فكل هذه العواطف الإنسانية كالحب، والكراهية، والغضب، والفرح، والحزن هي أعظم هدية لنا، ولا حاجة إلى التخلُّص منها، فمن دونها لا معنى للحياة، ولكن تعلُّم كيفية السيطرة على عواطفك واستخدامها بدلاً من السماح لها باستخدامك، هو المفتاح لتحقيق أحلامك في كل جانب من جوانب حياتك.
ما هي العاطفة؟
العواطف هي حالات معقدة تنطوي على تغييرات جسدية ونفسية تؤثر بدورها في مزاجنا وسلوكنا؛ إذ تنطلق المشاعر من حدث أو من شيء معيَّن، وهذا يتسبَّب باستجابة فيزيولوجية في الجسم، فكل من السعادة والحزن يمكن أن يجعلنا نبكي، والخوف يجعل قلوبنا تتسارع، والغضب يجعلنا نشعر بالحرارة، كما أنَّنا نغيِّر سلوكنا وَفقاً للعاطفة، فقد نعانق شخصاً ما أو نهرب أو نصرخ ونقاتل، فمرحلة السلوك هي النقطة التي يؤدي فيها التحكُّم بالعواطف دوره، وعندما تعرف كيفية السيطرة على عواطفك يمكنك التحكُّم بها قبل أن تؤثر في سلوكك.
فهذه هي الإجابة المباشرة على سؤال "ما هي العاطفة؟"، وبالإضافة إلى هذا التعريف، هناك عدة نظريات عن أسباب العاطفة، ولماذا نستجيب لتجارب معيَّنة بالطريقة التي نقوم بها، فهناك شيء واحد مؤكَّد هو أنَّ: عاطفة الإنسان هي قوة جبَّارة لا يُستهان بها.
ما هو التحكُّم بالعواطف؟ إجابة علم النفس:
كما ذكرت من قبل مجلة "سايكولوجي توداي" (Psychology Today)، تطوَّر تعريف التحكُّم بالعواطف خلال القرن الماضي، وتبنَّى علم النفس الأمريكي في بدايته نظرية "جيمس لانج" (James-Lange Theory)، التي عدَّت أنَّ العواطف هي حصراً نتاج علم وظائف الأعضاء؛ أي استجابة عصبية لبعض المحفزات الخارجية، وتطوَّر هذا الرأي عندما أكَّدت "نظرية كانون-بارد" (Cannon-Bard Theory) أنَّ مهاد الدماغ يتوسَّط بين المنبهات الخارجية والتجربة العاطفية الذاتية.
فلم يُقدَّم مفهوم التحكم بالعواطف حتى الستينيات من خلال تجربة "شاختر وسينجر" (Schachter-Singer)؛ إذ أعطى الباحثون المشاركين في التجربة جرعة من فيتامين وهمي، ثمَّ شاهد المشاركون زملاءهم وهم يكملون مجموعة من الاستبيانات، وعندما رد الزملاء بغضب على الاستبيانات، شعر المشاركون بالغضب بدورهم، ولكن عندما استجاب الزملاء بسعادة، شعر المشاركون أيضاً بالسعادة؛ إذ أشارت نتائج الدراسة إلى وجود علاقة بين تأثير الأقران والتجربة المحسوسة للعاطفة.
ففكرة أنَّ العواطف تتأثر بالمنبهات الخارجية والداخلية عزَّزها الطبيب النفسي "ألين بيك" (Allen Beck)، الذي أظهر أنَّ الأفكار وتأثير الأقران والظروف تشكِّل المشاعر؛ فقد شكَّلت أبحاث "بيك" أساس العلاج السلوكي المعرفي الحديث، والمعيار الذهبي للتحكُّم بالعواطف كما هو مفهوم اليوم.
أهمية التحكُّم بالعواطف:
تؤدي العواطف والتحكُّم بها دوراً في تجربتنا الذاتية للعالم؛ أي في الطريقة التي نفسِّر بها الأشياء التي تحدث لنا، على عكس التجربة الموضوعية، وهي حقائق ما حدث بالفعل، وهذا هو السبب في أنَّ علماء النفس يدركون أنَّ الإجابة عن سؤال "ما هي العواطف؟" يتضمَّن القدرة على التأثير في طريقة تفكيرنا وتصرفنا.
فلا يمكننا تغيير تجربتنا الموضوعية؛ إذ تحدث أشياء كل يوم خارجة عن سيطرتنا، ولكن يمكننا تغيير تجربتنا الذاتية: المعنى الذي نسنده إلى تلك الأشياء، هذا هو مفهوم التحكُّم بالعواطف، وله تأثير هائل في علاقاتنا الشخصية، وتقدير الذات، ومهارات التواصل، والرضى العام عن الحياة.
شاهد بالفديو: 8 طرق يمكنك من خلالها بناء ذكائك العاطفي
العواطف توحِّدنا عبر مختلف الثقافات:
هناك ستة عواطف أساسية موحَّدة في جميع الثقافات: السعادة، والحزن، والخوف، والغضب، والمفاجأة، والاشمئزاز؛ إذ نشعر جميعاً بهذه المشاعر، على الرَّغم من وجود اختلافات ثقافية فيما يتعلَّق بالطريقة المناسبة للتعبير عن هذه العواطف.
تتحكم العواطف بإحساسنا بالعافية:
نظراً لأنَّ العواطف هي نتاج تجاربنا وكيفية إدراكنا لتلك التجارب، يمكننا تنمية المشاعر الإيجابية من خلال التركيز عليها، فهناك 10 عواطف قوية تُنمِّي مهارات التعاطف من خلال إنشاء قاعدة من التأثير الإيجابي، وعندما نستخدم قليلاً من الامتنان والعاطفة والحب والجوع والفضول والثقة والمرونة والبهجة والحيوية والشعور بالمساهمة، فإنَّنا نهيِّئ أنفسنا للشعور بالرضى.
التحكم بالعواطف يدعم العلاقات الصحية:
عندما تكون قادراً على إظهار المشاعر المناسبة للموقف، تكون قادراً على رعاية علاقاتك، وعندما لا تعرف كيف تتحكَّم بمشاعرك، يحدث النقيض لذلك، فقد تصبح غير قادر على السيطرة بسبب مضايقات يسيرة أو تتفاعل بغضب عندما يكون الحزن استجابة أكثر ملاءمة؛ إذ تؤثر استجابتك العاطفية فيمن حولك، وهذا يغيِّر علاقاتك للأفضل أو للأسوأ.
كيف تتحكم بعواطفك في ست خطوات؟
أفضل وقت للتعامل مع العواطف هو عندما تبدأ في الشعور بها وتجربتها بالكامل فبهذه الطريقة لن يستمر في الظهور مراراً وتكراراً، لكن باتباع هذه الخطوات الستة المباشرة، ستتعلَّم كيفية السيطرة على عواطفك والتحكُّم بحياتك:
1. تحديد ما تشعر به بالضبط:
تعلُّم كيفية السيطرة على عواطفك هو تحديد ما هي مشاعرك، ولاتخاذ هذه الخطوة نحو التحكم بالعواطف، اسأل نفسك ما يأتي:
- ما الذي أشعر به الآن؟
- هل هذه عاطفة؟
- أم أمرٌ آخر؟
2. الاعتراف وتقدير مشاعرك:
لا يعني التحكُّم بالعواطف الانغلاق أو إنكار عواطفك، بدلاً من ذلك فإنَّ تعلُّم كيفية السيطرة على عواطفك يعني تقديرها بصفتها جزءاً من نفسك.
- يجب ألَّا تتعامل أبداً مع عواطفك على أنَّها خطأ.
- تؤدي فكرة أنَّ أي شيء تشعر به "خطأ" إلى تدمير التواصل الصادق مع نفسك ومع الآخرين.
3. الفضول بشأن الرسالة التي تشير إليها هذه العواطف:
يعني التحكُّم بالعواطف التعامل معها بفضول، فهي ستعلِّمك الكثير عن نفسك إذا سمحت لها، ويساعدك الحصول على الفضول على ما يأتي:
- ضبط نمطك العاطفي الحالي.
- حل المشكلة.
- منع حدوث نفس المشكلة في المستقبل.
4. الثقة:
أسرع وأقوى طريق للتحكُّم بأي عاطفة هو تذكُّر وقت شعرت فيه بعاطفة مماثلة وتعاملت معها بنجاح، فنظراً لأنَّك تمكَّنت من إدارة العاطفة في الماضي، فمن المؤكَّد أنَّه يمكنك التعامل معها اليوم.
5. التأكُّد من أنَّه يمكنك التعامل مع مشاعرك ليس اليوم فقط، ولكن في المستقبل أيضاً:
للتحكُّم بعواطفك، ابنِ الثقة من خلال التدرُّب على التعامل مع المواقف التي قد تظهر فيها هذه المشاعر في المستقبل، شاهد واسمع واشعر أنَّك تتعامل مع الموقف، فهذا يعادل رفع الأثقال العاطفية، لذلك ستبني "العضلات" التي تحتاجها للتعامل مع مشاعرك بنجاح.
6. الحماسة واتخاذ الإجراءات:
الآن بعد أن تعلَّمت كيفية السيطرة على عواطفك، حان الوقت للحماسة بشأن حقيقة أنَّه يمكنك ما يأتي:
- التعامل مع هذه العواطف بسهولة.
- اتخاذ بعض الإجراءات على الفور.
- إثبات أنَّك تعاملت معها.
فالتحكُّم بالعواطف هو من أقوى المهارات التي يمكنك تعلُّمها لإنشاء حياة صادقة ومُرضية.
أضف تعليقاً