4 خطوات لمحاربة الاكتئاب

ها هو ذا المنبه يدوي في الصباح من جديد، وأنت تعيس لأنَّك استيقظت ويجب أن تباشر كفاحك اليومي مجدداً.



أنت فاقد لمشاعر الشغف، وتعيس، ولا ترى أي بارقة أمل في حياتك، وقد سئم أصدقاؤك شكواكَ وتذمُّرك اللذَين لا ينتهيان، أو ربَّما أنت شخص كتوم يكبت تعاسته ولا يشتكي ولا يخبر أحداً بالمعاناة التي يواجهها، وفي كلتا الحالتين أنت وحيد وبائس، ولا يسعك إلَّا أن تتمنى انتهاء هذا الألم الذي يعتصر كيانك، وأن تختفي من الوجود، أنت لا تريد أن تنتحر؛ لكنَّ الفكرة تخطر في بالك بين الحين والآخر، وإنَّ مجرد التفكير بالأمر يرعبك.

وضعك النفسي مزرٍ للغاية:

الاكتئاب اضطراب يؤثر في العمليات الحيوية في جسم الإنسان، ويتحكم بأفكاره، وحالته المزاجية، وأفعاله، وحياته بأكملها؛ لكنَّك ما زلت تحتمل المعاناة والألم، وهو أمر يتطلب كثيراً من المجهود وقدرة التحمل، فقد أصبح الاكتئاب يهدد حياتك واستمراريتك، فهل يمكنك أن تستخدم هذا المجهود وهذه القدرة لمراقبة اكتئابك وتسمح له بإرشادك لتدرك التغييرات التي يجب أن تجريها في حياتك؟

عليك أن تخصص أسبوعاً كاملاً للعمل على الموضوع، وتعامل اكتئابك بتعاطف في أثناء ذلك، وتتطلب هذه العملية بعض المجهود؛ لهذا السبب يجب أن تتخذ خطوات صغيرة تدريجية، ويجب أن تخصص فترة زمنية محددة نحو 17 دقيقة يومياً كحدٍّ أقصى لتحسين عافيتك الجسدية، والنفسية، والروحية، وستخصص الوقت المتبقي لملاحظة علاقتك مع الاكتئاب، قد لا تتغير حياتك في غضون أسبوع؛ لكنَّك يمكن أن تتخذ إجراءات مبدئية صغيرة لبدء العملية.

معاملة الاكتئاب:

لن يكون اتخاذ هذا القرار هيناً؛ بل إنَّه الخطوة الأصعب في رحلة التعافي، ربَّما اتخذته من قبل؛ لكنَّه لم يفلح معك، أو أنَّك وضعت خططاً واعدة وإجراءات وتدبيرات لتحقيق التنمية الذاتية التي تطمح إليها؛ لكنَّك فشلت لأنَّ تطبيق هذه الإجراءات على أرض الواقع كان أصعب ممَّا ظننت، أو ربما قد اتخذت قرارك بأن تصبح قوياً، ومنضبطاً، وسعيداً، وتستمر على هذه الحال إلى الأبد؛ لكنَّك سرعان ما عدت إلى سابق عهدك، لقد كان قراراً صائباً، ولكن كان ينقصه بعض العوامل المساعدة على ضمان استمرارية نجاحه، ولا بأس في ذلك، ولكن عليك أن تأخذ الأمور بروية هذه المرة، وتتخذ خطوات صغيرة تدريجية وتضع أهدافاً بسيطة.

التركيز على الاكتئاب:

إياك أن تتجنب اكتئابك أو تتجاهله؛ بل حاول أن تتعرف إليه بكل ما أوتيت من فضول، فيجب أن تحدد الآلام الجسدية المصاحبة لنوبات الاكتئاب التي تتعرض لها؛ فقد يعاني بعض الأشخاص الصداع، ويشتكي آخرون من تشنج الكتفين، أو اضطرابات المعدة، وتقتضي الخطوة التالية أن توجِّهَ وعيك نحو ما يجري داخل جسدك، كما قد تكون الأعراض الجسدية المصاحبة للاكتئاب نوبات قلق مشابهة للتأثيرات التي تُحدِثها الجرعات الزائدة من الكافيين، من الهام تحديد شدة الأعراض أيضاً وطبيعتها.

تقتضي الخطوة التالية معرفة الأسباب أو الظروف التي تثير مشاعر الاكتئاب لديك، سواء أكانت أحداثاً معينة، أم أشخاصاً، أم ربَّما صوت الناقد الداخلي.

يجب أن تنتبه لحوارك الداخلي، وتلاحظ كيف يسهم في تكوين مشاعرك، وكيف تتحكم مشاعرك بدورها في حالتك المزاجية، وكيف تؤثر الأخيرة في قراراتك وأفعالك، كما من الهام أن تراقب حالتك النفسية في أثناء تأدية واجباتك اليومية وتدرك كافة جوانب اكتئابك، كما سيتسنى لك أن تفصل اضطراب الاكتئاب عن شخصيتك، وتُعِدُّه كياناً منفصلاً دخيلاً إلى حياتك ولا يمثلك عندما تكون قادراً على وصف حالة الاكتئاب بدقة، بما فيها من مشاعر، ومسببات، وبواعث، وأعراض جسدية ونفسية.

يمكنك أن تكتب هذه التفاصيل، أو تسجلها في هاتفك المحمول، أو ترسمها إذا أردت؛ أي يجب عليك أن توضِّح تفاصيل علاقتك مع الاكتئاب من خلال التفكير بها على أقل تقدير.

شاهد بالفيديو: 6 طرق تساعدك في التغلب ذاتياً على الاكتئاب

4 خطوات لمحاربة الاكتئاب:

أولاً: العمل على تحسين الصحة الجسدية (7-10 دقائق يومياً كحد أقصى)

يرهق الاكتئاب جسم الإنسان، ويحرمه صحته، وقدرته على المحاكمة العقلية، وفيما يأتي بعض الأفكار لتعزيز الصحة الجسدية:

1. الحصول على قدر كافٍ من النوم:

يحتاج الفرد البالغ وسطياً إلى 7-8 ساعات نوم متواصلة يومياً، وتُعَدُّ قلة النوم من العوامل الرئيسة المسببة للاكتئاب.

2. تحديد مواعيد الوجبات:

تقتضي هذه الخطوة تحديد مواعيد تناول الطعام خلال الأسبوع، مع الحرص على تناول 3 وجبات يومياً، فحاول أن تأكل أصنافاً صحية قدر الإمكان، تدريجياً ووفق خطوات منتظمة دون أن تبالغ أو تضغط على نفسك.

3. تحديد مواعيد التمرينات الرياضية اليومية:

يكفي أن تمارس التمرينات الرياضية لمدة 7-10 دقائق في اليوم بدايةً، ولا داعي لأن ترهق نفسك؛ فالموضوع يتم تدريجياً من خلال خطوات صغيرة كما ذُكِر آنفاً.

4. تطبيق العلاجات الجسدية:

حاول أن تحصل على جلسة علاجية في بداية الأسبوع؛ ولتكن جلسة تدليك، أو وخز بالإبر، أو معالجة يدوية، وغيرها من التقنيات، فتساعدك هذه الخطوة على تهيئة جسدك للتعافي بالطريقة نفسها التي تُجري فيها صيانة السيارة قبل الذهاب في رحلة.

إقرأ أيضاً: التطور ودوره في نجاح العلاج النفسي في معالجة الاكتئاب

ثانياً: العمل على تحسين الصحة النفسية (3-7 دقائق يومياً كحد أقصى)

حبذا لو تساعد عقلك على الاسترخاء لبضعة دقائق يومياً على الأقل؛ فبهذه الطريقة سيتسنى لك أن تلاحظ أفكارك، وتحدد المشاعر التي تحتاج إليها في حياتك.

عليك أن تقوم بجلسات منتظمة يومياً مع زيادة المدة بالتدريج حتى لا تضغط على نفسك في البداية، فتساعدك هذه الجلسات على تعزيز ثقتك بنفسك وتصفية عقلك، ولن يكون التوقف عن التفكير لمدة دقيقة واحدة يومياً ضرباً من المستحيل؛ بل إنَّه ممكن ومفيد جداً، وعندما تواجه مشكلة الإفراط في التفكير لاحقاً يمكنك أن تتنفس بعمق، وتستعيد شعور الصفاء العقلي الذي تدرَّبت عليه، وإنَّك ستشعر بالراحة والسكينة على الفور.

ثالثاً: حاول أن تلتزم تمرين التأمل الآتي لمدة 3-7 دقائق

  1. اضبط هاتفك الجوال على وضع الطيران، وعيِّن منبهاً بعد 3-7 دقائق، ويجب أن تكون نغمة التنبيه هادئة قدر الإمكان.
  2. أغمِض عينيك واستمع إلى أنفاسك، ولاحظ وضعية جلوسك والمشاعر المتولدة في جسدك، وتخيل أنَّك تطرد التوتر من جسدك مع كل زفير.
  3. أَنهِ جلسة التأمل حالما يرن المنبه، وامدح نفسك على الجهد الذي بذلته.

لا تقلق عندما تتشتت أفكارك في أثناء ممارسة التأمل؛ فهو يحدث لجميع الممارسين، وفي مثل هذه الحالة يكفي أن تعيد تركيزك إلى عملية التنفس من جديد.

حاول أن تستمتع بمشاعر الصفاء والسكينة وتتنفس بعمق، وتستفيد من هذه الدقائق القليلة في الاسترخاء في زحمة يومك والتزاماتك.

شاهد بالفديو: 6 إرشادات هامة لتحسين الحالة المزاجية

رابعاً: الاهتمام بالجانب الروحي 

إنّ الوقت المخصص لهذه الخطوة عائد إلى رغبتك الشخصية، ويؤدي الاهتمام بالجانب الروحي إلى تحسين مزاجك، كما أنَّه يؤثر في أفكارك والأعراض الجسدية التي تنتابك، وفيما يأتي بعض الطرائق المستخدمة في تحسين الحالة الروحانية:

1. التواصل مع الطبيعة:

تتداوى الروح بجمال الطبيعة وبداعتها؛ فالطبيعة تعجُّ بالحياة، وتثبت للإنسان أنَّ الحياة تستمر إلى الأبد ولا تتوقف على الإطلاق، وتوحي له بأنَّ التغيير يجري على قدم وساق، أمَّا في حال كنت تعيش في المدينة عندئذٍ يمكنك أن تخصص بضع دقائق في أثناء تنقلاتك اليومية للنظر من حولك، ومراقبة السحب السابحة فوقك، والنباتات والأشجار في محيطك، فتطلق النباتات غاز الأوكسجين المسؤول عن تنشيط الدورة الدموية في الدماغ، والإسهام في علاج الاكتئاب، ويجب التذكير مجدداً بضرورة تحديد موعد للقيام بهذه الخطوة بصورة يومية هذا الأسبوع، كما يمكنك أن تمارس التمرينات الرياضية في الطبيعة مثلاً.

2. تخصيص بعض الوقت للمرح:

شارك بنشاط ممتع واحد على الأقل يومياً، قد يكون النشاط بكل بساطة تناول المثلجات مثلاً، محاولاً الاستمتاع والتلذذ بمذاقها على نحو كامل، أو يمكنك أن تحاول إسعاد أحدهم دون أن تكشف عن هويتك؛ كأن تضع زهرة على مكتب زميلك، أو تترك إكرامية كبيرة عند شراء فنجان القهوة، أنت تقوم بهذه البادرات الطيبة دون أن تلقي بالاً لرد فعل الطرف المقابل؛ بل إنَّك تريد أن تلاحظ مشاعر الرضى الناجمة عن إسعاد الآخرين وحسب.

جدول العمل بعد انتهاء الأسبوع:

عليك أن تكون راضياً عن الإنجازات التي حقَّقتها خلال الأسبوع، وتكون صبوراً ورحيماً مع نفسك في حال لم تستطع التزام ما ذُكِر آنفاً التزاماً كاملاً، ثم ناقش الأسئلة الآتية:

كيف تصف علاقتك مع الاكتئاب؟ متى شعرت بزيادة شدة أعراض الاكتئاب؟ ما هي الجوانب التي يمكن أن تغيرها في هذه العلاقة لتخفف من الأعراض؟ ما هي الأشياء التي تود إضافتها إلى حياتك، والأخرى التي تود تقليلها أو استبعادها؟ كيف تعتزم مواصلة الاهتمام بصحتك الجسدية، والنفسية، والروحية؟ هل تحتاج إلى بعض المساعدة والدعم؟

تساعدك هذه الأسئلة على إجراء التغييرات التي تسهم في تخفيف شدة الأعراض المصاحبة للاكتئاب.

إقرأ أيضاً: كيف تتجنب الاكتئاب الناتج عن العمل؟

في الختام:

تبدأ التغييرات الجذرية بخطوات صغيرة، أنت إنسان مرهف الأحاسيس، وصاحب حدس ثاقب، ومتبصر، وإنَّ معاناتك الاكتئاب تدل على فهمك العميق لأبعاد الطبيعة الإنسانية؛ لهذا السبب يجب أن تكون لطيفاً في معاملة نفسك، وتضع في حسبانك أنَّ حياتك ستتحسن بمجرد أن تضع حداً لتأثيرات الاكتئاب فيك.




مقالات مرتبطة