5 طرق لتجنب أقسى مسببات الندم المرافق للاحتضار

جميعنا فانون، وسنواجه الموت عاجلاً أم آجلاً؛ ما يستدعي التفكير بالمشاعر المرافقة للاحتضار والأمور التي قد نندم عليها حيال الطريقة التي عشنا وفقها حياتَنا.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدونة "آنجل كرنوف" (Angel Chernoff)، وتُحدِّثنا فيه عن مسبِّبات الندم المرافق للاحتضار، وتقدِّم مقترحاتٍ لتجنُّب الوقوع فيها.

قامَت ممرضة رعاية بتدوين مسببات الندم الشائعة بين المرضى المحتضرين في أثناء تأديتها لعملها، ووثَّقَت معلوماتِها في كتاب "5 أشياء ندم عليها من رقدوا على سرير الموت" (The Top Five Regrets of the Dying)، فقد تمنَّى كثيرٌ من المرضى لو أنَّهم لم يرهقوا أنفسهم كثيراً بالعمل، ولو أنَّهم امتلكوا الشجاعة الكافية للإفصاح عن مشاعرهم وبقوا على تواصل مع أصدقائهم.

يجدر بالمرء أن يتعلم من تجارب الآخرين؛ إذ لا بد أن تساعدنا أفكارُ الأشخاص الذين وصلوا لنهاية تجربتهم الحياتية وتجاربُهم على عيش حياتنا على أكمل وجه.

يناقش المقال مسببات الندم الواردة في كتاب ممرضة الرعاية باختصار، ويقدم مقترحات لتجنب الوقوع فيها، وفي حين أنَّه من المحال تغيير الماضي إلَّا أنَّنا نستطيع تغيير حاضرنا ومستقبلنا.

إليك فيما يأتي 5 طرائق لتجنب أقسى مسبِّبات الندم المرافق للاحتضار، ومقترحات لتجنُّب الوقوع فيها:

1. الندم الأول: أتمنَّى لو أنَّني امتلكت الشجاعة لعيش الحياة التي أردتها لنفسي لا تلك التي أرادها الآخرون لي

عليك أن تتأمَّل حياتك وتتحقق فيما إذا كنت تعيشها وفق الطريقة التي تريدها لنفسك أم التي يريدها الآخرون لك.

يعيش كثيرٌ من الناس الحياة التي يفرضها عليهم الآخرون كاتخاذ القرارات التي يمليها عليهم آباؤهم أو الناس الآخرون بمعزل عن رغباتهم أو قناعاتهم، ويشتكي أغلب الأفراد من تورطهم في حياة مهنية بغيضة لأنَّهم اختاروها بناءً على توصيات أقرانهم وعائلتهم بدلاً من تأسيس حياة مهنية تحوز على اهتمامهم.

ربَّاني والداي والنظام التعليمي بطريقة قمعية، وعلى الرَّغم من أنَّني لم ألُم أحداً على ظروف تنشئتي لأنَّني أؤمن بأنَّ والديَّ وأساتذتي يتصرفون بنيَّة حسنة فقد رافقني شعور الكبت؛ إذ كنت أُذعن لطلبات الآخرين على حساب رغباتي وتطلعاتي، وقد جعلني هذا السلوك تعيسة جداً في معظم الوقت.

جعلني أسلوب تربيتي أدرك أهمية عيش حياة تمثِّل شخصي، وعندما أصبحت في العشرينيات بدأت أحقق ذاتي، وأتخذ القرارات، وأتصرف وفق طريقة تعبر عن ذاتي الحقيقية، وعندما أدركت أنَّني لم أعد أهتم بعملي في الشركة، قدمت استقالتي لاتباع شغفي الحقيقي في مساعدة الآخرين على النماء، وعندما شعرت بأنَّ الوقت حان للقيام بالعمل الذي أحبه بدأت مشروعي في التنمية الشخصية من خلال الكتابة في مدونة، وعندما أدركت أنَّ صداقاتي لم تعد تناسبني قمت بإنهائها بدلاً من الاستمرار بالتصنُّع وتزييف صورتي الذاتية.

إقرأ أيضاً: 6 عادات يوميّة تتسبب في تعاستك وضعف طاقتك

كيفية تجنُّب هذا الندم:

ينبغي أن تتمسَّك بقناعاتك؛ بمعنى أن تستمع للتغذية الراجعة من الناقدين دون تكبُّد عناء تطبيقها عندما لا توافق حساباتك، ولك مطلق الحرية في الامتناع عن وضعها في الحسبان؛ لأنَّ حياتك غير منوطة بإرضاء الناس من حولك، كما قال رئيس الوزراء الإنجليزي الأسبق "وينستون تشرشل" (Winston Churchill) ذات مرة: "لا بأس بأن يكون لديك أعداء؛ فهذا يعني أنَّك دافعت عن أمر ما في مرحلة ما من حياتك".

2. الندم الثاني: أتمنى لو أنَّني لم أرهق نفسي كثيراً بالعمل:

تُقدِّس المجتمعات الحديثة العمل؛ فترى أفرادها منشغلون أكثر من أي وقت مضى، ويعملون لساعات طويلة، ويعجزون عن تخصيص بعض الوقت لأطفالهم، ويضطرون إلى اللجوء للحضانات والمربيات لرعاية أطفالهم، فلا يتسنَّى لمعظم الناس تخصيص الوقت الكافي للعلاقات أو النشاطات الشخصية نتيجة إعطاء الأولوية للعمل إضافة إلى جميع جوانب الحياة الأخرى سعياً وراء كسب العيش، يُعِدُّ بعضُ الأفراد العملَ جزءاً جوهرياً من طريقة تعبيرهم عن هويتهم الشخصية.

كيفية تجنُّب هذا الندم:

لا تتعلق المسألة بعدم وجود وقت كافٍ؛ بل بالأمور التي تعطيها الأولوية في حياتك؛ فإذا لم يكن لديك وقت كافٍ لعلاقاتك فهذا يعني أنَّك لا تُعِدُّها أولوية، وإذا كنت تتغيَّب عن النادي الرياضي باستمرار فهذا مرده إلى عدم التزامك في الحفاظ على لياقتك الجسدية حتى لو ادَّعيت خلاف ذلك.

يحظى جميع الناس بمقدار الوقت نفسه يومياً، وهذا يشمل روَّاد الأعمال اللَّامعين وأباطرة المال ولاعبي القوى والقادة الملهمين؛ أي من غير المنطقي أن تحسب أنَّك لا تملك وقتاً كافياً مقارنةً مع الآخرين؛ ذلك أنَّ هؤلاء المثابرين يحرزون تقدُّماً يومياً باستخدام النطاق الزمني المتاح لجميع البشر بالتساوي.

يجب أن تحدد الأعمال التي ترغب في القيام بها بصورة مدروسة، وتفكِّر في الأمور الأكثر أهمية في حياتك، وتتحقق فيما إذا كنت تُمضي وقتك وفق أولوياتك؛ للتأكُّد من توافق رغباتك وأعمالك الفعلية.

شاهد بالفيديو: 6 أخطاء نرتكبها في شبابنا ونندم عليها عندما نكبر

3. الندم الثالث: أتمنَّى لو أنَّني امتلكت الشجاعة للإفصاح عن مشاعري

ثمَّة أناسٌ كثيرون يخشون الإفصاح عن مشاعر الإعجاب تجاه أحدهم، ويمتنعون عن الحب، ويرفضون باستمرار فرص التعرف إلى أشخاص جدد وتوسيع أوساطهم الاجتماعية، وعندما يشعرون بالإعجاب تجاه أحدهم يمتنعون عن التقرب منه ويختلقون آلاف الأعذار لإثبات أنَّ الطرف الآخر لا يناسبهم.

كيفية تجنُّب هذا الندم:

إنَّ الندم الناجم عن أعمالنا لهو خيرٌ من الندم جرَّاء العزوف عن القيام بأيِّ شيء؛ إذ قلَّما نسمع عن أناس ندموا على سعيهم في سبيل رغباتهم حتى لو لم يحققوا مبتغاهم، وعلى النقيض من هذا كثيراً ما يُعرب الناس من حولنا عن ندمهم جرَّاء عدم قيامهم بعمل ما.

عليك أن تفكر بموضوعية بالخسائر وبأسوأ الاحتمالات والسيناريوهات التي قد تنجم عن إفصاحك عن مشاعرك، وحريٌّ بك أن تكون صادقاً مع نفسك، وتمتنع عن إخفاء مشاعرك، وفي أسوأ الحالات قد يرفضك الطرف الآخر، وستدرك عندها أنَّ مشاعرك في غير محلِّها من الأساس، وأنَّك أمام الشخص الخاطئ؛ أي إنَّك تحققت من إمكانية خوض هذه العلاقة وتستطيع المضي قدماً في حياتك بعد أن تبينت حقيقتها، بدلاً من التورط بمشاعر إعجاب من طرف واحد.

بالمقابل إذا أفصح الطرف الآخر عن مشاعر الإعجاب بدوره ستكون قادراً على تأسيس علاقة عاطفية، وفي مطلق الأحوال ستكون شاكراً لتصرفك بمقتضى مشاعرك وتجاوز الخوف من الرفض.

4. الندم الرابع: أتمنَّى لو أنَّني بقيت على تواصل مع أصدقائي

كثيراً ما تُهمَّش الصداقة قياساً بجوانب الحياة الأخرى كالمهنة والعلاقة العاطفية والأهداف المالية وجداول الأعمال الشخصية، يحدث هذا غالباً لأنَّنا نتوقع استمرارية الصداقات حتى عندما لا نمنحها الاهتمام الكافي، وترانا نستخف بتقدير أصدقائنا ونؤجل المواعيد الاجتماعية بداعي العمل، ونلغي مواعيدنا مع الأصدقاء في اللحظات الأخيرة، أو إنَّنا ببساطة لا نبذل أدنى جهودنا في ترتيب لقاءات شخصية معهم.

كيفية تجنُّب هذا الندم:

يجب أن تبادر بترتيب اللقاءات مع أصدقائك بدل انتظار دعوتهم، وبذلك يمكن أن يشجع سلوك المبادرة أصدقاءك على معاملتك بالمثل من خلال بذل مجهود إضافي لتعزيز الصداقة، أنت لا تحتاج إلى انتظار مبادرات الآخرين في ترتيب اللقاءات؛ بل يمكنك أن تكون سبَّاقاً وتقوم بنصيبك من العمل في تعزيز الصداقة.

ستجد في أثناء مبادرتك بالتواصل أصدقاءً لن يهتمُّوا بمبادلة جهودك في الحفاظ على العلاقة بالمثل، وليس عليك أن تنزعج؛ إذ قد يكون للناس أحياناً أولويات مختلفة ولا تحتاج إلى فرض لقاء لا يناسب جداول أعمالهم، وعليك بالمقابل أن تركِّز جهودك على أصدقاء يقدِّرونها ويردُّونها بالمثل، وسيساعدك هذا السلوك على بناء علاقات حقيقية ومثمرة.

إقرأ أيضاً: أدلة تشير إلى أن السعادة تطيل العمر

5. الندم الخامس: أتمنى لو أنَّني سمحت لنفسي أن أكون أكثر سعادة

يشعر كثير من الناس بالتعاسة في قرارة أنفسهم، ويميلون إلى الشكوى المتواصلة عند أدنى مشكلة والتفكير المستمر بالأشياء التي لا يملكونها وبالفرص الضائعة بدل تقدير النعم والنجاحات المحرزة في حياتهم.

لا يعاني هؤلاء الناس التعاسةَ بسبب مكانتهم وأحوالهم في الحياة؛ وإنَّما جرَّاء تصورات مغلوطة عن متطلبات السعادة؛ إذ إنَّ العديد منهم ميسورو الحال ويتمتعون بمكانة اجتماعية مرموقة، وينعمون بمنزل مريح ودخل مادي ثابت وعلاقات اجتماعية سليمة وعائلة يجتمعون معها في نهاية كل يوم.

كما ذكر خبير الاقتصاد الأمريكي الكندي "جون جالبرايث" (John Galbraith) في كتابه "مجتمع الوفرة" ( The Affluent Society): "لم يسفر تزايد رخاء المجتمعات عن رفع مستويات السعادة للأفراد؛ بل على النقيض من ذلك أدَّى إلى زيادة تعاستهم".

لا يمكن ردُّ هذه التعاسة لسوء الأحوال المادية؛ بل بسبب التصورات المغلوطة عن متطلبات السعادة، ومع ذلك تراهم يعلِّقون سعادتهم على الأمور المادية والثروات الاقتصادية غافلين عن حقيقة أنَّ هذه الأشياء مجرد وسائل لتيسير الحياة، وليست وسائل للسعادة بحد ذاتها.

شاهد بالفيديو: كيف تغرس الأفكار السعيدة في عقلك؟

كيفية تجنُّب هذا الندم:

عليك أن تدرك أنَّ السعادة خيار، فيحيل معظم الناس سعادتهم إلى عوامل خارجية كتحقيق إنجازات أو تلبية معايير معين، وتكمن المشكلة في أنَّ هذه المعايير خاطئة، ولا ترتبط السعادة بتحقيق هذه الأشياء؛ بل إنَّ السعادة شعور رهن مشيئتك، وبوسعك اختياره وعيشها في هذه اللحظة.




مقالات مرتبطة