4 دروس حياتية يمكنك تعلمها من الأطفال

"نحن بحاجة إلى أن نبقى مثل الأطفال؛ فالأطفال لا يحلمون بأن يكونوا غير مهمين". في المرة الأولى التي سمعتُ فيها هذا الاقتباس من الممثل الأمريكي "بيل جونسون" (Bill Johnson)، كان له تأثير عميق فيَّ؛ وذلك لأنَّه صحيح.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن كوتش النجاح والحياة "جاستين ألدريدج" (Justin Aldridge)، والذي يُحدِّثنا فيه عن الدروس التي تعلَّمها من الأطفال.

فهل سبق لك أن شاهدتَ كيف يعيش طفل حياته؟ وكيف يلعب الصغار ويتفاعلون مع بعضهم بعضاً ويتنقلون في خضمِّ جنون الحياة؟

من المحتمل أنَّك لم ترَ أموراً مثل الخوف من حكم الآخرين عليهم أو الفشل أو العنصرية أو التحيز أو القلق والاكتئاب، فهذه الأنواع من الأشياء التي ليس لها مكان في حياة الأطفال.

للأسف، كلما تقدَّمنا ​​في السن وأصبحنا أقل طفوليةً، انفصلنا عن تلك الأشياء؛ حيث نرزح تحت نير العالم، ونبدأ بتجسيد القصص التي قِيلَت لنا وعنَّا والتي تغيِّر مسار حياتنا.

بما أنَّني شخصٌ محبٌّ للتعلُّم والحياة، أعتقد أنَّه يمكِنني تعلُّم شيء من الجميع، وحتى من الأطفال.

لهذا السبب أود أن أشارك 4 دروس في الحياة يمكِننا كبالغين تعلُّمها من نظرائنا الأصغر سناً والتي ستسمح لنا بأن نعيش حياةً أكثر ثراءً وذات مغزى.

1. عليك أن تكون موجوداً في اللحظة التي تعيش فيها:

يجب أن أعترف، بصفتي شخصاً يحب الكمال في عمله، أنَّ الوجود في اللحظة الراهنة هو بالتأكيد شيء عانيتُ في تطبيقه في بعض الأحيان طوال حياتي.

أنا أسعى دائماً إلى تحقيق الهدف التالي الكبير، وفي أثناء قيامي بذلك، من السهل الوقوع في هذا الموقف، وإضاعة ساعات اليوم كلها؛ حيث أنسى تناول الطعام، ناهيك عن الحضور وأخذ الوقت للاستمتاع بالحياة.

تلك هي أيضاً الأوقات التي أشعر فيها بأنَّني لم أحقِّق الكثير، فأنا أحقِّق الكثير من الخارج، ولكنَّني لا أحقِّق شيئاً من الداخل، وهذا هو السبب في أنَّ أول درس من دروس الحياة الذي يمكِن أن نتعلمه جميعاً من الأطفال هو أن نكون حاضرين.

لنكن واضحين، فالسعي إلى تحقيق الإنجاز ليس عدو الحضور؛ حيث يمكِنك التوفيق بين الأمرين، ولكن عليك التأكد من أنَّ الحضور يمثِّل أولويةً، خاصةً إذا كنتَ من أصحاب الإنجازات مثلي.

خلاف ذلك، سيكون الحضور في اللحظة الراهنة مهمَّشاً خلال تحقيق الهدف التالي على قائمتك، وفي هذه الأثناء، ستعاني في علاقاتك وتستذكر شهوراً أو سنواتٍ في كل مرة تتساءل فيها لماذا أنت غير سعيد للغاية على الرغم من تحقيق الكثير.

على الرغم من وصف الحياة بأنَّها "قصيرة" كي يعيش الناس حياتهم على أكمل وجه، إلا أنَّها ليست قصيرةً جداً لدرجة أنَّنا يجب أن نكون في عجلة من أمرنا للوصول إلى هدفنا التالي طوال الوقت.

يستمتع الأطفال الصغار باللحظة؛ فعندما يلعبون، لا ينشغلون بالتفكير فيما يتعين عليهم القيام به غداً، أو يحاولون العودة إلى العمل الدؤوب والسعي إلى تحقيق النجاح؛ بل يستمتعون بصحبة بعضهم بعضاً، ويعيشون كلياً في اللحظة، وعندما تنتهي تلك اللحظة، ينتقلون إلى اللحظة التالية؛ لذا تعلَّم الموازنة بين السعي نحو الإنجاز وإبطاء وتيرتك في العمل بما يكفي للاستمتاع بالحياة يومياً.

إقرأ أيضاً: عيش اللحظة: حاجة ملحة في ظل انعدام الطمأنينة

2. عليك أن تتعلَّم ألا تحمل الأحقاد لوقت طويل:

أتذكَّر أنَّني شاهدتُ فيلماً ذات مرة حيث مات رجل، وكانت الكلمات الموجودة على شاهدة قبره بمنزلة ضربة أخيرة منه لشخص ظلمه في وقت سابق من حياته، فكان من المفترض أن يكون هذا المشهد بالذات مضحكاً، ولكن لستُ متأكداً تماماً من أنَّ الآخرين لن يفكروا في الفكرة نفسها على فراش الموت، فلقد رأيتُ أناساً يتمسكون بالأحقاد لفترة طويلة.

أنا لا أحاول إصدار الأحكام أو قول: إنَّ معظم الناس لن يفهموا الضغائن التي قد تحملها عليهم، ولكن يمكِنني أن أقول: إنَّني لم أرَ قط أي شيء إيجابي يأتي من التمسك بها.

عندما تتمسك بضغينة، فأنت الشخص الخاسر بالفعل، فهي مثل حمل ثقيل يرهقك عقلياً وجسدياً وعاطفياً.

وأنا أعلم أنَّ بعض الناس سوف يقرؤون هذا ويفكرون في سرهم: "ولكنَّك لا تعرف ما فعله بي، وإلا ربما تفهم لماذا أحمل هذه الضغينة"، لديك الحق في التفكير بذلك، فأنا لا أعرف وضعك بالتحديد، لكنَّني أعلم أنَّني كنتُ قادراً على مسامحة الأشخاص الذين ظلموني بشدة، كما يوجد مَن سامحني بسبب بعض الأخطاء الهائلة التي ارتكبتُها أيضاً؛ لذا على الرغم من أنَّني لا أعرف حالتك، لكنَّني أعلم أنَّ التسامح دائماً خيار.

إقرأ أيضاً: دور المنزل في تربية الطفل

وإليك بعض الحقائق التي أريدك أن تفهمها بشأن التسامح:

1. المسامحة لا تعني النسيان:

هناك مفهوم خاطئ شائع مفاده أنَّ التسامح يعني نسيان ما حدث، كما لو أنَّك إن لم تنسَ ما حدث، فأنت لم تسامح حقاً، ولكنَّ هذا ليس صحيحاً، وأعتقد أنَّه من الحماقة أن يعتقد الناس أنَّ التسامح يعني أنَّه يجب عليك نسيان كل ما حدث لك من إساءة، فعندما يرتكب الآخرون فعلاً خاطئاً أو مؤذٍ في حقنا، فمن شبه المستحيل محو ذلك من أدمغتنا وقلوبنا، ويمكِننا أن نغفر لشخص ما بينما لا نزال نحتفظ بذكرى ما حدث من أجل حماية أنفسنا من التعرض للأذى بهذه الطريقة مرةً أخرى.

2. الغفران لك وليس لهم:

أعتقد أنَّ السبب وراء تردُّد معظم الناس في مسامحة الآخرين هو أنَّهم يرون أنَّ ذلك يعفي الشخص الآخر من المسؤولية، والمشكلة هي أنَّهم لا يدركون في الواقع أنَّهم يؤذون أنفسهم فقط؛ وذلك لأنَّ الحقيقة في معظم الحالات، هي أنَّ الشخص الذي ظلمك قد مضى في حياته، وعندما لا تسامح، تستمر في إعادة فتح جرح قديم باستمرار؛ حيث عبَّر الكاتب "لويس سمديس" (Lewis Smedes) عن هذه الفكرة خير تعبير حينما قال: "المسامحة هي تحرير السجين واكتشاف أنَّه كان أنت"؛ لذا حرِّر نفسك، وألقِ بهذا العبء الثقيل الذي كنتَ تحمله بعيداً، وانسَ ما حدث، فهذا ما ستشعر به عندما تسامح.

3. ليس من الضروري أن تسامح وجهاً لوجه:

لقد سمعتُ الكثير من الناس يقولون إنَّهم يحبون أن يغفروا لشخص ما، لكنَّهم ليسوا متأكدين من قدرتهم في وجوده حولهم دون فعل شيء يندمون عليه، ولحسن الحظ، لستَ مضطراً لأن تقابل الشخص وجهاً لوجه لتسامحه، وليس عليه حتى أن يعرف أنَّك قد سامحتَه، فالمسامحة فعل نابع من القلب وليس اللسان، وإخبار شخص ما أنَّك تسامحه لا يحدث إلا بعد أن يحدث التغيير داخلياً؛ لذا يمكِنك اختيار التسامح في أي مكان تقرره.

لم أرَ قط طفلاً صغيراً يخرج للعب ويقول: "أنا منزعج من ذاك الطفل هناك، فقد أساء إليَّ".

يغفر الأطفال ويمضون قُدماً؛ فهُم يثقون بطيبة الإنسان ويؤمنون بها في أفضل حالاتهم، بدل أن يحكموا عليها في أسوئها.

صحيح أنَّنا نرتكب أخطاءً جسيمة أكثر بحق بعضنا فيما بعد، ولكنَّ هذا لا يغيِّر حقيقة أنَّ التسامح لا يزال دائماً خياراً ولا يزال في إمكانك القيام بذلك بسرعة.

إقرأ أيضاً: القدوة الحسنة وأهميتها في تربية الطفل وتكوين شخصيته

3. عليك تجربة أشياء جديدة:

يقودني الأمر إلى الجنون عندما يشاهد أطفالي عرضاً أو يقومون بنشاط لمدة دقيقتين، ثمَّ يتركونه استعداداً للانتقال إلى النشاط التالي.

ابني هو الأسوأ في العالم؛ حيث أضع فيديو تعليمياً له على منصة "يوتيوب" (Youtube)، والذي لا يستمر أكثر من 35 ثانية قبل أن ينقر على الفيديو التالي.

الشيء المضحك هو أنَّه بقدر ما يمكِن أن تكون تلك اللحظات محبِطةً لنا كبالغين، فإنَّها تسلط الضوء على درس عظيم يمكِننا تعلُّمه من الأطفال، وهو الاستعداد لتجربة أشياء جديدة.

نحن نعيش حياتنا وفق رتم ثابت في كثير من الأحيان، فنعرف ما نحبه وما لا نحبه، وتتدفق الحياة بسهولة أكبر إذا أبقيناها بسيطة، فهل البساطة هي ما تريده حقاً؟ إنَّني أفضِّل أن أستبدل تلك البساطة بالفرح والرضا والإثارة، وهذه هي الأشياء التي يستطيع الأطفال معايشتها من خلال قابليتهم لتجربة أشياء جديدة.

بدلاً من الاكتفاء بشيء ما لأنَّه "جيد بما يكفي"، ينتقل الأطفال إلى المرحلة التالية إذا لم يكن هو الشيء الذي يبحثون عنه، فليس لديهم وقت للملل أو تجربة أمور عادية.

وإذا كنتَ تريد حقاً أن تعيش حياةً مدهشة واستثنائية، فعليك التوقف عن الرضا عن هذه الأشياء أيضاً، فليس لديك سوى حياة واحدة فقط لتعيشها، إذاً، انهض في الحال، وابدأ بالتغيير، وكن على استعداد لتجربة أشياء جديدة.

عندما تفعل ذلك، ستعيد اكتشاف الإثارة الطفولية للحياة، وتهيئ نفسك لتعيش الحياة الذي تريدها بالفعل.

إقرأ أيضاً: 14 سبباً يدفعك إلى تجربة أشياء جديدة في الحياة - (الجزء الأول)

4. عليك الاستمتاع بوقتك:

يمكِن أن تكون الحياة صعبةً في بعض الأحيان؛ إذ لا مفر من حدوث الأشياء السيئة، وستكون هناك بعض المصاعب على طول الطريق، وعلى الرغم من كل ذلك، من المفترض أن تكون الحياة ممتعةً.

أعلم أنَّ بعض الناس قد يقرؤون هذا ويشعرون أنَّ المتعة مستحيلةٌ بالنظر إلى واقعهم الحالي، لكنَّ الحقيقة هي أنَّ المتعة والسعادة مجردُ خيارات؛ فعندما ترفع رأسك عن الوسادة كل يوم، عليك أن تختار ما إذا كانت حياتك ستمتص روحك أو ستكون رحلةً مليئةً بالسعادة.

من الوقت الذي يستيقظ فيه الأطفال إلى الوقت الذي يضعون فيه رأسهم الصغير الجميل على الوسادة ليناموا، لديهم مَهمة واحدة يسعون إلى تحقيقها، وهي الاستمتاع بوقتهم بقدر ما يستطيعون، أما البالغون من ناحية أخرى، فلدى معظمهم مَهمة مختلفة في ذهنهم، وهي الصمود لبقية اليوم.

إنَّ هذا أمرٌ محبط؛ إذ لا عجب أن يقول معظم الناس إنَّهم لا يحبون وظائفهم وغير سعيدين في الحياة، فقد فقدنا هذا الدافع للحصول على المتعة والاستمتاع بالحياة حقاً.

أولئك الذين ينجحون حقاً في الحياة؛ أي الذين يبدو أنَّهم يمتلكون كل شيء، اتَّخذوا قراراً واعياً للسعي إلى المتعة، وقد التزموا بأن يكونوا سعيدين.

تكون الحياة صعبةً وطاحنةً فقط إذا اخترتَ أن تجعلها كذلك، فيمكن أيضاً أن تكون الحياة ممتعةً ومليئةً بالسعادة إذا اخترتَ ذلك.

أتحداك أن تكتشف طريقةً يمكِنك من خلالها إضافة بعض المرح إلى حياتك يومياً، وبدلاً من أن يكون المرح شيئاً يحدث من حين لآخر فقط، فكيف يمكِنك أن تتصرف مثل الأطفال، وتجعل من الاستمتاع مَهمتك يومياً؟

الخلاصة:

أنا أفهم أنَّ لدينا مسؤوليات، ولا يمكِننا ببساطة أن نتخذ سلوك الأطفال الصغار الخالي من الهموم طوال الوقت، ولكن ليس علينا أيضاً أن نفقد الطفل الذي يقبع داخلنا تماماً؛ حيث يمكِننا أن نوفِّق بينهما، ففي إمكان شخص بالغ مسؤول أن يفعل الأشياء كلها التي ذكرتُها آنفاً.

وإذا كنتَ جاداً حقاً في عيش حياةٍ استثنائية، فسوف يكون ذلك ضرورياً؛ لذا عِش حياتك ودَع الطفل داخلك يركض بحريَّة، واخرج وكن حاضراً، واغفر بسرعة، وجرِّب أشياء جديدة، واستمتِع ببعض المرح في خضمِّ كل ذلك، وكن استثنائياً.

المصدر




مقالات مرتبطة