7 خرافات حول التفاؤل والتشاؤم

يُعَدُّ التفاؤل من أكثر الخصائص البشرية شهرةً، حيث أظهرَت العديد من الدراسات أنَّ المتفائلين يميلون إلى أن يكونوا أفضل حالاً في الحياة من أصدقائهم المتشائمين، على الأقل عندما يتعلَّق الأمر بالصحة الجسدية والعقلية، والقدرة على التأقلم.



والعلاقات، والحياة المهنيَّة، وإدارة الألم، وحتى طول العمر؛ فعندما نكون مرحين ونتوقع الأفضل، فإنَّ ذلك سيجعل الأمور تؤول إلى الأفضل بالتأكيد.

لكن هل كلُّ هذا واضحٌ وبسيط؟ وهل التفاؤل عاملٌ تكيفيٌّ دائماً؟ وهل فعلاً لا يوجد شيءٌ جيِّدٌ في أن تكون متشائماً؟

تشير أبحاث عالمة النفس "جولي نوريم" (Julie Norem) إلى خلاف ذلك.

درسَت الدكتورة "نوريم" ظاهرة التشاؤم الدفاعي لما يقرب من أربعة عقود، والتي تتناول الاستراتيجية الإدراكية لوضع سقفٍ منخفض للتوقعات المرجوَّة وأخذِ أسوأ السيناريوهات للأحداث المستقبلية في الحسبان، وقد اتضحَ أنَّ عادة عدم رفع آمالك يمكِن أن تساعد في إدارة القلق واكتساب الشعور بالسيطرة.

ووجدَت الدكتورة "نوريم" في بحثها أنَّ استخدام التشاؤم الدفاعي كان مرتبطاً باتخاذ المزيد من التدابير الوقائية في أثناء جائحة "كوفيد-19" (على سبيل المثال: غسل اليدين، وارتداء الكمَّامات، والتباعد الاجتماعي)، والسلوكات الأقل خطورة (على سبيل المثال: اللقاء مع أشخاصٍ لا تعيش معهم)، وتوضِّح الدكتورة "نوريم": "إنَّ المتشائمين الدفاعيين هم بلا شكٍّ قلقون أكثر من نظرائهم المتفائلين، لكنَّهم أيضاً يبذلون جهداً أكبر لإدارة المخاطر بشكل فعَّال".

إنَّ واحدةً من أكبر المفاجآت في بحث الدكتورة "نوريم" هي تردُّد الجمهور في تقبُّل حتى مجرد فكرة وجود شيءٍ إيجابيٍّ حول التشاؤم، ومع ذلك لعلَّها من المفارقات أنَّ الكثير من الناس يشعرون بالارتياح والفاعليَّة عندما يكتشفون أنَّهم متشائمون دفاعيون.

وها هي الدكتورة "نوريم"، بكلماتها الخاصة عن الخرافات السبع حول التفاؤل والتشاؤم، تعطي مثالَين عندما يكون التشاؤم الدفاعي أكثر فاعليةً، وطريقتين لتعزيز التفاؤل:

1. إما أن يكون المرء متفائلاً أو متشائماً:

ذلك غير صحيح، حيث إنَّ وجهات نظر الناس تختلف من مجالٍ إلى آخر، فعلى سبيل المثال: يمكِنك أن تكون متفائلاً بشأن حياتك الاجتماعية ومتشائماً بشأن عملك، وعلاوةً على ذلك يمكِننا النظر إلى التفاؤل والتشاؤم على أنَّهما توجُّهٌ لتوقُّع أشياء جيدة أو سيئة (على مستوى السمات)، أو مدى ميل الأشخاص ليختبروا التأثيرات السلبية والإيجابية (المستوى المزاجي).

كلُّ ما سبق هو فقط عبارة عن نزعات، فهي ليست أموراً حتميةً لتوقعات محدَّدة في مواقف محدَّدة، فعلى الرغم من أنَّ هذه النزعات يمكِن أن تتأثر بالصفات الوراثية، إلا أنَّها فقط ترشدنا في اتجاهٍ معيَّن في الوقت الذي لا نزال نمتلك فيه حرية اتخاذ القرار.

2. التفاؤل أمر فطري وليس مُكتسَب:

إنَّ هذه الخرافة شاملةٌ للغاية لدرجةٍ يصعب تصديقها، ففي حين أنَّنا لا نملك الكثير من الأدلة على أنَّه باستطاعتنا التخلص من نزعاتنا لتجربة التأثير السلبي، تشير دراسات العلاج الإدراكي إلى أنَّه يمكِن للناس أن يتعلموا كيف ينظرون إلى المواقف، فذلك ليس سهلاً لكنَّه ممكنٌ.

شاهد بالفيديو: كيف تزرع التفاؤل في حياتك؟

10 خطوات بسيطة لنشر التفاؤل والطاقة الإيجابية

3. أن تكون متفائلاً أفضل دائماً من أن تكون متشائماً:

هذا غير صحيح، حيث وجدَت أبحاثٌ عدَّة من اليابان أنَّ المتشائمين الدفاعيين يقومون بعملٍ أفضل من المتفائلين من حيث التأثير والأداء الفعلي، أما الدراسات التي أُجرِيَت في الولايات المتحدة، فتُظهر أنَّ المتشائمين الدفاعيين يجيدون أداء أعمالهم بقدر المتفائلين كمعدل وسطي، ويمكِن القول إنَّ لدى المتشائمين الدفاعيين تأثيراً سلبياً أكبر، لكن ليس بالضرورة تأثيراً إيجابياً أقل.

إنَّ الاعتقاد الشائع في الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بالتأثير الإيجابي هو أنَّه كلما زاد ذلك التأثير، كان ذلك أفضل؛ فإذا كنتَ تشعر بمشاعر سلبية، فغالباً ما سيكون لديك الدافع للتخلص منها؛ وذلك لأنَّها تجعلك تشعر وكأنَّك تفشل في شيء ما، وأما في المجتمعات الأخرى، ومن ضمنها اليابان، تكون الحياة العاطفية المثالية أكثر توازناً، حيث يدرك الشخص المتَّزن نفسياً أنَّ هناك سلبياتٍ وإيجابياتٍ في معظم الأشياء في الحياة ويسمح لنفسه بتجربة كليهما.

4. المتشائمون أكثر عُرضةً للاكتئاب من المتفائلين:

إنَّ هذا صحيح، حيث يكون المتشائمون، من حيث السمات العامة، أكثر عُرضةً لخطر الإصابة بالاكتئاب، ولكنَّ الصورة الكليَّة هي أكثر تعقيداً من ذلك؛ حيث تُظهر الأبحاث أنَّ المتشائمين الدفاعيين هم في الواقع أقلُّ عُرضةً للاكتئاب من غيرهم من المتشائمين، وليس أكثر بكثير من المتفائلين، ولكن ما يزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب هو عندما يقترن التشاؤم باليأس؛ أي عندما لا يشعر المتشائمون أنَّ لديهم أيَّة سيطرةٍ على ظروفهم.

يُعَدُّ هنا التمييز بين التشاؤم الدفاعي والتشاؤم القدري المرتبط بالإيمان بالقضاء والقدر أمراً مهماً، حيث يتَّجه المتشائمون الدفاعيون نحو تحسين الأمور في حياتهم أو إنجازها، وفي المقابل، قد يكون لدى المتشائمين القدريين النزعة الكامنة نفسها لتجربة المشاعر السلبية، ولكن بدلاً من البحث بنشاط عما يمكِن أن يفعلوه في العالم، يفترضون أنَّ مصيرهم هو أن يكونوا على ما هم عليه؛ وبالتالي لا وجود للأمل في حياتهم، وهذا هو المسار الذي يؤدي إلى الاكتئاب.

إقرأ أيضاً: كيف يمكن للمتفائلين والمتشائمين أن يشكلا فريقاً متكاملاً ناجحاً

5. إنَّ التفاؤل هو عنصرٌ أساسي في ازدهار الإنسان، في حين أنَّ التشاؤم هو عائقٌ رئيس أمام السعادة:

تُعَدُّ هذه الخرافة في غاية التبسيط والاختزال، فإذا عرَّفتَ الازدهار في المقام الأول من زاوية المشاعر الإيجابية، فإنَّ التفاؤل بالفعل يجعلك أكثر عُرضةً لتجربة المشاعر الإيجابية، ولكن بما أنَّ ذلك مرتبط بالميل المزاجي لتجربة المشاعر الإيجابية، فمن غير الواضح ما الذي يأتي أولاً، ومن غير الواضح أيضاً أنَّ ما يربط المشاعر الإيجابية بالتفاؤل هو وثيق الصلة بالأشخاص غير المتفائلين، فالأمر ليس كما لو أنَّ الناس يمكِن أن يتظاهروا بالتفاؤل وأنَّ الأمور بالضرورة ستتحسن بالنسبة إليهم.

6. يمكِن للمتشائمين أن يكونوا سعداء أيضاً:

هذا صحيح، حيث إنّ القيمة التي يضعها الناس على السعادة كنتيجة تتفاوت تفاوتاً هائلاً، فمن المؤكَّد أنَّ المتشائمين الدفاعيين لديهم لحظات كثيرة من السعادة ويستمتعون بالعديد من الأشياء في حياتهم، لكنَّ ذلك ليس مركز اهتمامهم، وبدلاً من ذلك، هم يريدون تجنُّب الشعور بالندم والعمل على تحقيق أهدافهم، ويرغبون بالشعور كما لو أنَّهم بذلوا قصارى جهدهم في موقفٍ معيَّن ويريدون إدارة اضطراباتهم حتى لا تتعارض مع أهدافهم.

وبجانب ذلك، إنَّ المتشائمين الدفاعيين قادرون على تحمُّل المشاعر السلبية، فبالنسبة إلى كثيرٍ من الناس، بمجرد إدراكهم أنَّهم قلقون يصبح هدفهم الأساسي التخلص من القلق وتحقيق الشعور بالسعادة؛ وبالتالي تكمن قوة المتشائمين الدفاعيين في قدرتهم على القول: "أنا أدرك أنَّني أشعر بالقلق، وأعرف ما الذي ينبغي فعله للتخلص منه، ولن أتركه يعيق طريقي". يختلف هذا المنهج عن إنكار القلق أو محاولة قمعه أو تجنُّبه.

7. لا توجد سلبياتٌ للتفاؤل:

هذا غير صحيح، حيث غالباً ما يبدو التفاؤل خلال اللحظة الراهنة جيداً؛ وذلك لأنَّه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالشعور بالسعادة، في حين أنَّ الجانب السلبي للتفاؤل يأتي عندما تنظر إلى كيفية تخطيط الناس وتوقُّعهم للأحداث المستقبلية، ولا يتفاجأ المتشائمون أبداً عندما تسوء الأمور، بينما غالباً ما ينصدم المتفائلون بالنكسات، فعادةً ما يتم التعامل مع النتيجة السلبية غير المتوقعة على أنَّها أكثر سلبيةً مما لو كان المرء يتوقعها، فإذا كنتَ دائماً تتوقع حدوث أشياء رائعة وتشعر بخيبة أملٍ مستمرة، فأنت لستَ قادراً على التكيف مع الظروف بشكلٍ كبيرٍ.

كتب وزير الدفاع الأمريكي الأسبق "جون ماكين" (John McCain) عن كيف أنَّ المتفائلين يعانون أكثر من غيرهم في معسكرات الاعتقال، حيث ظلُّوا يخبرون أنفسهم أنَّهم سيكونون أحراراً بحلول تاريخٍ معيَّنٍ، وعندما لم يحدث ذلك إطلاقاً أُصيبوا بالاكتئاب الشديد، وعلى الرغم من أنَّ هذه الحالة متطرفةٌ للغاية، إلا أنَّها استحوذَت على جزءٍ من الفرضية، ويمكِن القول إنَّ الخطر الآخر للتفاؤل هو أنَّ التفكير الإيجابي بشكل دائم قد يجعلك تشعر بالثقة المفرطة؛ وبالتالي يقودك إلى تجاهل المخاطر والمشكلات المحتَملة التي تحتاج إلى التعامل معها بجديَّة.

وفضلاً عن ذلك، تُظهر الأبحاث أنَّ المتفائلين يبلون بلاءً حسناً مع التحديات المناعية على الأمد القصير، فعندما تتأثر وظائف المناعة لديك بردِّ فعلٍ أوَّليٍ كبيرٍ، يمكِن أن يكون ذلك جيداً لك لمحاربة الزكام، ولكن كلما طالت فترة التحديات، ازدادت المشكلات التي يتعرض لها جهاز المناعة؛ وبالتالي لا يمكِنك الحفاظ على هذا المستوى من المقاومة في جهازك المناعي.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح ذهبية تجعل منك شخص متفائل

متى يكون التشاؤم الدفاعي أكثر فائدةً؟

  • مع النتائج السلبية التي يمكِن أن تكون مهمةً.
  • عندما تكون هناك العديد من الأشياء التي يمكِنك القيام بها لمنع هذه النتائج.

إذا كنتَ في موقفٍ تكون فيه الكارثة مؤكَّدةً ولا يوجد شيءٌ يمكِنك القيام به، فإنَّ التشاؤم الدفاعي لن يساعدك، وبالمثل، إذا كنتَ في موقفٍ لا تكون فيه النتيجة بهذه الأهمية (على سبيل المثال: عند التخطيط لاختيار طريقٍ تسلكه إلى متجر البقالة)، فقد يكلفك التشاؤم الدفاعي أكثر مما يمكِن أن يفيدك، ومن جهة أخرى، إذا كنتَ في موقفٍ يمكِن للنتائج السلبية فيه أن تكون خطيرةً، فقد يكون التشاؤم الدفاعي عنصراً تكيفياً، فعلى سبيل المثال: يُفضَّل أن يكون الشخص المسؤول عن مفاعلٍ نووي متشائماً دفاعياً، حتى يتمكن من توقُّع كل ما هو محتمل أن يحدث بشكلٍ خاطئٍ، ويعمل على منعه.

كيف تكون أكثر تفاؤلاً؟

  • حاوِل قضاء الوقت بانتظام في التفكير في المرات التي سارت فيها الأمور على ما يرام في حياتك، حيث إنَّ القيام بذلك سيسمح لهذه الذكريات الإيجابية بأن تصبح متاحةً على الفور لتتذكرها، الأمر الذي سيساعدك في السيناريوهات المستقبلية.
  • حاوِل إنشاء تصوُّراتٍ مختلفة محتملة لموقفٍ معيَّن ولاحِظ أنَّ التصوُّر قد لا يكون متأصلاً في الموقف؛ فهذا سيساعدك على إدراك أنَّه قد يكون لديك خيار في كيفية النظر إلى المواقف؛ فعندما يكون ذلك ممكناً، اتَّخِذ هذا الخيار.
  • أظهرَت الأبحاث السابقة أنَّ التفاؤل يمكِن أن يفيد بخصوص السعادة والعلاقات والصحة.
  • لكنَّ التشاؤم الدفاعي؛ أي تخفيض مستوى التوقعات والنظر في أسوأ السيناريوهات، يمكِن أن يساعد في تخفيض مستوى القلق.
  • يكون التشاؤم الدفاعي أكثر فائدةً عندما تكون النتائج السلبية مهمةً لأخذِها في عين الاعتبار، وعندما يمكِن منعها.

الأفكار الرئيسة:

  • أظهرَت الأبحاث السابقة أنَّ التفاؤل يمكِن أن يفيد بخصوص السعادة والعلاقات والصحة.
  • لكنَّ التشاؤم الدفاعي؛ أي تخفيض مستوى التوقعات والنظر في أسوأ السيناريوهات، يمكِن أن يساعد في تخفيض مستوى القلق.
  • يكون التشاؤم الدفاعي أكثر فائدةً عندما تكون النتائج السلبية مهمةً لأخذِها في عين الاعتبار، وعندما يمكِن منعها.

المصدر




مقالات مرتبطة