخاص الوقحين.

شعرت بالألم في قلبي وتسارعت دقاته، وسألتها عن مكان هذين المتنمرين، فتحدث ماك فجأةً وقال وهو يبكي: "لقد هربوا عندما بدأت في البكاء"، شكرتُ الفتاة المراهقة، وحملت ماك إلى طاولةٍ قريبة، ومع أنَّني كنت غاضباً جداً، لكن أردت رفع معنوياته؛ لذا سرعان ما أخبرته ببعض النكات المفضَّلة لديَّ التي تناسب الأطفال، حتى تمكَّنت من جعله يضحك بصدق، ثمَّ أخرجت قطعتين من الشوكولاتة الداكنة من جيبي وأعطيته واحدةً، فابتسم وعانقني بقوة، وعندها ارتحت قليلاً، لأنَّه كان يشعر بتحسُّن حقاً.

بعد بضع دقائق سألت ماك عمَّا ضايقه بشأن ما حدث في الحديقة، مع أنَّه يبلغ من العمر ثلاث سنوات فقط، فأنا أعلم أنَّ ماك طفل قوي جداً وناضج بالنسبة إلى عمره، وهو عادةً لا يبكي ولا يبدي كثيراً من الاهتمام عندما يتصرَّف المتنمِّرون الغرباء بحماقة، فقال: "ليست رائحتي كريهة ولا أتغوَّط في سروالي، لكنَّ هذين المتنمرين اللئيمين قالوا عنِّي الأكاذيب، ونظر إليَّ الجميع بنظرة قرف وصدَّقوهم، ثمَّ لم يرغب أحد في اللعب معي ولم يعد لديَّ أي أصدقاء".

مرةً أخرى، بدأت الدموع تنهمر من عينيه، ومرةً أخرى، أخذ قلبي يتألَّم وتسارعت دقاته؛ إذ يمكنني أن أشعر بألم ماك، لأنَّني شعرت بهذا الألم مسبقاً في حياتي، وكنت على وشك إخبار ماك بأنَّ الوقت قد حان لتعليم هذين المتنمرين درساً قاسياً، ولكنَّني تذكرت كلمات جدتي الراحلة منذ وقت طويل، فعندما واجهت موقفاً مشابهاً في المدرسة الابتدائية، قالت لي جدتي: "يريد هؤلاء المتنمرون فقط أن يجعلوك تحزن طوال اليوم، هذا هو هدفهم، وإذا حزنت بسبب تصرفاتهم الحمقاء، فإنَّهم يحقِّقون ما يريدون، أمَّا إذا تجاهلت تصرفاتهم، وشعرت بالرضى عن نفسك، وحاولت مساعدة الآخرين على الشعور بالرضى عن أنفسهم، فسوف تفوز. ثمَّة دائماً فائز في هذه المواقف، والخيار هو خيارك دائماً".

لقد بذلتُ قصارى جهدي لأوصل حكمة جدتي لماك بكل أمانة، فجلس بهدوء وأنصت بعناية، فجفَّت دموعه تدريجياً، ثمَّ عانقني مرةً أخرى وقال: "شكراً لك يا أبي، أشعر بالارتياح الآن، لقد فزت".

إقرأ أيضاً: أنماط الشخصية الأربعة وطرق التعامل معها

فن التعامل مع الأشخاص الوقحين:

بصرف النظر عن عمرنا أو حالتنا الاجتماعية، سوف نلتقي دائماً ببعض الأشخاص الوقحين الذين لا يبتغون شيئاً سوى التنمر والاستخفاف بنا، ففي بعض الأحيان قد يكونون زملاء في العمل، أو جيراناً في الحي، وأحياناً أطفالاً لئيمين في الحديقة، فلن يختفي هؤلاء الأشخاص من الوجود، لكن لدينا دائماً الخيار في كيفية ردنا عليهم، هل نسمح لهم بأذيتنا لتخفيف آلامهم؟ أم نختار تحويل هذا الألم إلى قوةٍ ونمو ذاتي؟ هل نسمح لهم بالفوز أم نسعى إلى الفوز بأنفسنا؟

من الصعب اتخاذ قرارات حكيمة في خضمِّ اللحظة، لكن عندما نختار الفوز وتحويل الألم إلى قوةٍ ونمو شخصي، فإنَّنا لا نُحسِّن حياتنا فحسب، بل حياة الناس الذين نحبهم والذين يتطلَّعون إلينا، ولكنَّ التعامل مع هؤلاء الأشخاص أمر صعب في بعض الأحيان.

لقد عملت أنا وزوجتي "إنجل" (Angel) مع مئات من العملاء على مدار العقد الماضي الذين كانوا يعانون من ويلات التنمر، وبالتدريج استطعنا توجيههم من خلال عدة طرائق ذكية وبسيطة تحقق نتائج مذهلة، وأريد أن أشارك بإيجاز بعضاً من هذه الطرائق معك اليوم، على أمل أن تجد فائدةً فيها أيضاً. إليك سبعٌ منها:

1. تجاهُل الآراء المتحيِّزة:

قد لا تستطيع التحكم في أقوال الناس وأفعالهم، لكن يمكنك ألا تتأثَّر فيها سلبياً، فإنَّ الطريقة التي يعاملك بها الناس هي مشكلتهم، أمَّا استجابتك لها نفسياً فهي مشكلتك، وما تحتاج إلى تذكُّره هو أنَّ أقوال الناس وأفعالهم تتعلَّق بهم شخصياً أكثر ممَّا تتعلق بك، كما أنَّ ردود أفعال الناس تجاهك تتعلَّق بوجهات نظرهم وتحيزاتهم وتجاربهم السابقة.

سواء اعتقد الناس أنَّك شخص مذهل، أم اعتقدوا أنَّك مقرف، فإنَّ الأمر أيضا يتعلَّق أكثر بهم وبنظرتهم إلى العالم؛ فإنَّني لا أحضُّك على أن تكون نرجسياً وتتجاهل جميع الآراء والتعليقات التي تتلقاها من الآخرين؛ بل أقول إنَّ الأذى والحزن وخيبة الأمل الهائلة التي نعاني منها في حياتنا تنبع مباشرةً من أنَّنا نأخذ الأمور على محمل شخصي أكثر من اللازم، ففي معظم الحالات، من الأفضل أن تتجاهل آراء الآخرين عنك، سواء كانت إيجابية أم سلبية، وأن تتَّبع حدسك بدلاً من ذلك.

2. تمنِّي التوفيق لهم ومتابعة حياتك:

لا تخفض من معاييرك، لكن عليك خفض توقعاتك لتجنُّب الشعور بخيبة الأمل، وتذكَّر أنَّ الآخرين لن يعاملوك بالضرورة بالطريقة التي تعاملهم بها، فليس كل شخص لطيفٌ مثلك، فكِّر في ذلك بعناية، ويبقى الاختبار الحقيقي في النهاية هو أن تبقى لطيفاً مع الأشخاص الفظِّين.

إذ يمكنك دائماً أن تتجاوز الخلاف، وأن تتعامل بلطفٍ مع الأشخاص الذين تختلف معهم بشدة، فإنَّك لا تعرف أبداً ما مرَّ به الناس في حياتهم، أو ما يمرون به اليوم؛ لذا ابذل قصارى جهدك لتكون لطيفاً وكريماً ومحترماً مهما حدث، فإنَّ جميع الناس القساة والباردين الذين قابلتهم كانوا في يوم من الأيام لطيفين حقاً، وهذه هي مأساة الحياة؛ لذلك عندما يكون الناس فظِّين ووقحين، كن واعياً وتعامَل بأفضل طريقة ممكنة، ارحم الناس كما تأمل أن ترحمك الحياة عندما تمر بيومٍ سيِّئ، ولن تندم على ذلك أبداً.

شاهد بالفديو: كيف تتعامل مع أصحاب الطِّباع الحادّة وصعبي المراس؟

3. تجسيد السلوك الذي ترغب أن يقتدي الآخرون به:

عندما يُصرُّ شخص ما على معاداتك وجرِّك إلى مآسي حياته، كن مثالاً يُحتذى به، تجاهَل تصرفاتهم السخيفة وحاول إبداء التعاطف فقط، تواصل وعبِّر عن نفسك بسلامٍ وحب ونيةٍ حسنة، ارفع صوتك في سبيل الخير والإلهام والتشجيع والتثقيف ونشر السلوك الذي تريد رؤيته في الآخرين، لكن ليس من السهل تطبيق ذلك على أرض الواقع؛ إذ يتطلَّب الأمر ممارسة طويلة.

حتى بعد عقود من الخبرة، أجد نفسي أحياناً أتصرَّف بوقاحةٍ مع الأشخاص الوقحين وأعاملهم بطريقةٍ سيئة، وحتى لو كان الخطأ خطأهم تماماً، فإنَّ سلوكي لا يؤدي إلَّا إلى تصعيد الموقف؛ لذلك أحاول بجدية أن آخذ نفس عميقاً وأكون مثالاً يُحتذى به في كيفية تعاملي مع مشاعر الغضب والإحباط، وأحاول أيضاً التحلي بالصبر والرحمة، وأُصِرُّ على التعامل مع الأشخاص صعبي المراس بطريقةٍ إيجابية؛ إذ يساعدني ذلك دائماً على إحراز تقدُّم في حياتي، حتى لو لم يكن فورياً.

4. الابتعاد عن المحادثات السلبية:

لا بأس في تغيير الموضوع، أو التحدث عن موضوع إيجابي، أو توجيه المحادثات بعيداً عن الشفقة على الذات والمبالغة، كن مستعداً لمخالفة آراء الناس والتعامُل مع عواقب ذلك، فبعض الناس لا يَعون حقاً صعوبة طباعهم وسلوكهم المتهوِّر.

يمكنك ببساطةٍ أن تخبر شخصاً بألا يُكلِّمك إلَّا إذا احتاج إلى شيء ما، ويمكنك أيضاً أن تكون صريحاً إذا كانت عقليتهم السلبية تنفِّرك منهم، قل إنَّك تحاول التركيز على الأشياء الإيجابية، وإنَّك تريد الحديث في موضوعات أخرى، قد ينجح الأمر وقد لا ينجح، لكنَّ صراحتك سوف تضمن أنَّ أي اتصال في المستقبل سيجلب الخير للطرفين.

5. وضع حدود سليمة ومعقولة:

أدرك مشاعرك واحتياجاتك، ولاحظ الأوقات والظروف التي تشعر فيها بالاستياء من تلبية احتياجات شخص آخر، ضع الحدود تدريجياً من خلال رفض الطلبات التي تسبِّب لك الإزعاج؛ إذ سيكون هذا صعباً في البداية؛ لأنَّه قد يبدو أنانياً بعض الشيء.

لكن إذا سافرت على متن طائرة من قبل، ستعلم أنَّ المضيفات يوجِّهن الركاب إلى ارتداء أقنعة الأوكسجين قبل إعطائها للآخرين، وحتى لأطفالهم؛ لأنَّه لا يمكنك مساعدة الآخرين إذا كنت عاجزاً، فإنَّ المبادرة إلى وضع حدود سليمة ومعقولة مع الأشخاص صعبي المراس هي أحد أفضل الأشياء التي يمكنك القيام بها لنفسك ولمن تهتم بأمرهم.

سوف تعزِّز هذه الحدود أفضل ما فيك وتحافظ عليه، بحيث يمكنك مشاركته مع الأشخاص الهامين في حياتك، وليس فقط هؤلاء الذين يقيِّدوك بكثرة طلباتهم.

6. تخصيص وقت إضافي لنفسك:

يصعب التعامل مع الأشخاص الذين يتخبَّطون في مشكلاتهم ويفشلون في التركيز على الحلول؛ إذ إنَّهم يريدون أن يشاركهم الآخرون شفقتهم على ذواتهم طوال الوقت حتى يشعروا بالرضى عن أنفسهم، وقد تشعر بأنَّك مجبرٌ على الاستماع إلى شكواهم لأنَّك لا تريد أن تبدو قاسياً أو وقحاً، لكن ثمَّة خيط رفيع بين الإنصات للناس بعطف وبين الانغماس في تلبية طلبات الآخرين.

إذا كنت مجبراً على العيش أو العمل مع شخص صعب المراس، فتأكَّد من قضاء وقت كافٍ بمفردك للاسترخاء والراحة والتعافي؛ وذلك لأنَّ الاضطرار إلى تأدية دور الشخص البالغ العقلاني الذي يتقبَّل دوماً تقلباتهم المزاجية قد يكون مرهقاً جداً، وإذا لم تنتبه جيداً، فإنَّ عقليتهم السلبية قد تصيبك بالعدوى.

حتى الأشخاص الذين يعانون من مشكلات وأمراض حقيقية يمكنهم أن يفهموا أيضاً أنَّه لديك احتياجاتك الخاصة، ممَّا يعني أنَّك تستطيع الانسحاب بأدب عندما تحتاج إلى ذلك.

7. إخبارهم بأنَّك لا تكترث:

هذا هو الملاذ الأخير، إذا بذلت قصارى جهدك للتواصل باحترام مع شخص صعب المراس، أو أن تنأى بنفسك عنه بأدب، لكنَّه يصر على ملاحقتك والإساءة إليك لأي سبب كان، فقد حان الوقت لإخباره أنَّ كلماته لا قيمة لها، ففي مثل هذه المواقف، قل لهم بكل احترام إنَّ الأمر لا يعنيك.

قل ذلك لأي شخص يحكم علانيةً على شيء ما تؤمن به بشدة أو شيء يمسُّك شخصياً، وذكِّر نفسك بأنَّك لم ترتكب أي خطأ؛ إذ سيحكم عليك بعض الأشخاص لا محالة بصرف النظر عمَّا تفعله، ولا بأس بذلك، لقد أثرت في حياتهم، فلا تدعهم يؤثرون في حياتك.

إقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع الناس حسب شخصياتهم؟

في الختام:

لا فائدة من تغيير سلوك الأشخاص صعبي المراس إذا لم تكن مستعداً لتعزيز علاقاتك مع الأناس الطيبين، ففي بعض الأحيان، قد تجد أنَّ الخلافات بينك وبين شخص آخر تتلاشى بسرعة عندما تُقلِّل عنادك، لا أحاول هنا أن أعظك، فهذا شيء ما زلت أعمل عليه في حياتي الخاصة ويحتاج إلى ممارسةٍ مدى الحياة.

بادر بتلك المكالمة الأولى، وقدِّم مجاملةً صادقة، وحدِّد موعداً للذهاب في نزهة ممتعة مع وضع آراء الآخرين في الحسبان، وأرسل تلك النكتة المضحكة دون الحاجة إلى سبب لإرسالها، فثمَّة كثير من الطرائق لتعزيز العلاقات مع الأشخاص الطيبين الذين يستحقون منك التضحية والجهد الإضافي، وعندما تكون نواياك حسنة وتحيط نفسك بأشخاص طيبين، ستجد السلبية والعناد غير الضروريين يتلاشيان بسرعةٍ من حياتك.

يعود هذا بنا إلى النقطة الثالثة أعلاه؛ مثلما يبدِّد الضوء الظلام، يجب أن يكون نورك مثالاً ساطعاً لكل من حولك، بما في ذلك أولئك الذين يعملون بنية حسنة ولكنَّهم لا يدركون كم هم صعبو المراس، ومع أنَّك قد تحتاج إلى الحد من تعاملك مع بعض الأشخاص، فإنَّ سلوكك قد يلهمهم ليصبحوا بطريقةٍ أو بأخرى أشخاصاً أفضل على الأمد الطويل.




مقالات مرتبطة