4 طرق لاستعادة التركيز والتوازن عندما يضربك الإرهاق في العمل

يقول أحدهم: "لا أحد يُكافَأ على الإرهاق"؛ إنَّه قول رائع، لكن كم شخصاً منَّا يتقيد بهذا القول ولا يرهق نفسه في العمل؟ ليس الكثير، وذلك لأنَّنا متعبون في العمل وبسببه.



هُيِّئنا منذ الطفولة للعمل في عطلة نهاية الأسبوع، لكنَّ العمل في يومي الإجازة يسلبنا الاستمتاع بباقي أيام السنة، فلم يكبر أحد منا مع فكرة أن نشعر بالإرهاق، ومع ذلك فقد تقبَّلنا فكرة السعي للمضي قدماً والتنافس على السلطة والمال.

نحن نعمل طيلة أيام الأسبوع، ثم نهرب في يوم الإجازة بعيداً عن العمل، فهل هذه هي الطريقة التي من المفترض أن تكون عليها الحياة؟ لا بأس في العمل الجاد، فهو ما يجعل الحياة في غاية الأهمية، ولكن نحن نحتاج إلى إعادة التفكير في جدولنا الفوضوي إذا أردنا قضاء بعض لحظات الفرح والراحة.

إذا سئمت من احتساء قهوتك وأنت على عجلة من أمرك، أو سئمت من الصراخ في وجه الأطفال، والقيادة مثل المجنون للوصول إلى اجتماعك الصباحي، فيمكنك الاسترخاء والاستمتاع بقراءة كتاب ما.

سنذكر في هذه المقالة سببين من أسباب الإرهاق، وسنقدم لك بعض النصائح العملية للحفاظ على صحتك العقلية وحياتك الاجتماعية دون التعرض للكثير من التعب.

لماذا قد تكون مرهقاً؟

قبل أن نبدأ بالنصائح العملية، دعنا أولاً نناقش السببين الرئيسين وراء شعورك بالتعب، لا سيما في العمل:

1. الارتباط بالتكنولوجيا:

ذكرت شركة ديلويت (Deloitte) -وهي أكبر شركة خدمات مهنية في العالم- أنَّ معظم الموظفين يشعرون بالإرهاق، لكنَّ مصدر الإرهاق الذي يشعرون به مرتبطٌ على وجه الخصوص بتبني ثقافة يُطلَب من الموظفين فيها أن يكونوا مستعدين دائماً.

لقد أزالت التكنولوجيا جميع الحدود، وأزالت بطرائق عديدة حق الموظفين في الرفض؛ فهم لا يشعرون أنَّ لديهم خيار إغلاق هواتفهم، أو الاستمتاع بحياة منفصلة عن وظائفهم، أو الهروب من أكوام الأوراق الموجودة على مكاتبهم.

يؤدي هذا الواقع إلى الشعور بالإرهاق والتوتر؛ حيث يشعر العديد من الموظفين أنَّه لا يمكنهم الهروب أو حتى أخذ نفس عميق عندما يكونون بعيدين عن أعمالهم؛ وذلك لأنَّهم لا يبتعدون عن مكاتبهم أبداً.

لقد جعلت التكنولوجيا بيئة الأعمال التجارية دون جدران، مما يعني أنَّه لا يوجد أبواب أيضاً، ويعد هذا المفهوم المفتوح للأعمال نعمة، إلا أنَّه خلق بيئة مؤسسية لا تحترم الحدود الشخصية.

قد تساعد إمكانية الوصول المستمرة إلى الموظفين في زيادة أرباح الشركات، ولكنَّها ستؤدي إلى مستويات أعلى من الإرهاق وعدم رضا الموظفين على الأمد الطويل.

2. تقييم الأداء بدلاً من الهدف:

أجرى معهد القوى العاملة (Workforce Institute) دراسة وجد فيها أنَّ 95% من العاملين في الموارد البشرية يرون أنَّ إرهاق الموظفين يُدمِّر الإنتاجية في مكان العمل.

لن تجعلك كثرة الشعور بالإرهاق تصل إلى مناصب إدارية عليا، ولا يتطلب الأمر مستويات طاقة أعلى لتحقيق أهدافك؛ وإنَّما كل ما عليك فعله هو اتخاذ القرارات الصحيحة، وتذكُّر أنَّ الأمر لا يتعلق بالعمل الجاد؛ وإنَّما العمل بذكاء.

لن يأخذك القيام بالعمل دون تحديد هدف معين إلى المكان الذي تريد أن تكون فيه؛ وإنَّما سيؤدي إلى مزيد من التعب والإحباط، فإذا كنت تشعر بالعجز والتعب في العمل، فأنت لست وحدك، فيمكنك تغيير تفاصيل يومك وجدول نومك، ولكن إذا كنت تريد تغيير حياتك، فأنت بحاجة إلى تغيير عاداتك.

إقرأ أيضاً: سر العمل بشكل أفضل: أن تنظّم طاقتك، لا أن تنظّم وقتك

طرائق تغيير طريقة عملك:

يستغرق التغيير وقتاً، كما يتطلب منك أيضاً أن تحدد ما تريده من الحياة؛ فعندما تستغرق وقتاً كافياً لمعرفة من أنت وماذا تحتاج، سيكون لديك الثقة لتحديد ما تريده في حياتك؛ حيث إنَّ تحديد حدودك يحمي هدفك.

نحن جميعاً نعاني من الإرهاق، ولكن إذا كنت تشعر بالتعب بنسبة 99.9٪ من الوقت الذي تقضيه في العمل، فيجب تغيير أمر ما، وهذا الأمر ليس الوظيفة دائماً؛ ففي كثير من الأحيان يبدأ التغيير الأكثر أهمية بنا.

يمكنك استعادة تركيزك، ولكن عليك أن تأخذ بعض الوقت في التأمل قبل الوصول إلى إنتاجية أعلى؛ لذا سنقدم لك فيما يلي 4 نصائح يمكنك تنفيذها الآن:

1. تذكَّر السبب (ما هو دافعك):

عندما كنتَ صغيراً في السن، كنتَ مجبراً على تحقيق أهدافك ومدفوعاً بأحلامك، ولكن بمجرد بلوغك سن الثلاثين، أدركت أنَّه لا يمكنك القيام ببعض الأمور بمنتهى البساطة.

ترتبط التضحية بمرحلة النضوج، ومع ذلك، لقد تعلمنا جميعاً طريقة التغيير ومواجهة التحولات والانعطافات؛ لذلك لا مشكلة في أن تكون مسؤولاً، ولكن سواء أحببنا ذلك أم لا؛ فإنَّ الضغوطات التي تحدث في الواقع قد تدمرنا وتدفع الكثير منَّا نحو الإرهاق.

إنَّ الابتعاد عن أحلامنا الأساسية له ثمن، ويمكن أن يشمل صحتنا وكمالنا وإحساسنا بالهدف، وإذا أردنا استعادة تركيزنا، فنحن بحاجة إلى تخصيص الوقت لإعادة اكتشاف ما يجعلنا نتصرف بطريقة معينة؛ لذلك يجب علينا توفير مساحة في جدول أعمالنا للعمل على الأسباب؛ حيث لا يمكن أن تقودنا الأفعال.

إذا لم نأخذ الوقت الكافي لتذكر السبب المرتبط بعملنا؛ فإنَّنا سنهتم به دون إيلاء الاهتمام بأي أمر آخر، وإذا كنت ترغب في استعادة تركيزك والتوقف عن الشعور بالتعب في العمل، فعليك أن تتذكر هدفك، وبمجرد أن تجعل هذا الأمر أساس حياتك، ستتمحور جميع قراراتك حول هذا التركيز.

2. أعد التركيز إلى حياتك:

من أكبر الأمور التي يمكنك القيام بها هو تخصيص وقت للتأمل، فنحن لا نتحدث عن طقوس صباحية سريعة أو الاعتكاف للقيام بالتأمل؛ وإنَّما نعني هنا أن تكون أنت أولوية في قائمة مهامك، وليس خياراً.

يُضحِّي معظمنا بنفسه من أجل الالتزام بالمواعيد النهائية، ونقضي أياماً في إعداد عرضنا التقديمي والبحث في الإحصاءات، لكنَّنا نؤجل الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية أو الحصول على ساعة نوم إضافية؛ نحن نفضل العمل على أي شيء.

توصلت العديد من الدراسات إلى نفس النتيجة وهي: نحن جميعاً نحتاج إلى أن نضع أنفسنا في المرتبة الأولى إذا أردنا الازدهار في مجال الأعمال، لكنَّنا لا نتقيد بهذه النتيجة؛ حيث يواصل الكثيرون قضاء حياتهم في احتساء القهوة وملء جداول البيانات؛ إنَّها ليست طريقة صحية، لكنَّها مرتبطة بثقافة الشركة.

تكافئ العديد من الشركات هذا النوع من السلوك، فهم يتوقعون أن يكون موظفوهم متاحين على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وأن ينجزوا أعمالهم ليلاً ونهاراً، وقد ازداد الأمر سوءاً منذ أن بدأنا العمل من المنزل.

وفقاً لمجلة هارفارد بيزنس ريفيو (Harvard Business Review): "تعد إحدى أفضل الطرائق لإدارة الفوضى هي أن تتبع نظاماً محدداً"؛ حيث يجب أن تكون الرعاية الذاتية جزءاً من روتيننا اليومي إذا أردنا التوقف عن الشعور بالتعب في العمل، ويتطلب استعادة التركيز منَّا إعادة ترتيب حياتنا، ويتطلب ذلك أن نراعي احتياجاتنا دون الشعور بالذنب.

يمكنك البدء بممارسة الرياضة، وشرب الكثير من الماء، وقضاء 30 دقيقةً على الأقل كل يوم للقيام بشيء يحقق لك السعادة.

إقرأ أيضاً: 4 طرق لاستعادة التركيز عندما تشعر بالتعب في العمل

3. أعد التفكير في توقعاتك:

بعد ساعات من الإرهاق، نحاول جاهدين أن نكون على دراية بالأعمال التي نقوم بها دون مواجهة أي عقبات، فنحن نحدِّق بصراحة في أكوام الأوراق، ونحرِّك رؤوسنا دون تفكير عندما يطلب منا رئيسنا إضافة عنصر آخر إلى قائمة المهام، ونتمنى ألا تتوقف الاجتماعات التي لا تنتهي.

بالنسبة إلى الكثيرين منَّا، يمثل هذا أيام الأسبوع الاعتيادية؛ فنحن نقوم بتنسيق جداولنا باستخدام الألوان، وإضافة مهام رتيبة لا تنتهي إلى أسبوعنا، ونأمل أن نتمكن من تحقيق التوازن بين كل شيء دون أن نفقد عقلنا، لكن ماذا لو كانت هناك طريقة أفضل لتجاوز هذه الحالة؟

4. أعد تنظيم قائمة مهامك:

إذا كنت تشعر بالإرهاق باستمرار في العمل، فإنَّ أحد أكبر الأمور التي يمكنك القيام بها لاستعادة تركيزك هو إعادة التفكير في قائمة مهامك، فأنت لست بحاجة إلى إنجاز كل شيء، وحتى إذا قمت بذلك فليس بالضرورة أن تُنجِز بمفردك قائمة مهامك.

قبل أن تبدأ بإنجاز الأعمال مع بداية أسبوع العمل، استفد من أيام الإجازة لإعادة تنظيم أسبوع عملك، واكتب قائمة بالأشخاص الذين تعمل معهم ومجموعات المهارات التي يجيدونها، ثم انظر إلى قائمة المهام الهامة الخاصة بك.

قسِّم قائمة المهام إلى ثلاثة أعمدة؛ املأ القسم الأول بالمهام التي يمكنك أنت فقط القيام بها، وبعد ذلك، املأ القسم الثاني بالمهام التي لا يلزم القيام بها أو يمكنك القيام بها في وقت لاحق، وأخيراً، املأ القسم الثالث بالمهام التي يمكن للآخرين القيام بها.

قد تؤدي إضافة عناصر إلى قائمة مهامك إلى شعورك بالإنجاز، ولكن إذا واصلت تحديد قائمة مهامك، فلن تتمكن من المضي قدماً على الأمد الطويل.

إذا كنت تريد استعادة التركيز والتوقف عن الشعور بالتعب في العمل، فابدأ بمخططك، فلا يحتاج كل شيء إلى إزالة أو إنهاء؛ ففي بعض الأحيان، تكون أفضل طريقة لتحقيق أهدافك هي إزالة الأهداف التي تجعلك عاجزاً عن العمل.

أفكار أخيرة:

إذا سئمت من الشعور بالتعب في العمل، ألقِ نظرة على هذه النصائح الأربع، ونفذ إحدى هذه الممارسات في أسبوع عملك، وتذكَّر، لا يعد هذا الأمر سِبَاقاً، وهذه النصائح ليست مجرد أمر آخر تضيفه إلى قائمة مهامك؛ وإنَّما الهدف منها هو مساعدتك على فهم الأسباب التي تؤدي إلى شعورك بالإرهاق.

إذا كنت ترغب في استعادة فرحتك، تذكَّر سبب ذلك وأَعِد تركيز حياتك؛ فأنت بحاجة إلى فهم نفسك، وخذ الوقت الكافي لتحديد الحدود التي توفر التوازن بين العمل والحياة، واجعل هذه السنة هي السنة التي تستمتع فيها بعملك، بحيث لا تفكر في قدوم عطلة نهاية الأسبوع فحسب.

 

المصدر




مقالات مرتبطة