4 طرق لتنمية قدراتك لتصبح قائداً أفضل

يعترف القادة في مرحلة ما من حياتهم أنَّ أحلامهم وشُغُفهم القابعات عميقاً في صدورهم، تسحقها الضغوطات التي يفرضها تحقيق الأهداف والمهام بطاقة لا تكفيهم حتى ليستهلوا بها الأسبوع، وبعد ذلك في مرحلة ما، تنتهي الحلول المبتكرة والخيارات المتعددة نتيجة هيمنة الضغوطات التي تسيطر عليهم.



ربما جربتَ شعور أن تتخلى عن شَغفك وهدفك نتيجة ضغوطات زيادة الإنتاجية، والضغوطات التي تُمارس عليك لكي ترتقي إلى مستوى توقعات الآخرين؛ لكن ليس على حياتك أن تأخذ هذا المنحى؛ فهدفك في الحياة يتجاوز بكثير مقدار تفكيرك وإدراكك حالياً.

لقد وُجدت الأحلام والعواطف المتميزة بداخلك لتُحدث تغييراً ذا تأثير عالٍ وإيجابي في الأشخاص الذين هم في نطاق تأثيرك، وهنا تكمن أهمية ألا تسمح للتوتر بقمع هذه الأحلام والعواطف داخلك.

وفقاً للمعهد الأمريكي لأبحاث التوتر العصبي (American Institute of Stress): "يشعر 80٪ من العاملين بالتوتر الناجم عن الوظيفة، وصرَّح نصفهم بحاجتهم إلى المساعدة في تعلُّم كيفية إدارة التوتر، في حين أقر 42٪ منهم أنَّ زملاءهم في العمل بحاجة إلى تلقي المساعدة أيضاً".

يفترض الكثيرون أنَّ الحياة لا تكتمل والقيادة لا تصلح إلا بالقضاء على التوتر تماماً؛ لكنَّ الحقيقة أبعد ما تكون عن ذلك؛ فتجارب القادة المخضرمين تعلمنا أنَّه لا حياة خالية من التوتر، وعليك تقبُّل هذه الحقيقة وعدم القلق إزاءها؛ وبدلاً من محاولة التهرب من التوتر، يجب أن تتعلَّم كيفية السيطرة عليه بطريقة أكثر فاعلية.

وخلاصة القول هي: إن كنت تشعر بالعجز والإرهاق وعدم التقدير، فاعلم أنَّ مشكلتك ليس لها علاقة بالتوتر، بل بالقدرات:

1. إدارة التوتر مقابل الضيق:

يتعيَّن على كل شخص أن يطور قدراته الخاصة، فيبدأ كل منا بدرجة من القدرة؛ وبينما يسير بنا مركب الحياة، يجب أن ننمي قدراتنا على السيطرة على الصعوبات والضغوطات وحالات التوتر التي نمر بها.

فإن أخفقنا في تنمية تلك القدرات، سينتهي بنا الأمر إلى حالة من الضيق والقلق، وتصبح الحياة شاقةً؛ لكن تذكر: لا تخلو حياة من التوتر، ومع ذلك فهناك فرق شاسع بين التوتر والضيق.

تجد المشكلات طريقها إلى الكثيرين عندما يتحول التوتر إلى ضائقة، والتي هي حالة من القلق الشديد والمستمر والاكتئاب مختلف الشِّدة؛ وهنا لا بُدَّ لنا من التنويه أنَّ التوتر أمر طبيعي الحدوث في الحياة، على عكس الضيق.

يميل الكثيرون إلى تجنُّب التوتر بأي ثمن، فيختارون الانسحاب وتجنب أسبابه كلياً بدلاً من إدارته بطريقة صحية؛ لكن يتوقف نموهم الشخصي جراء الانسحاب من التوتر بالكامل؛ لذا إن أردت إعطاء إمكاناتك حقها، زد من قدرتك وأحسن إدارة التوتر؛ فذلك سيكون حافزاً لأحلامك وأهدافك، دون أن يتسبب بإعاقتها.

تُعدُّ المشكلات الشخصية المتعلقة بتربيتك وتاريخ عائلتك؛ إحدى مصادر التوتر في حياتك التي لها تأثير كبير في صحتك الذهنية والعاطفية، ناهيك عن لقائك بعض الصعاب أو الأزمات غير المتوقعة والتي تحدث دون سبب معين.

ومع ذلك، لا يحدث التوتر في معظم الأحيان نتيجة مشكلة بذاتها، بل يعود إلى عدة عوامل، والتي غالباً ما تكون سلسلة من العوامل الخارجية التي لا يمكن السيطرة عليها.

إذا جعلك التوتر تقعد دون حراك، فلا تقنط، وأبقِ معنوياتك عاليةً كي تُبعد عنك المخاوف من إلحاق التوتر الضررَ بقدرتك أو تقويضها؛ إذ يمكن للتوتر أن يعزز نموك بوصفك قائداً وإنساناً إن أتقنت إدارته بحنكة، وبذلك تستثمر التوتر لصالحك، بدلاً من أن يحطم معنوياتك.

إقرأ أيضاً: التوتر النفسي: مُهدّد للحياة أم مُلهِم لها؟

2. تعلم إيلاء الاهتمام بالنفس حتى تتمكن من الاهتمام بالآخرين:

يعتمد الكثيرون عليك بصفتك قائداً لهم من الناحية العملية والعاطفية؛ ففي مجتمعنا الآن، من الشائع أن نتجاهل المبدأ القائل: "فاقد الشيء لا يعطيه".

إنَّ جميع الأشياء التي يمكن أن تخطر ببالك، إن لم يكن لها مخزونٌ في الواقع فلن تُمِدَّك بشيء؛ ومن هذه الأشياء الصحة الروحانية والاستقرار العاطفي وراحة البال.

تتمثل الخطوة الأولى في تنمية قدرتك في هذا الصدد في إدراك أنَّك إذا لم تراقب دافعك الداخلي وصحتك الروحانية بانتظام، فستجد نفسك في موطئ قدم غير ثابت؛ حيث يلوح هدفك في الأفق؛ لكنَّك تفتقر إلى الطاقة أو الإبداع أو الدافع أو الانضباط لبلوغه.

لا تغترَّ بنفسك وتعتقد أنَّك شخص لا يقهر وأنَّ طاقتك لا تنضب؛ إذ تختلف قدرة كل شخص عن الآخر، ومن المستحيل أن يمتلك شخص ما قدرةً خارقةً لا تنضب؛ لذا إن أردت تنمية قدراتك، يجب أن تبرع في موازنة استجاباتك على أعلى المستويات وأدناها في الحياة بمجرد امتلاكها.

من الناحية العملية؛ هل تنال كفايتك من الراحة؟ هل تهتم بصحتك الذهنية والعاطفية؟ هل تتعمد اتخاذ إجراء لجدولة فترات الترويح عن النفس كي تغذي إبداعك وأخلاقيات العمل لديك؟

واسأل نفسك أيضاً: ما مقدار انسجامي مع نفسي؟ هل تتأرجح مستويات حالتي العاطفية بين صعود وهبوط؟ وكيف هي علاقاتي؟ وهل نظرتي إلى الحياة صحية، وإلى أيِّ مدى؟

إن كنت تعاني تقلبات شديدة في تصرفاتك واستجابتك، فلن تكون قادراً على تحسين القدرة العاطفية للاستمرار في مواجهة الصعاب أو المحن عندما تعصف بك؛ لذا أولِ اهتماماً بروحك، وابنِ عادات متوازنة ومتسقة تغذي صحتك الروحية والجسدية والذهنية؛ إذ يجلب العيش بتوازن عاطفي الاستقرار إلى حياتك وسلوكك وإلى جميع من تقودهم.

3. التعامل مع خيبات الأمل العالقة وإخفاق التوقعات:

تُعدُّ الانتكاسات وخيبات الأمل والتوقعات العالقة والفترات التي تشوبها الأزمات الشخصية من أركان العيش في عالم بعيد عن المثالية؛ إذ سيقلل تعمد تجنب الألم وعدم الراحة بأي ثمن؛ من استقرارك العاطفي والذهني والروحي من خلال تعطيل قدرتك على تطوير المهارات اللازمة للتعامل مع حياتك الاعتيادية.

تُعزِّز تجارب الحياة الصعبة أو الرهيبة بالنسبة لمعظمنا ضرورةَ الاستحواذ على ما تبقى من واقعنا المتخلخل، وعدم التخلي عنه بأيِّ ثمن خشية المزيد من الخسارة وعدم القدرة على التنبؤ؛ هذا ما يُسمى بالحماية الذاتية في أفضل حالاتها.

واعلم أنَّ الفجوة بين التوقعات والواقع هي في الحقيقة خيبة الأمل، وكلما خابت توقعاتك، عظمت درجة خيبة الأمل التي ستنتابك، فمن الناحية الشخصية، ربما اعتقدتَ في الماضي أنَّك ستكون قد تزوجت ببلوغك عمراً معيناً، وأسست لعملك الخاص وتوقعت أنَّك لن تكون غارقاً في الديون؛ لكنَّك ستعاني من خيبات الألم كلما خابت توقعاتك، وإن لم تعالجها ستُدمر مستقبلك وإمكاناتك التي تلوح في الأفق؛ وفي حين لن يجرؤ أحد على إبطال الألم الحقيقي للخسارة الذي شعرت به، فإنَّ قدرتك لا تنمو من خلال الانتصارات وحدها، بل أنت بحاجة إلى وجود الانتكاسات لتحسين شخصيتك وقدرتك على المثابرة.

قد تحتاج خطوةً إلى الوراء كي تدفع نفسك بقوة لقطع شوط طويل إلى الأمام؛ إذ تُحدث الانتكاسات الإحساسَ بالخسارة؛ ولكن عندما تدرك أنَّ الانتكاسات تمهد الطريق للتقدم، لن تتغير وجهة نظرك لها فحسب؛ بل سيُفتح باب الفرصة أمام قدرتك على النمو، وبذلك تقوض المشكلة وتتغلب عليها.

إقرأ أيضاً: 12 نصيحة مفيدة للتعامل مع خيبات الأمل

4. تعلم كيف تقول "نعم" لما هو أكثر أهمية:

يحرمك الانشغال الدائم ووتيرة الحياة المتسارعة التي تعقبه من عيش حياة عنوانها الاجتهاد والنشاط، وهي الحياة التي ستؤتي ثمارها لاحقاً؛ ومع تقدم حياتك وزيادة قدرتك، لا يمكنك الاستمرار بأن تُثقل كاهلك بالمزيد من المهام ما لم تكن هناك مجالات أخرى تلتزم فيها بعمل أقل.

 يجب أن تسأل نفسك: ما الذي أريد إنجازه؟ ما الذي يجب عليَّ الاستمرار به وما الذي يجب عليَّ التوقف عنه؟ ستكون هناك أوقات ستحتاج فيها إلى تفويض المهام والأهداف التي تحار أيُّها يستحق اهتمامك، ولكن في الوقت نفسه قد ترهقك فلا تستطيع بلوغ القيادة المنشودة، وبالتالي تُبدِّد منك الوقت والطاقة هباءً؛ لذا يجب أن تتعلم بصفتك قائداً أن ترفض أموراً معينةً كي تتمكن من قبول ما يهمك حقاً.

إذاً كيف تحدد ما الذي يجب عليك إلقاؤه عن كاهلك والذي يجب الاحتفاظ به؟

فيما يلي قائمة مرجعية لمساعدتك على تحديد ما يجب إلقاؤه عن كاهلك، مما يتيح لك زيادة قدرتك وإنتاجيتك:

  • ما هدفك؟
  • هل تساعد هذه المهمة في تحقيق هدفك؟
  • هل يمكن لشخص آخر القيام بذلك؟
  • هل هي ضرورية لما تريد تحقيقه؟
  • هل يخدم أيَّ غرض حقيقي؟
  • كيف يساعدك ذلك عموماً، أم أنَّك تقوم به حسب العادة؟
  • هل هو عامل تشتيت؟

إنَّ مفتاح الإجابة عن هذه الأسئلة هو قدرتك على إنشاء الهامش الذي تحتاجه لقبول فعل الأشياء التي ستحقق مردوداً عالياً ثم تفويض الباقي، وإذا كانت حياتك مليئةً بعوامل التشتيت والأعباء والمهام غير الضرورية، فليكن ذلك بمنزلة إنذار لإحداث تغيير في حياتك وحياة من تقودهم.

ففي النهاية، تتعلق القيادة بالاستمرارية؛ لذا إن أردت تحقيق النمو في قيادتك وإحداث تأثير دائم واستثمار المضمون في مجال تأثيرك، فستحتاج إلى تعلم كيفية زيادة قدرتك.

ابذل قصارى جهدك قاصداً تحسين قدرتك على إدارة التوتر إدارةً فعالةً، وإيلاء الاهتمام بنفسك حتى تتمكن من الاهتمام بالآخرين، والتغلب على خيبات الأمل والانتكاسات، وتعلُّم كيفية قبول القيام بما هو أكثر أهمية، وستحمل لك الأيام القادمة كل خير بالتأكيد.

 

المصدر




مقالات مرتبطة