يمكن أن تبدو الذاكرة طويلة الأمد، والذاكرة بشكلٍ عامٍ؛ غامضة. تتعلَّم شيئاً، فيتخزَّن في مكانٍ ما من دماغك، وبعد ذلك تأمل أن تتذكَّره عندما تحتاج إليه. ومع ذلك، نحن نعلم أنَّ الذاكرة ليست دقيقةً، فهي ليست ببساطةٍ عملية تخزين واسترجاع، فنحن لسنا روبوتات. في بعض الأحيان، قد يبدو الأمر أشبه بالبحث عن ملاقط في قبوٍ ممتلئ.
لذلك، فهم القليل عن كيفيَّة عمل الذاكرة طويلة الأمد يمكن أن يمنحنا بعض الحيل القيِّمة حول كيفيَّة تعزيزها، وتحسين عملية الاسترجاع.
أين تحدث الذاكرة طويلة الأمد؟
يتم تقسيم الذاكرة إلى ثلاثة أجزاء: الترميز (التشفير)، والتخزين، والاسترداد. أولاً، ندرك شيئاً ما، ليُشفَّر في الدماغ كذاكرة؛ وبعد ذلك، تُخزَّن الذاكرة في مناطق الدماغ المختلفة؛ وأخيراً، نقوم باسترجاع أو استدعاء الذاكرة عند الضرورة.
التَّرسيخ: عملية نقل الذاكرة قصيرة الأمد إلى ذاكرةٍ طويلة الأمد، وقد توصَّل العلماء إلى بعض الاكتشافات الجديدة حول كيفيَّة حدوث عملية التَّرسيخ هذه.
حتَّى وقتٍ قريبٍ إلى حدٍ ما، اعتقد العلماء أنَّ الذكريات قصيرة الأمد تحدث في الحُصين، ثمَّ تُرسَّخ في مناطق أخرى من الدماغ؛ لكنَّ الدراسات الجديدة قدَّمت نموذجاً آخر لكيفيَّة عمل الذاكرة على الأمد الطويل.
تقول النظريَّة القديمة عن الذاكرة أنَّ الذكريات تُرمَّز في الحُصين كذكرياتٍ قصيرة الأمد، ويجري ترسيخها لاحقاً أو نقلها إلى القشرة المخية. ولكن هناك نظريةٌ حديثةٌ توصَّل العلماء إليها مؤخراً (نموذج حفظٍ متعدد)، فبدلاً من البدء في الحصين، يوضِّح هذا النموذج أنََ الذكريات تبدأ في الحصين والقشرة المخيَّة في وقتٍ واحد.
بدلاً من نقل الذكريات من منطقةٍ إلى أخرى، يزداد حفظ الذاكرة في القشرة المخيَّة على مدى أسبوعين لتصبح ذاكرةً طويلة الأمد، بينما تضعف الذاكرة في الحُصين خلال تلك الفترة الزمنية نفسها.
يعدّ هذا فارقاً هامَّاً؛ لأنَّه بدلاً من محاولة تعزيز النَّقل من الذاكرة قصيرة الأمد إلى الذاكرة طويلة الأمد (الحصين إلى القشرة المخية الحديثة)، قد نعزِّز بالفعل ما بدأ في القشرة المخيَّة الحديثة وحفظه كذاكرة طويلة الأمد.
كيفيَّة تحسين ذاكرتك ذات الأمد الطويل:
فيما يلي 7 طرائق مثبتةٌ علمياً لتقوية تلك الذكريات في القشرة المخيَّة، وتعزيز ذاكرتك طويلة الأمد:
1. تمرَّن:
أظهرت الدراسات أنَّ المشي والجري يساعدان في تحسين الذاكرة طويلة الأمد. الفكرة هي الحصول على هذا التمرين في أثناء مرحلة ترميز الذاكرة، وهذا يعني القراءة في أثناء المشي أو مراجعة كلامك في أثناء حملك للأثقال. هذا يساعد في تعزيز ذاكرتك طويلة الأمد.
الخبر السَّار هو أنَّه حتَّى التمرين الخفيف في أثناء مرحلة التشفير (الترميز) يُعزِّز استرجاع الذاكرة على المدى الطويل لاحقاً.
2. احصل على قسط كاف من النوم:
اكتشف العلماء مؤخراً أنَّ النوم يساعد أدمغتنا في مسح بعض الذكريات، ممَّا يساعد في تقوية ذكرياتٍ أخرى. إنَّها عمليةٌ ضروريةٌ تتطلَّب منَّا الحصول على راحةٍ جيدةٍ في اللَّيل والكثير من النوم.
فمن أجل استعادة الذكريات طويلة الأمد التي نحتاجها لاحقاً، نحتاج إلى وقت الرَّاحة ليلاً للتخلُّص من الذكريات الأقلِّ أهمية.
3. اشرب القهوة:
خبرٌ سارٌ لجميع مدمني القهوة: يساعد الكافئين في تعزيز ذاكرتك على الأمد الطويل. في إحدى الدراسات، أُعطِي المشاركون مادة الكافئين بعد اختبار الذاكرة، وأظهرت النتائج أنَّ الكافئين قد ساعد في ترسيخ الذاكرة على المدى الطويل.
4. انتبه أكثر:
تعتمد الذاكرة على أول خطوةٍ في العمليَّة، علينا ترميز المعلومات قبل أن تُخزَّن؛ لهذا من الهامِّ جداً الانتباه جيداً في المرة الأولى التي نعرف فيها معلوماتٍ جديدة. في إحدى الدِّراسات الرَّائعة المطبَّقة على الأطفال الصغار، حاول العلماء تحديد ما إذا كان التقليد الفوري قد ساعد الأطفال الصَّغار في تقوية ذاكرتهم طويلة الأمد في الاختبارات اللاحقة.
ما وجدوه أنَّ التقليد لم يكن ضرورياً في الواقع لتحسين استرجاع الذاكرة لاحقاً، فقد كان مفتاح استعادة الذاكرة النَّاجحة على الأمد الطويل هو الانتباه في المقام الأول. لم يكن من الضروري أن يقوم الأطفال بتكرار المعلومات، ولكنَّهم فقط انتبهوا إليها. لذا سواءً أَكنت تكرِّر أم تدوِّن ملاحظاتٍ أم تحدِّق باهتمام، فإنَّ الخلاصة هي أنَّك تحتاج إلى الانتباه لتعزيز تخزين الذاكرة واسترجاعها على الأمد الطويل في المستقبل.
5. اختبر نفسك:
طريقةٌ أخرى لتقوية ذاكرتك طويلة الأمد، وهي اختبار نفسك. من الهامِّ الانتباه، ولكن من أجل تعزيز استرجاع الذاكرة في النهاية، اختبر نفسك بشكلٍ دوريٍّ لمعرفة ما تتذكَّره.
أظهر الفحص أنَّ اختبار نفسك يحسِّن الاحتفاظ. فكِّر فقط في قراءة ملاحظاتك، واستخدم البطاقات التعليميَّة لاختبار نفسك.
عندما تتصفح ملاحظاتك فأنت لا تهتمّ بما تفعله فحسب؛ بل وتمارس استرجاع الذاكرة على الأمد الطويل.
ومع ذلك، عندما تكتب بطاقات الاستذكار، أو تنشئ اختباراً تدريبيَّاً، أو تغطي الإجابات وتختبر نفسك؛ فأنت تجبر نفسك على مراجعة ما تفعله وتذكُّر الذكريات الأضعف من غيرها، واسترجاع وتقوية ذاكرتك طويلة الأمد.
6. ممارسة الاستعادة المتكررة:
إنَّ اختبار نفسك هو أمرٌ تقوم به لمرةٍ واحدة، ولكن إذا كنت ترغب في الارتقاء بذاكرتك إلى مستوىً أعلى، فأنت بحاجةٍ إلى تجربة الاستعادة المتكررة.
بدلاً من مجرد اختبار نفسك مرة واحدة، فإنَّ الاستعادة المتكررة هي الشيء الذي تقوم فيه باختبار نفسك عدَّة مراتٍ على مدار فترةٍ من الزمن؛ نظراً لأنَّ الأمر يستغرق أسبوعين لتقوية تلك الذكريات في القشرة المخية، فهذا هو المعيار لاستعادةٍ متكررة.
تُعرَف الاستعادة المتكررة أيضاً بالاستعادة المتباعدة. كانت الشركات التي تستخدم هذه التقنية موجودةً منذ السبعينيات، ولكن الآن وبفضل التقدُّم التكنولوجي، يمكنك الوصول بسهولةٍ إلى مختلف أدوات التكرار عبر الإنترنت.
المفهوم بسيط: ستسأل سؤالاً، وإذا عرفت الإجابة فستكون في جهةٍ (افتراضيةٍ أو حقيقيةٍ) معينة، وإذا كنت لا تعرفها، فستذهب إلى جهةٍ أخرى.
سوف يمضي وقتٌ أطول قبل أن تصل إلى المرحلة التي تصبح فيها تعرف إجابات الأسئلة المطروحة أكثر من التي لا تعرف إجاباتها؛ حيث يزيد الفاصل الزمني بين الأسئلة في كلِّ مرةٍ تجيب فيها بشكلٍ صحيح، حتَّى تكون ذاكرتك طويلة الأمد سليمة.
7. المباعدة بين جلسات الدِّراسة:
بدلاً من تكديس المعلومات، باعد بين جلسات الدِّراسة الخاصَّة بك لتحسين الذاكرة طويلة الأمد. عندما تحشر المعلومات، ستتخزَّن فقط في الذاكرة قصيرة الأمد في الحصين الخاصِّ بك، في حين أنَّ تباعُد جلساتك الدراسية يجبرك على ترسيخ تلك المعلومات في قشرتك الجديدة.
في الختام:
الذاكرة شيء مبهم، ولا يزال هناك الكثير ممَّا لا نعرفه عنها، لكنَّ الدراسات الحديثة سلَّطت الضوء على التقنيات التي يمكننا استخدامها لتحسين ذاكرتنا على الأمد الطويل بشكلٍ أفضل.
إنَّ معرفة أنَّ الذكريات تُشفَّر في وقتٍ واحدٍ في مناطق متعددةٍ من الدماغ، يمكن أن تساعدنا في التفكير أكثر في تقوية تلك الذكريات بدلاً من نقلها من منطقةٍ إلى أخرى.
يمكن أن يساعد التمرين والكافئين والاهتمام بالعالم من حولنا، في تحسين ذاكرتنا. بعد ذلك، يمكن أن يساعدنا اختبار أنفسنا بمرور الوقت في تخزين واسترجاع تلك الذكريات طويلة الأمد.
من الهامِّ معرفة أنَّ الذَّاكرة عمليةٌ تدريجيةٌ تحدث على مدى أسابيع، وليس لحظات. أيضاً، لا يمكن التقليل من أهميَّة النوم لعملية الذاكرة، فبدون راحةٍ جيدةٍ والوصول إلى مرحلة حركات العين السَّريعة في أثناء النوم، لا يتوفَّر للدماغ الوقت الكافي لتدقيق الذكريات التي يُحتفَظ بها وتحديد الذاكرة التي يجب التخلُّص منها.
بدون هذه الاستراتيجيات السَّبع، ستكون أدمغتنا مثل قبوٍ ممتلئ؛ لذا قم بتنظيفها، وإنشاء نظام استرجاعٍ تستخدمه بانتظام. وبعد استخدام هذه التقنيات السَّبع لتقوية ذاكرتك طويلة الأمد، سيكون دماغك أشبه بأرشيف مكتبة، بدلاً من قبوٍ فوضويٍّ وعفن.
الخبر الأخير السار: أنت لست كبيراً جداً؛ لذلك قم بتقوية ذاكرتك على الأمد الطويل، وابدأ من اليوم.
أضف تعليقاً