4 نصائح تساعدك على تغيير طريقة تفكيرك للحد من القلق

نعتقد بطبيعتنا البشرية بأنَّنا على حق دائماً، ولكن ستحررك محاربة تلك الغريزة من العديد من القيود.، في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن الماضي، طلب عالم النفس "هنري موراي" (Henry Murray) من بعض طلاب السنة الثانية في الكليَّة المشارِكة في تجربة يكتبون فيها "فلسفتهم الشخصية في الحياة"، بما في ذلك قيمهم الأساسية ومبادئهم التوجيهية.



ثمَّ المشاركة في نقاش مع محامٍ شاب حول مزايا هذه الفلسفة، فلَم يعلم المشاركون أنَّ المحامي قد تلقَّى تعليمات باستجوابهم وتمزيق فلسفتهم بطريقة عنيفة ومسيئة شخصياً، واستخدام تقنيات طوَّرها "موراي" في التحقيق مع عملاء المخابرات خلال الحرب العالمية الثانية.

كانت النتائج متوقَّعةً إلى حدٍّ ما، ولقد وجد "موراي" أنَّ الطلاب كانوا غير مرتاحين بشدة لتعرُّض آرائهم للهجوم بهذه الطريقة، لدرجة أنَّ معظمهم كره التجربة وتذكَّروها بصورة سلبية حتى بعد مرور سنوات، وكان المجرم "تيد كازينسكي" (Ted Kaczynski) أحد الطلاب المشاركين، والذي نفَّذ هجماتٍ إرهابيَّةً فيما بعد. لقد أشار "كازينسكي" إلى أنَّ خيالاته الانتقامية وإيمانه بشرور المجتمع بدأَت خلال سنوات دراسته الجامعية، وقد ربط بعضهم فلسفته بتجربة "موراي".

ومع ذلك، لا يتذكر المشاركون جميعهم في تجربة "موراي" التجربة على أنَّها مروِّعة؛ إذ ذكَر عالم النفس في "جامعة بنسلفانيا" (University of Pennsylvania) "آدم جرانت" (Adam Grant) في كتابه "فكِّر مرة أخرى" (Think Again) أنَّ معظم الطلاب مرُّوا بتجربة سلبية، ولكن أظهر بحث "جرانت" أنَّ عدداً قليلاً من الأشخاص قالوا إنَّهم أحبوا التجربة، وقد وجدها واحدٌ على الأقل ممتعةً؛ لأنَّها أجبرَتهم على إعادة التفكير في معتقداتهم.

قد تكون هذه المجموعة الأخيرة قد استفادت بشيءٍ هام، وهو إعادة التفكير في الآراء وتغييرها عندما يُثبَت خطؤها، أو عندما يقدِّم أحدهم حجةً أفضل؛ إذ قد يجعل هذا حياتك أفضل، ويساعدك على تحقيق المزيد من النجاح والسعادة والحدِّ من القلق.

عندما يتبيَّن أنَّنا مخطئون، أو أنَّه يجب علينا تغيير آرائنا، نصير بارعين للغاية في المقاومة. لقد كتب "جرانت" أنَّنا نمتلك مجموعةً مذهلة من الانحيازات المعرفية التي تخبرنا أنَّنا على حق، وتدفعنا لتجاهل الأدلة كلها التي تشير إلى عكس ذلك، وتشمل هذه الانحيازات "الانحياز التأكيدي" (confirmation biases) (أي التركيز على المعلومات التي تعزز معتقداتنا وتذكُّرها على الدوام)، والارتكاز (أي الإفراط في الاعتماد على معلومة أساسية واحدة تكون عادةً أول معلومة نتلقاها)، والانحياز للاعتقاد (أي المبالغة في دقة أحكامنا وتصوُّراتنا)، والعديد من الانحيازات الأخرى، حيث تشبه هذه الانحيازات الخندق المليء بالتماسيح حول قلعة معتقداتنا، إنَّهم يحولوننا إلى ملوك، مقتنعين بأنَّ أي اعتراضاتٍ تخترق جدراننا سوف تجلب لنا البؤس.

ولكن كما يقول "جرانت"، يؤدي عدم قبول إثبات الخطأ أو تحدي معتقداتنا إلى تكاليف باهظة؛ إذ أثبتَت الدراسات أنَّ القادة الذين يحيطون أنفسهم بالمؤيدين يرتكبون أخطاءً مكلفة، وأحياناً كارثية، وأحد الأمثلة القديمة على ذلك، هو كارثة غزو خليج الخنازير، عندما فشلَت حكومة الرئيس "جون ف. كينيدي" (John F. Kennedy) في تحدي حدسه غير الموفَّق، فضلاً عن المحللين السياسيين الذين افترضوا أنَّ "دونالد ترامب" (Donald Trump) لا يمكِن أن يشكل تهديداً خطيراً على "هيلاري كلينتون" (Hillary Clinton) في الانتخابات الرئاسية لعام 2016، ولم يتراجعوا عن هذه الافتراضات مطلقاً، وإذا كان هدفك هو العثور على الحقيقة، فسوف يجعلك الاعتراف بالخطأ وتغيير معتقداتك بناءً على حقائق جديدة أفضل حالاً في النهاية، وهذه سمة أساسية لما يسميه الفلاسفة "التواضع المعرفي".

شاهد بالفديو: 9 خطوات تساعدك على السيطرة على القلق

رغم أنَّ الأمر قد لا يكون سهلاً أو ممتعاً في البداية، إلَّا أنَّ التواضع المعرفي له فوائد واضحة تؤدي إلى الشعور بالسعادة، ففي دراسة أُجرِيَت عام 2016 في مجلة "بوزيتيف سيكولوجي" (Positive Psychology)، درس الباحثون التواضع من خلال سؤال الناس عن تقبُّلهم للنصيحة، وعن صدقهم بشأن نقاط قوَّتهم ونقاط ضعفهم، وما إذا كانوا يميلون إلى أن يكونوا متحمسين لإنجازات أحد الأصدقاء، ووجدوا أنَّ التواضع يرتبط سلباً بالاكتئاب والقلق، ويرتبط إيجاباً بالسعادة والرضا عن الحياة، علاوة على ذلك، وجدوا أنَّ التواضع يخفِّف التأثير السلبي لأحداث الحياة الموتِّرة.

تعزز البيانات الخاصة بالتواضع والسعادة ما طرحه الفلاسفة منذ فترة طويلة، كما هو الحال عادةً مع العلوم الاجتماعية، ففي مطلع القرن الخامس، أعطى "أغسطينوس" (Augustine) أحد تلاميذه ثلاث نصائح في الحياة: "الأولى هي التواضع، والثانية هي التواضع، والثالثة هي التواضع: وهذا ما سأواصل تكراره كلما طلبتَ التوجيه". وقبل حوالي ألف عام، ذَكَر "بوذا" (Buddha) أنَّ تمسُّك الفرد بآرائه مصدرٌ للمعاناة الإنسانية.

إقرأ أيضاً: 30 قول وحكمة عن أهمية التواضع

يتمثَّل التواضع في الاعتراف بخطئنا عندما نكون مخطئين، وتغيير معتقداتنا إذا كانت غير صحيحة؛ ممَّا قد يقودنا إلى مزيدٍ من النجاح والسعادة، ولكن لكي نتخلَّص من مقاومتنا لهذه الفضيلة، يتعيَّن علينا وضع خطة لتغيير طريقة تفكيرنا وتصرفنا؛ لذا نقدِّم لك أربع نصائح تساعدك على القيام بذلك:

1. اعترِف بخطئك:

يميل المرء إلى عدم الاعتراف بالخطأ أو تغيير رأيه خشيةَ أن يبدو غبياً أو غير كفء؛ ممَّا يدفعه إلى الدفاع عن الأفكار غير الموفَّقة دفاعاً شديداً، ولكنَّ هذا الميل في حد ذاته يقوم على خطأ؛ ففي دراسة أُجرِيَت في عام 2015 في المجلة العلمية "بلاس وان" (PLOS One)، قارن الباحثون ردود أفعال العلماء بعد إبلاغهم بأنَّ نتائجهم "لا تتكرر"؛ أي ليست صحيحةً على الأرجح، وهذه مشكلة شائعة في الأوساط الأكاديمية، وليس من المستغرب أن يدافع العلماء - مثل معظم الناس - عن أبحاثهم ونتائجهم. ولكنَّ الباحثين وجدوا أنَّ هذا النوع من السلوك كان أكثر ضرراً بسمعة العلماء من مجرد الاعتراف بأنَّهم كانوا مخطئين. في الواقع، إذا كنتَ مخطئاً، فإنَّ أفضل طريقة لحفظ ماء الوجه هي الاعتراف بالخطأ.

2. افعل ما يتناقض مع أفكارك:

تُعَدُّ إحدى أفضل السُبُل لمكافحة هذا الميل هي تبنِّي استراتيجية "الإشارة المعاكسة"، على سبيل المثال: عندما تكون حزيناً، لن ترغب غالباً في رؤية الآخرين، ولكن هذا هو بالضبط ما يجب عليك فعله، والشيء نفسه عندما تكون أفكارك مهدَّدةً وتشعر بالرغبة في الدفاع عنها، قاوِم غريزتك، وكُن أكثر انفتاحاً على الاختلاف.

بعبارة أخرى، عندما يقول لك أحدهم إنَّك مخطئ، اطلب تفسيراً وافهم وجهة نظره. في الواقع، يتعيَّن عليك التعرُّف إلى أصدقاء يفكرون بطريقة مختلفة عنك ويمتلكون افتراضات غير افتراضاتك، والنظر إلى الأمر بِعَدِّه بناء "فريق من المنافسين"، وهذه عبارة المؤرخة "دوريس كيرنز جودوين" (Doris Kearns Goodwin) التي استخدمَتها لوصف حكومة "أبراهام لينكون" (Abraham Lincoln)، والتي كانت تتحدَّاه بلا هوادة، على عكس حكومة "كينيدي". فحاوِل أن تجرِّب ذلك، حتى لو بدا أمراً مرهقاً.

3. لا توثِّق معتقداتك كلها:

قد تجعل القوى الاجتماعية والسياسية اليوم التواضع أمراً يُشعِر الناس بالخطر، بل وحتى بالحماقة. والواقع أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي تحدُّ من قدرتنا على إعادة اكتشاف تفكيرنا؛ لأنَّ أفكارنا تتراكم بصورة متزايدة، وآراؤنا التي ننشرها عبر الإنترنت، تظهر لنا كتذكرة كل عام، فترى معتقداتك موثَّقةً أمام عينيك؛ ممَّا يجعل تغيير رأيك في شيء هامٍّ أو مثير للجدل يشعِرك بالضعف ويضعك أمام الانتقادات العامة.

الحل ألَّا توثِّق آراءك عبر الإنترنت، وأن تشارك وجهات نظرك مع الأشخاص الذين تعرفهم وتثق بهم، وليس مع أولئك الغرباء على "تويتر" (Twitter) و"فيسبوك" (Facebook)؛ لأنَّ مشاركة وجهات نظرك مع الغرباء على وسائل التواصل الاجتماعي أمرٌ غريب، وكأنَّك تطلب من الأشخاص الذين لا تعرفهم أن يهتموا بآرائك.

إقرأ أيضاً: 10 معتقدات إيجابية يجب أن تتبناها

4. ابدأ بخطوات بسيطة:

لنفترض أنَّك تريد تغيير طريقة تفكيرك، سيكون البدء أمراً صعباً، لا سيَّما إذا كنتَ تؤمن برأيك إلى حدٍّ كبير، مثل معتقداتك الدينية أو أيديولوجيتك السياسية؛ لذا من الأفضل أن تبدأ بأفكار بسيطة مثل ذوقك في الموضة، أو الأندية الرياضية التي تشجِّعها. بعبارة أخرى، أعِد النظر في الأمور التي عددتَّها من المسلَّمات، وقيِّمها بقدر ما تستطيع، بعد ذلك قرِّر التغيير.

ليس المقصود بهذه النصيحة أن تغيِّر الأمور البسيطة فحسب، ولكن أظهرَت الأبحاث المتعلقة بتحديد الأهداف أنَّ البدء بخطوات صغيرة يعلِّمك كيفية تغيير العادات. بعد ذلك، تمتلك معرفةً ذاتية تمكِّنك من تغيير الأمور الكبيرة في حياتك، وفي هذه المرحلة، تمكِّنك مهاراتك الجديدة من العثور على الحقيقة.

إذا طبَّقتَ هذه النصائح، فقد تجد منتقدين يتَّهمونك بالتقلُّب أو الضعف، ولكي تتعامل مع هذا، تعلَّم درساً من الاقتصادي الكبير "بول سامويلسون" (Paul Samuelson). ففي عام 1948، نشر "سامويلسون" كتاباً كان الأكثر شهرةً في علم الاقتصاد على مرِّ العصور، ومع مرور السنوات، قام بتحديث الكتاب وغيَّر تقديره لمستوى التضخم المحتمَل لصحة الاقتصاد الكلي: أولاً، قال إنَّ النسبة 5%، ثمَّ غيَّرها في الإصدارات اللاحقة إلى 3% و2%؛ ممَّا جعل وكالة الأنباء الأمريكية "أسوشيتد برس" (Associated Press) تكتب مقالةً بعنوان "يجب على المؤلف أن يتَّخذ قراره". وفي مقابلة تلفزيونية بعدما حصل "سامويلسون" على جائزة نوبل في عام 1970، قال في هذا الشأن: "عندما تتغير الأحداث، أغير رأيي. وأنتم ماذا تفعلون؟"

في السعي إلى تحقيق السعادة، يمكِنك القيام بذلك أيضاً؛ فعند تغيير الأحداث، يمكِنك إيجاد معلومات أو شخص يقدِّم حجةً جيدة، والمضي قدماً وتغيير رأيك علناً. قد يبدو هذا صعباً في البداية، ولكنَّه أمرٌ مفيدٌ بالنسبةِ إليك، فضلاً عن أنَّك لن تخسر شيئاً.

المصدر




مقالات مرتبطة