5 تقنيات فعالة للتفكير النقدي

يعدُّ التفكير النقدي (Critical thinking) فن تصفية المعلومات للتوصل إلى قرار منطقي ومحايد، والذي من شأنه أن يوجِّه التفكير والعمل على نحو أفضل؛ لذا نقدم لك في هذا المقال بعض التقنيات الفعالة لمساعدتك على تعلم التفكير النقدي؛ ولكن قبل أن تتابع القراءة، فمن الهام أن تعرف أنَّ التفكير النقدي حالة ذهنية وليس أداة أو استراتيجية.



إذا كنت منشغلاً بالأمور اليومية المتعلقة بحياتك المهنية والشخصية، فيمكن أن يساعدك تعلم التفكير النقدي على تجاوز هذه المشكلات، وتركيز طاقاتك لحلها، وتحقيق الأهداف التي تسعى إليها؛ فمن المنطقي أنَّه كلما تحسَّنت تقنيات التعلم، تحسَّن التفكير النقدي والتبرير المنطقي.

سنتحدث في هذا المقال عن خمس تقنيات فعالة تُشكِّل أساس التفكير النقدي، وهي:

  • التفكير التحليلي.
  • التواصل.
  • الإبداع.
  • الانفتاح.
  • حل المشكلات.

فبمجرد أن تتعلم هذه التقنيات، وتبدأ استخدامها في حياتك اليومية، ستبدأ ملاحظة التغيير في الطريقة التي تتعامل بها مع المشكلات، وفي طريقة حلها كذلك.

1. التفكير التحليلي:

التفكير التحليلي هو جمع المعلومات وتقسيمها إلى أجزاء صغيرة يمكنك فهمها، ولاستخدام هذه التقنية في التفكير النقدي:

  • كن واضحاً جداً حول سبب احتياجك إلى الحصول على المعلومات، بحيث يمكنك التعرف على قيودك واستخدام حكمتك وبصيرتك للتغلب عليها.
  • اجمع المعلومات من عدة مصادر كالزملاء والخبراء والمدونات الصوتية والأدبيات المناسبة، وأيِّ خيار من شأنه أن يساعدك.
  • أعِد صياغة الأسئلة عدة مرات للحصول على وجهات نظر مختلفة حول البيانات المتاحة، بحيث يمكنك بذلك الوصول إلى حلول مختلفة.
  • قسِّم البيانات إلى مجموعات فرعية واقعية، واربط كلَّاً منها بالمشكلة المطروحة.
  • دوِّن أفكارك على الورق لإجراء ارتباطات وعلاقات جديدة، واكتب أو ارسم خرائط ذهنية أو استخدم جداول بيانية؛ حيث يمكن أن تساعدك البيانات المعروضة بصرياً في تكوين ارتباطات جديدة تجعل الأنماط المستجدة منطقية.
  • رتِّب مكان عملك؛ فبمجرد أن تجمع البيانات، ستزدحم مساحة عملك وعقلك بالمعلومات الزائدة؛ لذا رتِّب المساحة من حولك، وصفِّ ذهنك بالتأمل.
إقرأ أيضاً: مفهوم الإبداع ومعوقات التفكير الإبداعي

2. التواصل:

يعدُّ التواصل تقنية أساسية عندما نتحدث عن التفكير النقدي؛ ذلك لأنَّه يتيح لك الوصول إلى أفكار الأشخاص من حولك؛ حيث يمكن توصيل البيانات بالوسائل الصوتية والمرئية، ومن خلال الملاحظة الدقيقة للغة الجسد؛ ولاستخدام هذه التقنية:

  • اسأل عن وجهات النظر المختلفة، وابحث عن مبررات تتعلق بموضوع معين؛ فعندما تستفسر عن الأمر، تتمكن من استكشاف جميع الخيارات للوصول إلى الحل الأفضل.
  • استمع دون مقاطعة الطرف الآخر، واطرح الأسئلة أو عبِّر عن مخاوفك بمجرد انتهاء المتحدث، بحيث يساعدك ذلك على تحقيق اتصالات وعلاقات أفضل.
  • ركِّز بنسبة 100٪ على المناقشات الشفهية أو الكتابية، بحيث يمكنك بذلك سماع أو قراءة آراء الأشخاص المعنيين على نحو أفضل.
  • أعِد صياغة وجهة نظر المتحدث أو الكاتب، واطلب الإثباتات؛ حيث يُمكِّنك هذا من منح الاهتمام الكامل، واستخدام المدخلات للتفكير نقدياً.
  • اقرأ وافهم الإشارات وتلميحات التواصل الخفية من خلال لغة الجسد؛ كالعبوس غير الملحوظ، أو إيماءات الرأس الصغيرة، أو النقر على الطاولة باستخدام القلم، وغيرها الكثير؛ حيث سيمنحك ذلك أدلة عن الأفكار التي يفكر فيها الأشخاص في حال عدم توافق أفكارهم مع أقوالهم وأفعالهم.
  • راقب وأصغِ باهتمام، حيث تساعدك الملاحظة الفعالة على معرفة الفائدة المرجوة من المعلومات التي تُنقَل، ويمنحك ذلك أدلة متعلقة بالرأي العام حول الموضوع قيد المناقشة، ويُفسح لك المجال للحصول على إمكانيات واحتمالات جديدة.

ستكون المعلومات التي جمعتها باستخدام تقنية التواصل ثمينة للغاية، ومفيدة في التفكير النقدي للوصول إلى قرار شامل ومحايد.

شاهد بالفديو: 9 طرق لتحسين مهارات التواصل

3. الإبداع:

التفكير النقدي شكل من أشكال الفن، والإبداع هو شريان الحياة له؛ ولكي تتعلم التفكير النقدي، فأنت تحتاج إلى تضمين عناصر الإبداع في العملية النقدية؛ لذا:

  • تبادَل الأفكار مع فريقك في موقع عمل جديد أو بالاستعانة بخبير معين؛ وذلك للخروج من منطقة راحتك؛ حيث ستتفاجأ بالأفكار التي تتدفق إليك.
  • اجمع البيانات وجدولها وفق مخططات ورسوم بيانية وخرائط ملونة ولافتة للنظر؛ إذ يجعل التمرين البسيط عقلك يجمع البيانات بطرائق مختلفة، بحيث يمكن الوصول إلى عدة استنتاجات مميزة، ويمنحك المرونة لاختيار الحل الأمثل.
  • مارس ألعاب العقل والذهن - مثل سودوكو (Sudoku) أو الشطرنج- لتقدير كيف يمكنك التحكم بالعوامل المختلفة للوصول إلى النتيجة المفضلة؛ حيث تساعدك هذه الألعاب على تحقيق الترابط بين الأعصاب غير المترابطة أصلاً، ويمنح عقلك القدرة على إيجاد مسارات متعددة لحل المشكلات.
  • كوِّن ارتباطات عصبية جديدة من خلال تعلم مهارة أو لغة أو حتى وصفة طعام جديدة.

إذا كنت تريد أن تكون جيداً في التفكير النقدي، فإنَّك تحتاج إلى تبنِّي الإبداع حتماً.

إقرأ أيضاً: بناء عقلية طفلك الناقدة!

4. الانفتاح:

إنَّه لمن السهل الادعاء أنَّك متفتح الذهن، ولكن هل من إثبات على ذلك؟

لكي تكون شخصاً متفتح الذهن:

  • كن صريحاً بشدة فيما يتعلق بنقاط قوتك وضعفك، وكيف سيؤثر ذلك في الأفكار المطروحة.
  • استمع إلى رأي يتعارض مع رأيك دون إطلاق الأحكام قبل التعبير عن الرأي بالكامل.
  • اعترف بوجود أكثر من طريقة لحل أي مشكلة.
  • عبِّر عن مشاعرك الحقيقية عند تنفيذ أي تغييرات مطلوبة.
  • تجاهل المعتقدات والافتراضات القديمة، وتخلَّ عن العادات المُقيِّدة.
  • أخضِع عوامل اتخاذ القرار إلى مفاضلة دقيقة لاختيار أمثل الحلول.

يعدُّ الانفتاح تقنية فعالة في التفكير النقدي، بحيث يساعد في الكشف عن الاحتمالات الجديدة، وحل الأمور الشخصية والمهنية بطريقة لا تحبطك أو تنفِّر الطرف الآخر منك.

5. حل المشكلات:

يعتمد التفكير النقدي كثيراً على حل المشكلات، حيث يكون المفكر النقدي الفعال قادراً على حل المشكلات باستخدام بصيرته وحكمته لتوقع العوائق والنتائج السلبية، إذ تساعده خبرته وحضوره الذهني على حلها بسرعة والمضي قدماً.

أحد أكثر منهجيات حل المشكلات فاعلية هي تقنية الأسباب الخمسة التي وضعها ساكيتشي تويودا (Sakichi Toyoda) -مؤسس شركة تويوتا موتورز (Toyota Motors)- في خمسينيات القرن الماضي، والتي استخدمها بنجاح للوصول إلى السبب الجذري للمشكلات؛ حيث إنَّ الفكرة من ذلك هي البدء بالمشكلة من نهايتها، ثم الاستمرار في السؤال عن السبب حتى تصل إلى السبب الجذري لها.

الفكرة العامة هي أنَّ استخدام سؤال "لماذا؟" 5 مرات متتالية يكفي للوصول إلى السبب؛ ومع ذلك، لا تقتصر هذه المنهجية على استخدام السؤال "لماذا؟" 5 مرات فحسب، وإنَّما طرحه عدة مرات حتى تتوصل إلى إجابة مُرضِية.

شاهد بالفديو: 7 أساليب فعالة يستخدمها الأشخاص الأذكياء لحل المشكلات

لاستخدام تقنية الأسباب الخمسة، ابدأ إدراج المشكلة وكتابة السؤال "لماذا" أمامها، ويجب أن تكون الخطوة التالية في القائمة هي الإجابة عن السؤال الأول مع وضع سؤال لماذا آخر، والاستمرار في الإجابة عن السؤال المطروح متبوعاً بسؤال "لماذا؟ آخر؛ وذلك حتى تطرح السؤال 5 مرات وتجيب عنه 5 مرات، حيث ستكون الإجابة الأخيرة في 99٪ من الحالات هي السبب الجذري للمشكلة المذكورة في النقطة الأولى.

على سبيل المثال: توجد مشكلة في سيارتك، ويمكنك لفهمها أن تسأل:

  1. لماذا لا تعمل السيارة؟ لأنَّ البطارية قد نفدت.
  2. لماذا نفدت البطارية؟ لأنَّ المولد الكهربائي لا يعمل.
  3. لماذا لا يعمل المولد الكهربائي؟ لأنَّ حزامه مكسور.
  4. لماذا حزام المولد مكسور؟ لأنَّه كان قديماً ومتآكلاً.
  5. لماذا كان قديماً ومتآكلاً؟ لأنَّه لم تُجرَ صيانة للسيارة وفقاً لتوصيات الشركة المصنعة.

يتضح من خلال هذا المثال أنَّك طرحت 5 أسئلة للوصول إلى السبب الجذري للمشكلة.

إنَّ التقنيات الخمس التي نُوقِشَت في هذا المقال هامة للتفكير النقدي الفعال؛ فعند استخدامها بانتظام، تصبح عادة متأصلة لديك، وتحسِّن مهاراتك في التفكير النقدي حتى تتمكن من التنبؤ وحل المشكلات التي تهمك وتهم بيئتك.

لقد اعتمد الملايين تقنية الأسباب الخمسة على مر السنين للوصول إلى السبب الجذري لمشكلاتهم الشخصية والمهنية، كما دمجتها شركة سيكس سيجما (Six Sigma) العملاقة للصناعة مع منهجية "التعريف والقياس والتحليل والتحسين والتحكم" (DMAIC) خاصتهم (دورة تحسين تعتمد على البيانات، وتُستَخدَم لتحسين عمليات وتصاميم الأعمال وتحسينها واستقرارها).

أفكار أخيرة:

لا يعدُّ التفكير النقدي مفهوماً مستحدثاً على الإطلاق، ويمكن إرجاع تاريخه إلى أيام سقراط (Socrate) الذي شكك في المعتقدات الشائعة، وقد استخدمه كبار العلماء والمفكرين في مراحل مختلفة، مثل: أرسطو (Aristotle)، وأفلاطون (Plato)، وكوليت (Colet)، ومور (Moore)، وديكارت (Descartes)، وغاليليو (Galileo)، ونيوتن (Newton)، والكثير غيرهم.

كما يعتمد عالم اليوم على التفكير النقدي لحل جميع أنواع المشكلات، ولا غنى عنه في العلاقات الشخصية والحياة المهنية والقضايا التي تهم المجتمع العالمي ككل.

 

المصدر




مقالات مرتبطة