5 أفكار لتدريب العقل على التفكير بطريقة إيجابية

يقول الفيلسوف الرُّواقي والإمبراطور الروماني "ماركوس أوريليوس" (Marcus Aurelius): "نحتاج إلى القليل جداً من الأشياء كي نجعل حياتنا سعيدة، والتي تكمن في داخل أنفسنا وطريقة تفكيرنا"، فالعقل البشري مُعقَّد لدرجة أنَّنا قد ننسى أحياناً مدى قوته؛ إذ يتمتع بالقوة والقدرة على أن يجعل منَّا أشخاصاً عظماء قادرين على بلوغ عنان السماء، أو يحطِّمنا ويدمِّرنا في أيَّة لحظة.



يُعَدُّ الانتحار السببَ الرئيس العاشر للموت في "الولايات المتحدة الأمريكية" (The United States of America)، وفقاً لـ "المؤسسة الأمريكية لمنع الانتحار" (American Foundation For Suicide Prevention)؛ إذ يموت 42,773 من الأمريكيين منتحرين كلَّ عام.

العقل هو أصل أو منشأ الانتحار، لكن يمكننا الوصول إلى حالةٍ من السعادة المستمرة من خلال:

5 أفكار لتعليم العقل وتدريبه على التفكير بطريقة إيجابية:

1. لا علاقة للسعادة بالمستقبل:

يقول المتحدِّث والكاتب الألماني "إيكهارت تول" (Eckhart Tolle): "يظن الناس أنَّ الزمن كفيل بجعلهم سعداء، لكن لا يمكننا إيجاد السعادة الحقيقية بانتظار المستقبل"، فكم نردد عباراتٍ مثل: (سأصبح سعيداً حين يتم دفع الفواتير)، أو (كانت حياتي أفضل وأكثر سعادة عندما كنتُ أصغر سناً).

نكون جميعاً مذنبين حين نقع في فخِّ الاعتقاد بأنَّنا سنشعر بالتحسُّن والاطمئنان ونصبح أكثر سعادة في المستقبل، أو حينما نروي الذكريات عن مدى سهولة الحياة في الماضي مقارنةً بأيامنا هذه، فالسعادة لا تتعلَّق كثيراً بظروف الإنسان وأحواله، لكن تؤثر التصورات الذهنية للمستقبل والماضي تأثيراً كبيراً في حالتنا الحالية مع أنَّه لا علاقة لها فيما يحدث في حياتنا في الوقت الراهن.

تتزاحم الأفكار في عقولنا، ونظن أنَّنا سنشعر بالسعادة حين نخسر الوزن الزائد، أو أنَّنا كنَّا أكثر سعادةً حين كان في مقدورنا تناول ما يطيب لنا من الطعام، ومع هذا التناقض نعجز عن اتخاذ قرار حاسم، ثمَّ نتساءل عن سبب حيرتنا.

لا تحدِّد الظروف أو الأحوال الحقيقية التي نمرُّ بها مقدارَ سعادتنا؛ وإنَّما تصوُّرنا أو فهمُنا لتلك الظروف هو ما يحدِّد ذلك، ومن ثمَّ سيخرج العقل البشريُّ بأسباب لا تُعَدُّ ولا تُحصى للشعور بالضيق وعدم الرضى إن تُرِك دون رقابة.

إذاً؛ كي نستمتع بحياةٍ أكثر اتزاناً وانسجاماً، علينا أن ننتبه أولاً للأفكار المُحبِطة التي تجول في أذهاننا، ثمَّ نعيد توجيه تلك الأفكار بتحويلها لأخرى من شأنها أن تقوِّينا وتمنحنا الثقة، فالمستقبل هو مجرد أوهام من صنع العقل، لكن إذا أردتَ أن تفكِّر بالمستقبل، فعليك أن تفعل ذلك بطريقة إيجابية، ومن ثمَّ تتخذ إجراءاتٍ بنَّاءة في الوقت الحاضر لرسم مستقبل مشرق لنفسك.

شاهد بالفيديو: 10 أشياء إن لم تتخلّ عنها لن تعرف طعم السعادة

2. التوقف عن وضع الافتراضات:

كثيراً ما تتذمَّر عقولنا وتشتكي بشأن أمور لا نملك أدنى فكرة عنها؛ فعلى سبيل المثال، ننتهز الفرصة بسرعةٍ للصراخ والغضب حين نكون جالسين في سياراتنا ونعلق وسط الازدحام في ساعة الذروة، ونبدأ بإطلاق الافتراضات وتخمين أسباب ذلك الازدحام دون الاستناد إلى أي دليل، أو نعبس في وجه شخصٍ غريب إن لم يردَّ علينا بالشكر حين نقدِّم له معروفاً أو خدمة ما، فنحن نحكم على هؤلاء الأشخاص داخل عقولنا ونصنِّفهم على أنَّهم غير مُهذَّبين.

لكن، يمكن أن يكون ذلك الشخص الذي قدَّمنا له معروفاً ونسي أن يشكرنا في حالةٍ من الدهشة والذهول بعد سماعه خبراً سيئاً، كما أنَّه ليس من الصعب كثيراً أن نعدَّ بأنَّ سبب ذلك الازدحام حادثٌ ما؛ ومن ثمَّ فإنَّنا نعمد لاختلاق قصة سلبية وتشاؤمية بدلاً من تقبُّل الأمور على حقيقتها.

يتلاشى صبرُنا في المواقف المماثلة، أو نغضب بسرعة بسبب مُجرَّد فكرة تخمينية خطرت على أذهاننا، لكنَّنا نتحوَّل إلى أشخاص غير سعداء، ونخسر قوانا في حين نتذمَّر ونغرق في شكاوى العقل الذي يتلهف لمعرفة الأعذار والمبرِّرات وراء تصرفات الآخرين المزعجة؛ وذلك لأنَّ العقل البشريَّ في الحقيقة يمرُّ بمشقات وعناء حين لا تسير الأمور بحسب قوانينه وقيمه الخاصة.

يمكن تجنُّب خوض عديد من النزاعات الداخلية والمشكلات إن فهم الناس بأنَّ لكلٍّ منَّا مجموعةً من القيم المختلفة التي نؤمن بها؛ فليس هامَّاً إن بدا أنَّ شخصاً ما يعاملك بقلة تهذيب، لأنَّ فهمك وتحليلك للأحداث التي تجري من حولك هو المسؤول فقط عن تحديد سعادتك، لذا اخترْ أن تفسِّر ما يجري معك وتفهمه بطريقة إيجابية.

كما يقول الشاعر والكاتب المسرحي "وِلْيَمْ شكسبير" (William Shakespeare): "لا توجد أشياء جيدة ولا سيئة، ولكنَّ طريقة التفكير بها تجعلها كذلك".

إقرأ أيضاً: 19 طريقة بسيطة لتحقيق السعادة

3. البحث عن السعادة:

نحن نواجه خيارات مختلفة في كل لحظة من حياتنا، ويمكننا اتخاذ القرار بمقاومة طريقة سير أمرٍ ما أو تقبُّلها، ولكنَّ الأمور ستسير كما هو مُقدَّر لها، سواء قبلناها أم لا، وثمَّة طريقتان للتعامل مع الأمور التي لا تسير كما خططنا لها، وهما:

  1. التذمر والشكوى داخل عقلك، وإقناع نفسك بقصة وهمية عن مدى فظاعة تلك الأمور، ممَّا سيقودك إلى الشعور بكثير من الألم والمعاناة.
  2. تقبُّل تلك الأمور كما هي، والبحث عن النواحي الإيجابية والجميلة فيها، ممَّا سيمنحك شعوراً بالسلام والفرح.

إذاً، غيِّرْ وجهة نظرك، وحوِّلْها من السخط والاستياء نحو التقبُّل والرضى، واقتنعْ بالطريقة التي تسير عليها أمور حياتك؛ لأنَّها لا يمكن أن تجري بأي طريقة أخرى، فقد حدث ما حدث ولن يتغيَّر أي شيءٍ مهما تذمَّرتَ واشتكيت.

يقول الفيلسوف الصيني القديم "لاو تزه" (Lao Tzu): "الحياة هي سلسلة من التغييرات الطبيعية والعفوية، وينبغي لك ألَّا تحاول مقاومة تلك التغييرات أو معارضتها عند حدوثها، فلن يصيبك ذلك إلَّا بالحزن والأسى؛ لذا دعِ الواقع كما هو عليه، واتركِ الأمور تنساب وتمضي قدُماً بصورة طبيعية وبالشكل الذي تريده".

سيخفِّف التخلي عن السيطرة والتحكم في مجريات الأحداث وإفساحُ المجال داخل قلبك لتقبُّلها كما هي من توترك وإحباطك، وستشعر بمزيد من السعة ورحابة الصدر، ولن تتمكَّن الأعباء والسلبية والتشاؤم من التحكُّم بك بعد الآن؛ بل ستجد أنَّك تشعُّ بطاقة إيجابية ملأت حياتك فجأة بالتفاؤل والفرح؛ إذ يمكن النظر إلى كل موقفٍ نمرُّ به مهما يكن على أنَّه حدثٌ إيجابي أو سلبي.

إنَّ اختيار التقبُّل أو رؤية الميزات والجوانب الإيجابية في أحد الظروف أو الأحوال من شأنه أن يُريحك ويخلصك من الوجع والمعاناة، ممَّا سيسمح لك بدوره باستكشاف مدى روعة وجمال الحياة بصورة أفضل.

4. ممارسة الامتنان:

إظهار الشكر والامتنان أحد أقوى الطرائق لإيجاد السعادة؛ إذ يساعدنا الشعور بالامتنان على الإحساس بالنعم التي نملكها وفتح قلوبنا لتشعَّ طاقةً إيجابية لجميع مَنْ حولنا؛ إذ يعود إلينا كلُّ ما نقدِّمه للآخرين أضعافاً مُضاعَفة.

تتحدث الكاتبة والمنتجة التلفزيونية "روندا بايرن" (Rhonda Byrne)، في كتاب فيلمها المُسمَّى "ذا سيكرت" (The Secret)، عن كيفية استثمارها لمشاعر الشكر والامتنان لتغيير مجرى حياتها بالكامل؛ إذ كانت علاقاتها الاجتماعية ووضعُها المالي والصحي تخرج عن السيطرة، وشعرت كأنَّ حياتها تتدمَّر كلياً؛ لذا فقد بدأت بالتعبير عن مشاعر الامتنان والشكر لديها حالما أدركت أنَّ أفكارها هي التي تتحكَّم في حياتها، وأصبحَت ممتنة لكلِّ الأمور الجيدة والطيبة في حياته، فبدلاً من التذمر بشأن مشكلاتها المالية، كانت تحرص على تقديم الشكر والامتنان لكل النعم التي تمتَّعت بها في حياتها، وقد تحلَّت بما يكفي من العزم لتكون قادرةً على تغيير مسار حياتها بالكامل، وشاركت خبراتها التعليمية من خلال سلسلة كتبها وأفلامها المُسمَّاة "ذا سيكرت"؛ إذ تقول: "تذكَّرْ أنَّ أفكارك هي السبب الرئيس لكل ما يحدث في حياتك".

يعني التعبيرُ عن امتناننا وشكرنا للنعم في حياتنا أنَّنا نعبِّر عن سعادتنا ونُظهِرها في الواقع؛ لأنَّ الامتنان يضعنا في حالةٍ من المشاعر الإيجابية الغامرة؛ إذ يرتفع معنوياتنا ونشعر بالقوة والبهجة والنشاط؛ وبذلك تصبح السعادة النتيجةَ الثانوية الطبيعية لتلك المشاعر.

تشير الدراسات إلى أنَّ الشعور بالامتنان والسعادة يملك تأثيراً مباشراً يعود بفوائد جمَّة على عواطفنا وعلاقاتنا الشخصية.

إقرأ أيضاً: كيف يساعدك الامتنان على التخلص من الاستياء وآثاره السلبية؟

5. جعلُ تحقيق السعادة هدفاً في حياتك:

يجدُر بك اعتمادُ الخطوات الرئيسة الآتية واتباعها في حياتك للتأكد من أنَّك بصحة وعافية:

  1. التوقف عن محاولات السيطرة على كل موقف تتعرض له، لأنَّ ذلك أمر مستحيل.
  2. نسيان الماضي والتوقف عن وضع توقعات بشأن تحسُّن الأمور في المستقبل وتحولها نحو الأفضل، فاللحظة الراهنة هي الوقت الوحيد الذي يمكنك أن تشعر فيه بالفرح.
  3. تقبُّل الأمور على حقيقتها؛ فإن أمكنك تغييرها، فذلك أمر عظيم، وإلَّا فلا داعي للقلق.
  4. الإقلاع عن وضع التخمينات والافتراضات السلبية، والحرص على حسن النوايا وإيجاد الأعذار والمبرِّرات للآخرين للمحافظة على علاقتك معهم.
  5. البحث عن الخير والنواحي الإيجابية في كل الأمور التي تحدث معك، والسعي إلى رؤية الجمال، فهو منتشر في كل مكان حولنا.
  6. المحافظة على روح الشباب بداخلنا، من خلال اللعب والتصرف بصبيانية، والحرص على تنمية الجانب الإبداعي في أرواحنا.
  7. الحرصُ على إظهار مشاعر الامتنان والشكر واعتمادها سلوكاً وعادة في حياتك، وبذلُ قصارى جهدك للتعبير عن شكرك للآخرين.

شاهد بالفيديو: 7 خطوات توصلك إلى السعادة

في الختام:

يضمن تطبيقك للأفكار البسيطة السابقة أنَّك تفكر بطريقة إيجابية وقوية؛ إذ ستعيد تهيئة عقلك كي يبقى في حالةٍ من النعيم والهناء؛ وبذلك تصبح السعادة أسلوب حياةٍ لك.




مقالات مرتبطة