4 نصائح لتطوير الذات عليك تجنُّبُها

غالباً ما يُنْظَرُ إلى نصائح تطوير الذات على أنَّها شيء جيد، أليس كذلك؟ وهيَ كذلك في معظم الحالات. لكن -وكما ستّضِحُ معنا في قادم السُّطور- يمكن للبعض من هذا النصائح أن تفسد أهدافك وتمنعك من أن تصبح أفضل نسخة من نفسك. يحدث ذلكَ لأنَّه لا يتم التَّوصل لكل نصيحة بنفس الطَّريقة. وبعض هذه الأمور -على الرَّغم من أنَّها تنبع من نيَّةٍ حسنة- يمكن أن تَحرِفكَ بعيداً عن مساركَ الصَّحيح، ومن الممكن أن تُؤذي أكثر من أن تنفع.

هذه المعتقدات الخاطئة المذكورة أدناه، هي بعضٌ من النَّصائح التي يجب عليك التَّفكير مرتين فيها قبل أن تتبعها.



1. فليكُن هدفك أن تصل بنفسكَ لحدِّ الكمال

عندما تقرأ هذا العنوان، فقد تعتقد أنَّه يبدو وكأنَّه هدفٌ جديرٌ بأن تسعى لتحقيقه.

ولكنَّك ستكون مُخطئاً إن ظننتَ ذلك. فكل من يمتلكون النَّزعةَ لتحقيق الكمال تقريباً، لا يشعرون بالرِّضا أبداً عمَّا يعملون عليه، لذا ينتهي بهم الأمر بقضاء وقتٍ أطولَ بكثير لاستكمالِ مهمةٍ ينبغي عليهم القيام بها. أنا واثق من أنَّك قد صادفت مثلَ هؤلاء في مكان عملك. فعلى سبيل المثال، عندما يتم تكليفهم بإنشاء عرض تقديمي أو كتابة تقرير، فإنَّهم بطريقةٍ أو بأخرى يستغرقون وقتاً أطول أو حتَّى وقتاً مضاعفاً لإكمال مثل تلكَ المهام، وذلك مقارنةً بغيرهم من أعضاء فريقهم.

المشكلة تكمن في أنَّهم غالباً ما يعلقونَ في عالمٍ مظلمٍ من التَّفاصيل، مما يدفع بهم لإعادة تقييم وتغيير وتعديل عملهم باستمرار. ومقدار الوقت الذي يكونون قد أمضوه في محاولة إتقان مثل تلك المهام، يمكن إنفاقه بشكل أفضلَ على مهمةٍ أخرى. فقبلَ كل شيء، لا يوجد على أرض الواقع ما يسمَّى بالشيء المثالي، لذا من غير المجدي أن تسعى لتحقيقه.

إنَّ هؤلاء المثاليون في الحقيقة محاصرينَ في سجنٍ عقليٍّ بَنَوهُ بأيديهم.

إن كنتَ تجد في نفسك الميلَ للسَّعي وراءَ تحقيق الكمال، فإنَّني أوصيكَ بالقيام بما يلي:

  • تخلَّ عن عقلية "كُل شيء أو لا شيء": فبدلاً من القيام بأمورٍ تعلم أنَّكَ قادرٌ على أن تقومَ بها بشكلٍ مثالي، كُن منفتحاً على فكرة القيامِ بأعمالٍ لا تجيدها أو لا ترتاحُ لها. سيمكِّنُكَ ذلك من تنمية مهاراتك وخبراتك باستمرار.
  • ضع لنفسك هدفاً بأن تحقق 95٪ من الكمال: قم بذلك، وستجد أنَّك ستكمل مهامك بطريقةٍ بارعة واحترافيَّة. بل وفي الوقت المناسب أيضاً. إنَّ سعيكَ إلى جعل كلِّ شيءٍ مثالياً بنسبة 100٪ هوَ ما يقضي على مردودكَ وإنتاجيتُك.
  • ضع لنفسكَ أهدافاً واقعيَّة: بدلاً من أن تحلُمَ حلماً كبيراً يصعب عليكَ تحقيقه (كأن ترغب في تحقيق النَّجاح بين عشيَّةٍ وضحاها)، عليكَ أن تضعَ لنفسكَ أهدافك على مستوىً يمكنكَ الوصول إليه. وعند قيامكَ بذلك، ستُعزز ثقتك بنفسك، وتحافظَ على رباطة جأشك.
  • ركِّز على الصورة الكبيرة: كما ذكرتُ سابقاً، غالباً ما ينجذب محبوا الكمال إلى التفاصيل. ولكي تتجنب ذلك، أقترح عليكَ أن تركِّز دائماً على الصُّورةِ الأَكبر. على سبيل المثال، إذا كنت تنشئ وثيقةً تتعلق بعرض شراءٍ لبرنامجٍ جديد، فاحرص على أن تُضمِّنها التَّفاصيلَ الضَّروريَّةَ فقط. فكثيرٌ من المعلومات يُعتبرُ مضيعةً لوَقتك ووقت العاملينَ الآخرين على المشروع أيضاً.
إقرأ أيضاً: لماذا لا يمكنك الجمع بين السعي نحو الكمال وريادة الأعمال؟

المعتقد الخاطئ التالي هو الاعتقاد الشائع للمساعدة الذاتيَّة الذي يقترحُ أنَّ:

2. السِّرَّ يكمن في تعدُّد المهام

أنا واثقٌ من أنَّك قد سمعت أو قرأت عدَّة مرات في السِّنوات القليلة الماضية، عمَّا يُزْعَم أنَّه قوة تعدد المهام. يبدو أنَّ ذلكَ المفهوم قد أصبح نزعةً رائجة. لكنَّني لستُ واحداً من أتباع التَّوجهات التي تؤدي إلى الفشل.

قد يبدو تعدد المهام بمثابة أعظم إنجازات الإنتاجية، لكن بالنِّسبة لما نسبته 98٪ من العاملين، فإنَّ الأمر في الواقع هو عكس ذلك تماماً. ومردُّ ذلك هو أنَّ هؤلاء الأشخاص يمارسون أساليب خاطئة لتعدد المهام، والتي هيَ:

  1. محاولة القيام بأمرين مختلفين في الوقت عينه.
  2. التَّحول الدَّائم إلى مهامَ جديدة من دون إكمال المهام الأصلية التي كانوا يعملون عليها.
  3. الانتقال المستمر بين المهام جيئةً وذهاباً، مما يوهمهم أنَّهم من بين الـ 2٪ ممن يقومون بتعدد المهامِ بفعاليَّة.

لكن في الحقيقة، إنَّ دماغ الإنسان ليسَ مصمَّماً للقيام بهذا النوع من "الخليط الادراكي". إذ إنَّ هذا الأمر يقودنا فقط إلى حالة ذهنية فوضوية ومشوشة ملأى بما يسمى "رواسب الانتباه". وهذا يعني أنَّنا نتشتت بسبب التفكير في مَهَمَّة معينة، أثناء عملنا على مهمَّةٍ أخرى.

كانت هناك بعض الدراسات المثيرة للاهتمام حول تعدد المهام، والتي كشفت أنَّه:

  • يمكن للتَّنقل المستمر بين المهام أن يُكلّفك حوالي 40٪ أو 16 ساعة من أسبوعِ العمل. هذا يعادل أن تُهدرَ يومي عمل كل أسبوع!
  • يمكن لتعدد المهام أن يجعلَ أداءكَ يبدو كما لو أنَّكَ قد فقدت 10-15 نقطة من معدل حاصل الذكاء لديك (IQ).

بمعنىً آخر، لن تكون بنفس الذَّكاء أو الفعاليَّة التي أنت معتادٌ عليها.

إنَّ تعدد المهام ليس أمراً مبالغاً فيه وحسب، بل إنَّه خَطَرٌ حقيقي على إنتاجيتك أيضاً. لذا من الأفضل لك وبكل بساطة، أن تُركِّزَ على المهمة التي بينَ يديك. أكملها أوَّلاً، ثم انتقل لاحقاً إلى المهمَّة التَّالية.

إقرأ أيضاً: كيف تُنجز غالبيَّة مهامِك في أقصرِ وقتٍ ممكن؟

النَّصيحة التَّالية هي تلك التي يتم الحديث عنها باستمرار في الصُّحف وبرامج الدردشة وفي كتب المساعدة الذَّاتية:

3. اسعَ لأن توفِّقَ ما بينَ عملكَ وحياتكَ الشَّخصيَّة

ما الذي يتبادر إلى ذهنكَ عندما تسمع مصطلح "التَّوفيق بين العمل والحياة الشَّخصيَّة"؟

هل تحلم بأن تعمل لمدة 20 ساعة في الأسبوع، وتخصِّصَ ما بقيَ من وقت لراحتكَ ومتعتك؟

هذا ما يحاولُ معلمو المساعدة الذاتية بيعكَ إيَّاه. لكن ليس هذه المقالة.

يوجد وجهة نظرٍ مختلفة تماماً عن التَّوفيق بين العمل والحياة الشَّخصيَّة، يَدْعَونَها باسم التَّناغم ما بين العمل والحياة الشَّخصيَّة.

يجب أن يبدأ التَّناغمُ الصِّحِي بين العمل والحياة الشَّخصيَّة في إيجاد هدفك. وما إن تعثُر عليه، سوف تستمتع بشكلٍ طبيعي بالعمل الذي تقوم به، ولن تكون هناك تلك الحالة التي تفرض عليكَ تقسيمَ حياتك إلى:

  • أمورٍ سيئة: العمل.
  • أمورٍ حسنة: وقت الفراغ.

كحافزٍ لك، ستكون متحمّساً وشغوفاً بما تقومُ به، وسوف تعمل على تحقيقِ أهدافك في أيِّ ساعة تراها ضرورية لذلك. وحماسك هذا تجاه عملك سينتقل بشكل طبيعي إلى وقت فراغك.

فمثلاً، تخيل أنَّك تعمل منذ ما يقارب 12 عام في القسم الإداري لشركة تأمين محلية. أنت تذهبُ في كلِّ يومِ عملٍ لمعالجة الشكاوى؛ شكوى تليها شكوى، وتليها أخرى. لتجدَ عندئذٍ أنَّ روح العمل عندك قد تحطَّمت. لكنَّك مع هذا تواصل القيام بذلك! والسَّبب؟ لأنَّ هذا العمل يكفيكَ قوتَ يومك.

ومع ذلك، يأتي عليك يومٌ تقرِّرُ فيه أنَّه هناك المزيد لتعيش من أجله في هذه الحياة. وهذا يُدخلك في مرحلةٍ من البحث عن الذَّات، مما يقودك في نهاية المطاف لأن تكتشفَ ما تريد أن تقومَ به في حياتك؛ ولنفترض مثلاً: السَّفر حول العالم لصالح جمعية خيريَّةٍ تساعد الناس.

بعد اكتشافكَ لهدفك، تشعرُ أنَّك مدفوعٌ بقوَّةٍ لجعله حقيقةً واقعة. يستغرق الأمر منكَ ستَّة أشهرٍ تقريباً، لكن في النِّهاية، تحصل على وظيفةٍ مع منظمة خيرية دولية تساعد الأشخاص في جميع أنحاء العالم ممن تضرَّروا جرَّاءَ الكوارث الطبيعية. تنقلك تلك الوظيفة إلى عشرات الدول المختلفة، وتستمتع بكل دقيقةٍ من عملك. إذ إنَّها تُعَدُّ وظيفةً مُرضِيَة ومجزية. وبعيداً عن العمل، فأنت تحب أن تُخبر أصدقائك وعائلتك بكل شيء عن رحلاتك. فهدفك قد جدَّدَ حياتك وأعطاك التَّناغم المثالي ما بين العمل والحياة الشَّخصيَّة.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح لتحقيق التوازن بين عملك وحياتكَ الشخصيّة

أمَّا النصيحة الأخيرة التي في هذه المقالة فهي:

4. إيَّاك والمماطلة

إنَّ كبارَ أصحاب المُنجزات هم أشخاصٌ جريئون مندفعون لا يماطلون أبداً. أم هل هم كذلك؟؟

خلالَ تجارب العمل مع العشرات من رواد الأعمال الناجحين، فإنَّ تحديد أولويات مهامكَ لهوَ أهمُّ بكثيرٍ من القلق بشأن المماطلة والتَّسويف. اسمحوا لي أن أشرح ما أعنيه بقولي هذا:

أنت تعمل على إرسال رسالةِ بريدٍ إلكتروني إلى أحد الزملاء بخصوصِ اجتماعٍ مقرَّرٌ عقدهُ الأسبوع المقبل. لكن وبينما أنتَ تكتب كلماتِ تلكَ الرِّسالة، يرِنُّ هاتف مكتبك فجأة. إنَّه أحد عملائك الرئيسيين، ولهؤلاء العملاء حاجةٌ ملحة للحصول على مساعدةِ شركتك، وهم سعداءُ بدفع أعلى التَّكاليف من أجل إتمام ذلكَ العمل.

في هذه الحالة، هل تقوم بِـ:

  • إخبارِ العميل أنَّك ستعمل على طلبه بعد قليل، لكن تعود لتكتبَ تلك الرِّسالة إلى زميلك. أم أنَّكَ...
  • تُخبرُ العميل بأنك ستتعامل مع طلبه على الفور، ومن ثم تعود إلى صياغة رسالتكَ بمجرد ما إن تُكمِلَ تلك المهَمَّة ذات الأولوية القصوى.

لا بُدّ من أنَّك قد اخترت الإجابة الثانية. وهذا هو الأمرُ الصَّحيح الذي يجب عليكَ القيامَ به.

إذا نظرنا لهذه الحالة من منظورٍ آخر، فبِكُلِّ تأكيد، سيكونٌ الأمرٌ عبارةٌ عن تسويفٍ ومماطلة عندما يتعلق الأمر برسالةِ البريد الالكترونيِّ تلك؛ فبعدَ كُلِّ شيء، لقد أجلتَها من أجل أن تقومَ بأمرٍ آخر. لكنَّك وفي نفس الوقت، تكونُ قد ساعدتَ أيضاً على إكمال هدفٍ أكبرَ بكثير، أمرٌ عاجلٌ له مهلة زمنيَّة وموعدٌ نهائي.

إذاً كما ترون، يكون للمماطلة مكانها المناسب، عندما تتعلم تحديد أولوياتِ مهامك.

آملُ أن يكون مقالنا هذا قد ساعدَ في تسليطِ الضَّوء على بعض أوهام المساعدة الذاتية التي يتم نشرها باستمرار. فإذا ما اتبعت تلكَ الأوهام، ستشعر حتماً بأنَّكَ قد خُدعت!

قم بدلاً من ذلك باتِّباع الطريقة المجرَّبة المذكورة في هذا المقال والتي تمّ اختبارها، والتي أشرنا إليها أعلاه. سوف تدلك تلك الطَّريقة إلى سبيلِ النَّجاح المؤكد في جميع مجالاتِ حياتك.

وكما يقول المثل: "لا يَصِحُّ إلَّا الصَّحيح".

 المصدر




مقالات مرتبطة